|
|
نظرة إلى عالم اليوم (1)
عبدالحميد برتو
باحث
(Abdul Hamid Barto)
الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 22:07
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
مؤشرات و إشارات عامة شهد العالم خلال العقود الأربعة الأخيرة (1985 ـ 2025 م.) تحولات و تطورات عاصفة كثيرة، كبيرة وهامة. تَمثلت بالثورة الرقمية ومنجزات عالم الذكاء الإصطناعي، وسائل الإتصال السريعة، تأثيرات القوة العسكرية و الناعمة، وغير ذلك من الإبتكارات العلمية، التقنية والثقافية. وجدت كل تلك التطورات والتغيرات أصداءً وتطوراتٍ وإنعكاسات لها في الحياة السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية. قبل كل ذلك بعد نهاية الحرب العالمية (1939 ـ 1945) سيطرت القوى الكبرى على كل مصادر القوة، بما فيها القوة العسكرية الساحقة والإنتاج الصناعي الواسع. كان لكل ذلك إنعكاسات على نوع وطبيعة وتطورات العلاقات الدولية، سواءً على النطاق الدولي أو الإقليمي وفي كل بلد على حدة. ساد العالم إنقسام أساسي عُرّف بالثنائية القطبية (مجموعة دول المنظومة الاشتراكية في شرق العالم والرأسمالية في غربه). وهنالك مؤشرات أخرى لو تَوغلنا أبعد في عمق التاريخ.
تتحكم القوى الكبرى اليوم بمصير كوكبنا كله. لكنها في كل الأحوال، لا تصل درجة سيطرتها، إلى حد أو حالة إغلاق كل المنافذ أمام خيارات و عزم الشعوب. كما لا ينبغي تجاهل أهمية ما تنطوي عليه، نظرية أو فلسفة كل طرف أو معسكر أو بلد، و كذلك قيم و معايير الخطوط الرئيسية لسلوكه السياسي وأخلاقياته العامة، و نظرته إلى حقوق الشعوب والأمم الأخرى في تقرير مصيرها و أساليب بناء ذاتها. ومن جانب آخر ينبغي الأخذ بنظر الإعتبار عمق الحساسية الإجتماعية بكل مجتمع في ذاته، خاصة بصدد توزيع الخيرات المادية بداخله، وبين طبقاته وفئاته الإجتماعية.
فتحت فترة الثنائية القطبية مجالات واسعة نسبيًا، أمام حركات التحرر الوطني في الدول المتخلفة، لنيل إستقلالها وبناء مقدمات أولية لنهضتها، في مختلف مجالات الحياة العامة، ذلك تم من خلال الدعم والمساندة، التي تقدمها لهم مجموعة دول المنظومة الاشتراكية السابقة، خاصة الاتحاد السوفيتي السابق. ومن الجانب الآخر، احتكر و قيد الغرب في تلك الفترة الوسائل الأكثر تطورًا، و مصادر القوة المتنوعة، والحد من بناء صناعة وزراعة وطنيتين ونظام تعليمي وصحي يخدم النمو الإجتماعي في مستعمراته. حصر كل الجوانب الحيوية بالقدر، الذي يستجيب لمصالحه في مستعمراته. ناهيك من الوسائل الرقمية والتقنية والفنية. ومن المعروف أن تلك الوسائل تتطلب عمليات بنائها إستثمارات هائلة لا تملكها الحالات الثورية الشعبية أو الدول الصغيرة والضعيفة. على الرغم من كل ذلك، ظلت هنالك بعض المسامات ما يُمكن لقوى التغيّر الإنسانية أن تنفذ منها، وكذلك الحال لأي إنسان فرد يسعى للمساهمة في بناء عالم أكثر توازنًا. يمكن القول: لم يَعد تأثير تلك التطورات والمنجزات، بأيدي القوى العظمى الغربية بالمطلق.
لا ينكر أحدٌ بأن العالم بدأ يتغيّر عشية إنهيار وهدم جدار برلين. بدأت مؤشرات أولية تلوح في الأفق الدولي، لمرحلة إنتهاء الثنائية القطبية، وذلك لحظة سقوط الجدار، في يوم 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989. تتابعت التطورات الهامة على الصعيد العالمي لاحقًا، خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وقبل ذلك منظومة الدول الاشتراكية في شرق اوروبا. لتظهر الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى وحيدة (عالم أحادي القطب). لكن العالم بعد 11 عامًا بدأت تظهر فيه من جديد تحالفات جديدة، تقدم مؤشرات على بدءِ أفول عالم القطبية الواحدة، على الرغم من أن تلك التحالفات غير راسخة و متحركة وغير واضحة في بعض الحالات. تتسم تلك التحالفات بالهشاشة والحذر. ولكم من العلائم الإيجابية أن حالات من الترقب تدب في الأوساط العالمية. كما دخلت وسائل جديدة وقديمة بين المتصارعين، خاصة في وسائل الإعلام بكل صنوفها. كل حالة تقف قبالتها في الوقت نفسه ما يُناظرها و على النقيض منها. من جانب آخر، تعمقت التأثيرات المتبادلة بين الإطراف الدولية المختلف صغيرها وكبيرها.
لنتابع مسيرة حركة العلاقات في عالمنا. تراجع دور الإتحاد السوفيتي منذ انتخاب ميخائيل غورباتشوف (1931 - 2022 م.) سكرتيرًا عامًا للحزب الشيوعي السوفيتي في آذار/ مارس 1985 بعد مسيرة سريعة غير معتادة في الحزب، إذ نال عضوية المكتب السياسي عام 1979. وُصف حينها بأنه أصغر عضو ينال هذا الدور في تاريخ الحزب. تولى غورباتشوف قيادة الحزب حتى عام 1991. كما شغل منصب رئيس الدولة في الاتحاد السوفيتي السابق بين عامي 1990 و1991. هذا العام شهد تفكك الاتحاد السوفيتي نفسه.
دعا غورباتشوف في بداية مشروعه الفكري والسياسي، إلى إعادة البناء "البريسترويكا"، لتحقيق نقلة كبيرة في الحياة السوفيتية. بينما عمليات التطور الطبيعي تسير في حركة متواصلة إلى أمام أو إلى أعلى، تحمل مراتب أكثر تقدمًا وعمقًا، فالنقلة السوفياتية كانت تجري تحت تلميحات بالفشل بمعنى ما، خاصة في حالاتها الأكثر سلبية، و تمثل إنقطاعًا في التواصل التاريخي. كما إتبع سياسة عُرّفت بـ"الغلاسنوست" التي تعني "الشفافية"، هي بدورها تختلف عن روحية ممارسة النقد والنقد الذاتي الحيوية والجادة. إدعى بأن هدف البريسترويكا تحديث النظام وإنهاء حالة الركود في الإقتصاد. لكن تلك السياسة أدت إلى تفكك الاتحاد السوفيتي. إن تفحص الركيزتين أو المصطلحين إعادة البناء و الشفافية قد تشي بالكثير، وضمناً تحمل إتهامات مريرة و رغبة بالإنفصام.
يُعد السماح بسقوط جدار برلين في الواقع حدثًا محوريًا في تاريخ العالم، حيث تم فورًا فتح الحدود بين طرفي برلين الشرقي والغربي، ليمهد الطريق لاحقًا صوب توحيد ألمانيا. الوحدة حق مشروع للشعب الألماني، إذا كانت بإختيار الطرفين. وليس إلتحاق طرف بآخر. والأهم أنه فتح الباب أمام إنتقالات أخرى كانت محرمة. تجسدت تلك المحرمات في التدخل السوفيتي عام 1956 في المجر، وفي تشيكوسلوفاكيا السابقة عام 1968. لقد ترك إنهيار جدار برلين تأثيرات كبيرة سياسية واستراتيجية وحتى نفسية. شُيد جدار برلين منذ عام 1961 ليفصل بين برلين الشرقية والغربية وبين الإشتراكية والرأسمالية عامة. برزت أهمية هدم الجدار كحدث بالغ الأهمية، بعد توالي الإنهيارات في بقية الدول الإشتراكية في شرق أوروبا. كانت الخاتمة بتفكك الإتحاد السوفيتي نفسه. أغلق هنا باب الحرب الباردة التي فرضها الغرب نفسه، وبدأت عمليات الإتجاه غربًا. إن وقائع التطورات اللاحقة ستقدم الحكم كاملًا على تلك الأحداث. وسيجري التوقف عندها لاحقًا. فالمهم في كل حدث تاريخي أخذ العبرة منه، من خلال تحليله بروح النقد العلمي لإستخلاص حصيلة مثمرة منه.
تموجت السياسة الخارجية الأمريكية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا. انغمست في مجرياتها اللاحقة بدور كبير ومؤثر. إذ تخلت عن سياستها السابقة، التي اتبعتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى، حيث إنكفأت باتجاه العزلة. أقدمت واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية على تولّي زمام القيادة الغربية، بمساعدة شركائها الأوروبيين. عملت على إعادة البناء والعمل على ضمان النظام الدولي، الذي أنشأته بالتعاون مع حلفائها. ثم عمقت سلوك الإتجاه غربًا عالميًا بعد نهاية الحرب الباردة. حققت تلك السياسة نجاحًا واضحة في أوروبا. دام نهج المشاركة إلى حين تفكك الإتحاد السوفيتي السابق. بعد ذلك بفترة وجيزة، تصرفت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة. حَلَّ في العالم ما يعرف بسلوك أو وضع القطب الواحد. وعلى خلاف ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى، إندفعت واشنطن صوب سلوك الهيمنة المطلقة وشن الحروب المكلفة.
عاشت الولايات المتحدة الأمريكية حروبًا طاحنة خلال كل تاريخها. بعض تلك الحروب كانت داخلية والغالبية العظمى كانت خارجية. إختلفت تلك الحروب في درجة دمويتها، وكذلك في المدة التي إستغرقتها. تراوحت بين بضع أيام إلى بعض سنوات وحتى عقود. ندرج بعض من تلك الحروب على سبيل المثال: حرب فيتنام 1955 ـ 1975، الحرب في أفغانستان 2001 ـ 2021، حرب الخليج الثانية 1990 ـ 1991، حرب غزو العراق 2003 ـ 2011 (التدخل المباشر)، حرب التدخل في كوسوفو 1999 استمرت 79 يومًا، الغزو الأمريكي لبنما 1989 إستمر 42 يومًا، أزمة صواريخ كوبا 1962 استمرت 12 يومًا، غزو غرينادا 1983 استمر 4 أيام، غزو خليج الخنازير 1961 استمر ثلاثة أيام.
كسبت الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أصدقاءَ كثيرين حول العالم. لكن هذا الرأسمال المُكتسب جاء بتكلفة باهظة، و قد بدأ يتبدد في العقود اللاحقة. بعد تفكك الإتحاد السوفيتي، إذ لم تَعد سياسة واشنطن مع حلفائها واضحة تمامًا. فشلت حكوماتها المتعاقبة في إنتاج إجماع داخلي، حتى في الشؤون الداخلية الرئيسية، ناهيك عن مجالات التعامل مع الدول والقوى الأخرى. كما زادت حاجتها الآن إلى خلق عدو خارجي، مثلًا: الصين، روسيا أو غيرهما. بل إمتدت تلك المخاوف، الحقيقية منها و الوهمية، حتى إلى المهاجرين العزّل داخلها و على حدودها.
لقد تفوقت واشنطن في مواجهتها السابقة مع موسكو، ليس بنصر عسكري كبير، بل بقوة التحالفات الخارجية مع الدول الإستعمارية الأخرى، والأكثر تطورًا ومواردًا في العالم، إلى جانب الإعلام المرن والواسع والمبرمج بعناية فائقة، الإستعراضات المبهرة، النشاطات السرية المبرمجة وأسلوب تجارتها مع الدول الأخرى. بينما عانى الاتحاد السوفياتي من تدهور اقتصادي من صنع يديه، ونتيجة لسلوك وممارسات قياداته وجمودها الفكري وفقدانها لروح الإبداع الثوري المتواصل، وهذا شمل حتى في بعض جوانب تحالفاته الخارجية.
بدأت واشنطن الآن تعاني من بعض مظاهر التوقف، التي تشبه ما حلّ بموسكو في السنوات الأخيرة من السلطة السوفيتية. أثارت النوايا المعلنة للولايات المتحدة خصومات كثيرة. مثل التلّويح بالاستيلاء على بعض أراضي جيرانها. وقد سبق تلك التلميحات غزوها لأفغانستان والعراق. تواجه الولايات المتحدة سلسلة مترابطة من مظاهر الفوضى و الانفجارات الإجتماعية و الترحيل الجماعي (هنالك تقديرات تشير إلى أنها تشمل ربما قرابة عشرين مليون إنسان) طال ويطال الترحيل لحد الآن الكثير من مهاجرين، الذين يملكون مبررات مشروعة للبقاء، وفق التقاليد والمعايير المعترف بها دولياً. هذا السلوك خلق احتجاجات شعبية على واقع التمييز والحرمان والعنصرية.
انتقدت الولاياتُ المتحدة مؤخرًا بشدة العَديدَ من "الديمقراطيات" الصديقة لها. وفرضت رسومًا جمركية على شركائها التجاريين، كما إتخذ إجراءات تُضعف النمو الاقتصادي العالمي. وعملت على شل المؤسسات الدولية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة ومجلس أمنها. كما لوحت برغبتها في ضم كندا كولاية داخل حدودها. وأعلنت الرغبة بالاستيلاء على غرينلاند الدنماركية، والتفكر باستعادة قناة بنما. هذه التصرفات والتصريحات من شأنها أن تثير المخاوف عند الأطراف المعنية، وتذهب إلى أبعد منها. وأن تلحق بعض الضرر بالتحالفات الغربية، أو على الأقل تثير الشكوك في داخلها على المدى الطويل. وربما تضر بصورة الولايات المتحدة لدى حلفائها.
قد يُشكّل شركاؤها السابقون تحالفات جديدة بدونها. إذ يلاحظ المراقبون قلقًا كبيرًا في أوروبا من بعض حالات محاولة تجاهلهم. خاصة حول مستقبل الحالة الأوكرانية. قد يستغرق هذا التحول وقتًا طويلًا ليظهر للعلن، لكن إن حدث، فستكون التغييرات دائمة. سيزداد الأوروبيون قوةً معًا حين يعتمدون على أنفسهم بشكل دائم، تاركين الولايات المتحدة أضعف وأكثر عزلة. وفي أسوأ السيناريوهات، قد تصبح واشنطن خصمًا رئيسيًّا مشتركًا للصين وكوريا الشمالية وروسيا، دون أن يبقى لها حلفاء لمساعدتها. و في الوقت نفسه، قد تسعى الصين، كوريا الشمالية و روسيا وغيرها، إلى تقويض النظام الدولي القائم. إن العديد من قادة بعض الدول يعتبرون المجتمعات الأكثر ليبرالية تهديدًا وجوديًّا لحكمهم و تصوراتهم الأمنية الوطنية. كما إن فكرة عالم متعدد الأقطاب بدأت تستهوي أعدادًا متزايدة من الدول عبر منطلقات وأسباب مختلفة.
لم يظهر الإعتراض على السياسات الأمريكية في خارجها فقط، بل إمتد إلى عقر دارها. ومن الأمثلة الكثيرة ذات الدلالات العميقة والملموسة. تُذكر مشاركة ملايين الأمريكيين فى يوم 15 حزيران/ يونيو 2025 بمظاهرات ضد الرئيس ترامب، تحت شعار "لا للملوك" الذي يحمل الكثير من الدلالات السياسية والاجتماعية. هتف المشاركون في تلك الفعالية الواسعة، بشعارات مناهضة للاستبداد وداعية لحماية الديمقراطية وحقوق المهاجرين. ارتفع في المسيرات قرع الطبول إلى جانب الأعلام المقلوبة تعبيرًا عن الإحتجاج.
شارك نحو 7 ملايين أمريكي في تلك المظاهرات، التي إنطلقت في جميع أنحاء الولايات المتحدة. و هي من أكبر المسيرات بالتاريخ الحديث، تقام في يوم واحد، للتعبير عن معارضة سياسة رئيس مازال في السلطة. إنطلق ملايين المتظاهرين إلى الاحتجاجات، في أكثر من 2500 مدينة وبلدة في جميع الولايات الأمريكية الخمسين، انضمت إليها عدة مدن عالمية، للتصدي لما وصفه المنظمون بـ"استيلاء ترامب الاستبدادي على السلطة". أشاروا إلى أن بلدهم الولايات المتحدة، قد تحول الى دولة وحيدة ومنبوذة بل وضعيفة.
وقف المتظاهرون ضد استعراض ترامب العسكري، الذي جرى قبل يوم واحد من تظاهرات "لا للملوك" في 14 حزيران/ يونيو 2025. إذ احتفل فيه ترامب بعيد ميلاد الجيش الأمريكي الـ250 في العاصمة واشنطن. تزامن الإحتفال العسكري الضخم مع مناسبة عيد ميلاد ترامب الـتاسعة والسبعين. شملت التظاهرات والاحتجاجات كل الولايات الأمريكية، من ولاية ألاسكا النائية إلى ولاية جزيرة هاواي. ومن شعاراتهم: لا نريد "عروشًا ولا تيجان ولا ملوك" في الولايات المتحدة الأمريكية.
كما يرى المعارضون بأن سياسة ترامب تشكل تهديدًا لركائز الديمقراطية .من جانب آخر ينظر أنصار ترامب إلى الرئيس ترامب، بأنه رئيس قوي، سيجعل أمريكا "عظمى كما كانت" أكثر كفاءة وأقل إنفاقًا. يحاول أنصار ترامب إحياء ذكرى جميع النزاعات العسكرية الكبرى في تاريخ البلاد، من مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال إلى الحربين العالميتين وحرب فيتنام وغيرها. تعود وزارة الدفاع الأمريكية، لتأخذ من جديد أسمها السابق ـ وزارة الحرب. تم في الإستعراض العسكري الضخم، تمثيل كل حرب من تلك الحروب السابقة، بجنود يرتدون أزياء تلك الفترة، يليهم مئات الجنود، من نفس الوحدة بزيهم العسكري الحديث. وتم تسير مجموعة متنوعة من العربات العسكرية المختلفة. كما حلقت طائرات مقاتلة ومروحيات عسكرية من مختلف الفترات التاريخية أيضًا.
أقيم آخر استعراض عسكري من هذا النوع يوم 8 حزيران/ يونيو 1991 خلال فترة رئاسة جورج بوش الأب، بمناسبة تدخل التحالف الدولي الذي قادته واشنطن في حرب الخليج ضد الجيش العراقي. لم تكن رغبة ترامب باقامة مثل هذا الإحتفال والإستعراض العسكري هي الأولى. فقد سبق خلال فترة رئاسته الأولى من 2017 ـ 2021. أن خطط لمثل هذا الإحتفال، لكن تم إحباط مشروعه. إذ رفضته سلطات العاصمة، بسبب تكاليفه الباهظة والأضرار التي يُمكن أن يلحقها بالطرقات، جراء حركة الآليات العسكرية الثقيلة. كما شهدت لوس أنجلوس وغيرها تظاهرات أثارتها سياسة ترامب الصارمة، في مجال الهجرة وطريقة تنفيذ قوانينها الصارمة، التي تقترب من الوحشية، ممثلة بحملات الترحيل القسري واسعة النطاق، وضد الخطوات المتخذة في مجال الجمارك وغيرها.
يظهر العالم اليوم أكثر أضطرابًا من أي وقت مضى. تمارس إسرائيل فيه حرب الإبادة والتطهير العرقي وإنتهاك حرمة وحقوق الإنسان في غزة وكل فلسطين. ولا تبخل بممارسة العدوان السافر وغير المبرر في محيطها الإقليمي. وعلى صعيد أوسع عادت الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة و روسيا، إلى التلويح بالعودة إلى التجارب النووية مجددًا، بديلاً عن شعار النزع الشامل والتام للأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. كما تَلتهب بؤرة توتر خطيرة، تتمثل بالحرب الروسية ـ الأوكرانية. إذ ألقى غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا همومًا كبيرة على الأمن العالمي والأوروبي خاصة. حرب غذتها نزعة الحفاظ على المكانة الدولية لروسيا والنزعة الغربية لتحقيق المزيد من الإهتزازات في وضع وموقف روسيا. إن هذه التناقضات تتفاعل، ولكن ليس لمصحة الأمن والإستقرار الدوليين والتقدم والرفاهية.
تتزامن الهواجس الأقليمية مع هواجس التوترات بين القوى الكبرى. هذه التوترات في الوقت نفسه ليست بعيدة عن تأثيرات القوى الكبرى نفسها، سواءً كانت مباشرة أو غير مباشرة، أو عبر التلويح أو التلميح أو خلق الدوافع والمبررات. كما تسعى قوى إقليمية إلى قلب النظام العالمي الحالي. مثل الحالة القائمة بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. وبين إيران و بعض الدول العربية. أما اسرائيل فهي القاعدة الأمامية للولايات المتحدة والغرب عامة في البلاد العربية والشرق الأوسط عامة. كما دخلت أدوات حربية بسيطة ولا تحتاج إلى استثمارات كبيرة، ولكنها في الوقت في الوقت نفسه تلعب أدوارًا مهمة في تأجيج الصراعات، مثل الطائرات المُسيرة بدون طيار (الدرون)، التي يمكن التحكم بها عن بعد. يذكر في هذا المجال، أن أوكرانيا نجحت في إغراق سفن روسية في البحر الأسود، بواسطة الطائرات المسيرة الرخيصة، وطالت إحداها جدار الكرملين.
يمكن لسلاح المُسيرات أن يلعب الكثير من الأدوار الهامة في كل الصراعات الملتهبة. وإن وسائل السيطرة عليه مازالت في خطواتها الأولى. ومن الناحية الإقتصادية ليس من المناسب مواجهة سلاح رخيص بمقذوفات مرتفة الثمن. ومما نال الإهتمام بإستخدام المسيرات مقدرتها على اغراق السفن و إغلاق ممرات البحار الضيقة، والتغلب في بعض الأحيان على أجهزة الرادار والمراقبة الأخرى. هذا الأمر لفت إنتباه الصين، التي يحيط بها 13 جارًا بريًا و7 جيران بحريين. ولا تخلو العلاقات معهم أو مع بعضهم من خلافات. ربما تلعب الطائرات المسيرة والطائرات الأخرى دورًا ما، في إغلاق حركة المرور التجارية للصين، بما يجعل الحركة البحرية في محيطها محفوفة بالأخطار. هذا الأمر وأن كان مجرد هاجسًا، يُعد عاملًا إضافيًا إلى جانب الهواجس الأخرى، التي تتعامل معها الصين بمرونة القوي.
وضعت الصين برامج مهمة في هذا الميدان، للحد من مخاطر المسيرات وغيرها. تتبع الصين الى جانب حذرها سياسة مرنة مع خصومها. وما زالت بكين أكثر مرونة من موسكو في علاقاتها الدولية. فالصين تتجنب شَنَّ حروب صريحة. تعتمد حاليًا على استثمارات مؤثرة، وعلى قوة وتأثير قروضها المالية للدول الفقيرة والأقل تطورًا، تحت إطار ما عُرف بمبادرة الحزام والطريق، التي تُربط المستفيدين من قروضها الهائلة معها. كما هنالك إتهامات غربية لها، بأنها تَشنُّ حروبًا إلكترونية، تخترق من خلالها البنية التحتية الحيوية للدول الأخرى وتستحوذ على أسرارها.
يتبع ...
#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)
Abdul_Hamid_Barto#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع الشاعر سمير الصميدعي
-
البحث المتواصل طريق خيرالله سعيد
-
التاريخ حجر الزاوية
-
حين أبحر جمال العتابي
-
رواية -كدمات اليمام- (3 والأخيرة)
-
رواية -كدمات اليمام- (2)
-
رواية -كدمات اليمام- (1)
-
في عالم الذكاء الإصطناعي
-
أوامر ترامب العجولة
-
إهانة التضحية
-
يحيى علوان رحل مسالماً
-
حميد الحريزي يرسم واحةَ الهذيان
-
جولة مع الروائي راسم الحديثي
-
الشاعر والمناضل مخلص خليل
-
حين يَتولى مُنصفون مهماتٍ
-
باب المنفى
-
لحظة مجيدة في نضال الشعب الفلسطيني
-
لماذا يحمل الطلبة الراية الأعلى؟
-
أمينة الرحال بطلة من بلادي
-
الترقب السياسي السلبي
المزيد.....
-
جثثٌ مُجرَّفةٌ ومقابرٌ مجهولة.. تحقيق لـCNN حول مصير الباحثي
...
-
رائد المتني.. ماذا نعرف عن ملابسات وفاة رجل الدين الدرزي في
...
-
ترامب يشتم الجالية الصومالية والنائبة إلهان عمر.. فكيف رد مس
...
-
خطة أوروبية لتمويل أوكرانيا.. والكرملين يتمسّك برفض انضمام ك
...
-
ارتفاع عدد ضحايا فيضانات إندونيسيا إلى 702 مع استمرار عمليات
...
-
من أرشيف الحرب الباردة.. كيف سعت الاستخبارات الأمريكية لتحوي
...
-
إسرائيل تُعلن عقد محادثات مباشرة مع لبنان.. وبيروت تؤكد: ليس
...
-
الجزائر.. تدهور غير مسبوق لحرية الإعلام؟
-
الضفة الغربية : فلسطينيون يعيشون تحت تهديد الهدم وخطر الاستي
...
-
دول في حلف الأطلسي تقدم مساعدة تفوق مليار يورو لتزويد أوكران
...
المزيد.....
-
النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط
/ محمد مراد
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|