أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالحميد برتو - الترقب السياسي السلبي















المزيد.....

الترقب السياسي السلبي


عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)


الحوار المتمدن-العدد: 7537 - 2023 / 3 / 1 - 22:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بات الحديث النظري العام، الذي لا يلامس بجدية، أية قضية أساسية مختلف عليها، والكلام العائم منه بصفة خاصة، طاغياً وموضع إستقطاب أيضاً، عند السياسيين المتنفذين وبعض أوساط المثقفين والإعلاميين العراقيين التابعين. لأنه أسهل من غيره جهداً. كما لا تترتب عليه أثمان تُدفع. يشعر كل هؤلاء بالخيبة على حد السواء، لكن كل من زاويته. عمّق هذه الحالة، الإحساسُ بالأفق المغلق وغياب الحلول. ضربت هذه الحالة أغلبية المواطنين كذلك، بفعل إحساسهم بغياب القوة، التي يُعول عليها لتحقيق التغيير الجذري والحاسم، صوب تحسين أوضاعهم المتردية بإضطراد.

تعاني القوى المتسلطة على الشعب العراقي في الفترة الأخيرة، من حالة رعب مركبة. فالتنافر بين القوى التي سلمتهم السلطة ودعمتهم على إمتداد عقدين (الولايات المتحدة وحلفائها)، وإيران التي جندتهم وقدمت لهم أشكالاً متنوعة من الدعم (وهم ردوا جميلها على حساب الشعب العراقي) قد وصل الى نقطة حرجة بوضوح. هذا التنافر وصل الى درجة ضيقت هامش المناورة على الأطراف الحاكمة في العراق الى درجة، خلقت عندهم إحساساً، بأنهم قاب قوسين من حالة عدم القدرة على الإستمرار في الحكم. خاصة وإن عودة العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية الى مجراها الطبيعي، يتطلب تنازلات حادة من أحد طرفي المعادلة. تبدو المعادلة في الظرف الملموس صعبة للغاية.

هذه الأجواء دفعتهم للعودة الى أساليبهم القديمة، التي اعتمدوها قبل وعشية وبعد إحتلال عام 2003 للعراق. ومن أبرز إتجاهات تلك أساليب: إذكاء نيران الطائفية والتعصب بكل أنواعه. إشاعة أجواء الإرهاب والقتل على الهوية. ولكنهم في هذا الميدان الآن يقعون بخطأ إستراتيجي. إذ يتجاهلون عن قصد أو عدمه التطورات، التي حصلت بين عامي 2003 ـ 2023. فالتغيير الحاسم الذي لا يمكن تجاهله، هو ما أظهرته إنتفاضة تشرين 2019 وما أعقبها. حيث قالت الغالبية العظمى من أبناء الشعب: لا للطائفية. وإن التخادم الأمريكي ـ الإيراني يعاني من حالة إضطراب شديدة. كما إن الناس جربت زيف الإنتخابات والوعود بالإمتيازات. وتعرَّف الشعب على حقائق نهب المال العام، من قبل أفراد وزمر معروفة للقاصي والدني. كما إن شراهة النهب والتدمير، وصلت الى حدود غير مسبوقة. وباتت تثير التحاسد بين اللصوص أنفسهم، وتخلق عداوات خطيرة وشرسة بينهم.

نجحت الولايات المتحدة الأمريكية، في تعميق حالة فقدان البوصلة والترقب السلبي واليأس عند قطاعات واسعة من العراقيين، وربما في العالم أجمع، بعد تفكك التجربة الإشتراكية في شرق أوروبا. تم ذلك بمهارة، عبر علمائها المتخصصين في العلوم الإنسانية والتابعين لجهات القرار فيها. الذين إستندوا على ركيزتين أساسيتين: تبشيع مسألة تبني عقيدة فكرية عامة ـ أيديولوجيا. وتمت التغطية على حقيقة، أن نفي الأيديولوجيا هي أيديولوجيا جديدة، لكنها أكثر تعصباً وحيلة وقصدية. والركيزة الثانية إيهام الناس بمشرعية النضال السلمي فقط، وتسفيه كل أساليب النضال الأخرى. هذه الحالة الأخيرة، قد تستطيبها حتى بعض القوى الوطنية المنظمة أيضاً. كما لعب إيران دوراَ مشؤوماً في محاولات تعميم ممارسة الخرافة الشكلية، وتجنيد الميليشيات، وإعاقة النمو الإقتصادي العراقي، بما يُقدم من خدمات إقتصادية كبيرة لها تحديداً.

نعم التظاهرات الجماهيرية سلاح شديدة الأهمية، بيد كل شعب مغلوب على أمره، أو شعب متقدم يسعى لتعميق الجانب الإنساني في حياة الإجتماعية. ليس الغرب وحده يعرف، بأن شحنات التظاهرات تمثل طاقة عظيمة، ولكنها في الوقت ذاته طاقة قابلة للتسرب. ومن أسباب التسرب، هو أن مرور الوقت يساعد في خطف الأضواء والإهتمام عن الأفعال الجماهيرية. ومع مرور الوقت، يتسع نطاق الشعور باللاجدوى في محيط التظاهرات نفسها. ويبقى العامل الأخطر هو سعة الوقت أمام السلطات لتخطيط وتنفيذ أعمال التصفية ضد المتظاهرين، بما فيها الجسدية لأشجع المتظاهرين وأكثرهم إقداماً. وتبقى القوى الإجرامية تمارس أدوارها المشينة بأعلى درجات الإطمئنان.

لو راقب أو درس الإنسان العادي، وليس المتخصص فقط، كل التظاهرات السلمية الوحيدة الجانب، التي وقعت في كل الدول وعبر التاريخ. وإكتفت بإطلاق شعارات مشروعة و"سلمية سلمية". لكنها خلت من تدابير عملية أخرى مرافقة ولاحقة، مرسومة بعناية ودقة ودون أوهام. وتصب في مجرى تحقيق الأهداف المطروحة. كان مصير تلك التظاهرات الفشل وتعميق الإحباط. لكنها في الوقت نفسه أخذت مسارها ومصيرها، بأن تُسجل في رصيد الأمجاد، ومن دروس الماضي الإيجابية حسب. ولكن إذا تم دعم التظاهرات السلمية بأساليب نضالية مشروعة أخرى الى جانبها، فقد حققت الظفر. ينبغي عدم تجاهل القيمة التراكمية للتظاهرات من الناحية التاريخية. لندرس بعناية تجربة شعبنا في وثبة كانون 1948 وإنتفاضة الجسر 1952، وتجربة إنتفاضة تشرين. وفي المحيط الإقليمي إنتفاضات الشعوب الإيرانية الحالية والمتكررة. وكذلك تجارب إنتفاضات الربيع العربي.

لنقف لحظة عند الحالة السائدة اليوم في العراق. بعد إنسحاب التيار الصدري وإنفتاح الطريق أمام الجماعات الموالية لإيران، لتشكيل حكومة السوداني، التي تسعى لإرضاء طهران، ولا تريد في الوقت نفسه إغضاب واشنطن. فقد باتت حالة الترقب والذهول تصيب دائرة واسعة من المجتمع والقوى السياسية المتسلطة جمعاء. يكون التعبير عما يجول في النفوس إتجاه الأوضاع السياسية والإقتصادية وحتى الأمنية بالصمت، أو ترديد كلمات أو عبارات لا معنى لها، هي أقرب الى الصمت نفسه أو أسوأ منه. تأخذ كلمة "لنرى" مساحة واسعة في ردود الأفعال، على تطورات الأحداث السياسية.

غياب اليقين بكل درجاته، يمد حالة الترقب بشيء من المشروعية، حتى ولو يعرف متخذ هذا الموقف، في بعض الحالات، بأنه ليس على صواب وإن مشروعيته زائفة. تغذي بعض حالات الترقب القناعة عند البعض بإستحالة إستمرار الوضع السياسي القائم على حاله. ولكن يغيب التصور الملموس، الذي يتعلق بأدوات التغيير، نوعيته، مكانه ووقته.

إنه نوع من الشلل الإجتماعي المؤقت. من أخطر أنواع ذلك الشلل الذي يصيب النقيضين الحاكم والمحكوم. المحكوم يترقب، والحاكم لا يتخذ أية خطوات تحميه أو تلغيه. فيما خلا الحركة الروتينية لجهار الحكومة. يرافق ذلك بعض الإجراءات والتصريحات التي لا تمس جوهر الأزمة القائمة. تسود هذه الحالة عند بعض التغييرات في طاقم الإدارة. مثل عملية تنصب محمد شياع السوداني كرئيس للحكوكة العراقية.

إن الترقب أحد أشكال التعبير عن العجز. فكل أدوات التغيير القائمة أختبرها الناس من خلال التجارب العملية. فالانتخابات البرلمانية لعبه هشه. يتحكم فيها المال السياسي المسروق أصلاً، نفوذ الميليشيات المسلحة، الإعلام الموجه والخرافات "المقدسة".

يذكي حالة الترقب غياب السند الدولي الموثوق به. حيث ما زال المجتمع لم يخرج من واقع وتصورات عالمنا ثنائي القطبية: المنظومة الإشتراكية الدولية والغرب. كان هناك شبه مشروعية فكرية، تبرر الإنحياز هنا أو هناك. مما يخلق سنداً يمكن إستثماره إيجابياً، بالنسبة للأطراف المحلية المعنية. وصل الإهتمام بالوضع الدولي الى حد وصفه بأنه بات شأناً داخلياً. عالم اليوم يسبح على مخاطر غير مسبقة، خاصة بعد الحرب الروسية ـ الأوكرانية. وهي بمعنى ما حرب الناتو ـ روسيا. يمكن القول لحد ما حرب على طريق خلق عالم متعدد الأقطاب. بعد تنامي دور الصين والإستياء المكبوت أوروبياً.

لو انتقلت القوى الوطنية العراقية "الثورية"، من حالة وصف الأوضاع بـ "مرونة وحذر" شديدين، الى مجال الفعل في تحريك التطورات السياسية الراهنة واللاحقة، لتغيّر المشهد كله. إن إنتظار السند الدولي هو مجرد وهم. يعود الى تقاليد حقبة سالفة. كما لا ينبغي النظر الى التدخل الدولي السلبي كحقيقة قائمة بالضرورة في كل وقت. علينا في هذا الصدد مراجعة بعض الحوادث التاريخية، منها: أن القوى الإستعمارية التقليدية، لا تتدخل في أي بلد، عشية وبعد إقدام شعبه على ثورة، تحظى بتأييد جماهيري واسع. تنتظر القوى الدولية تفاعلات العوامل الداخلية غير الخافية عليهم. كما أن الدول الإستعمارية تحسب حساب شعوبها، مما يجبرها على الإنتظار الى حين إعداد المسرح. هذه الحالات والفرص يمكن للقوى الوطنية إستثمارها.

بعد تجربة الإتحاد السوفياتي السابق عام 1979 في أفغانسان، وربما لحد ما الحرب الحالية في أوكرانيا. كذلك الإحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق قدمت دروساً لكل طامح للتدخل أو الإحتلال. فاليوم أمريكا تستخدم أدوات أخرى غير إستخدام قواتها المسلحة، مثل: الحروب بالوكالة، الحروب الناعمة، الضغوط الإقتصادية ... وغيرها. هنا توجد منافذ للقوى الحية حقاً، لفرض مساحات معينة في دائرة حقوقها العادلة.

أما الدور الإقليمي فتحول الى دور كارثي. خلق في البدء صراعاً بين القومي والطائفي. فإيران تحاول إستغلال الجانب الطائفي لصالحها. تستخدمه في مفاوضاتها مع الأطراف الدولية، كأحد مصادر قوتها، التي يمكن أن تزعزع به الإستقرار الإقليمي. إذا لم يتم الإعتراف بمطاليبا بالهيمنة الإقليمية. أقدمت على تصرفات ليس من السهولة بمكان تصديقها، لخدمة مصالحها القومية. خاصة حين دعمت سراً المنظمة الإجرامية (داعش) واستغلال جرائمها لتغذية النزعات الطائفية. فهي تسعى للقتال من أجل نفوذها الإقليمي عبر الأطراف، التي تملك نفوذاً ما عليها، وليس من خلال المواجهات المباشرة على أراضيها.

ربما بسرعة نسبية أدرك الناس في العراق عامة الفوارق الشاسعة، بين الطائفة ضمن التشكيل الإجتماعي وبين الطائفية السياسية. فإنتماءات الإنسان شخصياً أو عائلياً الى طائفة أو دين، لا تلغي الإنتماءات الأساسية الأخرى، الى وطن، لغة، ثقافة وطبقة أو فئة. فالعراقي لدية الشعور الوطني كما الآخرين. إن نماء هذا الجانب يخلق صمام أمان للشعب، ضد إستثمار بعض خصوصياته، من قبل الآخرين لتدميره الذاتي.

إن المرجل العراقي يغلي بقوة. وما حالات الترقب، الصمت، الذهول، القلق والحيرة إلا تعبير عن تفاعل تلك العوامل مجتمعة.



#عبدالحميد_برتو (هاشتاغ)       Abdul_Hamid_Barto#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذكرى الخامسة لرحيل مناضل
- بين الساهر و الدكتور صالح
- حول شخصنة الأزمة
- مع الجواهري
- التصحر الأخطر
- اللعبة الخطرة في طورها ما قبل الأخير
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 5 ـ الأخيرة
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 4
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 3
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 2
- الدراويش يبحثون عن الحقيقة 1
- مؤشرات من بوصلة الشعب
- حين تأفل المناسبات
- روح الصنف
- محو العراق (7) الأخيرة
- محو العراق (6)
- محو العراق (5)
- محو العراق (4)
- محو العراق (3)
- محو العراق (2)


المزيد.....




- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...
- كندا تخصص أكثر من مليوني دولار لصناعة المسيرات الأوكرانية
- مجلس جامعة كولومبيا الأمريكية يدعو للتحقيق مع الإدارة بعد اس ...
- عاجل | خليل الحية: تسلمنا في حركة حماس رد الاحتلال على موقف ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيّرة أمي ...
- بعد الإعلان التركي عن تأجيلها.. البيت الأبيض يعلق على -زيارة ...
- ما الذي يحمله الوفد المصري إلى إسرائيل؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالحميد برتو - الترقب السياسي السلبي