أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الرهان الاوروبي على الصبر الاوكراني قد لا يجني الا السراب














المزيد.....

الرهان الاوروبي على الصبر الاوكراني قد لا يجني الا السراب


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 14:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الوقت الذي يتزايد فيه اصرار واشنطن على محاولة "احتواء" الصراع الروسي الاوكراني وتجميده، تصر العواصم الأوروبية على دفع أوكرانيا نحو التشدد في مواقفها بهدف افشال هذا الاصرارواستمرار الحرب، رغم تصاعد المصاعب العسكرية والميدانية امام جيشها . هذا التباين الظاهر بين واشنطن وحلفائها الاوروبيين لا يعكس سوء تقدير أوروبي، بل يشير إلى صراع استراتيجي عميق داخل المعسكر الغربي نفسه، حيث تُستخدَم الحرب في أوكرانيا كمساحة لإعادة بناء موازين القوى والاعداد لنظام امني اوروبي مستقل بعد انتهاء الصراع.
فالخلاف الجوهري بين ضفتي الأطلسي بدأ ينحو باتجاه تصوريقوم على اختلاف جذري في الأولويات الجيوسياسية لكلا الحليفين. فبينما ترى الولايات المتحدة أن التحدي الرئيسي يكمن في التنافس الشامل مع الصين، وتعمل على تحرير مواردها العسكرية والمالية لإعادة التمركز في المحيط الهادئ، تنظر أوروبا إلى روسيا باعتبارها التهديد المباشر الذي لا يمكن التهاون معه. وهذه الرؤية المتباينة تترجم نفسها إلى خوف أوروبي حقيقي من أن تؤدي أي تسوية سريعة تقودها واشنطن، مثل مسودة "خطة ترامب" التي تقترح تثبيت مكاسب روسيا الإقليمية مقابل وقف النار، إلى إبرام اتفاق قد يكون مستقبلا على حساب الأوروبيين، يعيد الى الاذهان إنتاج منطق "ميونخ 1938"، أي استرضاء قوة توسعية على حساب دولة أصغر، مما يهدد بنسف مبدأ عدم شرعية تغيير الحدود بالقوة، وهو حجر الزاوية في الأمن القاري الأوروبي.
وعليه، فإن دفع كييف للتشدد في موقفها يمثل الأداة الأوروبية الأكثر فعالية لتعطيل أي صفقة أمريكية-روسية منفردة، خاصة وأن المسودة الأولية للخطة صيغت عبر قنوات تفاوض غير تقليدية بين واشنطن وموسكو قبل استشارة حلفاء رئيسيين مثل فرنسا وألمانيا.
وبعيداً عن الضغط على واشنطن، تستغل القارة العجوز هذه الحرب كمدخل لتحقيق استقلالها الأمني المؤجل منذ نحو عقدين.
لقد كشف العجز الأوروبي عن إدارة الصراع ذاتياً وهشاشتها الجيوسياسية عن الحاجة الملحة للعسكرة واعادة بناء القوة الذاتية، وهو ما جعل هذه الحرب تتحول الى فرصة تاريخية لزيادة غير مسبوقة في ميزانيات الدفاع وإحياء الصناعات العسكرية القارية، بهدف بناء "هوية أمنية أوروبية" مستقلة نسبياً عن المظلة الأمريكية. وفي هذا السياق، فإن أي هدنة أو تسوية سريعة من شأنها أن تقضي على المبرر الواقعي لهذه العسكرة الطموحة، وتُعيد أوروبا إلى خانة التابع الذي لا يملك زمام أمنه، خاصة إذا تضمنت التسوية شروطاً تقلص القدرات العسكرية لأوكرانيا، مما يزيد من شعور أوروبا بالضعف في جوارها المباشر.
إن قيادة هذا الموقف المتشدد لم تعد مقتصرة على العواصم الغربية التقليدية، بل تتصدرها دول شرق أوروبا، وفي طليعتها بولندا ودول البلطيق، التي تنظر إلى الصراع من منظور الذاكرة التاريخية بعيدا عن موازين القوى الراهنة، اذ بالنسبة لهذه الدول، فان التنازل لروسيا يمثل خطراً داهما وسابقة تاريخية لانتشار النفوذ الروسي المستقبلي في جوارها، وهذا الخوف يتقاطع مع المصلحة الأوروبية الأوسع: فالتشدد الأوكراني لا يعمل فقط كخط دفاع متقدم ضد موسكو، بل يخدم أيضاً كآلية لإبقاء أمريكا منخرطة في القارة، ويمنعها من إعلان اي انسحاب تكتيكي، بل ويجبرها على الاستمرار في تقديم الدعم اللازم. وبالتالي، فإن الرهان الأوروبي ليس على نصر أوكراني حاسم، بل على إدارة صراع طويل وممتد يهدف إلى استنزاف روسيا اقتصادياً وعسكرياً وديموغرافياً إلى أقصى حد ممكن، بينما تستغل أوروبا هذا الوقت لتعزيز بناء قوتها العسكرية وامنها الذاتي المستقل.
غير أن هذا الرهان، وإن كان واعياً، فانه ينطوي على مخاطر جمة تهدد أسسه من الداخل والخارج، اذ انه أولاً، يغامر بتآكل الصبر الأوكراني، فاستراتيجية الإضعاف طويل الأمد، التي تفرض على كييف الاستمرار في القتال دون إمدادات جوية حاسمة أو دعم كافٍ لاختراق الجبهات، قد تدفع القيادة الأوكرانية إلى نقطة الانهيار خاصة عندما يتجاوز ثمن البقاء في المعركة المزايا السياسية وتتضاءل التوقعات بنصر حاسم، عندها قد تجد كييف نفسها مضطرة لإبرام تسوية منفردة، تتجاهل المصالح الأوروبية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البشر والبنية التحتية. وثانياً، يجازف هذا الموقف بتآكل الشرعية الأوروبية الداخلية. فالرهان على حرب استنزاف طويلة يعني استمرار تدفق التمويل والأسلحة بتكاليف باهظة تُثقل كاهل الميزانيات الوطنية في وقت تعاني فيه القارة من أزمات اقتصادية وتضخم. هذا الأمر يغذي صعود الحركات الشعبوية التي تتبنى خطاباً معارضاً لدعم كييف، مما يخلق ضغطاً متزايداً على الحكومات لتقليل الإنفاق الخارجي والتركيز على الداخل. واذا تزايد هذا الضغط، فقد تُضطر الحكومات الأوروبية إلى التراجع عن التزاماتها، مما يهدد وحدة الجبهة الغربية ويفقد أوروبا ورقتها الاستراتيجية. وفي المحصلة، قد ينتهي الأمر بفرض تسوية تمليها موازين القوى المستنزفة وليس الإرادة السياسية الأوروبية. فإذا نفذ الصبر الأوكراني أو تآكلت الشرعية الداخلية في العواصم الأوروبية، ستكون القوى الخارجية – سواء روسيا أو حتى الولايات المتحدة التي تعود للضغط من أجل صفقة – هي من تفرض شروط الهدنة النهائية، مما يجعل الهدف الأوروبي الأسمى، وهو السيطرة على مصير القارة، مجرد سراب بعد تكلفة تاريخية هائلة.
هاني الروسان / استاذ الاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المناصفة الاستراتيجية: كيف تصوغ القوى الإقليمية النظام الدول ...
- معادلة التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية: الاحتواء النشط و ...
- استمرار الانكشاف الأمني ل -حزب الله ودلالاته على جاهزيته الق ...
- قمة بن سلمان ترامب الاحتمالات الاكثر ترجيحا
- عندما تتغيّر سوريا... هل يتغيّر الشرق الأوسط
- الدور التركي في الترتيبات الامريكية لما بعد الحرب على غزة
- السلام الامريكي للشرق الاوسط في معادلة الصراع على الهيمنة
- بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام ال ...
- اذا رغبت السعودية استطاعت
- الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة
- بيان قمة الدوحة: الادانة الشديدة وانعدام الاليات
- قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...
- هل تكون السويداء مخبر القادم؟؟
- سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .


المزيد.....




- مرتبطة بـ-بعقوبات النفط الإيراني-.. مسؤول أمريكي: خفر السواح ...
- لماذا يكثف ترامب هجماته على فنزويلا؟
- رغم الجدل.. ويكيبيديا تُبقي توصيف -الإبادة- لأفعال إسرائيل ف ...
- بايرن -بطل الخريف- ويبتعد عن دورتموند قبل العطلة بتسع نقاط
- كأس الأمم الأفريقية 2025: المغرب يسجل أول انتصار في الدورة ب ...
- كأس الأمم الأفريقية 2025: المغرب يبدأ حملة البحث عن اللقب بف ...
- -مجربة ميدانيا-.. إسرائيل استغلت إبادة غزة لتسويق أسلحتها وح ...
- جلين.. -قرية أفريقية- في قلب حوران السورية
- تفاكر.. لماذا نحتاج اليوم إلى المراجعات الفكرية؟
- انتقادات لتواطؤِ شركات التقنية العالمية مع إسرائيل


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الرهان الاوروبي على الصبر الاوكراني قد لا يجني الا السراب