|
|
هل مجتمعاتنا ابوية ام امومية (سامة)؟ 111
طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 11:27
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الحلقة 111 من سلسلة "التحليل النفسي وتطبيقاته المعرفية" ------ كما لاحظنا من حلقات سابقة, تستكشف المنظورات التحليلية النفسية للنيوليبرالية عمومًا كيف تتغلغل هذه الأيديولوجية الاقتصادية والسياسية في النفس، مُشكّلةً الذاتية الفردية، والرغبات، والعلاقات الاجتماعية بطرقٍ غالبًا ما تُفاقم الاغتراب والقلق والاستغلال. وبالاستناد إلى التقاليد الفرويدية واللاكانية وغيرها، تُجادل هذه الانتقادات بأن النيوليبرالية ليست مجرد نظام خارجي لسياسات السوق، بل هي "سياسة نفسية" تُرسّخ السيطرة، مُحوّلةً الأفراد إلى "رواد أعمال" يسعون دائمًا إلى تحسين ذواتهم، ويتحملون مسؤولية نجاحهم أو فشلهم بشكلٍ دائم. ويؤدي هذا إلى ظواهر مثل الإرهاق والاكتئاب وتآكل التضامن الجماعي، حيث يستوعب اللاوعي معايير المنافسة والإنتاجية والاستهلاكية.
كثيرًا ما يُسلط المفكرون في هذا السياق الضوء على كيفية استغلال النيوليبرالية للرغبة - سواءً كانت دافعًا عند فرويد أو لذةً عند لاكان - وإعادة توجيهها نحو التراكم اللانهائي والمراقبة الذاتية، مع إخفاء أوجه عدم المساواة الهيكلية تحت ستار النقائص الشخصية. ويؤكد التحليل النفسي الاجتماعي، على وجه الخصوص، على "العمليات اللاواعية المعيارية" حيث تتجلى ديناميات القوة المجتمعية (مثل الطبقة والعرق والجنس في ظل النيوليبرالية) في الأعراض السريرية والسلوكيات اليومية، مما يحث المعالجين على معالجة الجوانب الاجتماعية والسياسية في العلاج بدلاً من التعامل مع المشكلات على أنها فردية بحتة.
مثال على ذلك، إليكم ثلاثة أعمال رئيسية تُجسّد هذه الرؤى: كتاب بيونغ تشول هان "علم النفس السياسي: النيوليبرالية وتقنيات السلطة الجديدة" (2017): Psychopolitics: Neoliberalism and New Technologies of Power by Byung-Chul Han https://www.versobooks.com/products/226-psychopolitics?srsltid=AfmBOooAo5UH5wMSWR08q8qZFcDfss1VahkG9wJIlM4Bv75_4b9JFP-U يمزج هان (الذي يسميه البعض "نجم الفلسفة الالمانية") بين رؤى التحليل النفسي والفلسفة ليُجادل بأن النيوليبرالية قد تحوّلت من الانضباط الخارجي إلى "الاستغلال الذاتي" الداخلي، حيث تُصبح الحرية أداةً للسيطرة. فمن خلال البيانات الضخمة وعلم النفس الإيجابي، يُحسّن الأفراد أنفسهم طواعيةً، مما يؤدي إلى الإرهاق النفسي وفقدان السلبية (مثل المقاومة أو النقد) الضرورية للذاتية الحقيقية. كتاب لين لايتون "نحو تحليل نفسي اجتماعي: الثقافة، والشخصية، والعمليات المعيارية اللاواعية" (2020): Toward a Social Psychoanalysis Culture, Character, and Normative Unconscious Processes https://www.taylorfrancis.com/books/mono/10.4324/9781003023098/toward-social-psychoanalysis-lynne-layton-marianna-leavy-sperounis تُطوّر لايتون إطارًا تحليليًا نفسيًا علائقيًا لتُبيّن كيف تُعيد المعايير النيوليبرالية إنتاج عدم المساواة في العلاج والمجتمع دون وعي. وتنتقد كيف تُعزّز "الذاتية النيوليبرالية " الانفصال عن الأضرار الاجتماعية، وتُدعو إلى تحليل نفسي يتحدى هذه العمليات لتعزيز التعاطف والعمل الجماعي.
في كتاب سامو تومشيتش "اللاوعي الرأسمالي: ماركس ولاكان" (2015)، THE C APITALIS T UNCONSCIOUS MARX AND LACAN SAMO TOMŠIČ https://www.researchgate.net/profile/Samo-Tomsic/publication/343166506_The_Capitalist_Unconscious_Marx_and_Lacan/links/5f19d1c792851cd5fa41f7a1/The-Capitalist-Unconscious-Marx-and-Lacan.pdf يربط تومشيتش بين الاقتصاد الماركسي والتحليل النفسي اللاكاني ليكشف عن منطق اللاوعي في الرأسمالية (وبالتالي في النيوليبرالية)، حيث تعكس القيمة الفائضة اللذة الفائضة. ويجادل بأن هذا النظام يُديم الأزمات من خلال هيكلة الرغبة حول النقص والفائض، داعيًا إلى مواجهة جديدة مع أسسه الأيديولوجية. كارل ماركس ليس سوى واحد من بين العديد من المنظرين الذين أشار إليهم جاك لاكان في تعاليمه.
يقول تومشيتش, يبدو أن مفكرين كلاسيكيين آخرين قد تركوا بصمة أعمق بكثير على أعمال لاكان، ولا سيما أفلاطون وديكارت وهيغل. فلماذا إذن، من بين هذا الكم الهائل من التأثيرات، يُفضّل المرء ماركس؟ هل الهدف هو جعل لاكان ممثلاً آخر للتوجه الفرويدي الماركسي، وهو تقليد اتسم بمحاولة فاشلة إلى حد ما لتأسيس السياسة الراديكالية على تحرير الرغبة؟ أم أن الهدف ببساطة هو تحويل لاكان إلى مفكر فرويدي؟
ولكن ما هي الماركسية الفرويدية؟ تدعو الماركسية الفرويدية إلى تحرير الرغبات والغرائز الإنسانية من القمع النفسي والاجتماعي الذي يفرضه المجتمع الرأسمالي. وقد دمج مفكرون بارزون، وعلى رأسهم هربرت ماركوز، نقد ماركس للاغتراب الاقتصادي مع نظرية فرويد في كبت الغرائز، ليؤكدوا أن التحرر الحقيقي يتطلب الحرية المادية والنفسية على حد سواء. المفاهيم الأساسية الكبت والحضارة: جادل فرويد بأن درجة معينة من كبت الغرائز (حيث يخضع "مبدأ اللذة" لمبدأ الواقع) ضرورية لوجود الحضارة والتعاون الاجتماعي. الكبت الزائد: ميّز الماركسيون الفرويديون، ولا سيما ماركوز في كتابه "إيروس والحضارة"، بين "الكبت الضروري" لأي مجتمع و"الكبت الزائد" الذي تفرضه هياكل تاريخية واقتصادية محددة (الرأسمالية) للحفاظ على الهيمنة وأخلاقيات العمل السائدة. دور الرغبة: ينظر المنظور الفرويدي الماركسي إلى البنية النفسية القائمة باعتبارها متأثرة بشدة بالرأسمالية، إذ يرى أن الناس يطورون "احتياجات ورغبات زائفة" تتوافق مع متطلبات النظام الرأسمالي. (العقلية الرأسمالية قد تستعمر عقول مجتمعات لم تدخل مرحلة الرأسمالية بشكلها الكلاسيكي والرأسمالية اشكال وانواع مختلفة. والعلاقة بين الاقتصاد والوعي البشري ليست ميكانيكية كما يفترض بعض اتباع الماركسية المبتذلة. ففي النزعة الاستهلاكية, بغض النظر عن مشروعيتها من عدمها. ان رغبيتي هي ليست رغبتي, بل رغبة الآخر: انهم يتوقعون مني ان افعل بعض الافعال او امتلك بعض الاشياء لأكون مقبولا من قبلهم والا أصبحت منبوذا, او لأكون سعيدا ومرفها قسريا مثلهم. انه تكييف اجتماعي, ولكنه ايضا امتثال الى غريزة القطيع-ايثولوجي. قدرة الحيوان على العيش خارج القطيع ضعيفة مقارنة بعيشه داخله. والمسألة اعقد, فالعيش داخل القطيع والانصياع الى احكامه يجنّب الشخص تحمل المسؤولية الفردية وتسمح له بتعطيل تفكيره. انها عقيدة فاسدة بعرف سارتر. انها وصفة لأنماط مختلفة من الفاشية. والقطيع قد يكون اي تجمع بشري لا يمارس انضباطا ذاتيا صارما في النقد الذاتي, ليس كيافطة بل كفعل اصيل: المشكلة ان العديد يتجنبون الاصالة تجنب الطاعون اصلا بانضمامهم الى القطيع او بأنصهارهم به. واذا اتفقنا مع ميشيل فوكو, فان النفس البشرية هي اختراع عصر الحداثة: تنتصر ارادة القطيع في مجتمعاتنا التي لم تدشن عصر الحداثة, وتتخذ لها مسميات اخرى, منصوص عليها حتى دستوريا, مثل "مكونات". المجتمع مؤلف من مكونات. وبهذه الشاكلة يصبح اي حديث عن حقوق وحريات فردية نفاقا او ترديدا ببغاويا لأفكار الحداثة وبمثابة تمرين في رفع العتب لا غير لمنح الفرد الشعور بحداثويته لينام قرير العينين! والنية الطيبة لا تشفع لأن الوهم القاتل ينتصر لا محالة. ولكنهم بدلا من مجابهة الوهم, يهربون دونكيشوتيا- كفرسان عصر الاقطاع في تبريرات تشكيلية او تنظيمية هي اعراض للمرض وليس المرض نفسه. لذا, حتى في احزاب تدعي الحداثة في منطقتنا, تتعثر عملية النقد الذاتي او تختفي وقد لا تكون موجودة كهدف أصلا الا كتقليد أعمى لتراث ثوري من قبل قوى تسعى الى الاحتفاظ بوجودها كبديل عن الثورة. كيف لنفس غير موجودة ككيان حر ان تمارس نقدا (حرا) ؟ دخول اشخاص في مجلس حكم احتلال العراق كان بمثابة دورة تأهيلية انضباطية سريعة, كوميدية-تراجيدية, لأحالة كائنات ما قبل الحداثة الى اشخاص الحداثة. وكما كان متوقعا, فشل "التأهيل!" فشلا مزريا. ولذا عجزت كائنات ما قبل الحداثة ان تكتب دستور الحداثة-المواطن, فكتبت دستور ما قبل الحداثة, دستور المكونات, وزعمت ان الدولة لها دين, فقتلت المواطن بأسم مكونه او عقيدته. واحالت العقاب الألاهي, حسب سرديتهم المازوخية-سادية, الى عقاب جماعي. صدام مات فخلقوا ما لا يحصى من امثاله) وهنالا تُعتبر الدوافع اللاواعية وغير العقلانية مجرد شأن خاص، بل ساحة للصراع السياسي. طريق التحرر: لا يقتصر التحرر، بالتالي، على تغيير القاعدة الاقتصادية فحسب، بل يشمل أيضًا تحولًا جذريًا في الوعي و"البنية الليبيدية-الغرائزية. اعتراضي هنا ان التغيير هدف ميثولوجي-غاياتي ومستحيل انطولوجيا, والا كيف يمكن تغيير البيولوجي او الجينات او كيف يمكن للعقل ان يتخلى عن مسؤولياته تجاه الجسم بتحقيق لذته؟ In the Freudian view, the mind has its responsibilities to the body, in the notion of the mind as an apparatus dedicated to the accomplishment of the body s pleasure "من وجهة نظر فرويد، يتحمل العقل مسؤولياته تجاه الجسد، وذلك في مفهوم العقل كجهاز مخصص لتحقيق لذة الجسد." Passion in Theory: Conceptions of Freud and Lacan - Robin Ferrell https://books.google.at/books?id=v5SJAgAAQBAJ&---print---sec=frontcover&source=gbs_atb&re---dir---_esc=y#v=onepage&q&f=false (ص. 3 في النسخة الورقية لدي. ولكن الكتاب الالكتروني غير مرقم) وتتضمن الماركسية الفرويدية: تحرير مبدأ اللذة: السعي إلى تحرير غرائز الحياة (إيروس) من القيود المفرطة لـ"مبدأ الأداء" الذي يفرضه العمل المُغَرِّب. التسامي والإبداع: الدعوة إلى إمكانية التسامي غير القمعي، حيث يمكن توجيه الطاقة الغريزية نحو "أنشطة حياتية" إبداعية غير مُغَرِّبة، بدلًا من كبتها للعمل الإجباري. طبعا هذا يفترض مسبقا تحقيق الحاجات الاساسية للبشر حسب هرمية عالم النفس ماسلو. والاعتراض هنا ليس شكليا. هرمية ماسلو تغفل مبدأ الرغبة. البشر, وخصوصا في المجتمعات الرأسمالية, أي كل العالم تقريبا, تعمل وفق مبدأ الرغبة, وليس الحاجة. الحاجات محدودة ويمكن تحديدها امبريقيا-ولو ان القطة في الفيديو زعمت عكس ذلك. 5 Stages of Human Needs | Maslow’s Hierarchy Of Needs Theory | Psychological Motivational Theory https://www.youtube.com/watch?v=lQHRjEIwvI8 الرغبة بعرف التحليل النفسي لا يمكن اشباعها. رغبة الإنسان لا تشبع" تعني أن لدى البشر رغبة جامحة لا تنتهي في المزيد - المزيد من الثروة، أو السلطة، أو المعرفة، أو المتعة، أو الحب - وهي رغبة لا يمكن إشباعها تمامًا، مما يؤدي غالبًا إلى دوامة من الرغبة، والحصول، ثم الرغبة في شيء آخر فورًا، مما يجعل الرضا الحقيقي بعيد المنال. يُسلط هذا المفهوم الضوء على جانب أساسي من الطبيعة البشرية، حيث تتحول الاحتياجات الأساسية إلى رغبات، وإشباع رغبة واحدة لا يؤدي إلا إلى تغذية الرغبة التالية. الحد من (لانهائية ) الرغبة هو من خلال القانون, او ما يسميه لاكان "اسم الاب". غياب القانون او اسم الاب يحيل الرغبة الى سرطان يلتهم الذات والآخرين. Name-of-the-Father https://nosubject.com/Name-of-the-Father
لذا يمكننا التساؤل هل ان مجتمعاتنا فعلا ذكورية بغياب القانون او -اسم الاب-؟ كيف يمكن ان يتنامي سرطان الرغبة في بلد مثل العراق, مجتمعه يُفترض ذكوريته, بدون ان يكون خاضعا لقانون -اسم الأب-؟ هل يمكن ان نفترض ان السبب قد يكمن, بهذا الشكل او ذاك, الى شيوع ما تسميه المحللة النفسية ميلاني كلاين "Toxic" and "Chaotic" Motherhood "الامومة السامة-الفوضوية" في مجتمعاتنا؟ في إطار نظرية كلاين، قد تؤدي العلاقة الأمومية "السامة" أو "الفوضوية" في مرحلة الطفولة إلى عدة نتائج في مرحلة البلوغ: تكرار الأنماط غير الصحية: قد يستبطن الأفراد الصور النمطية "السيئة" ويميلون إلى أنماط العلاقات المألوفة، بل والمدمرة، في مرحلة البلوغ لأنهم يفضلون يقين الشقاء على شقاء عدم اليقين. صعوبة التعامل مع التناقض: قد يجد الشخص صعوبة في رؤية الآخرين كـ"كائنات متكاملة" معقدة (قادرة على امتلاك صفات جيدة وسيئة)، وبدلاً من ذلك يستمر في استخدام آلية الدفاع البدائية المتمثلة في التجزئة، حيث يضفي المثالية على بعض الأشخاص بينما يقلل من شأن آخرين تمامًا. القلق المزمن وعالم داخلي متضرر: إذا ظل العالم الداخلي مليئًا بشخصيات متضررة أو مضطهدة، فقد يعاني الفرد من قلق مزمن أو اكتئاب أو صعوبة في تكوين علاقات مستقرة وقائمة على الثقة. وقد يشعر الفرد بأن وجوده مهدد تحت الضغط.
يُسلّط عمل ميلاني كلاين الضوء على التأثير الكبير لهذه التفاعلات المبكرة، قبل اكتساب اللغة، على الصحة النفسية والعاطفية مدى الحياة، ويُعدّ أساسيًا لفهم شخصية البالغين وقضايا العلاقات. الادمان على المال والسلطة والمزيد منهما تستخدم عبثا لعلاج القلق المزمن أو الاكتئاب- وهو ما يسميه البعض توصيفيا فساد مالي او اداري. ولكن توصيفا كهذا لا يعني شيئا لانه لا يشخص جذوره. وبدون التشخيص لا يمكن العلاج! Narcissistic mothers: toxic motherhood and possible psycho-behavioral damage to children https://www.nucleodoconhecimento.com.br/psychology/toxic-motherhood الفرضية بالطبع بحاجة الى معطيات امبريقية, كمية او كيفية.
أهم جوانب معنى عدم امكانية اشباع الرغبة : عدم الإشباع: الفكرة الأساسية هي أنه مهما كانت الكمية من شيء ما، فإنه لا يكفي أبدًا. دوامة لا تنتهي: بمجرد تحقيق هدف ما (مثل الثروة)، تتحول الرغبة إلى الشيء التالي (مثل السلطة أو المزيد من الثروة). ينطبق على مجالات عديدة: ينطبق على الأشياء المادية (الطعام، المال) وكذلك على المفاهيم المجردة (الشهرة، المعرفة، الحب، السلطة) الآثار الفلسفية/الروحية: غالبًا ما ينظر الفلاسفة واللاهوتيون إلى هذا الأمر كمصدرٍ للصراع الإنساني، مشيرين إلى شوقٍ روحي أعمق (ربما إلى الله أو إلى المعنى الأسمى) لا تستطيع الأمور الدنيوية إشباعه. محرك التقدم (والشعور بعدم الرضا): على الرغم من كونه فخًا محتملاً، إلا أن هذا الشغف الدائم يحفز الابتكار والاستكشاف والنمو الشخصي، دافعًا البشرية إلى الأمام، كما يشير البعض. باختصار، هو مفهوم أن "الكفاية" بالنسبة للإنسان حالة مؤقتة، وأن السعي وراء "المزيد" دائمٌ لا حدود له.
تدعو الماركسية الفرويدية الى التسامي والإبداع: الدعوة إلى إمكانية التسامي غير القمعي، حيث يمكن توجيه الطاقة الغريزية نحو "أنشطة حياتية" إبداعية غير مُغَرِّبة، بدلًا من كبتها للعمل الإجباري. تحدي النظام الأبوي والأعراف التقليدية (الأمومية أيضا): ربط رواد الفكر الفرويدي الماركسي، مثل فيلهلم رايش وإريك فروم، الكبت الجنسي بالاستعداد للقمع السياسي والفاشية، وربطوا تحرير الجنس والرغبة مباشرةً بالثورة الاجتماعية الأوسع وتحرير المرأة.
مفكرون رئيسيون هربرت ماركوز: الشخصية الأبرز، حيث نظّر بأن المجتمع الصناعي المتقدم قد حقق الظروف المادية اللازمة للقضاء على الندرة، مما جعل "الكبت الزائد" عتيقًا وتحرير الغرائز إمكانية حقيقية. فيلهلم رايخ: رائد التوليف، جادل رايخ بأن الأفراد المكبوتين جنسيًا أكثر عرضة للخضوع السياسي . واني اعتقد ان رايخ محق الى حد كبير في هذه النقطة. فكلما ازداد القمع والكبت الجنسي كلما زاد ميل الأشخاص والجماعات للخضوع السياسي: اطلاق الحريات الفردية أمر لا غنى عنه للتحرر السياسي, وهو أمر تهمله ما يسمى -القوى المدنية والديموقراطية- في العراق اشد اهمال, لربما لعدم ايمانها باهمية الحريات الفردية او بسبب خشية باتهامها بالتحلل ومعاداة الاعراف والمعتقدات وغيرها من الامور القامعة والكابحة للفكر والجسد. فالفكر لا يمكن ان يكون حرا بدون حرية الجسد سواء بسواء، مما يجعل التحرر الجنسي عنصرًا حاسمًا في النضال ضد القمع والرأسمالية. أندريه بريتون (السريالية): استخدم الفرويدية الماركسية للدعوة إلى استخدام الرغبة والخيال كقوى ثورية "لتغيير الحياة" نفسها، وليس العالم فحسب.
لفهم معنى السلبية الوارد اعلاه في النظرية الماركسية، يشير "معنى السلبية" إلى التناقضات الكامنة في الرأسمالية التي تُحرك التغيير التاريخي وتحمل في طياتها إمكانية إلغائها الثوري. السلبية مفهوم محوري مُستمد من الجدلية الهيغلية، والتي حوّلها ماركس من إطار مثالي إلى إطار مادي. تشمل الجوانب الرئيسية لمعنى السلبية في فكر ماركس ما يلي: نقد الواقع: السلبية هي "تفكير سلبي" ينتقد الواقع الاجتماعي القائم (الرأسمالية) وفقًا لمعاييره الخاصة، كاشفًا الفجوة بين وعوده ونتائجه الفعلية (مثل إنتاج ثروة طائلة مع توليد الفقر والاغتراب في الوقت نفسه). مصدر الحركة: رأى ماركس، مُقتديًا بهيغل، أن التناقض هو "أصل كل حركة وحياة". التناقضات الداخلية للرأسمالية - كالصراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج - هي القوى الدافعة للتحول الاجتماعي، لا التدخلات الخارجية. الاغتراب كنفي: إن عملية الإنتاج الرأسمالي هي عملية اغتراب، حيث يُنفى العمال، أو يُفصلون، عن نتاج عملهم، وعن فعل العمل نفسه، وعن طبيعتهم الإنسانية، وعن غيرهم من البشر. هذا الاغتراب هو "النتيجة السلبية للمجتمع" المتأصلة في الطبقة العاملة. البروليتاريا كتجسيد للسلبية: تجسد الطبقة العاملة هذه السلبية لأنها ضرورية لوجود رأس المال، وفي الوقت نفسه تُنفى من خلاله. عندما تبلغ البروليتاريا الوعي الطبقي وتفهم هذا الوضع، فإنها تُصبح قادرة على نفي شروط نفيها. بهذا المعنى البروليتاريا ليست حقيقة امبريقية موجبة لأن رسالتها . كطبقة منفية, هو الغاء نفيها في مجتمع طبقي, وبالغاء المجتمع الطبقي تلغي نفسها ايضا. نفي النفي: هذه هي العملية الجدلية للتغيير والتطور. أول "نفي" هو نفي النظام الرأسمالي لإنسانية العامل وإمكاناته في الحرية الإبداعية. إن "نفي النفي" هو العمل الثوري الذي تقوم به الطبقة العاملة لإلغاء الرأسمالية والملكية الخاصة، وبالتالي استعادة الإمكانات البشرية على مستوى أسمى، واعٍ بذاته، واجتماعي، مما يؤدي إلى الشيوعية. هذا ليس مجرد تدمير، بل هو "بداية جديدة" إيجابية وإبداعية للمجتمع. ولكني اتكلم عن الشيوعية هنا بمعنى الفرضية, A. Badiou The Communist Hypothesis https://newleftreview.org/issues/ii49/articles/alain-badiou-the-communist-hypothesis.pdf ولكن ينبغي قراءة مصطلح "الفرضية" هنا في سياق فرضية نيوتن non fingo. لماذا؟ لأن الفرضية الشيوعية القائمة على علم مادي للقيمة، لا تكتسب بالتأكيد المكانة نفسها التي تكتسبها الفرضيات الزائفة في الاقتصاد السياسي: الفرضية الفتشية للقوى الحيوية لرأس المال، والفرضية الليبرالية للطبيعة المتوازنة والتنظيمية الذاتية للسوق (اليد الخفية لآدم سميث)، أو فرضية العلاقة الاجتماعية الرأسمالية القائمة على الحرية والمساواة المجردة، والمُدعّمة بالملكية والمصلحة الخاصة. تكتسب الفرضية الشيوعية مكانة مختلفة، وهي جزء لا يتجزأ من الأفق المعرفي للحداثة العلمية، الذي سعى ماركس إلى تأسيس علمه للقيمة ومنهجه النقدي عليه. باختصار، يرى ماركس أن السلبية ليست قوة متشائمة أو مدمرة، بل هي قوة ضرورية وديناميكية، وفي نهاية المطاف إبداعية، تكشف حدود النظام القائم، وتوفر إمكانية لمستقبل أكثر عقلانية وإنسانية واستقلالية.
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لينين والاشتراك في البرلمان
-
مازوخية الشيوعيين العراقيين وسادية السلطة وجهان لعملة واحدة
...
-
التحليل النفسي والنيوليبرالية (في العراق) 109
-
التحليل النفسي, الخيال العلمي, وخسارة الشيوعيين للانتخابات 1
...
-
التحليل النفسي والأدب القوطي 107
-
التحليل النفسي: -فرانكشتاين في بغداد- 106
-
التحليل النفسي والذكاء الاصطناعي 105
-
اوتو رانك في عصر القلق وعدم اليقين 104
-
الماركسية الظاهراتية: ما لها وما عليها
-
هربرت ماركوزه والماركسية السوفيتية 103
-
تحالف الشيوخ والنيوفاشيين: الاستبداد والنرجسية الجماعية 102
-
ادورنو والشخصية الاستبداية 101
-
التحليل النفسي والعدالة الاجتماعية 100
-
هيغل والتحليل النفسي, وشاز! 99
-
الطب النفسي في العراق والانسان الأقتصادي!
-
تأملات لاكانية وماركسية حول التحليل النفسي والثورة (98)
-
تأملات لاكانية وماركسية حول التحليل النفسي والثورة (97)
-
لاكان: فيلم -الدوار-, وام كلثوم (96)
-
(لغة) لاكان, تشوميسكي, والقاموس
-
القطة, ستالين, والوعي!
المزيد.....
-
كاميرا ترصد مشهدًا مرعبًا.. سفينة أشباح في مياه ولاية واشنطن
...
-
العثور على 43 طفلاً مفقودًا خلال عملية مداهمة.. وهذا ما يواج
...
-
-استعرض قدرات تركيا والهدف منها-.. أردوغان يعلن بدء بناء حام
...
-
فيديو منسوب لـ-قصف جوي على موقع حوثي في مكيراس- باليمن.. هذه
...
-
سيناريو الهجوم الروسي: أين ستقع الضربة الأولى في أوروبا؟
-
المجلس الأمني الإسرائيلي يصادق على إقامة 19 مستوطنة جديدة با
...
-
فيديو جديد عن -مجمع الإمام علي- يزعم كشف قاعدة إيرانية -سرّي
...
-
أمريكا تستولي على ناقلة نفط ثانية في الكاريبي.. وفنزويلا تصف
...
-
?دراسة: أعراض للاكتئاب ترفع خطر الإصابة بالخرف
-
غانا تطالب أميركا بتسليمها وزيرا سابقا متهما بالفساد
المزيد.....
-
العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو
...
/ حسام الدين فياض
-
قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف
...
/ محمد اسماعيل السراي
-
تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي
...
/ غازي الصوراني
-
من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية
/ غازي الصوراني
-
الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي
...
/ فارس كمال نظمي
-
الآثار العامة للبطالة
/ حيدر جواد السهلاني
-
سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي
/ محمود محمد رياض عبدالعال
-
-تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو
...
/ ياسين احمادون وفاطمة البكاري
-
المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة
/ حسنين آل دايخ
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
المزيد.....
|