أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمزي عطية مزهر - ما بين زين العابدين بن الحسين وهشام بن عبد الملك: قراءة فلسفية في السلطة والمعنى.














المزيد.....

ما بين زين العابدين بن الحسين وهشام بن عبد الملك: قراءة فلسفية في السلطة والمعنى.


رمزي عطية مزهر

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 08:35
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ما بين زين العابدين بن الحسين وهشام بن عبد الملك: قراءة فلسفية في السلطة والمعنى شخصين فقط في سجل التاريخ، بل صورتان متقابلتان لمعنى الوجود السياسي في الإسلام:
أحدهما يمثل السلطة حين تنفصل عن المعنى، والآخر يجسد المعنى حين يتعالى على السلطة.

زين العابدين بن الحسين وُلد من رماد كربلاء، من لحظة انكشاف العالم على حقيقته العارية: السيف ينتصر، لكن الحق لا يموت. بعد أن خسر كل شيء يمكن أن يملكه إنسان في لحظة واحدة—الأب، والإخوة، والأمان، واليقين الدنيوي—اختار ألا ينافس القتلة على عرشهم، بل نافسهم على الإنسان ذاته. أدرك أن السلطة التي تُنتزع بالقوة لا تعيد القيم، وأن الثورة التي لا تغيّر الوعي تعيد إنتاج الطغيان.

في فلسفة زين العابدين، الفعل الأسمى ليس السيطرة بل التزكية. لم يخاطب الناس من موقع الحاكم، بل من عمق الإنسان المكسور الذي يرى نفسه مسؤولا عن ترميم الضمير الجمعي. كانت أدعيته لغة وجودية: اعتراف بالضعف، ووعي بالحدود، وطلب للعدل بوصفه حاجة روحية لا مطلبا سياسيا فقط. هنا تتحول العبادة من طقس إلى موقف، ومن عزلة إلى مقاومة صامتة.

أما هشام بن عبد الملك، فكان ابنا لمنطق الدولة لا لمنطق الرسالة. لم يكن طاغية ساذجا، بل حاكما عقلانيا بمعايير زمانه: ضبط، إدارة، حساب، خوف دائم من التفكك. رأى العالم من أعلى الهرم، حيث الإنسان رقم، والاستقرار قيمة مطلقة، والاختلاف تهديد وجودي. في فلسفته غير المعلنة، الغاية هي بقاء الدولة، حتى لو تآكلت القيم التي قامت عليها.

هشام يمثل السلطة بوصفها خوفا منظما؛ خوفا من السقوط، من السؤال، من الحقيقة حين تخرج من أفواه غير مرخصة. لذلك لم يحتمل زين العابدين، لا لأنه خطر عسكري، بل لأنه خطر رمزي. فوجود إنسان لا ينازعك الحكم لكنه ينازعك المعنى هو أقسى أنواع المعارضة.

اللقاء بينهما—ولو رمزيا—هو لحظة تصادم بين زمنين:
زمن يُقاس بالقوة والعمران والمال، وزمن يُقاس بالأثر والبقاء.
هشام يملك الجند، وزين العابدين يملك الاعتراف الحر في قلوب الناس.
والتاريخ، في منطقه العميق، لا يحفظ من يملك اللحظة، بل من يمنحها معنى.

الفلسفة هنا تقول:
السلطة تستطيع أن تحكم الجسد، لكنها تعجز عن حكم الضمير.
والدولة تستطيع أن تؤجل السقوط، لكنها لا تستطيع شراء الخلود.

زين العابدين لم يؤسس دولة، لكنه أسس معيارا؛ وكل سلطة جاءت بعده تُقاس به وإن لم تعترف.
أما هشام، فقد حافظ على الدولة، لكنه ورّث فراغا أخلاقيا سرّع نهايتها.

وهكذا، ما بين زين العابدين بن الحسين وهشام بن عبد الملك، لا يدور الصراع حول من انتصر، بل حول من بقي.
ومن يبقى، في فلسفة التاريخ، هو من انتصر دون أن يحكم، وغيّر دون أن يأمر، وملك القلوب لأنه لم يطلبها.



#رمزي_عطية_مزهر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حساسية المرحلة وواقع إدارة الفوضى: غزة نموذجا
- سقوط الأعمدة… حين ينكشف زيف الألقاب وتُعرّي القيم أصحابها
- لا يمكن للمجد أن يستقر حيث يسكن الجوع – غزة شاهدة
- مصر عالية كأهراماتها
- إدارة الفوضى وقيادة مجلس السلام الأمريكي
- الرجل المناسب في المكان المناسب
- ويل للذين يعلمون من الذين لا يعلمون....
- خطة التهجير على طاولة البيت الأبيض
- مصر وفلسطين ... شراكة الدم والتاريخ والمصير
- إلى كل من يملك القرار...
- حين تنادي مآذن القدس وأجراس الكنائس: كفى حرباً
- نحن شعب نريد السلام… لتحيا الأطفال في فلسطين
- الرؤية الاستراتيجية للقيادة الفلسطينية في زمن الحرب
- {أمريكا والرؤية الاستراتيجية ما بين جون بايدن ودونالد ترامب}
- -الصراع المحموم بين صنّاع اللقاحات-
- أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ
- جامعة القدس المفتوحة رائدة التعليم الإلكتروني
- الاقتصاد الإسرائيلي وتداعيات الوباء
- إدارة الأزمة ومعركة الوعي في زمن الجائِحة
- نظرة في اقتصادات الصين والدول العربية


المزيد.....




- بيان سعودي بعد قرار أمريكا رفع عقوبات -قانون قيصر- عن سوريا ...
- أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل: ماذا تعني لمصر ولإسرائيل؟
- كل ما تريد معرفته عن قائمة حظر السفر إلى الولايات المتحدة
- مستوطنون إسرائيليون يدهسون شابًا فلسطينيا في نابلس.. العنف ي ...
- -هذه شروطنا للسلام-.. بوتين يتباهى بتقدّم قواته في أوكرانيا ...
- الصحافة الإسرائيلية تطرح إمكانية استئناف إسرائيل حربها في لب ...
- كأس العرب: المغرب يتوج باللقب بعد فوزه على الأردن
- بن طالب وزياش وبيبي... نجوم لن تلمع في سماء كأس الأمم الأفري ...
- فرصة مؤقتة لفرنسا.. الاتحاد الأوروبي يؤجل توقيع اتفاق التجار ...
- الاتحاد الأوروبي يفشل في التوافق على استخدام أصول روسيا المج ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمزي عطية مزهر - ما بين زين العابدين بن الحسين وهشام بن عبد الملك: قراءة فلسفية في السلطة والمعنى.