رمزي عطية مزهر
الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 00:10
المحور:
القضية الفلسطينية
إدارة الفوضى وقيادة المجلس الأعلى للسلام الأمريكي
في عالم يشتعل بالصراعات ويغرق في ازدواجية المعايير، لم تعد الفوضى حالة عابرة، بل أصبحت أداة إدارة، وعقيدة سياسية، ومنهجا قائما بذاته. هنا يبرز ما يسمى بالمجلس الأعلى للسلام الأمريكي، كعنوان برّاق يخفي خلفه ممارسة معقدة تقوم على ضبط الفوضى لا إنهائها، وتوجيه النزاعات لا إخمادها، واستثمار الألم بدل معالجته.
إدارة الفوضى ليست فشلا في صنع السلام، بل خيارا استراتيجيا. فحين تدار الأزمات ولا تحل، تبقى مناطق النفوذ مفتوحة، وتظل الدول الضعيفة رهينة الاحتياج، وتبقى الشعوب عالقة بين وعود السلام وواقع الحرب. المجلس الأعلى للسلام الأمريكي، في هذا السياق، لا يقود سلاما عادلا بقدر ما يقود توازنا هشّا يضمن استمرار الهيمنة السياسية والاقتصادية تحت لافتة الاستقرار.
السلام الذي يُدار من غرف مغلقة، ويُقاس بمدى حماية المصالح لا بإنهاء المآسي، هو سلام انتقائي. يُمنح لحليف ويُحجب عن شعب أعزل، يُفرض بقوة السلاح حيناً وبقوة الفيتو حيناً آخر. وهنا تتحول القيادة من مسؤولية أخلاقية إلى إدارة ملفات، ومن التزام إنساني إلى حسابات باردة.
إن أخطر ما في إدارة الفوضى أنها تطبع الظلم، وتجعل الاستثناء قاعدة، والكارثة خبرا عابرا. فحين تُدار الحروب ولا تُمنع، يصبح القتل رقما، واللاجئون عبئا، والدم مجرد تفصيل في تقرير سياسي. والمجلس الذي يفترض به أن يكون أعلى للسلام، يجد نفسه في كثير من الأحيان شاهدا صامتا أو شريكا غير معلن في إطالة أمد الصراع.
قيادة السلام لا تكون بتوازن الرعب، ولا بإدامة الانقسام، ولا بتغليب القوة على الحق. السلام الحقيقي يبدأ بالعدالة، والعدالة لا تُدار بل تُحقق. أما الفوضى، فمهما أحسنوا إدارتها، ستبقى قنبلة مؤجلة، تنفجر في وجه العالم كله، لا في وجه الضحايا وحدهم.
بين إدارة الفوضى وقيادة السلام، مسافة أخلاقية شاسعة. ومن لم يختر بوضوح الوقوف مع الإنسان، سيبقى يدور في حلقة المصالح، مهما علت تسمياته، ومهما تزينت مجالسه بشعار السلام.
#رمزي_عطية_مزهر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟