رمزي عطية مزهر
الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 02:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في فلسطين، تدور الأحزاب في فلكين منفصلين؛ فلكٌ يرفع راية الأيديولوجيا، وفلكٌ يشهر خطاب العلمانية، وكأن الوطن ساحة اختبار لمعركتين معرفيتين لا تلتقيان إلا حين تتصادمان.
المسار الأيديولوجي يحتمي بالموروث والرمز والمبدأ، يرفع إرث المقاومة ويستند إلى قدسية الطريق التي صنعها الشهداء. لكنه، في كثير من اللحظات، يقع في أسر الشعارات، فيتجمّد عند حدود الماضي، وكأن الزمن لا يتغير، وكأن الواقع لا يصرخ بوضوح أن الأدوات القديمة لم تعد تكفي. هذا المسار يملك الروح، لكنه أحيانًا يفتقد القدرة على إعادة ترتيبها بلغة العصر.
أما المسار العلماني فيحاول أن يبني الإنسان قبل البندقية، والدولة قبل الحزب، والمؤسسة قبل الخطاب. يريد أن يخرج من عباءة الأيديولوجيا الثقيلة، ويقرأ العالم بمنطق المصلحة الوطنية لا بمنطق النص السياسي الجامد. لكنه أحيانًا يفقد حرارة الانتماء التي تمنح الشعب صلابته، ويبدو كمن يحاول صنع مشروع بلا روح.
وبين المسارين، يقف الشعب الفلسطيني محاصرًا بسؤال واحد:
أي طريق سيقودنا إلى الحرية، لا إلى جدل لا ينتهي؟
إن تناقض الأحزاب ليس خلافًا في البرامج فحسب، بل هو صراع رؤيتين للوجود نفسه:
رؤية تؤمن بأن الحق ثابت لا يتغيّر، ورؤية تقول إن الواقع لا يرحم من يرفض التغيير.
رؤية تعتمد على جذور الهوية، ورؤية تبحث عن أفق الدولة.
رؤية تخاطب العاطفة، ورؤية تخاطب العقل.
لكن الحقيقة المؤلمة أن كلا المسارين، رغم اختلافهما، يشتركان في خطأ واحد:
كلاهما يحوّل فلسطين إلى ساحة نظريات، بدل أن تكون مشروعًا حيًا لإنهاء الاحتلال واستعادة الكرامة.
ما يحتاجه الوطن ليس طريقًا ينتصر على الآخر، بل مسارًا ثالثًا:
مسارًا يمزج حرارة الأيديولوجيا بوعي العلمانية، يجمع قوة الانتماء مع عقلانية الدولة، ويضع الوطن فوق الفكرة، والشعب فوق الحزب، والمستقبل فوق كل جدلٍ عقيم.
فلسطين لا تريد مسارين متصارعين…
بل تريد بوصلة واحدة ترشدها، لا مرآتين تعكسان ضياعها.
الي طريق الدولة وبناء الإنسان ....
#رمزي_عطية_مزهر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟