سامي ابراهيم فودة
الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 21:51
المحور:
القضية الفلسطينية
في غزة، لم تعد المأساة تتوقف عند لحظة القصف، ولا تنتهي عند سقوط الشهيد أو وفاة المريض. فالحرب لم تكتفِ بسلب الأرواح، بل امتدت لتسلب كرامة الموتى، وتترك عائلات مكلومة عاجزة حتى عن توفير قبر يضم أجساد أحبّتها. من أقصى شمال غزة إلى جنوبها، تتكرر الحكاية ذاتها: دموع، فقر، عجز، وأسئلة معلّقة بلا إجابة.
منذ بدء الإبادة الجماعية بحق غزة، تعيش العائلات الفلسطينية فصولاً غير مسبوقة من الألم. آلاف الشهداء والوفيات لأسباب متعددة، لكن المأساة الأكبر أن كثيراً من هذه العائلات لا تملك ثمن الكفن، ولا تكلفة القبر، التي وصلت إلى مبلغ خيالي يقارب 1000 شيكل، وهو رقم يفوق قدرة أسر فقدت معيلها، ودُمّرت بيوتها، وقُطعت عنها سبل الرزق.
عائلات ثكلى، خرج أبناؤها شهداء أو وافتهم المنية تحت القصف أو بسبب انعدام العلاج، تُفاجأ بأن الموت نفسه صار عبئاً مالياً. كيف لأمٍ فقدت فلذة كبدها، أو لأبٍ ودّع ابنه، أن يُطالَب بدفع ثمن حجر، أو بلاط قبر، أو مكان للدفن؟ أي قسوة هذه؟ وأي واقع هذا الذي يُدفن فيه الإنسان بلا شاهد، أو يُترك قبره بلا بلاط، أو يُوارى الثرى على عجل لأن الفقر أقسى من الفقد؟
وهنا يبرز السؤال المؤلم: أين وزارة الأوقاف؟
أين دورها من تحمّل تكلفة القبور؟ أين سيارات الأوقاف التي كانت تنقل جثامين الشهداء والمتوفين؟ أين النشاط الميداني الذي يُفترض أن يتابع شؤون الناس، ويقف إلى جانب الفقراء والمنكوبين في هذه الظروف الاستثنائية؟
الواقع يقول إن آلافاً دُفنوا دون الحدّ الأدنى من مقومات القبر اللائق، لا حجارة، لا بلاط، ولا حتى شاهد يحمل اسماً. والواقع أكثر مرارة حين نرى وزارة يُفترض أنها معنية بالأوقاف، بالمقابر، وبكرامة الإنسان حياً وميتاً، غائبة أو صامتة، وكأن هذه المعاناة لا تعنيها.
إن وزارة الأوقاف، باعتبارها جهة رسمية، وخاصة في ظل حكومة تدّعي ملامسة الواقع، مطالبة اليوم قبل الغد بتحمّل مسؤولياتها الأخلاقية والدينية والإنسانية. الشهداء أمانة، والفقراء أمانة، وكرامة الموتى ليست ترفاً بل واجباً شرعياً وإنسانياً.
في ختام سطور مقالي:
في غزة، الموت لم يعد نهاية الألم، بل بدايته. أن تفقد ابنك، ثم تعجز عن دفنه بكرامة، فهذه مصيبة فوق المصيبة. والله حرام… حرام أن يُترك الناس وحدهم في هذا الجحيم، وحرام أن يُساوَموا حتى على قبر.
هذه صرخة باسم كل أمٍ مكسورة، وكل أبٍ مفجوع، وكل عائلة لم تجد في جيبها ثمن كفن أو قبر. فهل من مجيب؟
#سامي_ابراهيم_فودة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟