أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - سوريا بين الفراغ و الهشاشة : سلطة انتقالية بلا مشروع تحرري














المزيد.....

سوريا بين الفراغ و الهشاشة : سلطة انتقالية بلا مشروع تحرري


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8559 - 2025 / 12 / 17 - 16:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سوريا بين الفراغ والهشاشة : سلطة انتقالية بلا مشروع تحرري


بعد عام كامل على سقوط النظام السابق، لم تدخل سوريا مرحلة انتقال سياسي بالمعنى الكلاسيكي، بل انزلقت إلى حالة فراغ سيادي مركّب، حيث تلاشى مركز القرار الداخلي دون أن يتشكّل بديل وطني قادر على إدارة التناقضات واستعادة الدولة. هذا الفراغ لم يكن نتيجة انهيار مؤسساتي مفاجئ فحسب، بل حصيلة مسار طويل من تفكيك بنيوي، تداخلت فيه عوامل داخلية مع مشاريع إقليمية ودولية تعاملت مع سوريا كساحة وظيفية لا ككيان سيادي مستقل.
السلطة الانتقالية التي تشكّلت بعد سقوط النظام وجدت نفسها منذ اللحظة الأولى محاصرة بعجز عن استعادة الشرعية الشعبية، خصوصًا في دمشق وحلب، مركزَي الثقل السياسي والاقتصادي. هكذا تحولت السلطة إلى إدارة أزمة مؤقتة لا مشروع دولة قيد التأسيس، في حين أصبح القرار السوري عمليًا تحت تأثير قوى خارجية متعددة.

سقوط بلا سردية جامعة… السلطة الانتقالية بلا جذور اجتماعية

سقوط النظام لم يكن تتويجًا لحراك شعبي حاسم، بل عملية إعادة ترتيب فوقية شاركت فيها أطراف داخلية وخارجية، انتهت بإزاحة رأس النظام دون تفكيك شامل للبنية العميقة للأزمة. هذا الطابع الملتبس حرم السلطة الانتقالية من أهم عناصر الشرعية: التفويض الشعبي الواضح والسردية الوطنية الجامعة.
غياب الحواضن الاجتماعية في دمشق وحلب دفع السلطة إلى الاعتماد على الرمزية العسكرية والاستعراض الأمني كبديل عن الشرعية السياسية، ما عمّق الفجوة بينها وبين المجتمع وحوّلها إلى سلطة إدارة أزمة أكثر من كونها سلطة بناء دولة.

الجنوب السوري: السيادة كاختبار مفتوح في ظل صمت دولي

يمثّل التمدد الإسرائيلي في جنوب سوريا، خصوصًا جبل الشيخ، أحد أبرز تجليات هشاشة الدولة السورية. الصمت الدولي تجاه هذا التمدد لا يشير إلى حياد، بل إلى قبول ضمني بتحويل الجنوب إلى منطقة نفوذ مفتوحة تُدار خارج أي معادلة سيادية.
هذا الواقع يعكس ضعف الدولة في حماية حدودها، ويفتح الباب أمام قوى محلية رسمية وغير رسمية لملء الفراغ بمنطق القوة، ما يحوّل الأمن من وظيفة سيادية إلى أداة سيطرة محلية. الجنوب، بهذا المعنى، أصبح اختبارًا عمليًا لمفهوم السيادة السورية ومؤشرًا على قدرة السلطة على حماية الدولة والمجتمع.

الساحل السوري: مجازر اللاذقية وطرطوس كحالة دراسية

لم يكن الساحل السوري (اللاذقية وطرطوس) مجرد خلفية للصراع، بل حالة مركزية تكشف هشاشة السلطة الانتقالية وخطورة الفراغ السياسي. المجازر التي شهدتها المنطقة تشمل:
قتل مدنيين جماعيًا خارج أي اشتباك عسكري
استهداف محدّد حسب الهوية والانتماء الطائفي والسياسي
غياب أي تحقيق جدي أو مساءلة
صمت السلطة الانتقالية والمجتمع الدولي الذي أعطى الضوء الأخضر لاستمرار الانتهاكات
تحليل هذه المجازر يظهر أن العنف لم يكن مجرد انفلات أمني، بل أداة سياسية لإعادة هندسة المجتمع والسيطرة على مناطق استراتيجية. كما أسهم هذا الواقع في تفكيك الثقة بين المجتمع والدولة، وخلق حالة من الرعب اليومي واللاشرعية الممتدة، ما يضع سوريا على حافة نموذج مشابه لتجارب بلوشستان واليمن، حيث يصبح الإفلات من العقاب سياسة دائمة.

الانفلات الأمني والاختفاء القسري: من فراغ السلطة إلى الرعب المنهجي

في ظل هذا التفكك السياسي والأمني، برزت موجة الخطف والاختفاء القسري والانتهاكات اليومية كسمات مرحلة جديدة، لا امتدادًا لملفات الماضي فقط. ما يجري اليوم هو نتيجة مباشرة لغياب الدولة وتعدد مراكز القوة وانعدام المحاسبة.
الإضرابات الشعبية الأخيرة لم تكن احتجاجًا اجتماعيًا عابرًا، بل تعبيرًا سياسيًا واضحًا عن رفض العودة إلى مرحلة الرعب اليومي، واستبدال سلطة مركزية ضعيفة بانفلات محلي شامل. هذه التجربة تحذّر من تراكم أزمات حقوقية طويلة الأمد قد تغذي التطرف والعنف لاحقًا إذا لم تتم معالجة الانتهاكات بشكل عاجل.

سوريا في تقاطع المشاريع الكبرى: إدارة التفكك بدل بناء الدولة

لا يمكن فهم الأزمة السورية بمعزل عن المشاريع الإقليمية والدولية الكبرى:
المشروع الصهيوني: عبر تثبيت الاحتلال في الجولان وخلق بؤر توتر دائمة، يضمن إبقاء سوريا في حالة تفكك مستمر.
المشروع الأمريكي: عبر إدارة التوازنات لا حلّها، يستخدم سوريا كورقة تفاوض ضمن ملفات أوسع.
تداخل هذين المشروعين يعيق تشكّل قرار وطني مستقل، وفي ظل سلطة انتقالية ضعيفة، يصبح المجتمع السوري الحلقة الأضعف، والفراغ السياسي يتحوّل إلى ساحة مفتوحة لإعادة هندسة السلطة بالقوة.

خاتمة: بين خطر التآكل وإمكان الاستعادة

سوريا اليوم على مفترق خطر استراتيجي. استمرار الفراغ السياسي، تآكل السيادة، الانفلات الأمني، ومجازر الساحل، يمكن أن يقود البلاد إلى نموذج تفكك طويل الأمد شبيه بتجارب إقليمية لم تتعافَ بعد.
لكن نافذة الاستدراك لم تُغلق بعد:
إعادة القرار إلى الداخل
استعادة السيادة
معالجة الاختفاء القسري والمجازر كملفات سياسية عاجلة
فرض محاسبة على كافة الانتهاكات
هي شروط الحد الأدنى لمنع الانزلاق الكامل. الدول تنهار ليس بسقوط أنظمتها، بل بفقدان قدرتها على حماية مواطنيها ومنحهم معنى الانتماء. وسوريا، إذا لم تُستعد كاختيار وطني حر، ستظل ساحة مفتوحة تُدار من الخارج، لا دولة قادرة على تقرير مصيرها.

- كاتب صحفي و باحث تونسي مهتم بقضايا التنمية و المواطنة و النزاعات الإقليمية و الدولية و آخر تطورات الصراع العربي/ الصهيوني.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهيار الأسطورة: المشروع الصهيوني بين تفكك الداخل و إستعصاء ...
- صناعة القوًة في الظلً : حين يعيد التاريخ دروسه بين المقاومة ...
- مواطنون لا رعايا : من أجل جمهورية ديمقراطية إختماعية تونسية ...
- محور المقاومة العربية : استراتيجيات الصمود و مسارات التاثير ...
- غزة و التحولات الإقليمية..حدود القوة و إمكانات التغيير
- الأمة العربية بين الوعي و المقاومة : صراع التاريخ و الخيارات ...
- شهادة نعتزً بها و تدفعنا إلى الأمام...
- الحبكة المقدسة : الدين في السينما الغربية
- السياسة و اللحظة الحاسمة : بين الإدراك التاريخي و القرار الج ...
- انيسة عبود ..بين النعنع البرًي و صدى الروح الأدبية
- الذكرى الثانية لطوفان الأقصى : سقوط الأسطورة الصهيونية و صعو ...
- هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي بين التاريخ و الأسطورة و الهو ...
- الجمهورية الممكنة..من الرعوية إلى المواطنة
- من يقاوم الهزيمة لا يخشى النهايات
- غزة في زمن الإبادة : شهادة على العجز الدولي و صمود الإنسان
- رشاد أبو شاور ..روائي المقاومة و ذاكرة فلسطين
- رفح.. العملية النوعية التي كسرت وهم المنطقة الآمنة
- عبد الجبار العش.. الكلمة الحرًة و الموقف المبدئي
- زياد جيوسي...مسيرة فكربة و نقدية لافتة
- محمد داني: بين السرد و النقد.. رحلة الوعي و الإبداع


المزيد.....




- السعودية.. تفاعل على مشاهد تساقط الثلوج في جبال اللوز بمنطقة ...
- -ضغوط أمريكية جدية على إسرائيل- لبدء المرحلة الثانية من وقف ...
- أوروبا تقر وقف شراء الغاز الروسي في خريف 2027 كحد أقصى
- ترامب يحاصر فنزويلا ويصنف نظامها -منظمة إرهابية أجنبية- فما ...
- كبيرة موظفي البيت الأبيض عن ترامب: لديه شخصية مدمن على الكحو ...
- صناعة السروج التقليدية.. إرث ثقافي تحفظه أيادي الحرفيين اللي ...
- هواء سام ومدن معطلة.. كيف يدفع الإيرانيون ثمن تلوث الهواء؟
- كبيرة موظفي البيت الأبيض ترسم ملامح فوضى صادمة داخله
- أوكرانيا تقصف مصفاة نفط روسية وتكثف هجماتها بالمسيّرات
- تايمز: حرب على القضبان.. روسيا تستهدف سكك حديد أوكرانيا


المزيد.....

- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البشير عبيد - سوريا بين الفراغ و الهشاشة : سلطة انتقالية بلا مشروع تحرري