أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - البشير عبيد - غزة و التحولات الإقليمية..حدود القوة و إمكانات التغيير















المزيد.....

غزة و التحولات الإقليمية..حدود القوة و إمكانات التغيير


البشير عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 17:00
المحور: القضية الفلسطينية
    


غزة والتحولات الإقليمية: حدود القوة وإمكانات التغيير

البشير عبيد – تونس

تقف غزة اليوم في قلب المشهد الإقليمي المعقد، ليس فقط كساحة مواجهة محلية، بل كمختبر استراتيجي حي يعكس حدود القوة ويكشف اتجاهات التحالفات الإقليمية والدولية. فكل جولة تصعيد أو تهدئة تتحول إلى اختبار عملي يوضح مدى تماسك التحالفات، وقدرة القوى على صياغة سياسات متسقة تجاه الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. قراءة غزة في سياقها الراهن تعتبر مدخلاً لفهم التوازنات الإقليمية، إذ تكشف التجربة أن القوة العسكرية وحدها لا تحسم المعادلة، وأن البعد الإنساني والاجتماعي والسياسي يظل عنصرًا جوهريًا في تحديد مآلات الصراع وامتداداته المستقبلية.
إن موقع غزة الاستراتيجي على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وحجمها الضيق الذي لا يتجاوز طوله أربعين كيلومترًا وعرضه عشرة كيلومترات، يخفي واقعًا أكثر تعقيدًا. السكان يعيشون في ظروف قاسية تشمل الحصار الطويل، القيود الاقتصادية، التهديد العسكري المستمر، والانقسام السياسي الداخلي. هذه العناصر تجعل من غزة نموذجًا حيًا لفهم ديناميكيات المنطقة، حيث كل حدث محلي أو تصعيد عسكري يعكس إعادة ترتيب التحالفات ويؤثر على السياسات الإقليمية والدولية، ويضع الباحث أمام معادلة تتشابك فيها القوة العسكرية، التحالفات الإقليمية، والتكيف الاجتماعي.

غزة كمعيار للتحالفات الإقليمية

لم تعد غزة مجرد مساحة جغرافية محاصرة، بل أصبحت مؤشرًا استراتيجيًا على صدقية التحالفات الإقليمية. كل موقف سياسي أو دعم مادي أو إعلامي يعكس موقع الدولة أو الفاعل في شبكة التحالفات. فالدول التي تدعم المقاومة الفلسطينية تظهر التزامًا بخطوط استراتيجية معينة، بينما تعكس دول أخرى موقفها المهادن أو الضاغط طبيعة مصالحها الإقليمية، سواء أكانت سياسية، اقتصادية، أم عسكرية.
دراسة مواقف القوى الإقليمية تكشف تباينًا واضحًا في أولوياتها. فتركيا وقطر تسعيان لتعزيز نفوذهما عبر دعم المقاومة سياسيًا وإعلاميًا، فيما تسعى مصر للضغط على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للحفاظ على استقرار الحدود ووقف التصعيد. إيران تعتمد على أبعاد الدعم الرمزي والتقني، بينما السعودية تسعى لموازنة حساباتها بين الدور الإقليمي والضغط الدولي. هذا التباين يولّد شبكات تأثير معقدة، ويجعل غزة منصة اختبار لتقييم التحالفات ومقياسًا لقدرة كل طرف على فرض إرادته وتحقيق أهدافه.
كما أن غزة تمثل مقياسًا حيًا للمرونة الاستراتيجية. فالديناميات الداخلية للمدينة، من صمود المجتمع المدني إلى التكيف مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تضيف بعدًا آخر للتحالفات الإقليمية، إذ يظل كل لاعب مضطرًا لمراعاة الواقع الميداني وتفاعلات السكان قبل اتخاذ أي قرار سياسي أو عسكري.

الحرب الأخيرة وإعادة رسم موازين القوى

الحرب الأخيرة على غزة لم تكن مواجهة تقليدية، بل تجربة شاملة كشفت هشاشة التوازن العسكري ومرونة التحالفات الإقليمية. فقد تداخلت الأبعاد العسكرية، الإعلامية، الدبلوماسية، والاجتماعية في كل خطوة، لتعيد رسم نفوذ الأطراف على الأرض.
المقاومة الفلسطينية أظهرت قدرة كبيرة على توظيف وسائل غير تقليدية، بما في ذلك تطوير صواريخ محلية الصنع، نظم دفاعية محدودة، وتكتيكات هجومية مبتكرة، ما فرض على الأطراف الإقليمية مراجعة استراتيجياتها. هذا الواقع يوضح أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي، وأن الصمود الاجتماعي والتكيف المدني يشكلان ركيزة أساسية لاستمرار المعادلة.
الإعلام لعب دورًا استراتيجيًا، إذ أصبح ساحة تأثير موازية: نقل الأحداث، توثيق الانتهاكات، وصياغة الخطاب السياسي، جميعها عوامل تؤثر على التوازنات الإقليمية. التكنولوجيا، سواء في الرصد أو الدفاع، أضافت بعدًا آخر جعل غزة نقطة اختبار لكل لاعب إقليمي ودولي.
الحرب أعادت توزيع النفوذ بين المحاور التقليدية والجديدة، فظهرت محاور أكثر مرونة وقدرة على التأثير السريع، بينما تراجعت قدرة بعض القوى التقليدية على التحكم الكامل بالمشهد. كل هذه العناصر تجعل غزة نموذجًا بحثيًا فريدًا لدراسة استراتيجيات الصمود المدني ومرونة السكان أمام التفوق العسكري التقليدي.

البعد الإنساني والاجتماعي كعامل استراتيجي

البعد الإنساني والاجتماعي في غزة يشكل جوهر المعادلة الاستراتيجية. الحصار الطويل وتكرار الحروب أدى إلى أزمة اقتصادية حادة، مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر، خصوصًا بين الشباب. المدارس والمستشفيات تعاني من نقص المعدات والبنية التحتية، فيما يضطر السكان للعيش في ظروف صعبة تتطلب مرونة دائمة.
ومع ذلك، أثبت المجتمع الغزي قدرته على التكيف. الأسواق غير الرسمية والمبادرات المحلية الصغيرة تمثل شبكات دعم مرنة تساعد في الحفاظ على حد أدنى من الحياة اليومية. التعليم والفن والمبادرات الثقافية تعتبر أدوات مقاومة غير مباشرة تحافظ على الهوية الوطنية وتبني القدرة على التكيف وسط الظروف القاسية.
الأطفال والشباب، الذين نشأوا تحت الحصار، تعلموا منذ الصغر معنى الصمود والمقاومة، فيما تتحمل النساء أعباء الأسرة والمجتمع معًا، ما يعكس دينامية مجتمعية صلبة تسهم في الحفاظ على توازن المدينة رغم الأزمات. فهم هذا البعد ضروري لأي مركز دراسات يسعى لتقديم تحليلات واقعية وفعالة، لأن استدامة أي تسوية أو خطة تنموية تتطلب معالجة البنية الاجتماعية والاقتصادية، وليس مجرد الاعتبارات العسكرية والسياسية.

الموقف الدولي والسيناريوهات المستقبلية

أبرزت الحرب الأخيرة حدود قدرة القوى الكبرى على فرض حلول شاملة. الولايات المتحدة، القوى الأوروبية، والمنظمات الدولية شكلت شبكة تأثير مختلفة، بينما بقيت أدوات الضغط محدودة بسبب تعدد المصالح وتضارب الأجندات الإقليمية.
يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية:
1. تسوية جزئية تعتمد على وقف إطلاق النار وفتح معابر محدودة، وهو السيناريو الأكثر احتمالًا على المدى القريب، لكنه يترك القضايا البنيوية دون حل.
2. تصعيد متجدد يعيد رسم التحالفات ويضاعف الكلفة الإنسانية، وقد يؤدي إلى حالة استنزاف طويلة الأمد، تؤثر مباشرة على الاستقرار الإقليمي.
3. مبادرة إقليمية شاملة تتطلب تنسيقًا عالي المستوى بين القوى الكبرى، مع دمج البعد التنموي والاجتماعي في أي حل سياسي لضمان استدامة التسوية وتقليل احتمالية الانفجار مجددًا.
تحقيق أي من هذه السيناريوهات مرتبط بمدى قدرة الأطراف الإقليمية على تجاوز خلافاتها، واستعداد القوى الكبرى للاعتراف بحدود القوة التقليدية، وأخيرًا بقدرة السكان على مواصلة الصمود والتكيف مع التحديات.

خاتمة: غزة كاشف استراتيجي للإقليم

غزة لم تعد مجرد ساحة مواجهة، بل مختبر استراتيجي يكشف حدود القوة ويعيد رسم خرائط التحالفات. فهي معيار لمدى جدية الأطراف الإقليمية في بناء تحالفات متماسكة، واختبار لقدرة القوى الكبرى على ترجمة سياساتها إلى أفعال ملموسة، وفي الوقت نفسه مؤشر على أهمية البعد الإنساني والاجتماعي في صياغة الموازين الاستراتيجية.
أي تحليل للمشهد الإقليمي سيكون ناقصًا إذا لم يضع غزة في مركز الاهتمام، ليس فقط باعتبارها ساحة صراع، بل لأنها تكثيف رمزي وعملي لأزمات الإقليم وإمكانات تحوله. ومن هنا، تصبح غزة عنوانًا للصمود، ومرآة للتحولات الكبرى، ونقطة ارتكاز لأي قراءة بحثية تسعى لفهم موازين القوى المستقبلية في المنطقة.

- كاتب صحفي و باحث تونسي مهتم بقضايا التنمية و المواطنة و النزاعات و الصراعات الإقليمية و الدولية و آخر تطورات القضية الفلسطينية العادلة.



#البشير_عبيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمة العربية بين الوعي و المقاومة : صراع التاريخ و الخيارات ...
- شهادة نعتزً بها و تدفعنا إلى الأمام...
- الحبكة المقدسة : الدين في السينما الغربية
- السياسة و اللحظة الحاسمة : بين الإدراك التاريخي و القرار الج ...
- انيسة عبود ..بين النعنع البرًي و صدى الروح الأدبية
- الذكرى الثانية لطوفان الأقصى : سقوط الأسطورة الصهيونية و صعو ...
- هاني بعل الكنعاني لصبحي فحماوي بين التاريخ و الأسطورة و الهو ...
- الجمهورية الممكنة..من الرعوية إلى المواطنة
- من يقاوم الهزيمة لا يخشى النهايات
- غزة في زمن الإبادة : شهادة على العجز الدولي و صمود الإنسان
- رشاد أبو شاور ..روائي المقاومة و ذاكرة فلسطين
- رفح.. العملية النوعية التي كسرت وهم المنطقة الآمنة
- عبد الجبار العش.. الكلمة الحرًة و الموقف المبدئي
- زياد جيوسي...مسيرة فكربة و نقدية لافتة
- محمد داني: بين السرد و النقد.. رحلة الوعي و الإبداع
- حنظلة لا يموت : ناجي العلي و الثقافة المقاومة
- نصر الدين العسالي : حين تتجلًى اللوحة في مواجهة قسوة الواقع
- علوية القانون و سيادة القرار : رهانات الدولة الحديثة
- صنع الله ابراهيم : الروائي الذي كتب الحرية بمداد الحقيقة
- حين تنطق الأرض : غزة تردً بالعقل و الدهاء


المزيد.....




- انتخابات عمدة نيويورك.. زهران ممداني لـCNN عن تأييد ترامب وم ...
- تحليل لـCNN.. لماذا أصبحت التهديدات النووية -أكثر خطورة-؟
- -صحة غزة- تعلن إعادة إسرائيل جثامين 45 فلسطينيا
- كيم كارداشيان تشكك في الهبوط على القمر!
- انتخابات عمدة نيويورك: سباق محموم وقضايا ملحة واهتمام شعبي
- -الفاو-: تدهور الأراضي بفعل البشر يهدد معيشة 1,7 مليار شخص ح ...
- تحرك أميركي لتشكيل قوة دولية بصلاحيات واسعة في غزة
- لبنان وليبيا.. تسليم ملف -الصدر- وبوادر حل لقضية -هانيبال-
- هوكشتاين يدعو إلى مسار لنزع سلاح حزب الله -تدريجيا-
- واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة


المزيد.....

- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - البشير عبيد - غزة و التحولات الإقليمية..حدود القوة و إمكانات التغيير