محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 19:30
المحور:
قضايا ثقافية
الإجازة مدفوعة الأجر كخطوة لمعالجة الترهل الوظيفي وإعادة ترتيب المؤسسات
الملخص
يشكّل الترهل الوظيفي أحد أبرز التحديات التي تواجه المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية في الدول النامية والمتقدمة على حدّ سواء، حيث يؤدي فائض العمالة غير الفعّالة إلى انخفاض الإنتاجية، تراجع جودة الخدمات، ارتفاع الإنفاق الحكومي، وإضعاف كفاءة المؤسسات. في هذا السياق، برزت الإجازة مدفوعة الأجر الجزئية أو المشروطة كأداة مبتكرة ضمن سياسات إعادة الهيكلة، دون اللجوء إلى الاستغناء القسري عن العاملين، بما يضمن الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والوظيفي.
يبحث هذا المقال في مفهوم الترهل الوظيفي، جذوره، آثاره، وأنماط معالجته، ثم يناقش الإجازة مدفوعة الأجر كمقاربة حديثة لإعادة ترتيب المؤسسات وتحسين الأداء الوظيفي، بالاعتماد على تحليل مقارن لتجارب دولية، والأطر النظرية الحديثة في إدارة الموارد البشرية. كما يقترح المقال إطارًا عمليًا لتطبيق هذه السياسة وفق أسس علمية، مع إبراز فوائدها وتحدياتها، بالاعتماد على مراجعة أدبيات أكاديمية وإدارية معاصرة.
---
المقدمة
تعاني العديد من المؤسسات العامة من ظاهرة الترهل الوظيفي، التي تعني وجود عدد من الموظفين يفوق الحاجة الفعلية، غالبًا مع تدني مستويات الإنتاجية. هذه الظاهرة ليست وليدة اللحظة، بل تنشأ نتيجة مزيج معقد من الإدارة التقليدية، غياب التخطيط، التعيينات العشوائية، التدخلات السياسية، وسوء توزيع الموارد البشرية.
ومع تصاعد الضغوط الاقتصادية، أصبح من الضروري أن تبحث الحكومات عن أدوات جديدة لمعالجة الترهل دون المساس بالحقوق المكتسبة للموظفين. ومن هنا برزت الإجازة مدفوعة الأجر كبديل معقول، يحقق التوازن بين حماية العامل وإعادة هيكلة المؤسسة من الداخل.
يركز هذا المقال على تحليل هذه السياسة من منظور أكاديمي شامل، من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية:
1. ما هو الترهل الوظيفي؟ وما أسبابه البنيوية؟
2. ما آثار الترهل على الأداء المؤسسي والاقتصاد الوطني؟
3. كيف يمكن أن تسهم الإجازة مدفوعة الأجر في الحد من الترهل؟
4. ما المتطلبات اللازمة لنجاح هذه السياسة؟
5. ما الدروس المستفادة من التجارب الدولية؟
يهدف المقال إلى تقديم رؤية علمية قابلة للتطبيق لإصلاح المؤسسات واستعادة فعاليتها.
---
الفصل الأول: الترهل الوظيفي – ماهيته، جذوره، وآثاره
1.1 تعريف الترهل الوظيفي
يعرف الترهل الوظيفي بأنه:
زيادة في عدد العاملين بالمؤسسة مقارنة بحجم العمل الفعلي، وتدني معدلات الإنتاجية نتيجة سوء استخدام الموارد البشرية.
وهو ظاهرة مرتبطة بعدة متغيرات:
ضعف التخطيط الوظيفي.
تضخم الجهاز الإداري.
غياب أنظمة تقييم الأداء.
التوظيف القائم على المحسوبية.
1.2 جذور الترهل الوظيفي
1.2.1 أسباب إدارية
غياب رؤية استراتيجية للموارد البشرية.
الاعتماد على التوظيف التقليدي دون تحليل عبء العمل.
ضعف هيكلة المؤسسات واعتمادها على الوصف الوظيفي غير المحدّث.
1.2.2 أسباب سياسية
التعيينات المرتبطة بالولاءات السياسية.
توسّع القطاع العام في فترات معينة لامتصاص البطالة.
1.2.3 أسباب اقتصادية
غياب القطاع الخاص القوي.
الاعتماد على الوظيفة الحكومية كضمان اجتماعي.
1.2.4 أسباب اجتماعية وثقافية
ثقافة العمل غير الإنتاجي.
قبول التوظيف دون مهارات.
1.3 آثار الترهل الوظيفي على المؤسسات
1.3.1 انخفاض كفاءة الأداء
يصبح الموظفون غير محفزين، وتكون المهام موزعة بشكل عشوائي.
1.3.2 ارتفاع تكاليف التشغيل
ترتفع كتلة الرواتب على حساب مشاريع التطوير.
1.3.3 تراجع جودة الخدمات العامة
الأداء المتدني يؤدي إلى نقص الابتكار.
1.3.4 بطء اتخاذ القرار
تضخم الهياكل الإدارية يؤدي إلى التعقيد.
1.4 آثار الترهل على الاقتصاد الوطني
هدر الموارد العامة.
تراجع الإنتاجية الوطنية.
تأخر الإصلاح الإداري.
ضعف التنافسية.
---
الفصل الثاني: الإجازة مدفوعة الأجر – المفهوم والأساس النظري
2.1 تعريف الإجازة مدفوعة الأجر
الإجازة مدفوعة الأجر هنا لا تُقصد بها الإجازة التقليدية، وإنما: إجازة طويلة أو متوسطة المدة، يحصل فيها الموظف على نسبة من أجره (30%–70%) بهدف تخفيف العبء عن المؤسسة وإعادة هيكلة القوى العاملة.
2.2 الأساس القانوني والإداري للسياسة
تعتمد على:
قوانين العمل والتوظيف في القطاع العام.
إجراءات حكومية تتيح خيارات مرنة لإدارة الموارد البشرية.
2.3 أنواع الإجازات مدفوعة الأجر
1. إجازة مدفوعة جزئيًا (Partial Paid Leave).
2. إجازة مدفوعة مع تكليف تدريبي (Training Leave).
3. إجازة مدفوعة لغرض ممارسة نشاط خاص (Entrepreneurial Leave).
4. إجازة مدفوعة للبحث العلمي والتطوير.
2.4 فلسفة السياسة في معالجة الترهل
ترتكز على مبادئ:
المرونة الوظيفية.
تخفيض التكاليف دون طرد الموظفين.
تشجيع الموظف على تطوير مهاراته.
إعادة توزيع القوى العاملة حسب الحاجة.
2.5 ارتباطها بنظرية رأس المال البشري
تسهم الإجازة مدفوعة الأجر في تحويل الوقت غير المنتج إلى فرصة:
للتعلم.
للتطوير المهني.
لريادة الأعمال.
للمساهمة في الاقتصاد بطرق جديدة.
---
الفصل الثالث: الإجازة مدفوعة الأجر كوسيلة لمعالجة الترهل الوظيفي
3.1 كيف تساعد هذه السياسة في تقليل الترهل؟
1. تقليل كتلة الرواتب تدريجيًا دون المساس بالأمان الوظيفي.
2. إعادة هيكلة الموارد البشرية بتحويل الموظفين الفائضين إلى مسارات جديدة.
3. إتاحة فرصة تدريبية لبعض الموظفين غير المؤهلين.
4. تحسين الإنتاجية من خلال تخفيف الضغط المؤسسي.
3.2 إعادة توزيع الموارد البشرية
تعطي الإجازة مدفوعة الأجر فرصة:
لنقل موظفين من أقسام زائدة إلى أقسام بحاجة.
لإعادة ضبط الهيكل التنظيمي.
3.3 تعزيز دافعية العمل
تشكل الإجازة جزءًا من:
خطة تحفيز داخلي.
معالجة الاحتراق الوظيفي.
تحسين مستوى الالتزام.
3.4 تقليل النزاعات العمالية
تلغي الحاجة إلى التسريح القسري، وتبقي العلاقة الودية بين العامل والمؤسسة.
3.5 دور الإجازة في تحسين بيئة العمل
من خلال:
تقليل الاكتظاظ.
تعزيز الإنتاجية في الأقسام الحيوية.
تخفيف الضغط النفسي على العاملين.
---
الفصل الرابع: الإطار الاقتصادي للإجازة مدفوعة الأجر
4.1 الأثر على الموازنة العامة
تساعد السياسة على:
تخفيض كتلة الأجور.
إعادة توجيه الموارد نحو الاستثمار.
دعم خطط التحول الاقتصادي.
4.2 دورها في دعم القطاع الخاص
حين يتوجه العامل إلى:
مشاريع صغيرة.
تخصصات مهنية.
عمل حر.
فإن ذلك يخلق حركة اقتصادية جديدة.
4.3 معالجة الاختلال بين العرض والطلب في سوق العمل
الإجازة مدفوعة الأجر تساعد في:
تقليل الضغط على القطاع العام.
تحفيز العمالة للاتجاه نحو القطاع الخاص.
4.4 الأثر على الإنتاجية الوطنية
ترفع الإنتاجية من خلال:
زيادة مهارات العاملين.
توجيه الموارد إلى القطاعات الأشد حاجة.
---
الفصل الخامس: التحديات التي تواجه تطبيق الإجازة مدفوعة الأجر
5.1 اعتراض الموظفين
بسبب الخوف من خسارة جزء من الدخل.
5.2 ضرورة وجود تشريعات مرنة
قد يتطلب الأمر تعديل قوانين الخدمة المدنية.
5.3 ضعف الوعي الإداري
المؤسسات قد لا تمتلك الكفاءة الكافية للتطبيق.
5.4 خطر سوء الاستخدام
قد تتحول الإجازة إلى آلية للتمييز أو المحاباة.
5.5 الحاجة إلى نظام تقييم أداء متطور
لا يمكن تحديد الفائض بدقة دون مؤشرات أداء علمية.
---
الفصل السادس: التجارب الدولية – دراسات حالة
6.1 تجربة سنغافورة
استخدمت إجازات مدفوعة جزئيًا لتشجيع:
إعادة التأهيل المهني.
اكتساب مهارات متقدمة.
6.2 تجربة كندا
اعتمدت على برنامج:
Self-Funded Leave Program
حيث يتم اقتطاع جزء من راتب العامل مسبقًا، ليحصل لاحقًا على إجازة مدفوعة الأجر.
6.3 تجربة الدنمارك
ضمن إطار نموذج المرونة والأمان الوظيفي (Flexicurity)
حيث تُستخدم إجازات مدفوعة لدعم إعادة التدريب.
6.4 تجربة اليابان
اعتمدت على الإجازة المدفوعة لتحسين الإنتاجية ومحاربة الانهاك الوظيفي.
خلاصة المقارنة
تشترك التجارب الناجحة في:
وجود قوانين مرنة.
ثقافة مؤسساتية داعمة.
برامج تدريب متوازية.
آليات تقييم عادلة للموظفين المستهدفين.
---
الفصل السابع: نموذج تطبيقي مقترح لإعادة ترتيب المؤسسات عبر الإجازة مدفوعة الأجر
7.1 المرحلة الأولى: التشخيص
تحليل عبء العمل.
تحديد الفائض.
قياس الإنتاجية.
7.2 المرحلة الثانية: تصميم البرنامج
يشمل:
نسبة الراتب المدفوع.
مدة الإجازة.
خيارات تدريبية.
برامج دعم للمشاريع الصغيرة.
7.3 المرحلة الثالثة: التنفيذ
إطلاق حملة إعلامية.
استقبال طلبات المشاركة.
تقييم أولي للنتائج بعد 6 أشهر.
7.4 المرحلة الرابعة: المتابعة والتقييم
قياس وفورات الرواتب.
قياس رضا الموظفين.
قياس تطور الأداء المؤسسي.
---
الخاتمة
الإجازة مدفوعة الأجر ليست مجرد أداة لتخفيف عدد العاملين، بل هي استراتيجية إعادة هيكلة ذكية تتيح للمؤسسات معالجة الترهل الوظيفي دون اللجوء إلى تسريح قسري، وتوفر للموظفين فرصة للنمو المهني أو للراحة النفسية، وتفتح الباب أمام تجديد المؤسسة وتحسين أدائها.
إن نجاح هذه السياسة يعتمد على:
وجود تشريعات واضحة.
شفافية التنفيذ.
وجود تقييم أداء علمي.
برامج تدريب داعمة.
إن إعادة ترتيب المؤسسات ليست عملية إدارية فحسب، بل مشروع وطني للإصلاح، يبدأ من تأهيل القوى البشرية وينتهي ببناء مؤسسة كفؤة قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
---
المراجع
1. Armstrong, M. Armstrong’s Handbook of Human Resource Management Practice. Kogan Page, 2021.
2. Cappelli, Peter. Managing Excess Workers: The Case for Employment Strategies. Harvard Business Review, 2019.
3. Dessler, Gary. Human Resource Management. Pearson, 2020.
4. OECD. Flexicurity: Modernising Labour Markets. OECD Publishing, 2018.
5. World Bank. Public Sector Reform: What Works and Why? World Bank Report, 2017.
6. ILO. Employment Policies for Sustainable Recovery. International Labour Organization, 2020.
7. Evans, A. Public Sector Reform and Capacity Building. Routledge, 2019.
8. Singapore Ministry of Manpower. SkillsFuture and Workforce Transformation, 2021.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟