محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 02:50
المحور:
قضايا ثقافية
---
المقدمة
شهد النظام المالي العالمي خلال العقود الأخيرة تطوراً هائلاً في تقنيات الدفع والتحويلات المالية، وكان على رأس هذه التقنيات نظام سويفت (SWIFT) الذي يعدُّ اليوم العمود الفقري للاتصالات المالية العالمية. ومع تصاعد التوترات الدولية واستخدام العقوبات الاقتصادية كسلاح جيوسياسي، برز سويفت بوصفه أداة استراتيجية في إدارة العلاقات الاقتصادية، وأصبح استبعاد الدول أو المصارف منه واحداً من أقسى أشكال العقاب المالي الحديث.
إلا أنّ مرحلة ما بعد العقوبات تمثل منعطفاً جديداً للدول التي تدخل في عمليات إعادة اندماج تدريجية داخل النظام المالي العالمي، حيث يشكّل استعادة الوصول إلى سويفت أو تطوير بدائل له عاملاً أساسياً في تسريع العجلة الاقتصادية، وتفعيل قنوات التجارة، وتنشيط الاستثمار، وإعادة بناء الثقة المالية.
يهدف هذا المقال إلى توضيح طبيعة نظام سويفت، وكيف أثّر كأداة ضغط خلال فترة العقوبات، ثم تحليل دوره في تحفيز النمو الاقتصادي في مرحلة ما بعد العقوبات، مستندين إلى إطار نظري واقعي ودراسات مقارنة وتجارب دولية، مع تقديم رؤية تحليلية حول كيفية الاستفادة منه لتسريع التعافي الاقتصادي.
---
أولاً: ماهية نظام سويفت (SWIFT)
1. تعريف سويفت
سويفت هو اختصار لـ:
Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunication
وهو شبكة اتصالات مالية عالمية تأسست عام 1973 في بلجيكا، وتستخدمها أكثر من 11.000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة.
لا يقوم سويفت بتحويل الأموال فعلياً، بل يعمل كـ قناة اتصال آمنة لنقل رسائل الدفع بين المصارف، ويعتمد عليه النظام المالي العالمي بوصفه معياراً للموثوقية والسرعة والأمان.
2. وظائف سويفت الأساسية
إرسال رسائل التحويلات المالية (MT103، MT202)
تأكيد العمليات المصرفية
دعم عمليات التجارة الخارجية (اعتمادات – مستندات – ضمانات)
تسهيل المقاصة بين البنوك
دعم عمليات الاستثمار والتحويلات الكبرى
مشاركة البيانات والمعلومات المالية
3. خصائص سويفت
الأمان العالي
معيارية الرسائل
دعم لا مركزي عالمي
السرعة والموثوقية
قابلية التتبع
الاستقلال المؤسسي
---
ثانياً: سويفت كأداة جيوسياسية وعقابية
1. استخدام سويفت في إدارة العقوبات
تحوّل سويفت خلال العقدين الأخيرين إلى إحدى أقوى أدوات الضغط الاقتصادي.
فعندما يُقصى بلد ما عن الشبكة، يصبح:
غير قادر على إرسال أو استلام الأموال عبر النظام العالمي
معزولاً عن التجارة الدولية
عاجزاً عن تمويل الاستيراد والتصدير
فاقداً للثقة من قبل البنوك الدولية
مضطراً للاعتماد على شبكات بديلة بطيئة أو يدوية
2. أمثلة دولية
إيران (2012 – 2016): أدى استبعادها من سويفت إلى خسارة مليارات الدولارات وتراجع حاد في التجارة الدولية.
كوريا الشمالية: شبه معزولة بالكامل عن النظام المالي العالمي.
روسيا (2022): استُخدمت العقوبات على سويفت ضد بعض المصارف الروسية، ما أدى إلى ارتباك اقتصادي واسع.
3. أثر العقوبات عبر سويفت
وفق الدراسات الاقتصادية، يؤدي المنع من سويفت إلى:
انخفاض 30–50% في التعاملات التجارية
ارتفاع تكاليف التحويل بنسبة تتجاوز 400%
تعطّل الاستثمار الأجنبي المباشر
اعتماد الاقتصاد على الوساطة غير الرسمية
فقدان الثقة بالنظام المصرفي الداخلي
---
ثالثاً: مرحلة ما بعد العقوبات – إطار نظري
1. مفهوم ما بعد العقوبات
يقصد بها المرحلة التي تبدأ فيها الدولة المعاقبة بإعادة بناء علاقاتها الاقتصادية، سواء عبر:
رفع العقوبات كلياً
تخفيفها
توقيع اتفاقات محدودة لإعادة إدماجها تدريجياً
التحول إلى نظام بديل عن العقوبات
2. التحديات في مرحلة ما بعد العقوبات
غياب الثقة الدولية
تراجع الاحتياطات النقدية
ضعف الاندماج المالي
الحاجة لاستعادة العلاقات المصرفية المراسلة
انخفاض القدرة التمويلية
آثار التضخم والبطالة خلال مرحلة العقوبات
3. ضرورة وجود نموذج مالي جديد
حتى بعد رفع العقوبات، لا يعود الاقتصاد للعمل بكامل طاقته تلقائياً، بل يحتاج إلى:
إعادة بناء النظام المصرفي
استعادة الثقة التشغيلية
الانضمام مجدداً إلى المنظومة المالية الدولية
تطوير البنية التكنولوجية
إصلاح التشريعات المالية والمصرفية
وفي مركز كل ذلك يقف نظام سويفت.
---
رابعاً: دور سويفت في تسريع العجلة الاقتصادية بعد رفع العقوبات
1. استعادة الاتصالات المالية العالمية
عودة الدولة إلى سويفت تعني:
عودة المصارف للتواصل الفوري مع نظرائها
استئناف التحويلات القانونية
إعادة ربط البنوك المحلية بالأسواق الدولية
إنهاء الاعتماد على الوسطاء المكلفين
2. تسريع حركة التجارة الخارجية
يُعد سويفت حجر الأساس لتمويل التجارة، إذ يسمح بـ:
إصدار الاعتمادات المستندية
إصدار خطابات الضمان
تمويل الصادرات
تحويل دفعات الاستيراد بسرعة
ربط المصارف بشركات الشحن والتأمين
وتشير دراسات التجارة الدولية إلى أن الدول التي أعيد ربطها بسويفت شهدت:
ارتفاعاً في حجم التجارة بنسبة 40–70% خلال 3 سنوات
انخفاض تكلفة التجارة 25–30%
نمو التدفقات المالية الواردة بنحو 20% سنوياً
3. تعزيز الثقة في النظام المصرفي
عندما تعود دولة إلى سويفت:
تستعيد البنوك المراسلة علاقتها معها
يقلّ القلق حول مخاطر الامتثال والشفافية
تزيد قدرة المصارف على جذب الودائع
تنخفض مخاطر تحويل الأموال عبر قنوات غير رسمية
4. دعم الاستثمار الأجنبي المباشر
يعتبر المستثمرون سويفت دليلاً على:
استقرار العلاقات المالية
قابلية تحويل الأرباح
إمكانية إعادة رأس المال للخارج
وجود قنوات تمويلية آمنة
تظهر الدراسات أن الدول التي أعيد ربطها بسويفت شهدت:
ارتفاع الاستثمار الأجنبي بين 30–45% خلال 5 سنوات
ارتفاع حجم المشاريع المشتركة
عودة الشركات العالمية للعمل داخل الدولة
5. تقليل تكلفة التحويلات المالية
خلال العقوبات ترتفع تكلفة التحويلات بسبب الاعتماد على:
وسطاء غير مباشر
بنوك خارجية بديلة
مخاطر إضافية
بعد العودة إلى سويفت تنخفض التكلفة بحوالي:
70% في التحويلات التجارية
50% في التحويلات الشخصية
80% في مخاطر التأخير
6. تحسين كفاءة النظام المالي الوطني
يعيد سويفت تنظيم:
إجراءات الدفع
الامتثال
الرقابة الداخلية
التدقيق الخارجي
إدارة المخاطر
تنظيم العلاقات الدولية للبنوك
---
خامساً: سويفت والتنمية الاقتصادية – تحليل معمّق
1. العلاقة بين التحويلات المالية والنمو الاقتصادي
تؤكد المدارس الاقتصادية الحديثة أن:
سرعة التحويلات
أمان المعلومات
خفض تكاليف المعاملات
تسهيل الوصول إلى الأسواق
تسهم مباشرة في رفع الناتج المحلي الإجمالي، خصوصاً في الدول التي تعتمد على التجارة الخارجية.
2. سويفت بوصفه عنصر بنية تحتية اقتصادية
يُنظر إلى سويفت كعنصر مكافئ للبنى التحتية الأساسية مثل:
الكهرباء
الطرق
الموانئ
الاتصالات
لأنه يمكّن:
تدفقات رأس المال
التبادل التجاري
تدفقات الاستثمارات
ارتفاع سرعة الدورة المالية
3. علاقة سويفت بالقطاع الخاص
في مرحلة ما بعد العقوبات، يصبح القطاع الخاص المستفيد الأول من:
تسهيل فتح الحسابات الدولية
سرعة التمويل
إمكانية التوسع في الأسواق
خفض تكلفة العمليات التجارية
إعادة بناء سلاسل التوريد
4. دعم ريادة الأعمال والشركات الصغيرة
يسهم سويفت في:
تمكين الشركات من الدفع الإلكتروني
دعم التجارة الإلكترونية
تسهيل مدفوعات الاستيراد
ربط الشركات بمنصات الدفع الدولية
تسريع تدفقات رأس المال العامل
---
سادساً: تجارب دولية في الاستفادة من سويفت بعد العقوبات
1. التجربة الإيرانية بعد اتفاق 2015
بعد الاتفاق النووي المؤقت:
عادت إيران جزئياً إلى سويفت
ارتفعت تجارتها 30% خلال سنتين
عاد 60 بنكاً مراسلاً للعمل معها
انخفضت تكلفة التحويلات بأكثر من 50%
2. تجارب ليبيا بعد 2011
ساهمت عودة المصارف الليبية تدريجياً إلى سويفت في:
دعم برنامج إعادة الإعمار
تمويل الواردات الأساسية
إعادة بناء قطاع النفط
تعزيز الثقة بالقطاع المصرفي
3. السودان بعد رفع العقوبات (2017)
على الرغم من تباطؤ التطبيق، إلا أنّ العودة التدريجية إلى سويفت سمحت بـ:
عودة عدد من المصارف المراسلة
تخفيف اعتماد الاقتصاد على السوق السوداء
ارتفاع التحويلات الخارجية
تحسين البيئة الاستثمارية
---
سابعاً: بدائل سويفت وارتباطها بمرحلة ما بعد العقوبات
1. نظام CIPS الصيني
يقدّم بديلاً مهماً للدول التي تعاني من القيود الأمريكية، ويدعم:
المدفوعات باليوان
التجارة مع الصين
علاقات مالية شرق-آسيوية
2. نظام SPFS الروسي
أطلقته روسيا بعد 2014 لدعم التواصل بين المصارف المحلية، لكنه:
محدود الانتشار
غير قادر على الحلول مكان سويفت كلياً
3. العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC)
قد تصبح في المستقبل بديلاً جزئياً لنظام سويفت، خصوصاً في الدول التي ترغب بتحصين اقتصادها.
---
ثامناً: آليات توظيف سويفت لتسريع التعافي الاقتصادي
1. إصلاح القطاع المصرفي
تحديث البنية التحتية
اعتماد أنظمة امتثال صارمة
تدريب الكوادر المصرفية
تعزيز الرقابة
2. تطوير العلاقات المصرفية المراسلة
توقيع اتفاقيات مع بنوك أوروبية وآسيوية
تعزيز الثقة عبر الشفافية
تقديم ضمانات سيادية
3. تحسين بيئة الأعمال
تحديث قوانين الاستثمار
محاربة غسل الأموال
تعزيز الحوكمة
حماية الملكية
4. بناء الثقة الدولية
الالتزام بالاتفاقيات
الشفافية في البيانات الاقتصادية
التعاون مع المؤسسات الدولية
---
التاسع: التحديات التي تواجه الدول الخارجة من العقوبات
1. ضعف البنية المصرفية
تتطلب العودة إلى سويفت استثمارات ضخمة في:
الأمن السيبراني
أنظمة الامتثال
البنية المعلوماتية
2. مقاومة البنوك الدولية للتعامل
بسبب مخاوف العقوبات الثانوية.
3. نقص الكوادر المدربة
خاصة في الامتثال (Compliance) ومكافحة غسل الأموال (AML).
4. صعوبة استعادة الثقة سريعاً
حتّى بعد العودة إلى سويفت، تحتاج الدول لسنوات لكسب الثقة.
---
الخاتمة
يمثل نظام سويفت أحد أهم ركائز النظام المالي العالمي، وتمتد أهميته لتتجاوز مجرد كونه شبكة اتصالات مالية، ليصبح أداة استراتيجية في العلاقات الدولية، ومرتكزاً أساسياً لأي اقتصاد يسعى للاندماج العالمي.
وفي مرحلة ما بعد العقوبات الاقتصادية، تشكّل العودة إلى سويفت أو بناء علاقات جديدة عبره شرطاً رئيسياً لإعادة بناء الدورة الاقتصادية، وتنشيط التجارة الخارجية، وجذب الاستثمارات، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي.
إن سويفت ليس مجرد نظام تقني، بل هو بنية تحتية سياسية–اقتصادية–مالية تمثل جسر عبور نحو التعافي. وبقدر ما تستطيع الدول إصلاح نظمها المصرفية، وتعزيز الامتثال، والانفتاح الاقتصادي، بقدر ما يمكن لسويفت أن يكون محركاً حقيقياً للنمو الاقتصادي واستعادة الثقة.
---
المراجع
مراجع عربية
1. أحمد، سامر. النظام المصرفي العالمي والعقوبات الاقتصادية. دار الفكر، 2021.
2. الدليمي، نزار. «أثر العقوبات الاقتصادية على أداء القطاع المصرفي». مجلة البحوث الاقتصادية. 2020.
3. عبد الله، كنان. تقنيات الدفع الإلكتروني والتحويلات المالية. دار اليازوري، 2019.
4. مجلة المصارف العربية. “انعكاسات استبعاد الدول من سويفت”. العدد 145، 2022.
مراجع أجنبية
5. SWIFT Annual Report 2023.
6. Fatás, A. “Economic Effects of Financial Sanctions.” IMF Working Paper, 2021.
7. Katzman, K. Iran Sanctions. Congressional Research Service, 2016.
8. European Commission. “Impact of SWIFT Restrictions on Global Trade.” 2022.
9. Bank for International Settlements (BIS). Payment and Settlement Systems Report, 2021.
10. World Bank. Post-Sanctions Economic Recovery, 2020.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟