سمير حنا خمورو
(Samir Khamarou)
الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 15:45
المحور:
الادب والفن
ريبيكا ميلر، مخرجة مسلسل "السيد سكورسيزي" : لا يوجد فرق بين المخرج والإنسان، وإن تصويره للعنف على الشاشة مرادف للأمانة الفكرية.
الجزء الأول
السيد سكورسيزي Mr Scorsese مسلسل وثائقي من خمسة أجزاء إخراج ريبيكا ميلر Rebecca Miller عن المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي. الجزء الاول "غريب في أرض غريبة" Stranger in a Strange Land الجزء الثاني "كل هذا التصوير ليس صحيًا" All This Filming Isn t Healthy، الجزء الثالث "القديس/الخاطئ" Saint/Sinner، الجزء الرابع "السينما الشاملة" Total Cinema، والجزء الخامس والأخير "طريقة المخرج " Method -dir-ector.
يضم المسلسل حوارات معه، ووثائق ومشاهد اثناء عمله على اهم افلامه، ومقابلات مع روبرت دي نيرو وميك جاغر وستيفن سبيلبرغ، ودانيال داي لويس، وروبي روبرتسون، وثيلما شونماكر، وستيفن سبيلبرغ، وشارون ستون، وجودي فوستر، وبول شريدر، وماركوت روبي، وكيت بلانشيت، وجاي كوكس، ورودريغو برييتو، وأصدقاء آخرين إلى جانب أبنائه وزوجته هيلين موريس. كما أتيح للمخرجة الوصول الكامل إلى أرشيف مارتن سكورسيزي الخاص. عُرض المسلسل لأول مرة عالميًا في مهرجان نيويورك السينمائي لعام 2025، تلاه إصداره الرقمي العالمي على Apple TV في 17 تشرين الاول / أكتوبر 2025. وحتما هو درس شامل ومهم لكل من يريد ان يعمل في صناعة الافلام.
تبدأ الحلقة الاولى من المسلسل الوثائقي باستعراض تجارب سكورسيزي كطالب سينما في جامعة نيويورك، ويستمر حتى يومنا هذا. في المقطع الأول، يتحدث سكورسيزي وأصدقاؤه المخرجون عن كيف كادت النسخة الكاملة من فيلم "سائق التاكسي" Taxi Driver ألا تُعرض أبدًا، والجهود الحثيثة التي بذلها سكورسيزي لحماية الفيلم.
وُلد مارتن شارلز سكورسيزي في حي فوشنك بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1942. ونشأ في حي إيطاليا الصغيرة ليتل إيتالي بمنطقة مانهاتن. كان والداه، كاثرين وشارلز سكورسيزي، كان والده عامل كيّ ملابس وممثلًا، بينما كانت والدته خياطة وممثلة. أجداد سكورسيزي الأربعة مهاجرين إيطاليين من صقلية.
أثناء دراسته في كلية تيش للفنون، أخرج سكورسيزي الفيلمين القصيرين "ما الذي تفعله فتاة لطيفة مثلك في مكان كهذا؟" What s a Nice Girl like You Doing in a Place like This? عام (1963) و"ليس أنت فقط يا موراي!" It s Not Just You, Murray عام (1964). أشهر أفلامه القصيرة في تلك الفترة هو فيلم "الحلاقة الكبيرة" The Big Shave عام (1967) يُعد الفيلم بمثابة إدانة لتورط أمريكا في حرب فيتنام. وكان أول فيلم روائي طويل كتب السيناريو له وأخرجه "من هذا الذي يطرق بابي؟" Who s That Knocking at My Door صدر عام 1967.
يُعدّ المخرج سكورسيزي من أبرز شخصيات عصر هوليوود الجديدة، وقد حصد العديد من الجوائز، منها جائزة الأوسكار، وأربع جوائز بافتا، وثلاث جوائز إيمي، وجائزة غرامي، وثلاث جوائز غولدن غلوب، والسعفة الذهبية في مهرجان كان، وجائزة الدب الذهبي الفخرية لمجمل إنجازاته. كما نال تكريمًا من معهد الفيلم الأمريكي (AFI) بجائزة الإنجاز مدى الحياة عام 1997، وتكريمًا من جمعية السينما في مركز لينكولن عام 1998، وتكريمًا من مركز كينيدي عام 2007، وجائزة سيسيل بي ديميل عام 2010، وزمالة بافتا عام 2012. وقد أُدرجت أربعة من أفلامه في السجل الوطني للأفلام التابع لمكتبة الكونغرس باعتبارها ذات أهمية ثقافية أو تاريخية أو جمالية.
تحدثت المخرجة عن كيفية جاءتها فكرة فيلم "مستر سكورسيزي"
"لقد قمت بإخراج فيلم وثائقي عن والدي بعنوان "آرثر ميلر، الكاتب"، وكانت التجربة إيجابية للغاية. استمتعتُ بتجربة إنتاج فيلم وثائقي بالتزامن مع تصوير فيلم روائي طويل، لأنه خلال المرحلة الأولى من الفيلم الوثائقي، عندما تجمع المواد، يمكنك القيام بأشياء أخرى. سألني منتجي عن موضوع أحلامي، فأجبت: مارتن سكورسيزي. كنت أعرفه قليلًا، ولكن في وقت تصوير فيلم "عصابات نيويورك" Gangs of New York عام (2003) -الذي جسّد فيه الممثل دانيال داي لويس، زوج ريبيكا-، كنتُ على وشك اخراج فيلم "السرعة الشخصية" Personal Velocity، بميزانية محدودة جدًا وباستخدام مكثف من التعليق الصوتي. طلبت منه النصيحة بشأن التعليق الصوتي. فأعطاني قائمة بأفلام لمشاهدتها، وبعد ان انهيت عملي شاهد الفيلم وعلّق عليه، بشكل إيجابي. لذا كان على دراية اني مخرجة أفلام.
واضافت ريبيكا وهي ابنة أحد أعظم كُتّاب المسرح الأمريكيين، آرثر ميلر Arthur Miller: "لطالما اعتبرتُ مارتن سكورسيزي عبقريًا. وبصفتي مخرجة سينمائية، ظننتُ أنني فهمت خبايا شخصيته، وكل ما يتعلق بأعماله. ولكن لم أتمكن إلا مؤخرا من فهم ما يشكل جوهرها بشكل كامل." إن الاستماع إلى ريبيكا ميلر تتحدث عن نشأة مسلسل "السيد سكورسيزي" يتيح لنا أيضًا أن نلمح تقديرها العميق للبشر، وأسسهم، وعيوبهم. وتمزقاتهم.
لقد تطلب الأمر لمسة من مخرجة فيلم "قصيدة جاك وروز" The Ballad of Jack and Rose، (تمثيل كاميلا بيل، دانيال داي لويس، كاثرين كينر)، لكشف واختراق الوحش المقدس. حتى قبل جائحة كوفيد، انغمست في هذا المشروع ، وسرعان ما أدركت أن: "مارتي لم يسمح لأحد قط بالاقتراب منه إلى هذا الحد. وبالتركيز على طفولته فقط، أدركتَ أن موضوعها لا يمكن اختصاره في فيلم وثائقي بسيط مدته ساعة أو نحو ذلك".
فيلمها الوثائقي زاخر بشهادات نجوم عملوا معه (دي كابريو، دي نيرو، جودي فوستر...)، بالإضافة إلى شهادات من عائلته وأصدقاء طفولته - بمن فيهم أعضاء سابقون في المافيا. وعلى الرغم من أن التحليل يتسم بالإثارة والجاذبية ، إلا أنه لا يتجاهل الموضوعية. وبأسلوب ساخر وبروح دعابة هادئة، يكشف سكورسيزي عن نفسه في البداية من خلال أنصاف الحقائق، قبل أن ينفتح تمامًا عندما يتم اختزال شكل المقابلة إلى الأساسيات، في ابسط عناصرها :كاميرتان، بدون فنيين... وهنا يحدث السحر. إن حدة محادثاتهم تُذهل المخرجة: "يتمتع مارتي بذكاء مذهل".
إن الاستماع إليه وهو يتحدث يشبه ركوب قطار فائق السرعة"، هكذا لخصت المخرجة التي عمل زوجها، "دانيال داي لويس"، مع سكورسيزي أثناء تصوير فيلم "عصابات نيويورك" Gangs of New York قبل حوالي عشرين عامًا.
في صميم أعمال سكورسيزي، ثمة عبارةُ تُرقى، وتحولت إلى مستوى المفارقة: "من حيث أتيت، لا أحد يصنع الأفلام". نشأ هذا الرجل النيويوركي في مانهاتن السفلى، معقل المافيا الإيطالية، وسط الفجور والوحشية المخيفة وعَمُ مُدمن على الصفقات المشبوهة. كان الطفل يعاني من الربو الشديد، وكان يقضي أيامه منعزلاً في شقة العائلة: وكانت وحشية الشارع التي يشاهدها من نافذته هي أول المشاهد التي يراها. في الصيف، يُجبره والده الإسراع في الذهاب إلى دور السينما المُكيّفة ليحميه من الاختناق. ويمكننا أن نفهم جاذبية العنف لدى شخص كان مقدرًا له، عندما كان شابًا، أن يصبح كاهنا. تقول المخرجة "يبقى هذا مصدر إلهام لا ينضب للفنان وللإنسان الذي هو عليه". إلا أن العنف في أعماله ليس عبثيًا ولا فاحشًا ومجانيًا. بل إن تصويره على الشاشة مرادفٌ للصدق الفكري.". لأن سكورسيزي لا يُجمّل الموضوع عندما يتعلق الأمر بتصوير قسوة الطبيعة البشرية. انه شكل من أشكالِ طرد الأرواح الشريرة. "هناك شيء من هذا القبيل في جميع أفلامه، بلا استثناء، بالنسبة له، وهذه التجربة هي بوصلة، ومسارٌ يُسترشد به.
كما سَلطتَ الضوء أيضًا على تجاوزاته، ونوبات غَضَبه، ولحظات ضعفه في مسيرته المهنية التي أمتدت لستة عقود. والتي طغى على ذلك فوزه المتأخر بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج، والذي حصل عليه في عام 2007 عن فيلم "الراحلون " The Departed، بطولة ليوناردو دي كابريو، مات ديمون، جاك نيكلسون، مارك والبيرغ، مارتن شين، ونجاحاته العديدة منذ ذلك الحين. وتتابع ميلر: "ما يُثير إعجابي هو عدد المرات التي فشل فيها مارتي، لكنه استطاع النهوض، وتغيير نفسه، والبدء من جديد. لقد وجد دائمًا طريقة لإعادة ابتكار نفسه".
فيلم "السيد سكورسيزي" ليس فيلماً يمجّد الشخصية بقدر ما هو فيلم حساس للغاية، ويكتسب بعداً فريداً عندما يكشف بحذرٍ عن جوانب من حياته العائلية بتواضع. شغّلت الكاميرا في اليوم المحدد، دون أي أفكار مسبقة..." نكتشف رجلاً عاجزاً أمام مرض باركنسون الذي تعاني منه زوجته هيلين. مشهد عفوي وارتجالي ومؤثر للغاية؛ نكتشف رجلاً عاجزاً أمام مرض باركنسون الذي تعاني منه زوجته هيلين، "كان وجوده ضرورياً.
يُعدّ هذا المسلسل ثمرة ثقة تراكمت عبر الزمن، وهذا ما يتجلى بوضوح هنا. «التسامي: كلمة واحدة تكفي لتلخيص عمل العمر؟» وتختتم ريبيكا ميلر قائلة: "الشغف والهوس كلاهما مناسبان. مارتن سكورسيزي شخصية لا يمكن تصنيفها - ومن هنا جاء عنوان هذا الفيلم الوثائقي. لم أجد طريقة أفضل لوصفه."
عن المخرجة
ريبيكا ميلر Rebecca Miller، وهي ابنة أحد أعظم كُتّاب المسرح الأمريكيين، آرثر ميلر Arthur Miller، من زوجته المصورة إنجي موراث. كانت فنانة تشكيلية وممثلة قبل أن تصبح مخرجة وكاتبة.
بدأت ريبيكا ميلر مسيرتها الفنية رسامة ونحاتة في جامعة ييل، حيث عرضت أعمالها الفنية، قبل أن تتجه إلى المسرح. مثّلت في مسرحية "الخطة الأمريكية" The American Plan في نادي مانهاتن للدراما، ثم قامت بجولة مع مسرحية أنطون تشيخوف "بستان الكرز" The Cherry Orchard، التي اخرجها بيتر بروك لصالح أكاديمية بروكلين للموسيقى. ثم ظهرت على التلفزيون في الفيلم التلفزيوني المكون من جزأين "جريمة قتل ماري فيكين" The Murder of Mary Phaganعام 1988.
ثم كرّست ميلر مسيرتها الفنية لاحقًا للسينما فقد مثلت في عشرة افلام.
كان اولها عام 1989 "جورج إلسر – واحد من ألمانيا" Georg Elser – Einer aus Deutschland اخراج النمساوي كلاوس ماريا برانداور Klaus Maria Brandauer عام 1989، تبعه فيلم "بخصوص هنري" Regarding Henry للمخرج مايك نيكولز Mike Nichols، بدور عشيقة هاريسون فورد عام 1991، ثم في فيلم "موافقة البالغين" Consenting Adults اخراج آلان ج. باكولا Alan J. Pakula ، بدور زوجة كيفن سبيسي عام 1992. اخر فيلم مثلته "قصص مايرويتز" The Meyerowitz Stories اخراج نوى باومباخ Noah Baumbach عام 2017.
وانتقلت إلى الكتابة والإخراج. أخرجت الفيلم القصير "فلورنسا" Florence، بطولة مارسيا جاي هاردن. في عام 1992، أخرجت أول مسرحية لها، وهي مقتبسة من رواية والدها المثيرة للجدل "بعد السقوط" After the Fall، والتي تتناول زواجه من مارلين مونرو. أما فيلمها الروائي الطويل الأول، "أنجيلا" Angela، فيروي قصة فتاة صغيرة تتخيل أن مشاكل والدتها العاطفية من عمل الشيطان. فازت أنجيلا بجائزة أفضل مخرج في مهرجان صندانس السينمائي عام 1995.
اخرجت 6 أفلام روائية طويلة: "أنجيلا" Angela عام 1995، "السرعة الشخصية: ثلاث صور" Personal Velocity: Three Portraits عام 2005، "قصيدة جاك وروز" The Ballad of Jack and Rose عام 2009، "الحياة الخاصة لبيبا لي" The Private Lives of Pippa Lee عام 2015، "خطة ماكي" Maggie s Plan عام: "أتت إليّ " She Came to Me عام 2023..
#سمير_حنا_خمورو (هاشتاغ)
Samir_Khamarou#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟