وفاة الممثل بيورن أندريسن الذي ظهر كمراهق جميل في الفيلم التحفة -موت في البندقية- للمخرج لوكينو فيسكونتي .

سمير حنا خمورو
(Samir Khamarou)

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 20:15
المحور: الادب والفن
    

وفاة الممثل بيورن أندريسن الذي ظهر كمراهق جميل في الفيلم التحفة "موت في البندقية" للمخرج لوكينو فيسكونتي .


توفي الممثل والمغني والملحن السويدي بيورن أندريسن Björn Andrésen، المعروف بدوره في فيلم لوكينو فيسكونتي Mort à Venise "الموت في البندقية" (1971)، والذي لعب فيه دور الملاك الأشقر، عن عمر ناهز 70 عاما، حسبما أكد المخرج المشارك لفيلم وثائقي عن حياته الاثنين 27 تشرين الأول/أكتوبر.

على الرغم من أن فيلم الايطالي لوكينو فيسكونتي Luchino Visconti جلب له الشهرة في سن مبكرة للغاية، إلا أن التجربة أغرقته أيضًا في الاكتئاب. من الواضح أن المصير المأساوي لبيورن أندريسن، الذي لم يستطع الهروب من الدور الذي منحه شهرة عالمية، كان ضحية استغلال جنسي لم يتوقعه ولم يرغب فيه، لانه حوصر داخل نمط معين. ولهذا يجب على مديري اختيار الممثلين والمخرجين والمنتجين التعامل مع وجود الأطفال والمراهقين والشباب على الشاشة بحذرٍ أكبر من أي وقت مضى. فقد عرف في المجال السينمائي حالات إنهاء المسيرة المهنية قبل الأوان شائعةٌ جدًا. وهذا ما حصل مع الممثلة ماريا شنايدر، عندما كانت في التاسعة عشرة من عمرها واختيرت للتمثيل أمام مارلون براندو في فيلم "التانغو الأخير في باريس" للمخرج برناردو بيرتولوتشي. كان مشهد اللواط الذي يتضمن اغتصابًا، والذي تفاهم فيه النجم براندو والمخرج الإيطالي على تمثيله دون إخبار الممثلة، مشهدًا صادمًا وأثر إلى الأبد في مسيرة ماريا شنايدر الفنية المبكرة.

الفيلم اعداد عن رواية "الموت في البندقية" Der Tod in Venedig للألماني الحائز على جائزة نوبل للآداب توماس مان عام 1929. الفيلم من بطولة ديرك بوكارد بدور الملحن غوستاف فون أشينباخ، سيلفانا مانكانو بدور البارونة مويس، والدة تادزيو، بيورن أندريسن بدور تادزيو، إيفا أكسين بدور الأخت الكبرى لتادزيو، مارك بيرنز بدور ألفريد، ماريسا بيرينسون بدور السيدة فون أشينباخ.

وُلِد بيورن في ستوكهولم في 26 كانون الثاني / يناير 1955، ونشأ بلا أب، وانتحرت والدته وهو في العاشرة من عمره، ربته جدته، التي ألحقته بالعديد من الأنشطة اللامنهجية، بما في ذلك المسرح. لأنها لطالما رغبت في أن يصبح أحد أحفادها مشهورًا، كان فيسكونتي يبحث منذ أشهر عن مراهق يجسد مثال الجمال الروحي، لا الجسدي، "ملاك الموت".

كان في الرابعة عشرة من عمره، عندما تواصل معه المخرج الإيطالي فيسكونتي، الذي كان يبحث عن الشاب المثالي لأداء دور تادزيو، المراهق الوسيم الذي كان غوستاف فون أشينباخ، الذي جسّده ديرك بوغارد، مهووسًا به. وقد اختاره لوكينو خلال تجربة أداء في ستوكهولم، رغم انه لم يمثل سوي في فيلم واحد "قصة حب" En kärlekshistoria عام 1971.

كان بيورن، مراهقًا عندما انقلب مصيره رأسًا على عقب، بعد ان جسد دور دور تادزيو في"الموت في البندقية". أصبح "أجمل فتى في العالم". هل يمكن للمرء أن يتخيل لعنة أسوأ من هذه؟ من شقرته البريئة في الرابعة عشرة من عمره إلى المرارة التي ستلون شبابه وحياته كلها.

مع انتشار خبر وفاة الرجل الملقب بـ"أجمل فتى في العالم"، وهو الوصف الذي اطلقه المخرج عليه وقد التصق هذا الوصف ببيورن أندريسن، مما أثار يأسه، وسوف يروي لاحقًا كيف أثرت تجربته السلبية مع فيسكونتي بشكل عميق على بقية حياته ومسيرته المهنية.

استذكر موقع يوكوغاو الإلكتروني ضجة بيورن أندريسن في اليابان خلال سبعينيات القرن الماضي. كان هذا الشاب الإسكندنافي، الذي لم يتجاوز عمره 14 عامًا، يُعتبر مثالًا للجمال، وأصبح نجمًا بعد عرض فيلم "الموت في البندقية". انتشرت البضائع ومقاطع الفيديو الموسيقية والإعلانات في كل مكان، مشعلًا موجة شعبية عارمة. حتى أنه أثر على جيل جديد من فناني رسوم المانكا في اليابان .

وعند إصدار الفيلم، انتشرت شائعات في الولايات المتحدة حول ما إذا كان الممثل سيصبح مثليًا أم لا، دون علم فيسكونتي بأنه عيّن مربية خاصة، ميريام، لحمايته ومساعدته في واجباته المدرسية خارج أوقات التصوير، وأن جدته كانت حاضرة أيضًا أثناء التصوير. إضافةً إلى ذلك، منع فيسكونتي طاقم العمل من التواصل مع الصبي الصغير خارج الكاميرا. رفض أندريسن رفضًا قاطعًا الارتباط بالدور الذي لعبه في الفيلم. لاحقًا، أعرب عن انزعاجه عندما أجبره المخرج لوتشينو فيسكونتي وهو مثلي الجنس، بعد عام من التصوير على زيارة نادٍ ليلي للمثليين، مما سبب له انزعاجًا شديدًا نظرًا للتحرش الجنسي الذي تعرض له: "كنت في السادسة عشرة من عمري فقط، فأخذني فيسكونتي وطاقم العمل إلى نادٍ للمثليين. كان جميع أفراد الطاقم تقريبًا مثليين. جعلني النادل في النادي أشعر بانزعاج شديد. نظروا إليّ جميعًا بلا رحمة، كما لو كنت قطعة لحم". كان هذا التعرُّض عنيفًا للغاية بالنسبة له. قال أندريسن لاحقًا: "كنت أعلم أنني لن أستطيع الرد. كان ذلك ليُعتبر انتحارًا اجتماعيًا. لكنها كانت الأولى في سلسلة طويلة من المواجهات من هذا النوع".

كما أضاف "لم أواجه أي مشاكل أثناء التصوير. لكن بعد انتهائه، شعرتُ وكأنني فريسةٌ أُلقيت للذئاب. لم يُصبني أي مكروه جسديًا، لكن الأمر كان لا يزال مزعجًا للغاية." في العام التالي، وخلال رحلة إلى اليابان، شُجِّع على تعاطي المخدرات ليجرؤ على الغناء أمام الجمهور، وفقًا لوسائل الإعلام السويدية.

استأنف يورن أندريسن لاحقًا دراسة التمثيل في السويد، وتزوج عام 1983، وحصل على بعض الأدوار الصغيرة. اتجه إلى الموسيقى في المقام الأول، فأصبح عازف بيانو وموسيقيًا بارعًا. وعانى من مشاكل نفسية. لم يبدأ الجمهور بالتساؤل عما حل به إلا بعد بلوغه سنًا معينة.

في عام 2003، عندما كان في الثامنة والأربعين من عمره، وفي محاولةٍ منه لتبديد الشائعات حول ميوله الجنسية والتخلص من صورته السابقة كـ"أجمل شاب في العالم" (التعبير الذي استخدمته الصحافة العالمية آنذاك)، أعلن أنه سيتجنب الأدوار المثلية، وغضب بشدة عندما استخدمت الكاتبة الاسترالية النسوية جيرمين جرير Germaine Greer صورةً له في مراهقته على غلاف كتابها "الفتى الجميل" (2003) دون إذنه. ورغم أنها استشارت المصور ديفيد بيلي، صاحب حقوق نشر الصورة، قبل نشر الكتاب، إلا أن يورن أندريسن صرّح بأنه من المعتاد عند استخدام صورة شخص ما، إخطار الشخص المعني، مُضيفًا أنه ما كان ليوافق على ذلك أبدًا.

ومع ذلك، استمر بيورن أندريسن في التمثيل، ولكن بادوار ثانوية حيث ظهر في أكثر من 30 فيلمًا روائياً، ومسلسلًا تلفزيونيًا، صُوّر معظمها في السويد. إلا أن مسيرته السينمائية لم تكن مدفوعةً بالقناعة. منها "القاتل البسيط" (Den Enfaldige mördaren اخراج هانز ألفريدسون Hans Alfredson عام 1982، " السادة المحترمون" Gentlemen للمخرج ميكائيل مارسيمين Mikael Marcimain عام 2014. وفيلم "شيللي" Shelley للمخرج علي عباسي الله Ali Abbasi عام 2016، وظهر في فيلم "قصة حب" Midsommar للمخرج آري أستر Ari Aster، حيث لعب دور الرجل العجوز دان عام 2019. في عام 2021، صوّر المخرجان كريستينا ليندستروم وكريستيان بيتري (سويسرا) فيلمًا وثائقيًا عن حياته بعنوان "ملاك فيسكونتي الأشقر".

#سمير_حنا_خمورو (هاشتاغ)       Samir_Khamarou#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل