عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 16:50
المحور:
الادب والفن
ركنتها بعد الظهر بالكاد سيارتي، ثم تسلقت الدرج مسرعا نحو الطابق الأول لبناية مؤسسة إعلامية حديثة التجهيز. بعد ثلاث ساعات من التماهي مع وجوه شابة في مجال الصحافة والإعلام بمعهد "إيماتيك" هناك تعانقت طموحات طلبة الصحافة مع صدى كلمات تبشر بميلاد تجارب وأصوات في الأفق. ودعت الزميل فيصل سعيدي المدير المسؤول بمودة دافئة، على أمل تواصل ثري وأرقى. في الخارج، كان الجو عبارة عن جوقة لطقس نشاز، نعيق زعيق صفير عويل وصفعة رياح شرقية تسكن العظام بلا استئذان.
على الجانب الآخر وقفت أمامها مطمئنا. المكان آمن للركن ومراقب. إذ وسط فاس طيلة أيام الأسبوع الركن معجزة، حيث يصبح العثور على مساحة يشبه موطئ قدم في الجنة، وربما أشبه بغنيمة حرب صغيرة. ضغطت على المفتاح الرقمي لفتح الباب لكن دون رجع صدى. كررت المحاولة، ألقيت نظرة فاحصة مجددا على السيارة، إنها سيارتي ذات اللون البني المائل إلى قطعة شكولاتة خرافية، انتقيناها بشغف ذات ربيع مضى. وفي لحظة، لفت نظري خدش سطحي ممتد بعشر سنتيمات تقريبا أسفل مقبض باب السائق. إنه يشبه احتكاكا عفويا مطبوعا بشكل لولبي. خمنت على الفور في قاموس يعتبر دليل إدانة سريع. خدش صغير أسفل المقبض بدا احتكاك عابر من تريبورتور أو بائع فواكه مستعجل. لا بأس… لعنت في نفسي الفاعلين، ورحت لثوان أقارن صامتا حوادث مشابهة..
لا بأس، الاحتكاكات والخدوش إكسسوارات لا بد منها، تمحي أثناء التنظيف لتعود أكثر بروزا مع طبقة من الغبار مع كل انعكاس للضوء. وتابعت محدثا نفسي، الخدوش في مدينة مثل فاس ليست حادثا عرضيا هي جزء من ديكور يومي يفرض نفسه. وفيما أصابع يدي تبحث عن صدى لفتح رقمي لا يأتي جاءت صدمة خفيفة. يا إلاهي، لا إشارة رقمية، كيف تم تغيير مفتاح الباب مرة واحدة، ما الذي حدث بالضبط؟
تراجعت قليلا إلى الخلف، دققت النظر من جديد. هي سيارتي هذا أمر مؤكد لونها شكلها قدها حجمها تماما. حاولت إقناع نفسي بالاقتراب منها لتفحص ما يوجد داخلها. كانت صدمة خفيفة حين لمحتُ داخلها مقعدا لرضيع… يا ساتر.. لم يكن يوما موجودا في سيارتي؟ تسمرت في مكاني ألقيت نظرة طائشة إلى الخلف، ثم إلى الأمام. انظر هناك؟ سيارة أخرى تشبهني، ثمة سيارتان من نفس النوع واللون والحجم والشكل مركونتين على التوالي. خطوت خطوة إلى الخلف، وأنا أفكر برأسين، أحدهما المفتاح لا يفتح. والثاني لماذا السيارة لا تستجيب؟
فأدركت المفارقة المريبة، سيارتان متطابقتان اللون والشكل والموديل إلا “الخدوش". كنتُ أستعد لفتح واحدة… بينما سيارتي الحقيقية تقف جنبها في صمت ساخرة من ارتباكي ومن عجلة اللحظة.
في المدن المكتظة حتى السيارات قد تجد شبيهاتها. أمّا نحن الصحفيون، فمهمتنا أن نرى هذا الالتباس البسيط كقصة صغيرة عن المدينة، عن الفوضى المنظمة، وعن تلك اللحظات التي تجعلنا نبتسم رغم العناء. هكذا تتولد قصص الصحافة من تفاصيل بسيطة تُروى بعمق، وتُكتب بلمسة إنسانية لا تخطئ.
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟