أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عزيز باكوش - رواية - أحلام منكسرة - لمحمد بوهلال السيرة المتخفية. أو الأوتوفيكشن (Autofiction) بين الواقع والخيال.















المزيد.....

رواية - أحلام منكسرة - لمحمد بوهلال السيرة المتخفية. أو الأوتوفيكشن (Autofiction) بين الواقع والخيال.


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 8470 - 2025 / 9 / 19 - 02:09
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لجاذبيتها وسلاسة لغتها ، قرأتُ آخر رواية أصدرها الكاتب والإعلامي المغربي محمد بوهلال " أحلام منكسرة" في ساعتين وبضع دقائق . هي سردية في 126 صفحة من القطع الصغير ، ضمت 16 فصلا قصيرا يتراوح ما بين 8 إلى 10 من صفحات . ثمة أيضا فصل أخير آثر المؤلف تسميته ب" المأساة". وفيه يقدم لنا نظرة عامة شاملة تمثلات الهجرة نحو أوروبا وحضورها في أذهان الشباب باعتبارها فرصة للخروج من الفقر والبطالة وانعدام الآفاق الاقتصادية في البلد من أجل ضمان مستقبل أفضل. من دون أن يفكر الشباب الراغب في الهجرة في مخاطر هذه المغامرة الغرق في البحر، التعرض للاستغلال من شبكات التهريب، مافيا المخدرات التجنيد للإرهاب الوضعية غير القانونية الطرد من أوروبا بعد الوصول. أو يتساءلون إن كانوا سيتعرضون للعنصرية أو صعوبات الاندماج الثقافي. يأتي الواقع المر الذي لا يرتفع يخيب الأمل وتنكسر الأحلام على صخرة واقع الهجرة المُر لأسباب اجتماعية وثقافية متباينة، بعد أن جازفوا بمستقبلهم وحياتهم في وطنهم الأم . ولما كان الشبان الثلاثة تجمعهم صداقة الانتماء إلى مدينة فاس مسقط رأس الكاتب ومهد طفولته شبابه .
ولأن الثلاثة لم يتحقق من حلمهم للهجرة نحو أوروبا سوى البؤس والمعاناة في ظل وضعية غير قانونية . فقد اتسمت حياتهم بالخوف الدائم وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي. مطاردات وتشرد وهروب من البوليس والخوف من الترحيل ثانية إلى بلد المنشأ. فبعد سقوط الطاهر في شراك مافيا المخدرات كان مآله الإدمان السجن .أما عبد الرحمان فقد انتهى به المطاف إلى علب الليل ثم الإدمان فالتشرد. وفيما بدا عدنان بطل الرواية أحسن الأصدقاء حظا بفضل مساعدة والديه وهوايته وممارسته لرياضة كمال الأجسام يظهر أصدقاؤه أقل حظا. سيصادف شابة إيطالية تدعى لورا سيتزوجها ورزقا طفلة سماها أمل . وكانت جسرا نحو تسوية وضعيته القانونية . وعاد مع أسرته لزيارة المغرب . لكن بسبب عشيقته الثانية جورجينا ساءت علاقته بزوجته لورا التي طلبت الطلاق . سيهاجر إلى الإمارات ثم أمريكا ليواصل الهجرة باحثا عن فرصة تعيد له الأمل في حياة سعيدة. معاناة في إيطاليا وطموحات في الإمارات ثم حلم فلوريدا الأمريكية بحثا عن أمل وحياة مستقرة.
ويعتبر هذا العمل السردي الثالث في ربيبيرتوار محمد بوهلال بعد " الضفة الأخرى"و" أوراق من شجرة الحياة" . يمكن القول إن الرواية الأدبية عند الصحفي الكاتب هي في كثير من الأحيان سيرة روحية أو ذهنية مستلهمة من حياته المدنية أكثر مما هي سيرة أحداث ووقائع . لنقل مساحة يختبر فيها الكاتب ذاته، بيوغرافيته على الأرجح. كما يراجع فيها قراراته. ويُقوّمُ حصريا أعطاب التدبير الذاتية والموضوعية في حياته. وهو يبدو كمن يستعرض شريط الأحداث والوقائع الدراماتورجية أمامه وفي خياله بتفاصيلها وحيثياتها ،لكنه في الحقيقة ،إما يصالحها أو يصطدم بها، و في الوقت نفسه يمنحها حياة جديدة، حيث يتيح للقارئ أن يتبناها أو يعيد تأويلها.
تتحدث الرواية عن الهجرة - جنوب شمال - كمحور رئيسي أبطالها ثلاثة شبان مغاربة من مدينة فاس، عدنان، الطاهر وعبد الرحمان. سقف أحلامهم الهجرة ،وبناء حياة سعيدة في أوروبا ، وذلك على ضوء سرديات وردية لصديقهم المهاجر العائد من فرنسا يدعى أحمد. هذا الأخير لا يتوقف و لا يكُفّ عن الحديث عن مغامراته العاطفية مع الحسناوات والشقراوات الجميلات صاحبات الأجساد الرشيقة والعيون الزرق ،ومرافقته لهن إلى الملاهي وعلب الليل وقضاء ساعات واعرة ولحظات عشق لا تنسى . اللافت هنا أن لا أحد من هؤلاء الشباب الثلاثة ،تجرأ على الشك في روايات أحمد، ولو من باب التعالم والفضول . الكل صدقه كلامه وجاراه في مغامراته وعربداته في علب ليل باريس ومراقصها . ما أشعل فتيل الهجرة في نفوسهم وزاد من منسوب حلم المغادرة صوب أوروبا مهما كان الثمن . إنها بالنسبة لهم ذلك الفردوس المفقود والحلم الموعود . للوهلة الأولى يبدو لافتا اهتمام الكاتب بشخصية – عدنان - في سردياته . يتضح ذلك جليا مع تطور أحداث البناء الدرامي للفصول 16 للرواية . فلماذا يحظى عدنان بمكانة خاصة ويوليه الكاتب اهتماما متفردا كابن حقيقي تارة ، أو كبطل منقذ أو قائد رأي يعتد به بين زملائه ؟
يتابع الكاتب حياة البطل عدنان، ويسجل تقاعسه المتنامي عن حضور دروسه في الثانوية ،ونراه يراكم الجهود تلو الجهود من أجل توفير مناخ نفسي متوازن لاستمرار عدنان في دراسته . لكن رغم الجهود والمساعي المبذولة من طرف الأب والرامية إلى نقله إلى مؤسسات تعليمية أخرى بالمدينة بحثا عن توازن بات مفقودا ، فقد ظل الوضع مقلقا ومثيرا للجدل في أوساط أسرته .حيث قرر عدنان ممارسة تمارينه الرياضية في قاعة متخصصة بدل الدراسة. لكنه من فرط المشاحنات والخوف من إجهاض حلم الهجرة إلى إيطاليا سيصبح كائنا متوترا لأتفه الأسباب . وكلما انفرد بوالدته أمطرها بالتوسلات لمساعدته للسفر إلى إيطاليا لزيارة خالته هناك .

وهنا استحضر نجل الكاتب "شكيب بوهلال" وهو بالمناسبة بطل رياضي أولمبي في رياضة كمال الأجسام ومشارك في بطولات أوروبية للمحترفين في نفس الرياضة بإيطاليا . ومع اشتداد الأزمة وضغط الزوجة سيرضخ الوالد ويعد جواز سفر وفيزا مدتها سنة في ضيافة خالته إلى حين . ومن مكر الصدف، أن يكون زوج خالة عدنان شخص غير نظيف . حيث حاول الزج به في مجال الإتجار في المخدرات. كما أغراه بالحصول على أوراق الإقامة على أساس شرائها من عصابة متخصصة. لكنه صمم على مغادرة إيطاليا والذهاب إلى هولندا تجنبا لمشاكل إضافية لخالته.
لكن الحصول على عمل في الديار الهولندية ليس سهل المنال يقول صديقه سمير. إذ على الراغب في الحصول على عمل أن يتقن اللغة الهولندية أولا وهو ما ينعدم في عدنان .لكنه خلال استضافته بشقته لأيام ، وعده بمفاجئة ستدهشه في اليوم الموالي قال سمير " شوف أخويا عدنان سوف تغمرك سعادة لا أستطيع وصفها .غدا سنذهب لشارع الضوء الأحمر . ولست ملزما هنا كي أحكي للقراء تفاصيل هذه المفاجأة. وما سيترتب عنها من تورط عدنان في عشق راقصة تدعى جورجينيا رغم زواجه من لورا . لكني سأكتفي فقط بالقول أن شارع الضوء الأحمر هو شارع تمارس فيه الدعارة بشكل قانوني حيث تستعرض بائعات الهوى مفاتنهن وراء واجهات زجاجية مضاءة بأنوار حمراء . وبإمكان الزبون أن يختار من يشاء بعد أن ينطلق إلى شباك التذاكر. ومع مرور الوقت لاحظ عدنان أن سمير لم يفتح إحدى الغرف بشقته. وكان حريصا على إقفالها باستمرار. كما لاحظ أن أشخاصا أشداء طويلو القامة عريضو الأكتاف ذوو عضلات مفتولة رسم أغلبهم على أجسادهم رسوما مقززة . حيث أدرك ببداهته أن هذه اللقاءات مشبوهة، وخمن أن يكون وراءها أشياء مشبوهة وأعمال غير قانونية .
ومع تطور البناء السردي ،نتعرف على واقع حياة الأصدقاء الثلاثة في المهجر. حيث الحياة قاسية في هولندا ولا رحمة من أحد. ثم يعود بنا الكاتب إلى عدنان " سيرته " فيرسمه لنا متخبطا بين الفرحة واليأس. في حيرة من أمره في تحديد مصيره بين العودة للوطن أو الالتحاق بصديقيه الطاهر وعبد الرحمان بإيطاليا. لكن إبداع الخيال ومشيئة القدر سيلعبان لعبتهما . وسيرجح الذهاب لملاقاة أصدقائه في مدينو كومو الواقعة شمال إيطاليا على الحدود السويسرية. ولإبراز التأثير السلبي للهجرة . يظهر الكاتب الصديقان الطاهر وعبد الرحمان في وضعية يرثى لها وعليهما آثار البؤس والتشرد والمعاناة الحادة. ينامان في الخرب المهجورة أو تحت الجسور منذ وصولهما إلى كومو رفقة المهرب ابن الحي الذي تنكر لهما . وطردهما من منزله بعد قضاء ليلتين فقط . دون أن يفي بوعده الذي قطعه على نفسه عندما كان في المغرب . وذلك بإيجاد فرصة عمل لهما بمدينة كومو . ومن جميل الصدف استلام عدنان مبلغا من النقود أرسله له والده مكنه من اكتراء سطح منزل لأسبوعين وإنفاق المبلغ على إعالة صديقيه الذين انكسرت أحلامهم في بلدان الغربة .
وفي لحظة يتأسف الكاتب قائلا" عدنان مسكين وغير محظوظ .لقد فشل في أول تجربة غرامية مع جاكلين ونفذت نقوده، ولم يعثر على عمل بسبب جهله اللغة الهولندية وعدم توفره على وثائق الإقامة .ويأتي التصعيد في حدث أمني بعد وقوف عربة لرجال الأمن الهولندي بباب شقة قريبه ناقوس خطر . لقد أدرك عدنان أن قريبه متورط في قضايا الإتجار بالمخدرات وفي صبيحة اليوم الموالي راسل عدنان والده من أجل إرسال نقود للعودة إلى الوطن الحياة قاسية في أوروبا ولا رحمة من أحد. لكن بين الفرحة واليأس احتار عدنان في تحديد مصيره بين العودة إلى المغرب او الالتحاق بصديقيه الطاهر وعبد الرحمان بإيطاليا وهو ما حصل .
وكان لقاء الأصدقاء في مدينو كومو الواقعة شمال إيطاليا على الحدود السويسرية .وكانا في وضعية يرثى لها وعليهما آثار البؤس والتشرد والمعاناة الحادة ينامان في الخرب المهجورة أو تحت الجسور منذ وصولهما إلى كومو رفقة المهرب ابن الحي الذي تنكر لهما وطردهما من منزله عد قضاء ليلتين فقط دون أن يفي بوعده الذي قطعه على نفسه عندما كان في المغرب وذلك بإيجاد فرصة عمل لهما بمدينة كومو . ومن جميل الصدف استلم عدنان مبلغا من النقود أرسله له والده مكنه من اكتراء سطح منزل لأسبوعين وانفاق المبلغ عن إعالة صديقيه الذين انكسرت أحلامهم في بلدان الغربة .
حضر عدنان الطاهر وعبد الرحمان للصلاة والاستماع إلى خطبة الجمعة بالمسجد الوحيد بمدينة كومو الإيطالية ألقاها شاب أربعيني وسيم .وكان موضوعها الجهاد في سبيل الله. لكن كيف كان اللقاء بالإمام المسلم صدفة سعيدة بالنسبة للأصدقاء الثلاثة؟ وما الذي تغير حتى أصبحوا من الأصدقاء المفضلين للإمام يغدق عليهم أكلا وشربا في أرقى المطاعم والفنادق حيث يقيم؟.
الجواب ببساطة جاء ذات ليلة . حين أطفأ الإمام حاسوبه خاطب الأصدقاء مجتمعين " يا أبنائي . لقد حاولت أن أجد لكم عملا في إيطاليا . كما اتصلت ببعض معارفي في عدد من الدول الأوروبية . ويعلم الله إنني ما قصرت في ذلك . وباءت جميع محاولاتي بالفشل وحتى تنقذوا أنفسكم من وضعيتكم المزرية . فإني اقترح عليكم الانخراط في جيش المجاهدين. وسوف تتقاضون أجرة شهرية هامة وسيزوجونكم أجمل الفتيات اللائي يقمن بالمعسكرات الإسلامية وستتدربون على حمل السلاح وفنون الحرب والقتال لقتال أعداء الإسلام . واذا استشهدتم فستدخلون الجنة مع المؤمنين المجاهدين .وسيتوصل أفراد أسركم بأجوركم التي كنتم تتقاضونها .وختم حديثه بالآية الكريمة " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" بعد سماع كلام الخطيب طلب الثلاثة مهلة للتفكير . وما كاد الصباح ينجلي حتى غادروا الفندق ومدينة كومو وسافروا إلى مدينة بريشيا خوفا من أذى الإمام .
ويمضي بنا خيال الكاتب إلى تتبع الرحلة حتى نهايتها . فيعجب المدرب الإيطالي ألبير بتناسق عضلات جسم عدنان الرياضي .فاحتضنه وأخذ يلقنه أحدث مستجدات رياضة كمال الاجسام .سفره إلى باريس رفقة زوجته بعد إجراء والده عملية دقيقة كللت بالنجاح .ورغم أن عدنان أول من تعلم اللغة الإيطالية بين أصدقائه إلا أن شبح الخوف ظل يطاردهم وكانوا يبتعدون عن الأماكن العمومية حتى لا تصادفهم دوريات الأمن .
غير خاف ان زواج عدنان من لورا كان له هدف أساسي هو الحصول على وثائق الإقامة ومنها الجنسية الإيطالية . ولم تأل لورا جهدا في ذلك بحكم علاقة أسرتها الواسعة بالأمن والقضاء الإيطالي .تمضي الحياة قدما .ويحصل عدنان على دبلوم في الترصيص والشروع في العمل .وبعد مرور سنة على عقد قرانه تم استدعاؤه للبلدية وإخباره بموافقة السلطات الإيطالية على تجنيسه فقام بتأدية القسم القانوني المفروض على المهاجرين الذين يحصلون على الجنسية . وتمضي السردية وسرعان ما نجد القراء أنفسهم وسط شبكة من الأحداث والمواقف العرضية . إذ حاول الكاتب أن يجمع بين الحب والغيرة والجنسية والدين والإرهاب والخيانة والتمثلات .فلويزا خالة لورا التي تتمتع بخوارق وتناجي الأرواح ليست وحدها حيث يستدعي الكاتب مجموعة من الرقاة ضمن منظومة طقوس شعبية في ذاكرة أهل فاس .أشهرهم صارع الجن في جسد الحاج .سلاحه سبسي محشو بالكيف يتم توجيه دخانه مرات حديدة بفعل أحداث التخدير المطلوب لطرد الجن .
فالطاهر اختلط بعصابة إيطالية متخصصة في الإتجار بالمخدرات وشاركهم في عدة عمليات ناجحة بعدما اكتسب ثقتهم .لكنه سيخونها نظير عدم التبليغ من مهمة مافيوزية أنيطت به .فاشبعوه ضربا مبرحا كاد أن يفارق الحياة .ورموه فاقدا للوعي بإحدى الطرقات الرئيسية. ومن المستشفى إلى السجن لسنتين بعدها سيعود مكرها إلى المغرب . أما عبد الرحمان الذي كان من هواة الموسيقى .فقد ظل يتردد على العلب الليلية يرفه عن السكارى ويتعاطى الخمر والمخدرات . بعدما تم طرده من المطعم وأصبح عاطلا ولصا محترفا ودون سكن . وصل الخبر إلى أخته التي قادت عملية بحث مضنية عنه إلى أن وجدوه نائما بثياب رثة ممزقة تفوح منه روائح كريهة بأحد المنازل المهجورة في كومو .
أما بطلنا عدنان وبعد معاناة طويلة وصبر، فقد قرر أن يغادر إيطاليا أملأ في نسيان الكبوات التي حاقت به وتفاقمت همومه بعد أن رفعت زوجته دعوى قضائية ضده واتهمته بتعنيفها وضربها . وهذا ما زاد الطين بلة . حيث حكم عليه بالسجن الموقوف التنفيذ لمدة سنة بعيدا عن مولودته أمل . ورغم الفسح الجميلة في الإمارات العربية وبعقد العمل كمدرب في ولاية فلوريدا الأمريكية . إلا أن عدنان لم يتمكن من نسيان زوجته لورا وطفلته أمل بكومو الإيطالية. كما ظل يتذكر عشيقته جورجينيا التي فارقها بعد أن ضاعت الآمال وتحطمت الأحلام. بعد أن استفاقت لورا من الصدمة عاشت مرارة تأنيب الضمير خصوصا أن طفلتها أخذت تنمو دون وجود والدها. وانغمست بدورها في تعاطي المخدرات والكحول لدرجة الإدمان . إهمال تربية ابنتها سمح للقسم الاجتماعي بكومو بانتزاع الطفلة منها ووضعها في ميتم الأطفال .فيما أودعوا لورا المستشفى لمعالجتها من الإدمان.
تطورات مثيرة عرفتها حياة الطليقين. وبعد أن تأكدت السلطات الصحية من شفاء لورا، استرجعت طفلتها . اتصلت بالكاهن رئيس الدير، وترجته أن يقبلها مساعدة اجتماعية ومتطوعة لرعاية الأطفال للتخلي عنهم والمرضى والعجائز. فبارك الراهب ما تنوي القيام به ومرر يده على شعرها ودعا لها بالتوفيق فأخذت تذهب إلى الكنيسة كل أحد للقيام بالصلاة.شعرت براحة نفسية وباشرت عملها التطوعي وكلها أمل في عودة عدنان إلى كومو لرعاية طفلته. ولما علم عدنان بتحسن صحة لورا وحياة طفلتهما أسعده القرار الذي اتخذته، وشعر برغبة قوية وحنين لمعانقة طفلته، إلا أن ما عاناه من إحباطات ومشاكل جعلته يواصل هجرته باحثا عن فرصة تعيد له الأمل في حياة سعيدة.
وقد خصت الناقدة الدكتورة فتيحة عبد الله الرواية بتقديم منهجي ومكثف سواء من حيث الشكل أو المضمون. وخلصت إلى ان الرواية هي إبداع خيالي لمرجع واقعي مع ذكريات من زمن بعيد تتخلق في ذهن الكاتب فتنكتب في نص سردي مشوق.
على المستوى الإبداعي تحضر ذات الكاتب في النص الروائي كأب . لأن الرواية في جوهرها غالبا ما تكون مشبعة بتجربة الكاتب الشخصية، حتى إن لم تكن سيرة ذاتية صريحة. الكاتب يضخ في شخصياته شيئا من ملامحه، في أماكنه شيئاً من ذاكرته، وفي أحداثه شيئاً من معاناته أو أحلامه.نجيب محفوظ يزرع أحياء القاهرة التي عاش فيها داخل رواياته، فتبدو شخصياته حاملة لنبض المدينة. مارسيل بروست في "البحث عن الزمن المفقود" حوّل طفولته وتجربته مع الزمن والذاكرة إلى نص ملحمي.
ولعل هذا ما يؤكد أن العلاقة بين الرواية الأدبية " أحلام منكسرة " وسيرة الحياة المدنية للكاتب محمد بوهلال تكشف عن نفسها للوهلة الأولى . كأستاذ أب مناضل سياسي ونقابي وصحفي. فهو ابن فاس وملم بثقافتها وتراثها .وكتب عنها في الصحافة الوطنية سواء كمراسل لجريدة الاتحاد الاشتراكي أو كمدير تحرير الأسبوعية صدى فاس التي توقفت لأسباب مادية بحب وشغف كبير. كما أن العلاقة بين عدنان البطل الرئيسي للرواية و شكيب نجل الكاتب والبطل الرياضي في كمال الأجسام بإيطاليا في الاستلهام والخيال لا تحتاج كبير عناء لإثباتها في النص السردي . وخطوط التماس بين الواقعي والخيالي من جهة، وبين الذاتي والإبداعي في إبداع المؤلف من جهة ثانية حقيقة ساطعة بارزة للعيان.
على المستوى النقدي غالبا ما تتم قراءة النص الأدبي في سيرة أو على ضوء سيرة الكاتب . حتى النقاد الكلاسيكيون ظلوا يميلون إلى قراءة النص الأدبي بيوغرافيا . وقد حدث تحول مع رولان بارث في النقد الحديث و"موت المؤلف" حيث حذّر من اختزال النص في حياة كاتبه. ولا نرى شبهة أو جنحة في ذلك . أي أن الرواية قد تتقاطع مع سيرة الكاتب، لكن لا يجوز أن نحاكم النص فقط بمعايير حياة المؤلف، لأن النص يصبح كيانا مستقلا بعد صدوره. كثير من الروايات تحمل ما يسمى السيرة المتخفية أو الأوتوفيكشن (Autofiction)، حيث يمزج الكاتب بين الواقع والخيال، فيستثمر سيرته كخامة خام، لكن يعيد تشكيلها فنياً. أحلام مستغانمي مثلا في "ذاكرة الجسد" تستلهم حياتها وتجربة والدها الثوري، لكنها تصوغها في حبكة وشخصيات متخيلة.

عزيز باكوش شتنبر 2025



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -خواطر وهمسات- لعبد الحي الرايس - نبض رجل بذبذبات استثنائية ...
- لوحات الإبحار-اهتمامات إنسانية وعشق للكتابة بقلق وجودي. جديد ...
- في الذكرى 34 لتأسيس أول فرع للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ...
- هل يترك ChatGPT أثرا أو بصمة واضحة في كتابات الباحثين الذين ...
- مأساة الناقد الذي يفتقر إلى معرفة بعلم الجمال سقوطه الحتمي ف ...
- حينما يصبح الذكاء الاصطناعي عاجزا أمام المخطوط التراثي العرب ...
- من أجل انبعاث فاس واستدامتها مؤسسة يوم فاس ترفع شعار - تفعيل ...
- الذاكرة والاعتقال السياسي في السينما المغربية: فيلم «كيليكيس ...
- رواية -الفتاة التي لا تحب اسمها-لإليف شافاك أو ساردونيا أنجع ...
- رواية -أزهار عباد الشمس العمياء - للكاتب الإسباني ألبيرتو من ...
- - تازة بعين صحفية -للإعلامي المغربي عبد الإله بسكمار عمق تار ...
- رواية الخبز الأسود للدكتور عمر الصديقي أو دعوة مفتوحة لكتاب ...
- مهرجان أكورا للسينما والفلسفة بفاس - المغرب أو حوار الدهشتين
- رواية - حلم العم- للشاهق الشامخ دوتويفسكي أو قصة الأمير وما ...
- أثر التقنيات الرقمية على مستقبل صناعة المحتوى الإعلامي بالمغ ...
- -معاً من أجل فاس: تأريخا للماضي، وتقويماً للحاضر، واستشرافاً ...
- البروفيسور أحمد شراك : ثورة رقمية بأربع مقاربات
- قراءة في كتاب -السينما والفكر النقدي - لخليل الدامون - سينما ...
- الغرافيتيا من المادي إلى الرقمي –أسئلة سوسيولوجية حول الكتاب ...
- الفيلم المغربي - تباين- DISPARITY- يفوز بالجائزة الكبرى للنس ...


المزيد.....




- حادث غريب يفضح سائقًا ويورطه مع الشرطة.. والصدمة مما وجدوه ف ...
- برج جديد في دبي بكلفة 1.6 مليار دولار يجسد الطموح العقاري نح ...
- هل تتحدث أثناء نومك ولا تعرف ما الأسباب؟
- بعد وقف برنامج جيمي كيميل.. ترامب يقول إن شبكات البث تخاطر ب ...
- هيندل يؤسس حزب -الاحتياط- في إسرائيل: خدمة إلزامية ولجنة تحق ...
- المتظاهرون يتجمعون في القدس مطالبين بإنهاء الهجوم على غزة
- المتظاهرون يتجمعون خارج استوديو جيمي كيميل بعد تعليق العرض
- توقيف مشتبه به في هجوم باريس 1982.. وماكرون يشيد بتعاون السل ...
- برلين تجدد عزمها -إصلاح- دولة الرفاه وسط صعود المعارضة الشعب ...
- ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطينية هو -أفضل طريقة لعزل حماس-


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عزيز باكوش - رواية - أحلام منكسرة - لمحمد بوهلال السيرة المتخفية. أو الأوتوفيكشن (Autofiction) بين الواقع والخيال.