ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 22:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظلّ المناقشات الجارية حول ما يُقال عن “تحوّل استراتيجي” في إيران بعد حرب يونيو/حزيران 2025 مع إسرائيل، تبرز القراءة النقدية بوصفها الرؤية الأكثر واقعية وموضوعية لهذه الظاهرة، مع التركيز على استمرارية النهج الثوري رغم الضغوط.
أولاً، لا يمكن اختزال التحوّلات الإيرانية في مجرد إعادة إحياء رموز التراث القومي القديم أو تماثيل الأبطال الأسطوريين التي ظهرت في الشوارع ووسائل الإعلام الرسمية؛ فهي ليست سوى محاكاة للثقافة الشعبية ووسيلة لتعزيز الوحدة الداخلية في ظلّ الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، من أزمة اقتصادية وضغوط سياسية داخلية وخارجية. هذا الخطاب القومي الجديد لا يشكّل انقلاباً استراتيجياً على مسار النظام، بل يمثل تكييفاً تكتيكياً لاستدعاء مشاعر القومية والوحدة في مواجهة التحديات، كما في خطابات خامنئي بعد الحرب التي ركّزت على “انتصار إيران” من دون تغيير جوهري.
ثانياً، تشكّل تصريحات مسؤولي النظام الإيراني ووقائع الدعم الميداني والمالي المستمر لحلفاء إيران في المنطقة، مثل حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي، دليلاً واضحاً على استمرارية التوجّه الثوري الإسلامي الذي يمثّل السياسة الخارجية الحقيقية للجمهورية الإسلامية. لا يوجد تراجع حقيقي أو تغيير جوهري في هذه السياسة، بل ثمة محاولات لتعزيز الخطاب الرسمي داخلياً من دون التخلي عن المشروع الإقليمي الثوري، كما أكّد قادة الحرس الثوري، مثل إسماعيل قاآني، بعد الحرب.
ثالثاً، إنّ تخلّي النظام الإيراني الحالي عن نهج تصدير الثورة الإسلامية – إن حدث – لا يعني في حقيقته إلا موتاً سريرياً لهذا النظام، وهو أمر لا دلائل ميدانية تؤشر عليه حتى الآن. فهذه السياسة ليست مجرد أداة خطابية، بل جزء لا يتجزأ من هوية النظام الثورية، وأي إقرار ضمني بضعفها يشير إلى أزمة داخلية عميقة من دون انهيار فوري، مع الحفاظ على هيكل السيطرة عبر خطاب تكتيكي يوظّف التراث القومي لكسب الوقت والدعم الشعبي.
رابعاً، إنّ هذا المستجد في الخطاب الإعلامي الإيراني هو، على الأرجح، تكتيك تعبوي موجّه للداخل الإيراني تهيئةً لمواجهة عسكرية محتملة مع إسرائيل والولايات المتحدة، حيث يسعى إلى تعزيز التماسك الاجتماعي والحشد الشعبي أمام تهديدات خارجية متوقّعة. وفي الوقت نفسه، يُعدّ هذا المستجد تكتيكاً مزدوجاً موجهاً لهاتين القوتين كرسالة طمأنة توحي بأنّ النظام يتهيّأ للتخلي عن دوره المُضادّ لمصلحتيهما في المنطقة، وذلك بهدف إرباك الخصوم وكسب وقت استراتيجي من دون تغيير حقيقي في النوايا.
بناءً على ما تقدّم، فإنّ النظر إلى هذا التغيّر في الخطاب بوصفه “تحوّلاً استراتيجياً” هو تبسيط مُخِلّ وتحليل خاطئ؛ فالأمر أقرب إلى تعديلات تكتيكية في الخطاب الرسمي تخدم هدف الاستمرارية، وليس إلى تغييرات جذرية في مسار النظام السياسي الإيراني. ومن ثمّ، ينبغي التمييز بين الثقافة الخطابية والواقع السياسي عند تقييم توجهات طهران وأهدافها الحقيقية.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟