أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمان النوضة - ظاهرة الاستبداد السياسي















المزيد.....

ظاهرة الاستبداد السياسي


عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)


الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 16:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما كُنـتُ مُعتـقلًا سيّاسيًّا في المَغرب، ومحكومًا بالسِّجن المُؤبّد، بِتُهْمة «المَسّ بِأَمن الدّولة»، كانـت هِوايتي المُـفضّلة هي التَـفكير، والكتابة (وَلَو في الذِّهْن فقط)، بِمَنهج يُـقاوم الاستبداد السياسي، ويُعارض كل مَظاهر الظُّلم المُجتمعي. ولا أريد الحديث هنا عن التـعذيب العَنِيـف المُباشر الذي تَعرّضتُ له خلال أكثر مِن ثلاثة شُهور، ولا عن العُزلة الانـفرادية التي حُجِزتُ فيها خلال قرابة أربعة سنوات، ولا عن السّجن الذي قَضيتُ فيه قُرابة 18 سنة. وإنما أودّ التّذكير بِبعض الاستـنـتاجات العامّة، أو النظرية، المُستخلصة مِن الأبحاث النظرية التي قُمتُ بها، أو صُغْتُها في مقالات، أو كُتب، حول الـقَوانِين العامّة التي تَتحكَّم في تَطوّر المُجتمعات.
واكتشفتُ ظَواهر مُجتمعية تَستحـقّ البَحث الأكاديمي، والتَحليل العِلْمِي. وهذه الظَّوَاهِر المُجتمعية، تَتَجاوز الأفراد، وحتّى الحُـكَّام الأقويّاء هُم أنـفسهم. وَلَا يَعتـرف بِوُجود هذه الظّواهر المُجتمعية سوى عُلماء المُجتمع الذين هم مُستـقلِّون عن الدّولة، وَمُنْـفَصِلِون عن النظام السياسي القائم. أما عُلماء المُجتمع الذين هم مِن بين «خُدّام النظام السياسي القائم»، أو المُستـفيدين مِن رِيـعِـه، فَمِن المَـفْهُوم أنْ يَنـكروا وُجود هذه الظّواهر المُجتمعية.
ومن بين هذه الظّواهر المُجتمعية، التي تستحقّ البَحث والتَّحليل، نَجد ظَواهر «الاستبداد السياسي»، في إِطَار «الدّولة الرأسمالية التَبَـعِيَة».
وفي مُجمل الأنظمة السياسية المَلَكِيَة أو الإماراتية، الـقائمة في "العَالم العَربي"، يُوجد اِستبداد سيّاسي مُؤَسَّـس، وَمُـقَنَّن، وَمَـفْرُوض، وَمُتواصل، وَمُتَـفَاقِم. وَمَارَسَت المَلَكِيّات العربية التَحَالُف السِرِّي مع الإمبرياليات الغَربية، بِهَدف تَخْريب مُعظم الجُمهوريات العَربية (مثل اليَمَن، والعراق، وليبيا، وسوريا، والصومال، والسودان، الخ). وَ«تُطَبِّع» المَلَكِيّات العربية مع إسرائيل المُسْتَـعْمِرَة. وَحِرص المَلَكِيّات العربية على صِيّانة أمنها، وَدوامها، يَحُثُّها على إبـقاء الشّعوب العربية في الجهل، والتَخلّف، والانحطاط. وَتَدفع المَلَكِيّات العربية المُستبدة مُجملَ شُعوب العالم الناطق بالعربية نحو «اِنْتِحار جَماعي». وَلَا تَكتسب هذه المَلَكِيّات العَربية أيّ حِسٍّ وَطَنِي، أو شَعبي، أو دِيمُوقراطي، أو عَدْلِي، أو مُجتمعي، أو إنساني.
والـقَمع السيّاسي، وكذلك الاستبداد السيّاسي، هُما مَظهران مِن من بين مَظاهر الصِّراع الطّبـقـي الجاري داخل المُجتمع الرأسمالي. ومهما اِجتهدت «جَمعيّات الدِّفاع عن حُقـوق الإنسان»، فإنّ الـقَمع السياسي، والاختطافات، والاعتـقالات، ومراكز الاحتجاز، والاستنطاق، والتـعذيب، والتَنْـكِيل، والمحاكمات السياسية، والمعتـقلين السياسيِّين، سَتَسْتَمِرّ كلها في الوُجود، ما دامت طَبـقات مُتـناقضة مَوجودة في مُجتمع رأسمالي. وَيُمـكنها أنْ تَتـزايد، أو أنْ تَتـناقص، وذلك حسب تَطور مَوازِين الـقِوَى الطَبـقـية، لكنها لَنْ تَزول قبل زوال الطبقات المُجتمعية، والاسْتِـغْلَال الرَّأْسَمَالِـي، والاستبداد السياسي.
وَيَميل كل نظام سياسي مَلكي استبدادي، وَتَميل كل دَولة رأسمالية تَبَـعِيَة لِلْإِمْبِرْيَالِيَة (في العالم العربي)، وبشكل لَا يُـقاوم، نحو وَضع تَرسانة لَا مُنـتهيّة مِن الـقـوانين القَمعية. وَجَوهر هذه الـقـوانين القَمعية، هو تَبْرِير الـقَمْع السياسي، وَتَـقْنِين مُعاقبة كل فِـكر، وكل فِعل، يُعارض النظام السياسي القائم. مِنها مثلًا قَوانين : مَنـع نَشر الحقائق المُزعجة، مَنـع النّـقد السياسي، مَنـع فَضح الـفَسَاد، مَنـع «إِهَانَة مُوَظَّف» في الدولة، مَنـع كَشْف فَضَائِح الحُكّام والسّائدين، مَنـع التَشْكِيك في نَزَاهة الانـتخابات، مَنـع التَشْكِيك في أرقام الإحصائيات الرّسمية، مَنـع إضراب المَأجُورين المُسْتَـغَلِّين، مَنـع تَنْظِيم المُواطنين في أَنْدِيَة أو جمعيّات أو نـقابات أو أحزاب، مَنـع تَأسيس جَرائد أو مَجلّات أو مَنَابِر أو إذاعات أو تَلْفَزَات مُستـقلّة عن الدّولة أو غير خاضعة لها، مَنـع المَس بِـ «ثَوَابِت الأُمّة»، مَنـع التَّـعبير عن طُموحات سيّاسية ثورية، مَنـع المُعارضة السياسية، مَنـع التَظاهر في الشّارع، مَنـع الاحتجاج في الشّارع، مَنـع الوَقَفَات الجَماعية، مَنـع الأنشطة الثَـقَافِيَة التَنْوِيرِية أو التَـقَدُّمِيَة، مَنـع الحُلم بعالم أفضل، الخ.
والغاية مِن تِلك الـقـوانين القَمعية، هي تَجْرِيم كلّ إحساس، أو تَـفـكير، أو سُلُوك، أو طُمُوح، لَدى المُواطنين، يُخالـف تَـفكير أو رَغبات الأشخاص السّائدين في الدّولة القائمة.
وهذه المُقَارَبَة الأمنية تُؤَدِّي إلى إحداث تَضَخَّم مُتواصل في الأجهزة الـقمعية. وَتَلْتَهِم هذه الأجهزة القَمْعية مِيزانيّات مَالِيَة مُفْرِطَة. وهدف كل الأجهزة الأمنية هو قَمع الشّعب، ومنـعه من الانـتـفاض في ثورة مُجتمعية.
وَتَتَـعَمَّد الدّولة القائمة تِـكْرَارَ، وحتّى المُبالغة في، تَلْفِيـق التُهَم ضِدّ المُعَارِضِين السيّاسيِّين، وضد المُـفَكِّرِين النَّاقِدِين، وضدّ الصحافيِّين الذين يَفضحون الفَسَاد، وضد المُدَوِّنِين الذين يُـعَبِّرُون عن مُعَانَاة المُواطنين، وضد المُتظاهرين المُعارضين لِلْاِسْتبداد، وَضِدَّ المُحْتَجِّين على الظُّلْم المُؤَسَّـس، الخ. وَتَتَـعَمَّد الدّولة المُستبدّة الـقائمة قَمْعَ هؤلاء الأشخاص النَّاقدين، أو المُعارضين، بشكل قَاسٍ، أو شَرِس، أو مُرْعِب. وَيَحكم عليهم قَضَاء مُتَحَيِّز سيّاسيًّا، وَبِعُـقُـوبات سِجْنِية ثَـقِيلَة. وَيَتحوّل الـقَضاء إلى وسيلة فَـعّالة لِـقمع المُعارضين السيّاسيّين.
وَبِـقدر ما تَتَشدّد الدّولة في مُمارسة الـقَمع السياسي، بِـقدر ما تَجتهد في تَخْدِير جماهير الشّعب بِالطُقُوس الدِّينية، وَبِـكرة الـقَدم، وَبِالمُسلسلات العَبَثِيَة والْـلَّامُنتهية.
وَقَبل 40 أو 60 سنة، كان المُعارضون السياسيون البارزون يُغْتَالُون (مثل المهدي بـن بركة)، أو يُحكم عليهم بالإعدام، بِتُهم تَتـعلّق بِـ «المَسّ بأمن الدّولة»، أو «التَآمُر»، أو «العَمالة لأعداء خارجيِّين»، الخ. أمّأ اليوم، فـقد أوجب التَعامل مع الدّول الغربية التَخَلِّي عن الاغتيّالات المُباشرة، والإكتـفاء بِالتَنْـكِـيل بِالمُعارضين السياسيين، أو اضطهادهم، أو سِجْنِهِم، أو تَرْهِيبهم، الخ.
والغَايَة مِن وَضْع قَوانين تُعاقب كلّ فكر، أو كل فِعل، يُعارض النظام السياسي الـقائم، هي بالضّبط «إِرْهَاب» المُواطنين، وَتَهْدِيدهم بالسِّجن، في حالة إذا ما شاركوا في أيّ فِـكر، أو فِـعل، يُعارض النظام السياسي القائم. لأن الدّولة وَحُكّامها مَرْعُوبُون مِن تَزَايُد أعداد المُواطنين غَير الرّاضين عن أَدَاء الدّولة، أو الرّافضين لِسُلُوكِيّاتها، أو الطّامحين إلى تَـغْيِير النِظام سياسي الـقائم بِنِظام بَدِيل، يَـكون عَادِلًا، وَدِيمُوقراطيّا.
وَتَتَطَوَّر المَلَكِيَة المُستبدّة، وَتَتحوّل الدّولة الرأسمالية التَبَـعِيَة، وبشكل حَثِيث، إلى دولة تُمارس التَجَسُّـس المُمَنْهَج، وَالـقَمع الشُّمُولِي، والعِـقَاب الدَّقِيق، والاستبداد العَام، والـفَاشِيَة الزَّاحِـفَة. وَيَـغدو الأسلوب السّائد لِمُمارسة السُلُطَات السياسية هو «إِِرْهَاب الدّولة». وَتَتَحَوّل الدّولة إلى «دولة إرهابية». وَيَـغْدُو «التَرْهِيب» هو الأسلوب المُفَضّل في مُمارسة الحُكم. والغَايَة هي فَرض وَتَرسيخ «هَيْبَة الدّولة»، وَرَدْع المُواطنين غير الرّاضين عن أوضاع المُجتمع.
وفي كل فِعْل يُمكن أنْ يُـقْدِم عليه المُواطنون، فُرَادَى أو جَماعات، تَشتـرط دائمًا الدّولة الحُصول على «رُخصة». وَتُـقَنِّن إجبارية الحُصول على هذه «الرُّخْصَة». وَتَحتـكر الدّولة إِعطاء هذه «الرّخصة». ولا تُعطي إدارات الدّولة هذه «الرُّخْصَة» سِوَى للمُواطنين الذين يَخضعون لها، وَيُسَبِّحُون بِحَمدها. وَتَرفض إدارات الدّولة إعطاء هذه «الرّخصة» للمُواطنين المَشْكُوك في وَلَائِهم، أو الذين يَنْـتَـقِدُون النظام السياسي القائم، أو يُعارضونه. فَتَحرمهم الدّولة مِن حُقـوق المُواطنة العادية، والمُعتـرف بها عَالَمِيًّا.
وَنَتِيجة هذا العَقل المُستبد، المَهْوُوس بِـ «فَرض الأمن والاستـقرار» بِـقُوّة جَاهلة وَعَمياء، يَتَنافس ضُبّاط الأمن في مَن يَـكون أَعْنَـف، أو أَشْرَس، مِن غيره. وَتَتَـعَدّد الأجهزة الـقَمعية، وَتَتَنَوَّع أجهزتها وأساليبها. وَتَتـكاثر ضحاياها. وَتُراقب أجهزة المُخابرات المُتَـكَرِّرَة بعضها بعضًا. وَتُصبح كل السُبُل التي يُمكن أنْ تُؤَدِّيَ إلى إحداث تَـغْيِير، أو إصلاح، وَلَو جُزْئِي، في النظام السياسي الاستبدادي الـقائم، تُصبح مُلْـغَاة، وَ«مُـقْـفَـلَة» تَمَامًا. وَيَـغدو «إِصْلَاح» النظام السياسي الـقائم، مِن داخل مُؤَسَّـساته، أو مِن داخل قَـوانينه، أمرًا مُستحيلًا. فَتَـغْدُو «الرَّدَاءَة السّائدة»، ثمّ «الانحطاط الشُمُولي»، هو المَصِير الوحيد المُمكن لِعُموم المُجتمع.
وَلَا يَـفْلِت النَشاط الاقتصادي مِن ضَرورة الانسجام مع مَوَازِين القِوَى السياسية، ومع الصِّراعات الطَبَـقِيًّة، الجارية في المُجتمع. وَيَنْـفَضِح «الجهل الثّـقافي» لدى المسؤولين في أجهزة الدّولة كَصِـفَة طَبيعية لَدَى الأقويّاء. وَتَستـعمل الدّولة تَوزيع «الرِّيع» الاقتصادي على خُدّامها وأنصارها. أو تَستـعمل «الرِّيع» لِتَحْوِيل بعض المُعارضين السّابقـين إلى أَنصار بَارِزِين. وَتَتَـعَامَل الدّولة مع «تَضَارُب المَصالح» كَظَاهِرة عَرَضِيَة، وَعَادية، وَمَـقبولة. وَتَحْمِي الدّولة «الجَمع بين الثَّرْوَة والسُّلطة». وَتُناصر الدّولة «الإغتـناء غَير المَشْرُوع». فَيَتَحَوَّل الأغنيّاء إلى حَاكِمِين، وَيَصِير المُوَظَّـفُون والحَاكمون أغنيّاء. وَيَتَسَارع تَرَاكُم الثَّروات بين أيدي أَقَلِّيَة قليلة مِن الطُفَيْلِيِّين، وَمِن المُسْتَـغِلِّين الكبار. وَيَتَزَامن الـقَمع السياسي بِتَسارع إِغْتِنَاء أَقَلِّيَات مِن الطُفَيْلِيِّين، والغَشّاشين. وَتَرْتَدّ مُهمّة الدّولة مِن «خِدْمَة الشّعب»، إلى خدمة مصالح الأَقَلِّيات الغَنية، والمَالِكَة، والمُسْتَـغِلَّة، والمُستبدّة. فَيَتَأَبَّد الرُّكُود. وَتَـعُمُّ الرَّدَاءَة. وَيَتَـقَوَّى تَضليل وسائل الإعلام. وَيغدو الظُّلم البِنْيَوِي مُشَرَّعًا، وَمُؤَسَّـسًا، وَمُمَوَّهًا. وَيَتَسَارع اِغتـناء الأغنيّاء، وَيَتَـعَـمّـم فَـقْـر الـفُـقَـراء، وَيَتَـفَاقَم تَهْمِيش المُهَمَّشِين.
والسِرّ الخَـفِـي الذي يُـفسِّر حِرْص الأشخاص والـفئات الطَبَـقِيَة السّائدة، والمُسْتَـغِلَّة، على مُمارسة «إرهاب الدّولة»، هو أنها تُحِسُّ بِاخْتِمَار الثَّورة المُجتمعية. وَتَشْعُر بِخَطر وُجُودِي يُهدِّدها. وَلَا تُخْـفِـي أنّ عَدُوّها المَسْكُوت عنه هو «الشّعب» الثّائر، «الشّعب» الجَاحد الذي يَـكْفُر بِما أنْعَمَت عليه الدّولة مِن خَيرات.
وَتَـعتبر الـفِئات الطَبـقـية المُسْتَـغِلَّة، والسّائدة، أنّه «مِن حَـقِّ النظام السياسي الـقائم أنْ يُلْـغِـي وُجود الشّعب». وَقد سَبق للملك المُستبد الحسين الثّاني أن قال : «إنّ المَذْهَب المَالِكِي يُبِيح تَـقْتِيل الثُّلث الـفَاسد مِن الشّعب، لإنـقاذ الثُلثين الباقيّين». وَيَـعـتَـقِـد الحُكَّام والسّائدون أنّ «الشّعب خُلِق لِخِدْمَة الدّولة، وليست الدّولة هي التي خُلِقَت لِخِدْمَة الشّعب». وَيَضعون تَطَابُـقًا مُطلـقًا بين «الدّولة» و«نَوْعِيَة النظام السياسي القَائم». وَيَزْعُمُون أنّ «مُحاولة تَغيير النظام السياسي الـقائم هي مُحاولة لِتَخْرِيب الدّولة، أو لِإِلْغَائِهَا».
ويعتبر الحُكّام، والسّائدون، أنّ «الدّولة هي أولى مِن الشّعب». وأنّ «مَصْدَر كلّ سِيَّادة هي الدّولة، وليس الشّعب». وَيُريدون فَرض الـفِـكرة التي تَـقـول : «حُقـوق الدّولة هي أَعْلَى وَأَوْلَى مِن حُقـوق الشّعب». والغَايَة التي يُريدون فَرْضها بالقوّة، هي أنّه «مِن حَقِّ النظام السياسي الـقَائم أَنْ يُـغَيِّر الشَّعب، وأنْ يَضطهده، وأنْ يَطْحَنَه، بِمُبَرِّر الحِفَاظ على الأمن والاستقرار، لكنّه لَا يَحق للشّعب أن يُحاول تَـغْيِير النظام السياسي الـقائم، وَلَو عبر التَمَنِّي، أو التَعْبِير، أو المُناقشة، أو المُطَالبة، أو التَـظاهر، أو الاحتجاج».
وفي حالة وُجود هذا الاستبداد السياسي المُؤَسَّــس، يُصبح مَـفْـهُومًا مَنْـع الإضراب، وَإِدَانَة الـفِـكر الثّوري، وَتَجريم التظاهر، والاحتجاج، والتَـعبير، والمُعارضة، وحتّى الطُمُوح إلى عالم أفضل.
فَيُصبح المُواطنون في عَالم «مَـقْـلُوب على رَأسه». عَالم لَا يُصدِّقه العَقل السّليم. عَالم نَرَى فيه مُوَاطِنِين مُسْتَلَبِين (alienated)، ودولة مُستلبة، ومُجتمع مُستلب. عَالم يُـلْـغِـي العَـقل، وَيُـعاكس العَدل، وَيُـكَرِّس الظّلم كَمَنْـظُومَة مُجتمـعية شُمولية، وَمُطلـقة، وَأَبَدِيَة. لَا مَجال فيها لِمُراقبة الحَاكِمِين، وَلَا لِمُحاسبة السّائدين، وَلَا لِلْحُقـوق الدِّيمُوقراطية، وَلَا لِحُقـوق الإنسان. وفي هذه الأجواء، تُصبح حتّى «دَوْلَةُ الـقَانُونِ» شيئًا مُستحيلَ الإنجاز.
وَيَـعيش كثير مِن المُواطنين في تَأَلُّم دَفِين، دُون أن يَشْتَـكُون. وَلَا يَـقدر على التَـعبير عن الغَضب ضدّ هذه الأوضاع المُجتمعية المَرَضِيَة سوى أقلِّية قَليلة مِن المُواطنين. فَلَا غَرابة أن تَـعيش نسبة هامّة مِن المُواطنين في حالة مُتواصلة مِن الرُّعب، والمُـعَانَاة. وَلَا عَجب أن تَـكون مِيزة جزء هام مِن جماهير الشّعب هي الكَبْت، والخَوْف، والحرمان، والتَهميش، والإهانة، والـقمع، والـقَهر، والحَـقَارَة، والحُـﮕْرَة، والتَرْهِيب، والآلَام، والعَذَاب البَاطِنِي، واليَأس الوُجْدَاني، والمَيْل إلى الْاِنْتِحَار، اِنْتِحَار الأفراد، والجَماعات، والشُّعوب. وَتَظهر لِكثير مِن الشُبّان هِجرة هذا الوَطن البَئِيس بمثابة الخَلَاص الوحيد المُمكن. أو تَظهر كأنها الحُلم الوَحيد المُبْتَـغَـى. وَتَبحث أجيال مِن الشُبّان عن وَسيلة مُمـكنة لِلهُروب مِن وَاقع هذا المُجتمع، سواءً بواسطة المُخدِّرات، أم بواسطة الهِجرة إلى الدّول الغَربية الإمبريالية، التي تُوَفِّر لِمُواطنيها الحُرِّية، والرّفاه.
وَنَجد هذه الظَوَاهر المُجتمعية، وَلَو بِدَرجات مُتـفاوتة، في مُجمل الأنظمة السياسية المَلَكِيَة والإماراتية الـقائمة في "العالم الناطق بالعربية"، وكذلك في مُجمل الدّول الرّأسمالية التَبَـعِيَة لِلإمبريالية.

رحمان النوضة، 3 نُوّنـبر 2025.
(هذا النص هو فصل من كتاب :
رحمان النوضة، نـقد الدولة الرأسمالية، نشر سنة 2022، الصفحات 165، الصيغة 20، pdf.
ويمكن تَنزيله من مُدوّنة الكاتب التّالية :
https://livreschauds.wordpress.com/2015/01/03/liste-لائحة/



#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اِنْتِحَار جَماعي شَامل
- أُطروحات سيّاسية (ص8)
- أطروحات سياسية
- أنواع ودرجات الوعي السياسي
- إستعملوا الذكاء الاصطناعي!
- من حاول اغتيال سيون أسيدون
- خطورة الحركات الهوياتية، نموذج روندا
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
- حَرب سِرية بين المَلكيات والجُمهوريات 4/4
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات ‏وَالجُمهوريّات 2/4
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
- إِسْرَائِيل نَازِيَة مِن صِنْف جَدِيد
- أَسْقَطَت الإمبريالية سُورْيَا في ثُـقْب أَسْوَد
- هل يجوز توحيد العرب ولو بالقـوة؟
- نَـقْد تَحْوِيل التَضامن مَع فَلسطين إلى مُناصرة لِلْإِسْلَا ...
- نَقْد الزَّعِيم والزَّعَامِيَة
- نَـقْـد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 2/2
- نَـقْـد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
- لماذا اُعْتُقِلَ مُدير تَطْبِيق تِلِغْرَام


المزيد.....




- بمنتدى الدوحة.. تصريحات جديدة لوزير خارجية مصر حول معبر رفح ...
- قطر ومصر والنرويج يحذرون من خطر يواجه وقف إطلاق النار في غزة ...
- بقيمة 90 مليون دولار.. صفقة أميركية محتملة لتزويد لبنان بمرك ...
- -معاناتنا تتفاقم- ـ نازحون منسيون في المخيمات بعد عام على سق ...
- سوق الوهم.. -استغراب- يفضح معايير جمال متغيرة لا تعرف الثبات ...
- اجتماع أميركي سوري بشأن السويداء في عَمان
- حادث مروّع ليلة عيد الشكر.. شاهد سيارة مسرعة تقتحم مقهى شهير ...
- الكويت.. فيديو ضبط كميات ضخمة من المخدرات والداخلية تكشف تفا ...
- دعوات في منتدى الدوحة لتسريع المرحلة الثانية من اتفاق وقف إط ...
- قبل المحادثات بين كييف وواشنطن.. روسيا تشن هجومًا واسع النطا ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمان النوضة - ظاهرة الاستبداد السياسي