|
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 2/4
عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)
الحوار المتمدن-العدد: 8317 - 2025 / 4 / 19 - 16:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا النَصّ الحالي هو الجزء الثّاني (من بين أربعة أجزاء) من الدراسة الحالية (في صيغتها رقم 10). (ملاحظة : في الجزء الأول الذي نُشِر سابقًا، سَقَطَت سَهْوًا بعض الأجزاء مِن بعض الفقرات. ومع الأسف، لَا يُمكن تَحْيِين المقالات القديمة على مَوقع "الحوار المُتمدّن").
تَـــذكـــيـــر بِــفَـــهــــرس هـذا الــمَـــقَــــال :
1. تَــــقْــــدِيــــــم .........................................................................3 2. مَدْخَـل : كانت البِداية تَساؤلات، وفَلسفة .............................................4 3. دُوَّل وَشُـعُوب عَربية غَير عَاديّة ......................................................6 4. تَنَاقُضات بَيْن المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات العَربية ....................................... 9 5. سُلُوكِيّات تَتَحَدَّى العَقل وَالعَدْل ....................................................... 10 6. التَـعَامُل مَع البِطَالَة وَهِجْرَة اليَد العَامِلَة .............................................. 14 7. جَشَع الْإِمْبِرْياليّات الغَربية ............................................................ 16 8. بعض مَظَاهِر الحَرْب السِرِّيَة بَين الـمَلَكِيّات والجُمهوريّات ........................ 19 9. رُؤَى مِن زَوَايَا أُخْرَى لِمَظَاهِر "الحَرب السِرِّيَة » ................................ 29 10. ثَوْرَة في سُوريا، أمْ غَزْو أَجْنَبِي ؟ ................................................ 34 11. مِيزَات الـمِيلِشْيَات الْإِسلامية ...................................................... 35 12. مَنْ يُمَوِّل، وَمَن يَسْتَـفِـيد، مِن الأحزاب وَالـمِيلِشْيَات الْإِسلامية ؟ ............... 41 13. حُرُوب عَبَثِيَة بين مَلَكِيّات الخَليج واليَمَن ......................................... 43 14. مَـآل الحَركات الْإِثْنِيَة والعِرْقِيَة والطّائـفية هو العَمَالَة ثُمّ الفَشَل ................. 46 15. مَنْ يَزْرَع الرِّيَاح، يَحْصِد العَوَاصِف ............................................. 48 16. الْأَنَانِيَة تُـفْسِدُ الـمَنْطِق ............................................................ 53 17. وَاجِب تَوْحِيد الوَطَن العربي الكبير، وَلَوْ بِالقُوَّة ................................. 54 18. مُنْذ 1990، تَبْحَث الإمبرياليات الغَربية عن عَدُو مُشترك .................... 56 19. هَل إِيرَان صَديق أمْ عَدُوّ لِلشُّعُوب العَربية ؟ .................................... 58 20. نَحن كَـ «عَرَب»، لَنَا مَصَالِح مُشتـركة، وَلَنَا أَعْدَاء مُشْتَرَكِين ................. 61 21. مُـفَاضَلَة بَيْن الأَنظمة الَـمَلَكِيّة والجُمهورية .................................... 64 22. لِنُحْيِـي العَـقْلَ في تَأَمُّلِنَا حَوْل مَصيرنا المُشترك ............................... 71 23. وَثَـائِـق أُخرى نَشرها اِلْـكَاتـب ................................................... 79
8. بعض مَظَاهِر الحَرْب السِرِّيَة بَين الـمَلَكِيّات والجُمهوريّات قَبل أنْ يَـقْتَنِـع القارئ بِوُجود «حَرب سِرِّية» بين المَلَكِيّات والجمهوريات العَربية، يَحتاج إلى مَعرفة حَدٍّ أَدْنَـى مِن الأحداث التي تَـقَع بَيْنَهُما، مِن صِّدَامات مُسْتَتِرَة، وَتَدَخُّلَات سِرِّيَة، وَخِلَافَات تَاريخية، وَتَناقضات حَادّة، وَصِراعات شَرِسَة، وَمَخْفِيَة بِـعِنَايَة. وَتَأْتِي صُعوبة إدراك وُجود هذه «الحَرب السِرِّيَة» مِن كَون ضَرَبَات المَلَكِيّات والإمارات العَربية المُوَجَّهَة ضِدّ الجُمهوريات العربية، لَا تُوجد بشكل مُستـقل، وَوَاضِح لِلْعُمُوم. وإنما تُوجد وهي مُتَدَاخِلَة مع أفعال أطراف أُخرى، قَد تَـكُون هي أَمريكا، أو إسرائيل، أو تُرْكِيَا، أو مِيلِشْيَات مُسَلَّحَة، أو غَيرها. وفي مَا يَلِي، سَأَعْرض بَعض الأَحْدَاث، أو التَطَوّرات التاريخية المُعَبِّرَة، التي تُبْرِز بعض مَظاهر الصِرَاع، أو الحَرْب السِرِّية، أو التَخْرِيب، التي سَاهَمَت المَلَكِيات أو الإمارات العَربية في إِحْدَاثِها دَاخل جُمهوريّات عربية بارزة، مثل العراق، وَلِيبيا، واليَمَن، والصُّومَال، والسُّودان، وَسُوريا، الخ. لكن، كل أجزاء هذه الدراسة الحالية، تَحْتَوِي هي أيضًا على مَعلومات إِضَافية، أو تَـفَاصيل مُكَمِّلة، أو تَحَالِيل مُساعدة، أو تَـفْسِيرَات مَطْلُوبة، الخ. وهي كلها ضَرورية لِفََهم وُجُود هذه «الحَرب السِرِّيَة» بين المَلَكِيّات والجُمهوريات العربية، وَأَسَاليبها المُمَوَّهَة، وَكَيْـفِـيَّات اِشْتِـغَالها. ومنها ما يَلِي : ▪ في العِرَاق : مُنذ سنة 1919، حَدثت في العراق تَدخّلات عسكرية مُتعدّدة لِـلاستعمار التّابع لِـ "المَملكة المُتّحدة" الْإِنْجليزية. وتَوالت في العراق اِنْتفاضات شعبية، وقمع شرس، وانقلابات عسكرية. وَنَشَبَت تَمَرّدات كُوردية اِنفصالية، مُدعّمة مِن طرف دُول إمبريالية غَربية، وشاه إيران آنذاك. وفي 25 أبريل 1920، أعطت "عُصبة الأمم" (التي سبقت "الأمم المتحدة") إلى "المملكة المتحدة" (UK) تَـفويضًا لإدارة العراق. واستقلّ العراق في سنة 1932. وفي سنة 1979، قَامت ُمُخابرات "الموساد" الإسرائيلية بِتَخريب مُفاعل نُوَوِيّ كان يُهَيَّأُ في فرنسا لِصالح العراق. وفي يُونيو 1981، قصف الطيران الإسرائيلي (بِمُساعدة الإمبرياليات الغَربية) المُفاعل النووي "أُوزِيرَاك"، الذي اِشتراه العراق مِن عند فرنسا. وقدّمت أطراف مُتَخَـفِّيَة مِن فرنسا مُساعدات لإسرائيل لِتَهيئ هُجومها. وَانْدَلَعَت نَار حَرب عَبَثِيَة بين العراق وإيران، بين سنتي 1980 و 1988. وقد كانت هذه الحرب فَخًّا مَبْتُوتًا للعراق، مِن طرف أمريكا، وبعض المَلَكِيًّات أو الإمارات العربية. وقامت دَولتـي الكُوِيت والسّعودية بِتَمْوِيل حَرب العراق ضدّ إيران، بِـقُرُوض، قُدِّرَت بأربعين مليار لِفَائدة للكويت، وَبِثَلاثين مليار لِفائدة السعودية. وفي غُشت 1990، حَاول الرئيس العراقي صدّام حُسين استرجاع إقليم الكُوِّيت، الذي كان الاستعمار البريطاني قد فَصَلَه عن العراق في سنة 1922. وَاسْتَـغَلَّت أمريكا إِقْدَام العراق على هذه المُحاولة. وَخَلَقَت أمريكا تَحالفًا عالميا لِمُعاقبة العراق على رَغْبَته في تَـغْيِير خَريطة إحدى الإمارات النَّـفطية. وشاركت بعض المَلَكِيّات والإمارات العَربية في هذا التَحاف ضدّ العراق. وَشَنَّت أمريكا وحُلفاؤها حَربًا وَخِيمَة على العراق. وفي يناير 1991، غَزَت أمريكا العراق، واحتلّته، وخرّبته كُليًا. وَخلال حَرب 1991، خَرَّبَت أمريكا وإسرائيل بِدِقَّة البِنيات التحتية الاقتصادية العراقية. ثُمّ أَدْخَلَت أمريكا الطَّائِفِيَةَ إلى العراق بِالقُوَّة. وَلَوْ لَم تَلتزم (سِرًّا) بعض المَلَكِيَّات والإمارات الخَليجية بِتَمْوِيل جزء هام مِن حَرب أمريكا في سنة 1991ضدّ العراق، لَمَا خَاضَت أمريكا بِوَحْدِهَا هذه الحَرب. وَفَرَضَت أمريكا وَحُلـفاؤها عُقُوبات اقتصاديًّا، وَحِصارًا اقتصاديًّا شاملًا ضد العراق، بين سنتي 1991 و 2003. ثمّ شَنَّت أمريكا حَربًا أخرى مُخرِّبة على العراق، في مارس 2003، بِمُشاركة بريطانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وَبُولُونيا، وإسبانيا، وإيطاليا، الخ. وَسَلَّمَت أمريكا الأسير صدّام حُسين إلى أعداءه التاريخيِّين. دَبَّرَت أمريكا اِغْتيّال الرئيس صدام حُسين عبر مُحاكمة مُزوّرة. وقامت أمريكا (وفي خلـفها إسرائيل) باغتيّال مُعظم النُخَب العراقـية المُكَوَّنَة مِن العُلماء، والمُـفكِّرين، والسياسيِّين المرموقين. وخلال الفَترة المُمْتَدّة مِن فِبراير 2006، إلى يُونيو 2009، (وهو تاريخ بداية خُروج الجيش الأمريكية مِن العراق)، أُشْعِلَت حَرب أهلية غَامضة في العراق، بين الشِّيعَة، والسُنَّة، والبَعْثِيِّين، والسَّلَفِيِّين. وفي دِيسمبر 2013، اِنْـفَجرت حرب أهلية أخرى في العراق. وَظهرت خلالها مِيلِشْيَات إسلامية. وهي تَنظيمات مُكَوَّنَة وَمُسلّحة مِن طرف أمريكا، وَمُمَوَّلَة سِرًّا مِن طرف بعض المَلَكِيَّات والإمارات الخَليجية. وكان هدفها هو خَلق «الدّولة الإسلامية». وَاضطهدت هذه المِيلِشْيَات الإسلامية المَسيحيِّين، واليَزْدِيِّين، في العراق. ▪ في لِيبْيَا : في سنة 1986، قام الطّيران الأمريكي بِـقَصف مَدينتي طَرابلس وبَنغازي. وفرضت الإمبرياليات الغربية حِصَارًا اقتصاديًا خانـقًا على لِيبيا منذ سنة 1992. وبين شهري مارس وأكتوبر 2011، اِنْدَلَعَت في لِيبْيَا نَار حَرب أهلية مُدَمِّرَة. وحصلت اِنتـفاضات مُحَرَّكَة، وَمُسلّحة، وَمُدَبّرة مِن خارج لِيبيا، خُصوصًا في مُدن بَنْغَازِي، وطَرابلس. وَسَوَّقَت وسائل الإعلام الغَربية هذه الحَرب الأهلية على أنها «ثَورة شَعبية عَفْوِيَة». لكن اِتَّضَح فيما بعد أنّ هذه الحَرب الأهلية كانـت مُدَبَّرَة مِن طَرف قِوَى إمبريالية غَربية سِرِّيَة، تَتَمَوْقَع في خارج لِيبيا. وَساهمت إمارة قَطَر في العَمَلِيّات العسكرية الخاصّة التي خَاضها "حِلْف شمال الأطلسي" (NATO) على نِظَام مُعَمَّر القذافي في عام 2011. وَحَدَث قَصف جَوِّي وبحري ضدّ أنصار الرئيس معمّر القذافي. وأسقطت (هذه الحرب الأهلية) نظام الرئيس مُعمّر القذافي، ثمّ حاصرته، ثمّ اغتالته. وأدخلت هذه الحَرب الأهلية الفَوْضَى، والتَشَتُّت، والتَشَرذم، بشكل دائم إلى جُمهورية لِيبيا. وَتَكوّنـت بِسُرعة العشرات مِن المِيلِشْيَات المُسلّحة في ليبيا. وكان هدف هذه المِيلِشْيات يَنْحَصر في نَهب، أو تَـقاسم، ثروات ليبيا. ولم تَـكن هذه الميلشيات تَتوفّر على ثَـقافة كَافية، وَلَا على رُؤْيَة سيّاسية، ولا على بَرنامج سيّاسي. وقامت الإمارات (UAE) بِتَمْوِيل تَدَخُّل قُرَابَة ألف جندي مُرتزق مِن شكرة "فَاجْنَر" (Wagner) الرّوسية، في لِيبيا، بين نُوَنْبِر 2019 وَيُولْيُوز 2020. وانْفَضح فيما بعد حُصول تَدخّلات عسكرية متنوّعة لِدُوّل غَربية، وَلِهَيْئَات مِن حِلف شمال الأطلسي (OTAN)، بما فيها فرنسا، والمملكة المُتّحدة، وإيطاليا، وأمريكا، وكذلك تَدخّلات مِن طرف تُوركيا، وَقَطَر، وَمَصر، الخ. وقاموا جميعهم بِتَسليح أنصارهم وَعُمَلَائهم المُنتـفضين. وقامت "الإمارات" (UAE) بدعم "الْلِوَاء" خليفة حَفْتَر، الذي كان «مُعارضًا» لِمُعمّر القذّافي، وَكان «لَاجِئًا سيّاسيا» في "الولايات المُتّحدة الأمريكية"، تحت رِعَاية المُخابرات الأمريكية (CIA). ثم غَدَى خليفة حفتر صديقًا لِرُوسيا في لِيبيا. ▪ في اليَمَن : (أُنْظُر فيما بعد المَعلومات المُتعلّقة باليَمن في النقطة المُعَنْوَنَة بِـ : "حُروب عَبثية بين مَلَكِيَّات الخَليج واليَمَن"). ▪ في الصُّومَال : تَدخّلت قُوات مُسلحة تابعة لجنوب إفريقيا العُنصرية، في سنة 1991، وأطاحت رئيس الجمهورية الصومالية سِيَّاد بَرِّي. وَحَدَثَت حُروب أهلية مُحَرَّكة في الخَفاء، مِن طرف الجماعات العِرْقِيَة، وأُمَرَاء الحَرب، والإمبرياليات الغربية، منذ سنة 1991 إلى اليوم. وَتَـقَاسَم أمراء الحرب بلاد الصّومال. ▪ في السُودَان : حَدثـت حُروب أهلية عَبَثِيَة، وَمُخَرِّبة، وَمُتَـقَطِّعَة، وَمُتَوَالِيَة، منذ سنة 1955 إلى اليوم في سنة 2025. منها مثلًا حُروب أهلية بين سنتي 1955 و 1972. وَ منذ سنة 1969 إلى اليوم، وَقعت اِنْـقِلَابات عَسكرية؛ وصدامات سياسية عَنِيفَة، بين المَركز والتُخُوم، وبين المُسلمين والمسيحيِّين في "جنوب السودان"، وبين المُحافظين والثوريِّين، وبين الوَطنيِّين وعُمَلَاء لِقِوَى إِمْبِرْيَاليّة أجنبية. وَقَصفت إسرائيل السُودان في يناير 2009. وفي سنة 2015، (أيْ في عَهد الرئيس السُّودَانِي عُمر البَشِير)، كانت المَمْلَكَة السّعودية تَستـعمل جُنودًا سُودانِيِّين في حربها ضدّ اليَمَن، لِمُحاربة حركة «أنصار الله» الحُوثِيَة. وَمُقابل ذلك، كان السّودان يَحصل على قُرُوض مالية. ومنذ أبريل 2023، تَمَرَّد قائد «قُوّات الدّعم السّريع» محمد حَمْدَان حْمِيدَاتِي دُوغْلُو، ضِدّ رئيس الجُمهورية، وَقَائد الجيش السّوداني عبد الفتاح البُرهان. وَلَوْ لَم يَكُن دُوغْلُو يَحظى بِدَعم الإمارات العربية، لَمَا تَجَرَّأَ على التَمَرُّد على الرّئيس عبد الـفتّاح البُرهان. وَتَحَوَّلت «قُوّات الدّعم السَّريع» مِن جهاز للدّولة السُّودَانية، تَابِع وَخَاضِع لِلْجَيش السُّوداني، إلى مِيلِشْيَا سِيّاسية، َلَهَا عَلاقات مُباشرة مع عدّة دُول أجنبية، وَتُريد الْاِسْتِيلَاء على السُّلطة السياسية (في السُّودان)، وََتُصِرُّ على الْاِسْتِـفْرَاد بها. وأشعلت «قُوّات الدّعم السّريع» حربًا أهلية عَبَثِيَة، وَلَا مُبَرِّر بها. وخرّبت الـقَليل المُتَبَـقِّـي مِن البِنْيَات التَحتيّة في السُّودان. وَقَدّمت الإمارات العربية المُتَّحِدة (UAE)، وَبعض الدُوّل الأوروبية، وَاتْشَاد، دعمًا ماليًّا وعسكريًّا مُتكرِّرًا إلى "قُوَّات التَدَخُّل السَّريع" المُتَمَرِّدَة، التي يَتَزَعَّمُها دُوغْلُو، خاصّة بين سنتي 2023 و 2024. وكان هدف ذلك الدّعم هو تَـقْوِيَة تلك "المِيلِشْيا" في حربها ضدّ حُكومة الرئيس السوداني عبد الفتّاح البُرهَان، وَتَسْهِيل تَـقْسِيم السُّودان. وَقَادَة الـقُوّات العسكرية في السُّودان، (بما فيهم البُرهان، وَدُوغْلُو) لَا يَـكْتَسِبُون لَا مَعرفة سياسية، وَلَا ثَـقافة وَاسعة، وَلا بَرنامج سيّاسي، وَلَا خبرة اقتصادية. فَاشْتَـعلت حَرب أهلية، عَبَثِيَة، وَمُخَرِّبَة، في السُّودان، لِلصِّرَاع حول السّلطة السياسية. وَاحْمِيدَاتِي دُوغْلُو، رئيس "قُوّات الدَّعم السَّريع"، هو حَلِيف، وَخَادِم، لِـ "الإمارات العربية المُتّحدة" (UAE). وكان قائد «قُوّات الدّعم السّريع» يُدِير عدّة مَناجم في السّودان، وَيَستخرج منها الذَّهب، وَيُصَدِّرُه بشكل غير قَانوني إلى "الإمارات العربية المُتّحدة". واتّهم يَاسِر العَطَا، رئيس الأركان السُّوداني، "الإمارات العربية المُتّحدة" (UAE) بِتَـقديم المال والسِّلاح إلى مِيلِشْيَا «قُوّات الدّعم السَّريع». وفي 26 أبريل/نيسان 2024، دَعَت حُكومة الخُرطوم إلى عقد جلسة عاجلة لِـ «مجلس الأمن» لِمُعالجة ما وصفته بِـ «عُدوان» "الإمارات العربية المُتَّحِدة" (UAE) على الشعب السُوداني. وَتَكرّرت أنشطة اِنفصالية في إقليمي دَارْفُور، وَكُورْدُوفَان، الخ. ▪ في سُوريا : على الأقل مُنذ اِنْهِيّار سَيطرة الإمبراطُورية العُثْمَانِيَة على الشّام، وعلى سُوريا، في قُرابة سنة 1918، إلى اليوم، ظَلّت سُوريا تَتَـعرّض لِلْهَجمات، وَالمُناورات الأجنبية، التي تَشُنُّها في الخَفَاء الإِمبرياليات الإنجليزية، والفرنسية، والأمريكية، وإسرائيل. وظلّت هذه القوَى المُعادية تُـعَرقل، أو تَمْنع، سُوريا من التَمَتُّع بالسّلَام، أو بالاستقرار. مِن الأكيد أن تَناقضات قَائمة داخل المُجتمع السُّوري، وصراعات طبقية حادة، لَعِبَت أَدْوَارًا هامّة في كلّ ما جَرَى في سُوريا. لكنني أَقْتَصِر هُنا على عَرض لَمحة سَريعة عن تَدخّلات القِوَى الأجنبية المُعادية. ومنذ سنوات 1970، لم يَنجح النظام في سوريا، لَا في تَطبيق الاشتراكية، ولا في تَنمية الرّأسمالية. وهذا المُشكل يُحيلنا على إِشكالية «الخُروج مِن التَخَلُّف في بُلدان "العالم الثّالث" التَّابِـعة لِهَيمَنَة الإمبريالية على العالم». وَمهما كانت اِجتهادات الحُكّام، في مَجالات التَنْمِيَة الزِراعية، والصناعية، والخَدمات، والتعليم، الخ، وحسب قَنَاعَتِي السياسية، لَا يُمكن لِمُجتمعات "العالم الثّالث"، الخَاضعة أو التَّابِـعَة لِهَيْمَنَة الإمبرياليات، أنْ تَخرج مِن التَخَلُّف المُجتمعي الشُمولي الذي تَتَخَبَّط فيه، بِواسطة النِظَام الرَّأْسَمَالِي(1). وبعد قُرابة عَام على اِنقلاب ديسمبر 1949، قدّمت أمريكا والمَمْلَكَة المُتّحدة الْاِنْجْلِيزِيَة وُعُودًا مَالِيَة سَخِيَة (400 مليون دُولار) إلى الرّئيس السُوري أَدِيب الشِيشَقْلي، إِنْ هو قَبِل تَوقِيعَ «السّلام» مع إسرائيل، وَإِنْ هُو وَافَقَ على «تَجْنِيسَ» قُرابة 500 ألف مِن الْـلَّاجِئِين الفلسطينيِّين في سُوريا. لكن "حزب البعث" رفض «بَيْع حَقّ عَوْدَة الفَلسطينيِّين». وَتَتَابَـعَت الانقلابات العسكرية، في سُوريا، والعراق، ومصر. وحدثت مُحاولة «الوحدة» بين سُوريا ومصر في فبراير 1958، ثمّ بين سُوريا، ومصر، والعراق، في أبريل 1963. وسمحت الطُموحات والمشاريع «الاشتراكية» بِتحقيق تَنْمِيَة اقتصادية لَا بَأس بها في مجالات الزِراعة، والصناعة، والتعليم، والصِحَّة، بين سنوات 1960 و 1975. لكن كثرة الخِلافات، والتَناقضات، وَتَلَاحُق الانقلابات العسكرية، والمُناورات السِرِّيَة الإمبريالية، واستغلال المُنافسات الطَّائِـفِيَة، وحرب 1967 المُفاجئة مع إسرائيل، كَانت تُعَرْقِل، أو تُـفْشِل، مُجمل المَشاريع الوطنية في سُوريا. وبين سنوات 1977 و 1987، استفادت سُوريا نِسْبِيًّا مِن مُساعدات مَالية مُقدّمة مِن طَرف بعض مَلَكِيَّات وإمارات الخَليج. وفي سُوريا، وفي إطار الرَّأْسَمَالية (وَلَوْ كانت رَأْسَمَالِيَة الدّولة)، كان تَطَوّر المُجتمع يَتَّجِه بِسُرعة نَحو الاستبداد، والفَسَاد، وَتَوْسِيع الفَوَارِق الطَبَـقِيَة. وَظَلَّت الإمبرياليات الغَربية، وإسرائيل، وبعض المَلَكِيّات والإمارات العَربية، تَحرص على إفشال كل ما يُمكن أن يُدَعِّم الاستقرار، أو التَنْمِيَة، أو الوَحْدَة، في بُلدان منطقة الشّرق الأوسط. ومنذ بداية سنة 2011، وفي إطار ما سَمَّتْه وَسائل الإعلام الإمبريالية بِـ «الربيع العربي»، حَدَثَت انتفاضات، وَقَمع سيّاسي لِلمُتظاهرين. وَانْتَهَزَت الإمبرياليات الغَربية، وكذلك المَلَكِيّات والإمارات الخَليجية، هذه الفُرَص لِتَـقْوِيَة مُناوراتها، وَتَدَخُّلَاتها الخَفِيَة. وَظهرت مِيلِشْيَات إسلامية مُسلّحة، وَتَدَخُّلَات أجنبية. وبدأت «حَرب أهلية» في أوائل عام 2011. ومنذ قُرابة سنة 2013، لَم تَبْقَ أحزاب سياسية مَدَنِيَة مُعارضة مَوْجُودة داخل سُوريا. وكانت العَديد مِن الجماعات السُّورية المُتمردة، و «المِيلشيات الإسلامية» المُسَلّحة، المُشاركة في هذه «الحرب الأهلية»، تَتَـلَـقّـى الدَّعْمَ والمُساعدات مِن عند تُركيا، أو أمريكا، أو إسرائيل، أو مِن عند بعض المَلَكِيّات والإمارات العَربية الخَلِيجية، مثل قَطَر، والمَملكة العربية السعودية، و "الإمارات العربية المُتّحدة" (UAE). واضطرّ النظام السياسي السوري إلى طَلب مُساعدات عسكرية مِن عند إيران، وروسيا. ولم تَكُن هذه المُساعدات كَافيّة. وَقُتِلَ، وَجُرح، عدد كبير مِن السُّوريِّين. وَاضْطُرَّ أكثر مِن خَمسة مَلَايِين مِن السُّوريِّين إلى الهُروب إلى خَارج سُوريا. وبعد إحساسه بِضُعفه، أُضطرّ النظام السياسي في سُوريا إلى الاستعانة بِمِئَات مِن الجُنود المُرتزقة التّابعين إلى الشّركة الرّوسية "فَاجْنَر" (Wagner). وكان ذلك في إطار العلاقة بين الدّولة السُّورية وَالدّولة الروسية. وشارك هؤلاء الجُنود في بعض المعارك في سنة 2015، وفي سنة 2017، لِصَدِّ هَجَمَات مِيلِشْيا «الدّولة الإسلامية»، في مَنطقة مدينة تَدْمُر (Palmyre). وفي سنة 2018، قَصَـفَت قُوّات "الولايات المُتّحدة الأمريكية" مَا تَبَـقَّـى مِن جُنود "فَاجْنَر" (Wagner). ومنذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2019، اِحْتَلَّت تُركيا شَرِيطًا حُدوديًّا بِعُمق يَتجاوز 30 كِيلُومِتْرًا في داخل شمال سُوريا. وَبَنَت تُركيا فيه قَواعد عسكرية، بِدَعْوَى تَحْيِيد القواعد الكُردية، المَوجودة على حُدود تركيا، والتّابِعَة لِلْمِيلِشْيات الكُوردية «قُوّات سُوريا الدِّيمقراطية» (قَسَدْ)، أو لِـ «الحِزب العُمّالي الكُردستاني» (PKK). لكن تُركيا اِستعملت هذه البِنْيَات العسكرية، فيما بَعد، لِإِحْكَام سَيطرتها على سُوريا، وَلِإِسْقاط نظامها السياسي. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، وَبَعد تَعاون سِرِّي وَمُـعَـقَّد بين مُخَابَرَات تُوركيا، وأمريكا، وإسرائيل، وبعض المَلَكِيّات والْإِمَارَات العربية النّـفطية، تُوِّجَ هذا التَـعاون بِتَـكْوِين تَحالف فيما بين قُرابة 80 مِيلِشيا إسلامية. وهذه المِيلِشْيَات هي مُدَعَّمَة مِن طَرف تُركيا، أو أمريكا، أو إسرائيل، أو بعض المَلَكِيّات والإمارات العربية الخَليجية. وكان الرَّئِيس السُّوري بَشّار الأسد قد دَعَا الجَيْش إلى التَصَدِّي إلى هُجوم مُنَسَّق، يَخُوضه تَحَالف مُـكَوَّن مِن ِعَدد كَبير مِن المِيلِشْيَات الإسلامية المُسلّحة. لكن التَحالف المُضاد قَامَ بِـإِرْشَاء قـيّادة الجيش الوَطني السُّوري، وَشِرَاء وَلَاءه. وَأَحْدَثَ هذا الْإِرْشَاء «اِنْـقِلَابًا» عسكريا مِن نَوع جَديد في العالم. حيثُ رفَضَت قـيّاد هذا الجيش السوري تطبيـق أوامر الرئيس السُّوري بَشّار الأسد. واستسلم الجيش الوطني السوري قَبل أنْ تُهاجمه هذه المِيلِشْيَات الإسلامية. وكانت الدُّوَل المُدَعِّمَة سِرًّا لهذا الهُجوم هي : تُركيا، وأمريكا، وإسرائيل، وبعض المَلَكِيّات والْإِمَارَات العَربية في الخَليج. وَدَخَلَت هذه المِيلِشْيَات الإسلامية إلى العاصمة دِمَشْق، وَاسْتَوْلَت عليها، بِدُون حُدُوث أيّة مُقاومة مِن طَرف الجيش السّوري. وَاضْطُرّ الرئيس السوري بَشّار الأسد إلى الهُروب إلى رُوسيا. واستولت المِيلشيات الإسلامية على السّلطة السياسية. وأَقَامَت نِظامًا سيّاسيًّا «إِسْلَامِيًّا دَاعِشِيًّا». وَوَصَفَت شبكة التَلْفَزَات العالمية (الخَاضعة لِلْإِمْبِرْيَالية الغَربية) هذا الانـقلاب بِـكَوْنه «ثَوْرَة شَعْبِيَة سِلْمِيَة ضدّ الدِّكْتَاتُور بَشَّار الأسد» ! وَهَلَّلَت الحَرَكَات الْإِسْلامية في كلّ بُلدان العالم العَربي لِهذه «الثّورة الشّعبية» المَزعومة. وَفَرِحَت، وَصَفَّـقَـت، المَلَكِيّات والْإِمَارَات العربية لِسُقُوط «جُمهورية سُوريا المُمَانِـعَة» ! وَفي 14 أبريل 2025، هَنَّـأ الرئيس الأمريكي دُونَالْد تْرَامْب (D. Trump)، في حَديث عَلَنِي، هَنَّأَ الرّئيسَ التُرْكِي طَيِّب أَرْدُوجَان على نجاحه في لُعْبَة الشَطْرَنْج : "إِسْقَاط المَلِـك" (échec et mat). وَانْتَهَزَت إسرائيل فُرصة سُقوط النظام السُّوري لِقَصْف وَتَخْرِيب كلّ مُنْشَآت وَأَجْهِزَة الجيش السّوري. وَاحْتَلَّت إسرائيل الجَنُوب الغَربي مِن سُوريا، وَصَرَّحَت أنها لَن تَخرج منه ! وَأَحْكَمَت تُركيا سَيطرتها على شَمال سُوريا. وَحَصَّنَت المِيلشيات الكُورْدِية سَيطرتها على الشّمال الشَّرقي في سُوريا. وهذه أنواع أخرى مِن عَواقب الأنانية. وَنَـفس الأَخْطَار (المَذكورة سابقًا) قَد تُهَدِّد جُمهورية مَصْر، في حالة إذا مَا تَاهَت يَـقظتها. لأنّ القُوّة العسكرية النِسْبِيَة المُتَوِّفِرَة لَدَى مَصْر، تُـقلق المَلَكِيَّات والإمارات العربية، وَتًزْعِج إسرائيل، وَتُضَايِق الإمبرياليات الغَربية. وَبِسَبب هذه الهَجَمات، والحُروب المُتوالية، أصبحت هذه الجُمهوريّات (العراق، ليبيا، الصومال، السودان، اليمن، سوريا، الخ)، ضَعيـفة، وَهَشَّة، وعاجزة على الـقـيّام بِمَسئُوليّاتها الدَّوْلَتِيَة كاملة. وَغَدت التَنْمِيَة المُجتمعية في هذه الجمهوريات صَعبة، أو مُستحيلة. وَمُعظم الحروب التي سقطت فيها الجُمهوريات العربية، كانت فِخَاخًا، أو خُدْعَات، مُدَبَّرَة في الخَفاء، من طرف الإمبرياليّات الغَربية (وخصوصا منها أمريكا، وبريطانيا، وإسرائيل). وَشَاركت سِرًّا بعض المَلَكِيّات العربية في إِذْكَاء بعض هذه الحُروب، أو اِمْتَنَــعَت عن تَـقْدِيم المُساعدات الْـلَّازِمَة لِمُحاولة ِإِخْمَادِها. وكانت الإمبرياليات الغَربيات َتَتَحَايَل لاستعمال مَنظومة "الأمم المُتّحدة" كَأَداة لِتَبْرير، أو لِتَشْرِيع، أو لِتَنـفيذ، خُططها العُدوانية. وفي نفس الوقت، تَتجاهل قرارات الأمم المُتّحدة حينما لَا تَكون في مَصلحتها. وفي الوقت الذي تُشيِّد فيه الدُول الغَربية مُجتمعاتها، تَستمرّ إسرائيل، والإمبرياليّات الغَربية، وبعض المَلَكِيّات أو الإمارات العربية، في تَسْلِيط هذه الأحداث، والحُروب العُدوانية، التي تُخَرِّب الجُمهوريات العَربية، مثل لبنان، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والصّومال، والسّودان، (بالإضافة إلى تَخريب فلسطين المُسْتَـعْمَرَة)، الخ. وهذه التَناقضات الدّاخلية، وكذلك التَدَخّلات الأجنبية، والحُروب الأهلية، أحدثت خَرابًا هائلًا، وَطَوِيل الأمَد، وَغَير عَادي، وَلَا يَجوز أنْ يَستمر ! وهذا الخَراب المُتواصل، يُفَسِّر جزءا كبيرًا مِن استمرارية تَخَلّف المُجتمعات العربية. ولَا تَنْحَصِر أسباب هذه الاضطرابات فقط في التَدخّلات الأجنبية، بَل تُمارس أيضًا التناقضات المُجتمعية الدّاخلية دَورًا حاسمًا. وَالمُدْهِش هو أنّ مُعظم الصِدَامات، والانتفاضات، والثورات، والحروب الأهلية، والتدخّلات العسكرية الأجنبية، حدثت في الجُمهوريّات العربية، وليس في المَلَكِيّات والإمارات العربية ! وَنَظرًا لِكَوْن المَلَكِيَّات والإمارات العربية تَـقبل بِسُهولة أكبر الخُضوعَ، والتَبَـعِيَةَ، للإمبرياليات الغَربية، فإنّ هذه الإمبرياليات الغربية لا تَحتاج إلى التَدَخُّل المَـكْشُوف، أو العَنيف، ضِدَّ هذه المَلَكِيّات والإمارات العَربية. هي إذن مُجْتَمَـعَات عَربية، تُريدها المَلَكِيّات والإمارات العَربية، وإسرائيل، والْإِمْبِرْيَالِيَّات الغَربية، أنْ تَـبْـقَـى هَشَّة، وَمُتَخَلِّـفَة، وَفي حَالَة اِنْحِطَاط مُجتمعي مُتَجَدِّد، لِكَي لَا تَستطيع الشُعوب العربية مُقاومة الإمبرياليّات الغَربية. وَتَتَحَمَّل المَلَكِيّات والإمارات العَربية جُزئيًّا مَسْئُولِيّات التَخريب الذي أصاب عددًا مِن الجُمهوريات العَربية. كَيـف يُـعـقل إذن الـقَبُول باستمرار هذا المَصير البَئِيس ؟! هكذا خُلِقَت «مَلَكِيّات» و«إمارات» الخَليج النَّـفْطِيَة. وُتُحِسّ المَلَكِيّات والإمارات العَربية بِـ «الجُمهوريات» العربية (غَيْر النَـفْطِيَة)، كَأَنها عَدُوَّة. وَلَوْ أنّ هذه «الجُمهوريات» (غَير النَّـفطية) تَبْحَثُ عَن وُدِّ «المَلَكِيّات» (النّـفطية)، وَلَا تُـفَـكِّر في إِيذَاء أيّة «مَلَكِيَة» أو «إمَارة» (نَـفْطِيَة). ولم تَـفعل الجُمهوريات العَربية أَيَّ شيء لِلْإِضْرَار بالمَلَكِيّات أو بالإمارات العَربية. (باستثناء حالة صدام حُسين حينما حاول اِسْتِرْجَاع الكُوِيت الذي اِقْتَطَعَه سابقًا المُسْتَـعْمِر الإنجليزي مِن العراق).
9. رُؤَى مِن زَوَايَا أُخْرَى لِمَظَاهِر "الحَرب السِرِّيَة » والآن، اِسْمَح لِي أنْ أسألك : تَخَيَّل لو كانـت الجزائر مَلَكِيَة، كَجَارة لِلْمَمْلَكَة المَغربية، هل كان التَوَتُّر السيّاسي الحالي، والـقَطِيعَة الدّائمة، والعَدَاوَة المُزْمِنة، المَوجُودة بين المَغرب والجَزائر، هل كانت سَتحدث، على اِمتـداد عُقُود مُتَوَالِيَة، مثلما هو الحال اليوم ؟ جوابي هو لَا ! وَسُؤال مُشابه : لَوْ كان المَغرب جُمهوريةً، وجَارًا لِلجمهورية الجزائرية، هل كان التَوَتُّر الحالي سيحدث بين المغرب والجزائر ؟ جوابي هو لَا ! وَتَخَيَّل الآن، لَوْ كان اليَمن مَلَكِيَّة، مثل سَلْطَنة عُمَان المُجاورة له، هل كانـت السعودية والْإِمَارَات سَتَشُنَّان حُرُوبًا عَبَثِيَة، وَتَخريبية، ضدّ اليَمَن، خلال أَعْوَام وَعُقُود ؟ جوابي هو لَا ! وَأسألك ؟ لَوْ كانت لِيبيا النَّفطية مَلَكِيَة مثل السّعودية، أو مثل الإمارات العربية، وَلَوْ كان مُعمّر القذّافي مثل محمد بن زَايد آل نهيان، وَلَوْ كان الـقذافي تَابعًا وخاضعًا للإمبرياليات الغَربية، هل كان من المُمكن أن يحدث الهجوم على ليبيا في عام 2011، وَإِشْعال الحرب الأهلية فيها، واغتيال رئيسها، وإسقاط نظامها السياسي، وَتَعويضه بِنظام سياسي تَبَـعِـي لِلإمبرياليات الغَربية ؟ جوابي هو لَا ! سؤال آخر: تَخَيَّلْ لَوْ كانت سوريا مَمْلَكَة مُحافظة (مثل الأردن)، وَتَخَيَّل لَوْ كان الأردن جُمهورية «مُمَانِعَة» (مثل سُوريا الرّئيس الأسد)، ضِدّ إسرائيل، وضدّ الإمبرياليات الغَربية، ماذا سَيَحدث في هذه الحالة ؟ سَيَحدث أنّ بَثَّ، وَتَحْرِيك، العَشَرات مِن المِيلِشْيَات الإسلامية المُسَلَّحَة، مثل «دَاعِشْ»، وَ«جَبْهَة النُصْرَة»، و«جَبهة تَحرير الشّام»، الخ، وَإشعال الحَرب الأهلية، سَيَحْدُثَان في "جُمهورية الأردن"، وليس في "مَمْلَكَة سوريا" !... آمُلُ أنْ يَكون الـقارئ قد أدرك، مِن خلال هذه الافتـراضات، وَلَوْ كانت خَيَالية، أنّ الاحتمال الكبير هو أنّ مُـفَـسِّر هذه الأحداث، هو وُجود ما أُسَمِّيه بِـعِبَارة «حَرْب سِرِّيَة بين المَلَكِيّات والجُمهوريات» العربية. وَقَد أَوْرَدْتُ هذه الأمثلة الثلاثة، ليس كَحُجَج عَـقْـلَانية، وإنما كَوسيلة إِضافية لِشَرح بعض مَظاهر الحَرب السِرِّيَة الجارية بين «المَلَكِيّات» و«الجُمهوريّات» العربية. وهذه الأمثلة هي للتّوضيح، وليست لِلْإِثْبَات. حَيث تَدخل هذه الأمثلة في عالم الخَيال، وَلَا تَدخل في مجال الواقع، أو المَنطق. وفي المقال الحالي، اِسْتَـعْمَلْتُ عبارة «حَرب سِرِّيَة بين المَلَكِيَّات والجُمهوريّات» العَربية. وهي عبارة مُخْتَصَرَة، وَتَهدف إلى تَـقْلِيل عَدد الكَلمات المُستخدمة في هذا التَّـعبير. ولكن هذا التعبير المُستعمل ليس كافيا، أو مُرْضِيًّا. ولماذا ؟ أَوَّلًا، لأنّ ظَوَاهِر هذه «الحَرب السرِّية»، تَحدث في الواقع، وفي مُعظم الحالات، بين «المَلَكِيّات والإمارات» العربية، وَحَليفاتها الإمبرياليات الغَربية، وإسرائيل، مِن جِهة أولى، وَمِن جهة ثانية «الجُمهوريات» العربية. وَثَانِيًّا، لأنّ الإمبرياليات الغَربية تُساند، وَتُدَعِّم، «المَلَكِيَّات والإمارات» العَربية، في «حَربها السِرِّيَة» ضدّ «الجُمهوريات» العربية. وَثَالِثًا، لأنّ «المَلَكِيَّات والإمارات» العَربية تَتَحَالف مع الإمبرياليات الغَربية، وَتَسْتَـعِين بها، وَتَحْرُصُ على إِرْضَاء مَطَالبها، وَتُريد الاستفادة مِن حِمَايَتِهَا. وبالتّالي، عندما يَقرأ القَارئ عِبارة «حَرب سِرّية بين المَلَكِيّات وَالجُمهوريات» العَربية، يَتوجب عليه أن يَتذكّر أنّ الإمبرياليات الغربية هي شَريكَة، وَحَلِيفَة، وَمُساندة لِـ «المَلَكِيّات والإمارات» العَربية، في «حَربها السِرِّيَة» ضدّ «الجُمهوريات» العربية. وَمِن المَعروف الآن (عبر بعض وسائل الإعلام، وبعض مراكز الدراسات، وبعض المُخابرات الغَربية، وبعض التـقارير التي رُفِعَت عنها قُيُود السِرِّيَة) أنّ بَعض «المَلَكِيّات» أو «الْإِمَارَات» العربية في الخَليج، هي التي كانت تَتَحَمَّل الجُزء الأكبر مِن أَعْبَاء تَمْوِيل هذه «التَنظيمات الإسلامية» المُسَلَّحَة، الدَّعَوِيَة، أو هذه «المِيلِشْيَات الإسلامية» التَـكْـفِـيرِيَة، وَذلك بِطُرق سِرِّيَة، أو غَير مُباشرة، أو مُلْتَوِيَة. وَإِنْ كانت المَلَكِيّات والإمارات العَربية تُشارك في تَمويل «الحركات الإسلامية الجهادية»، فَإِنّ أَبْنَاء ومُواطني هذه المَلَكيّات والإمارات العَربية، لَا يُشاركون في عُضْوِيَة هذه المِيلِشْيَات. وَإِنّما أعضاء هذه المِيلِشْيَات، هم أشخاص فُقراء، مُرتزقة، يَنحدرون مِن بُلدان عربية أُخرى (غَير المَلَكِيّات والإمارات العَربية)، أو حتّى مِن بُلدان غير عربية. وَقد نَشَأَت، وَتَكَاثَرت، وَتَـقَوَّت، هذه المِيلِشْيَات الإسلامية المُسلّحة، على الخُصوص داخل سُوريا، بعد بِدَاية ما سَمَّتْه بعض وسائل الإعلام الغَربية بِـعبارة «ثَورات الرَّبِيع العَربي» في سنة 2011. وَسَبَب تَركيز هذه المِيلِشْيَات الإسلامية على سُوريا، هو أنّ سُوريا كانـت هي الجُمهورية «المُمَانِعَة»، والمُسْتَهْدَفَة، مِن طَرف تُرْكِيَا، ومن طَرف مَلَكِيّات وَإِمَارات الخَليج، وكذلك مِن طَرف الإمبرياليات الغَربية، وإسرائيل، مُنذ عِدّة عُقُود. ■ مِن بين هذه «المِيلِشْيَات الإسلامية»، سأذكر هُنا الحالات البارزة منها. وهي التّالية : «القَاعِدَة» وَبَنَاتَها؛ و «دَولة العراق الإسلامية»، التي تَحَوّلت فيما بعد إلى «الدَّوْلة الإسلامية في العِراق والشَّام» (المُسَمَّاة اختصارًا «دَاعِشْ»، وَزَعيمها هو أَبُو بَكْر البَـغْدَادِي، منذ أبريل نيسان 2013) في مدينة دَرْعَا؛ وَ«جَبهة فَتح الشَّام» (وزعيمها أبو محمّد الجُولاني؛ وقد تَـفَرَّعَت عن تَنظيم "القاعدة")؛ وَ«حَرَكَة أَحْرَار الشَّام» (وَزَعِيمها حسن عبّود)؛ وَ«جَيْش الْإِسْلام» (وَزَعيمه محمد علوش) في الغُوطَة؛ وَ«الجَيْش السُّورِي الحُرّ» (في إِدْلِب، وَحَلَب، الخ)؛ وَ «جَيْش المُجاهدين»، منذ 3 يناير كانون الثّاني 2014، في مُدن حَلَب وَإِدْلِب؛ وَ «جبهة تحرير سوريا الإسلامية»؛ وَ «الجَبهة الإسلامية السُّورية»؛ وَقَد تَجَمَّعَت فيها سَبعة فَصائل إسلامية، في يوم 22 أكتوبر تشرين الثاني 2013؛ وَ«لِوَاء الإسلام»؛ وَ«كَتَائِب أَحْرَار الشّام»؛ و«هَيْئَة تَحْرِير الشَّام» المُتَوَاجِدَة في مدينة إِدْلِب؛ وَ«جُنْد الْأَقْصَى»؛ و«أنصار السُّنَّة» في العراق؛ و«جَماعة الصَّحْوَة»؛ و«الدّولة الإسلامية في العراق»؛ وَ «جَيْش الفَتًح» [الذي تَجَمَّعت فيه عِدَّة فَصَائل مثل «أحرار الشّام»، و«جبهة النُّصرة»، و«فَيْلَق الشّام»، في محافظتي إدلب وحلب]؛ وَ«جَبهة النُّصْرَة» (وَزَعيمها أَبُو محمّد الجُولاني، الذي غَيّر اسمه إلى «أحمد الشَّرْع» بَعد غَزو سُوريا)؛ وَ «جُنْدُ القُوقَاز»؛ وَأَعْدَاد أُخرى مِن «المِيلِشْيَات الْإِسلامية» المُشَابِهَة ! ومِن الطّبيعي أن نخطئ في تِعْداد هذه المِيلِشْيات الإسلامية (المعروضة سابقًا)، لأنّ كثيرا منها يُـغيّر اسمه حسب الظُرُوف والحاجيّات السياسية القائمة. وَقد سَبَق لِلمَملكة السَّعُودية أنْ نَظَّمَت مؤتمرًا في مدينة الرِيَّاض، بين أيام 8 و 10 ديسمبر/كانون الأول 2015، لِمُحاولة تَوْحِيد عدد مِن بين هذه المِيلِشْيَات الإسلامية المُسَلَّحَة، وَتَهْيِيئها لِـ «التَّـفاوض» مع السُّلطة السياسية في دِمَشق. وَشَارك مثلًا في هذا المُؤتمر «جيش الإسلام»، و«حركة أحرار الشام»، الخ. وَاخْتَلَطَ في هذه المِيلِشْيَات الإسلامية ما هو مَحَلِّي، بِما هو وَطني، وَما هو عَالَمِي. وفي السّودان، مثله مثل سُوريا، تَوالت الصِّراعات حول السّلطة السياسية، والانقلابات العسكرية، والانتفاضات الشّعبية، وكذلك الحُروب الأهلية. وكانت الإمبرياليات الغَربية، وإسرائيل، والمَلَكِيّات والإمارات العَربية الخَليجية، تَتَدَخّل في الشُؤون الداخلية للسّودان، لاستغلال تَناقضاته، وَلِلْاستفادة مِن ثَرواته. وَلَاحظنا أنّ الإمبرياليات الغَربية كانت تُساهم في خَلق، وَتَمويل، وَتَسْلِيح، وَتَدْرِيب، «مِيلِشْيَات إسلامية»، خُصوصًا داخل سُوريا. وفي نـفس الوقت، كانت الإمبرياليات الغَربية تَستـعمل وُجُود هذه «المِيلِشْيَات الإسلامية» كَذَرِيعَة لِتَبرير تَدَخُلها العسكري في داخل سُوريا، بِدَعْوَى «مُحاربة الإرهاب». وَلَاحظنا أنّ إسرائيل، والإمبرياليات الغَربية، تُهادن، أو تُدَعِّم، المِيلِشْيَات الإسلامية. وفي نفس الآن، تُحارب التَنظيمات الأخرى المُسلّحة التي تُناصر الشّعب الفلسطيني، أو تُـقاوم إسرائيل، أو تُناهض الإمبريالية. ومنها مثلًا : "حزب الله" في لُبنان، و"أنصار الله" في اليَمن، و"حماس"، و"الجهاد الإسلامي" في فَلسطين المُسْتَـعْـمَرَة، الخ. وَقَبل اِتِّهَام أيّ أحد، نُلاحظ أنّ المُسْتَـفِيدين مِن الأحداث المُخَرِّبة، التي جَرت (وما زالت تَجري) في الجُمهوريّات العربية، هُم أوّلًا الإمبرياليّات الغَربية، وَثَانِيًّا إسرائيل، وثالثًا المَلَكِيَّات والإمارات العربية، في صِراعها الخَـفِـيّ، ضدّ الجُمهوريات العربية. وَكُلّ هذه الأحداث (المذكورة في هذا المقال) التي تُخَرِّب الجُمهوريات العربية (مثل العراق، وسوريا، واليَمَن، وليبيا، ولبنان، والصومال، والسّودان، الخ)، تُبَيِّن أنّ المَلَكِيّات والإمارات العربية، لَا تُريد لهذه الجُمهوريات العربية أنْ تَـعيش في سَلَام، واستـقرار، وَنَمَاء. بَل تُريد لها أن تَبـقـى في حالة، خَرَاب، وَضُعف، وَفَوْضَى، وانحطاط.
10. ثَوْرَة في سُوريا، أمْ غَزْو أَجْنَبِي ؟ وقالت العَديد مِن كالات الأخبار، أنّ «تَحالف» المِيلِشْيَات الإسلامية الذي غَزَى سوريا في يوم 7 ديسمبر 2024، والذي اِسْتَوْلَى على العاصمة دِمَشْق، بِمساعدة تُركيا، وأمريكا، وإسرائيل، كان يَضُمّ قرابة 80 مِيلِشْيات إسلامية ! وانفضح أنّ قيّادة الجيش السُّوري النظامي كانت «مَشْرِيَة»، أو «مُرْتَشِيَة»، مِن طرف تُوركيا وَإسرائيل. وقامت قيادة الجيش بِخِيّانة النظام السياسي السُّوري وَرئيسه بَشّار الأسد. حيث اِمْتَنَعت قيّادة هذا الجيش الوطني السّوري عن تَنْـفِيذ أَوَامِر رئيس الجُمهورية، الدّاعيّة إلى مُواجهة المِيلِشْيَات الإسلامية. وَلَم يَـقع أيّ صدام بين الجيش السُّوري والمِيلِشْيات الإسلامية. بَل أمرت قيّادة الجيش الجُنُودَ بالرّجوع إلى الخَلف، وَإلقاء سلاحهم. ثم اِخْتَـفَت قيادة الجيش السُّوري. ورجع الجُنود إلى عائلاتهم. وبعض ضُبّاط قيادة الجيش المُرْتَشِين، فَرُّوا إلى تُرْكِيَا، وبعضهم الآخر هَرَب إلى إسرائيل. وَرَوَّجَت وَسائل الإعلام التُرْكِيَة، والغَربية، أخبارًا وتعاليقَ على هذا الغَزْو، وَوَصَفَته بِكَونه «ثَوْرَة شَعبية تِلْقَائِيَة» ضدّ نظام بشّار الأسد «الدِّيكْتَاتُورِي» في سُوريا ! كأنّ الدُّول الغَربية الإمبريالية ليست هي نَفسها «دِيكْتَاتُورِيَّات» ! وَأَسْرَعَت فورًا بعض «الملكيات والإمارات» العَربية الخَليجية إلى الْاِعْتِرَاف بِهذا النظام السياسي الإسلامي الجديد في سُوريا ! وَأقامت علاقات معه. الشّيء الذي يُؤكّد أن هذا النظام السياسي الجديد في سُوريا، هو مِن صُنع، وَمِن مَصْلَحَة، المَلَكِيّات والإمارات الخَليجية العَربية. وقد قام أمير "الإمارات" محمد بن زَايْد بِزِيّارة إلى العاصمة دِمَشق (في 13/04/2025)، وَقَدّم لِنظام أحمد الشّرع الإسلامي مُساعدات مالية (تُعَدُّ بِمِلْيَارات الدُّولارات الأمريكية). وَمُجمل القَوَامِيس تُـعَرِّف «الثَّوْرَة» بِـكونها اِنْتِـفَاضَة لِجماهير الشّعب، تُطِيح بِنِظَام سيّاسي قديم وَمُسْتَبِد، وَتُعَوِّضُه بِنِظَام سياسي جديد، يَتَمَيَّزُ بِكَونِه أكثر تَـقَـدُّمًا، وَحُرِّيَات، بالمُقارنة مع سَابِـقِه. بَيْنَما في سُوريا، الذي حَدث هو نَوع مِن الْاِنْـقِلَاب العَسكري، المَمْزُوج بِـغَزْو أجْنَبِي ! حيث أنّ قيادة الجيش السُّوري تَـعَرَّضَت لِلْاِخْتِرَاق مِن طَرف مُخابرات أجنبية، وَخَانَت رئيس الجُمهورية، وَحَصَلَت على رَشَوَات، وَتَوَاطَأَت مع «مِيلِشْيَات إسلامية» مُكَوَّنَة مِن مُرْتَزِقَة، وَامتَنَـعَت عن مُصارعة قُوّات عسكرية أجنبية. وَدَخَلَت هذه «المِيلِشْيَات الإسلامية» إلى العَاصمة دِمَشْق، واستولت عليها بدون أيّة مُـقاومة. ومن قَام بِـهذه «الثّورة الشّعبية» المزعومة في سُوريا (في 07/12/2024) ؟ الأشخاص الذين قاموا بهذه «الثورة»، ليسوا جماهير شعبية سورية، وَلَيْسُوا مُواطنين سُورِيِّين عَادِيِّين، ولا مُعارضين سيّاسيّين مَدَنِيِّين. وإنما هم مُرتزقة، مُنَظَّمِين في «مِيلِشيات إسلامية». وَنِسْبَة هَامّة منهم لَا تَـكْتَسِبُ الجِنْسِيَة السُّورية. وَكانوا يَتَـقَاضَوْن أُجُورًا مِن عند دوّل ومُخابرات أجنبية عَن سُوريا. وَقَادَة وأعضاء هذه المِيلشيات، هُم جُهّال، لَا يَـفَقَهُون شيئًا في السيّاسة، ولا في القانون، ولا في العلوم، ولا في الاقتصاد، ولا في المُجتمع، ولا في العلاقات الدُّولية، الخ. وَمنذ دُخُول هذه «المِيلِشيات» إلى العاصمة دِمَشق، أَصبحت جَماهير الشّعب السُّوري عُرْضَة إلى الْاِسْتِبْدَاد، والاضطهاد، وَالقَتْل، والتَرْهِيب، أَكْثَر بِكَثِير مِمَّا كان في النظام السياسي السّابق. يَتَـعَلَّق الأمر إِذَن بِـ «غَزْو أَجْنَبِي»، وليس بِـ «ثَوْرَة شَعبية» ! وَمُدَبِّرُو هذا الغَزْو السِرِّيُون، والمُمَوَّهُون، هُم تُرْكْيَا، وأمريكا، وإسرائيل، والمَلَكِيّات والإمارات النَّـفطية الخَليجية. ونتيجةً لهذا الغَزو، فإنّ المَصير الأكثر اِحْتِمالًا لِسُوريا، خلال العُقود المُـقبلة، هو الحرب الأهلية، والفوضى، والقَتل، والتَخريب، والتَـقسيم، والانحطاط. لأن هذا هو المَصير الذي تُريده لِسُورْيَا كلّ مِن تُركيا، وإسرائيل، والإمبرياليات الغَربية، والمَلكيات والإمارات العربية !
11. مِيزَات الـمِيلِشْيَات الْإِسلامية 1◊ «المِيلِشْيَات الإسلامية» هي مِن بَين أَكْبَر، وَأَهَمّ، الأدَوَات التي تَسْتَـعْمِلها المَلَكِيّات والإمارات العَربية، في "حَربها السِرِّيَة"، ضِدَّ الجُمهوريات العَربية. 2◊ مُعظم «المِيلِشْيَات الإسلامية» ظهرت في سُوريا، منذ شهر مارس آذار 2011. أيْ بَعد ظهور المُظاهرات، أو التَمَرُّدَات، أو الانتـفاضات، الشّعبية، المَدَنِيَة، أو السِّلْمِيَة، وبعضها تَحَوّل إلى حَركات مُسلّحة، وَمُعادية لِلنظام السياسي القائم في سوريا. وَظَهرت في البداية «المِيلشيات الإسلامية» الأولى كَرَدِّ فِعل على القَمع العَنِيف المُسَلَّط على المُتظاهرين، مِن طَرف السّلطة السورية. ثم تَدخّلت الإمبرياليات الغَربية، والمَلَكِيات والإمارات العربية، لاستغلال هذه الأحداث، بهدف تَسْلِيح هذه الحركات، وإِضعاف، وَمُحاربة، النظام السياسي القائم في سُوريا. 3◊ بعض "المِيلِشيات الإسلامية" تَـكَوَّنت بِمُبادرات مَحَلِّيَة تِلْقَائِية. وَبَعضها تَـكوّن بِتَأثير مِن قِوَى خَارجية أو أجنبية. وبعضها تَـكوّنت بِمُبادرات مَحَلِّية، ثم أصبحت مُنخرطة في شَبَـكات سِرِّيَة دُوَلِيَة مُعَوْلَمَة. وغدت مُجمل "المِيلِشْيات الإسلامية" أَدَوَات تُحَرِّكُها الـقِوَى الإمبريالية الغَربية، وَتُحَرِّكها كذلك المَلَكِيّات والإمارات العربية. ودَخل تنظيم وتأطير هذه "المِيلِشْيَات الإسلامية" في إطار «الحَرب السِرِّيَة» الجارية بين المَلَكِيّات والإمارات العَربية مِن جهة أولى، ومن جِهة ثانية الجُمهوريات العربية. 4◊ كانـت العَلامة التِجَارية (trade mark) لمُجمل هذه الحَركات والمِيلِشْيَات الإسلامية، هي الجَمْع بين «الإسلام السياسي»، وَ«السِّلَاح»، و«الْإِرْهَاب». 5◊ كان الوَقُود الْأَيْدِيُّولُوجِي الذي تَشْتَـغِل به الحَركات والمِيلِشْيَات الإسلامية، هو خَليط بَيْن مَنْتُوجَات فِكرية شَائِـعَة في بِيئَة الشّرق الأوسط، وَجَاهِزَة للاستعمال، وَلَا تَحتاج إلى أيّ اِجْتِهَاد. وَمِنها «الْإسلام الوَهَّابِي السَّعُودي»، وَ«الْإِسلام السَّلَفِي الجِهَادِي»، و«إسلام حَركة الإخوان المُسلمين» المِصْرِيَة. 6◊ كانـت أَسَالِيب الحَرَكَات والمِيلِشْيَات الإسلامية تَمْزِجُ بين مَناهج جاهزة لِلْاِستخدام، مُسْتَوْحَاة مِن مَناهج الحركات الإسلامية الْأَفْـغَانِيَة، مثل «طَالِبَان»، وَمَنَاهِج «دَاعِش»، المُوغِلَة في الـقَتْل، والتَرْهِيب، والإجرام الوَحْشِي، ضدّ المَدَنِيِّين الأبريّاء (وليس ضدّ إسرائيل). 7◊ كلّ هذه الحَركات الإسلامية تَزْعُم أنها تُريد «تَطْبِيـق الشَّريعة الإسلامية»، وذلك طِبْقًا لِـ «الإسلام الوَهَّابِي» السَّعُودي. 8◊ مِيزَات مُجمل هذه الحَركات والمِيلِشْيات الإسلامية هي : العَداء لِنِظَام بَشّار الأسد القائم في سُوريا، والعَدَاء لِـ «حزب الله» الْلُّبْنَانِي، والعَدَاء لحركة «أنصار الله» الحُوثِيَة في اليَمَن، والعَداء لِإِيرَان، والعَدَاء لِفصائل المُقاومة الفلسطينية، وَالعَدَاء لكلّ ما هو «تَـقَـدُّمِـي»، أو «وَطني»، أو «عِلْمَانِي»، أو «حَداثي»، أو «ثَوْرِي»، أو «يَسَاري»، أو «تَحَرُّرِي»، أو «اِشتـراكي». وهذا العَداء، لهذه القِوَى المَذكورة، هو بالضّبط ما تُريده المَلَكِيَات والإمارات العَربية. وهو أيضًا ما تَطلبه الإمبرياليات الغَربية. وَظَلّت مُجمل هذه الحركات والمِيلِشْيَات الإسلاميةَ مُسَالِمَة تُجاه كلّ المَلَكِيات والإمارات العَربية، وَمُهَادِنَة تُجاه إسرائيل، وَمُسَالَمَة تُجاه أَمْرِيكَا، وَتُجاه تُرْكِيَا... المَشهد واضح إذن : قُلْ لِي مَنْ تُساند، وَمَنْ تُعادي، وسأقول لك مَنْ أنت ! 9◊ بعض هذه الحَركات والمِيلِشْيَات الإسلامية كان مَحَلِّيًا، وَبعضها الآخر كان يَطْمَح إلى الانـتشار في عِدَّة مَناطق مِن العَالم. 10◊ ظلّت مُجمل «المِيلِشْيَات الإسلامية» تَعِيش في حَرَكِيَّة مُتواصلة مِن الانشقاقات، والتحالفات، والتَجَمُّـعات، وَالْاِنْدِمَاجَات، والمُنافسات، والصِرَاعَات المُسَلَّحَة، الخ. وَتَهْدِفُ تَحَرُّكَات المِيلِشْيَات الإسلامية إلى التَنَافُس فيما بينها على النُـفُوذ، وعلى السّلطة السياسية، وعلى الموارد، وعلى إدارة مَناطق النُـفوذ، وعلى «تَمثيل الإسلام الصّحيح»، وعلى التَـقَارُب مِن أَقْوَى المُمَوِّلِين. وَتُريد أيضًا إِقْصَاء التِيَارَات المُنافسة، أو غير الإسلامية، 11◊ كان «المُستوى الثّـقافي»، أو مُستوى «التَكْوِين السياسي»، أو مُستوى «الوعي السياسي»، لدى أعضاء هذه الحَرَكَات وَ «المِيلِشيات الإسلامية» نَاقِصًا، أو هَزِيلًا، أو ضَعيفًا، أو مُنْعَدِمًا، بِالمُقارنة مع مُستوى الوعي السياسي لدى أعضاء الحركات السِّلْمِيَة، أو لدى التِيَّارات السياسية المُعارضة، أو المَدَنِيَة، أو اليَسَارِيَة، أو القديمة، في سُوريا. 12◊ مُعظم «التَنْظِيمات الإسلامية»، أو «المِيلشيات الإسلامية»، ظَهرت نَوَيَاتُهَا (جمع نَوَاة) الأولى في إطار الاِنـتـفاضة ضدّ السُّلطة السياسية في سُوريا. وَوَجَدَت مُحَدِّدًا هَوِيَّاتِيًّا سَهْلًا، وَجَاهِزًا لِلاستعمال، في «الخِطَابَ الإسلامي السَّلَفِي الجِهَادِي»، الشّائِع في المِنطقة. واستخدمت تِلْقَائِيًّا هذا الخِطاب الإسلامي كَـ «مَرجع فِكري» شُمولي. وَدَفعتها المُنافسة (فيما بين هذه الفَصائل الإسلامية) إلى التَبَاهِي بِالغُلُوّ في هذا الخِطَاب الإسلامي. وكانـت مَناطق سوريا التي يَصعب على السُّلطة المركزية التَحَـكُّم فيها، تَتَحَوَّل إلى «مَناطق مُحرّرة»، أيْ خَاضعة لسيطرة "المِيلِشْيات الإسلامية". 13◊ لَا يُوجد لَدى هذه المِيلِشْيات الإسلامية خَطّ سيّاسي مُستـقِر، وَلَا بَرْنَامَج سيّاسي ثَابِت، وَلَا أَهداف اِسْتْرَاتِيجية دَائِمَة. بَل ظَلّت مُجمل هذه «المِيلشيات» تَعيش تَـقَـلُّبَات مُستمرّة، في الرُّؤَى السياسية، وفي المَواقف السياسية، وفي التَكْتِيكَات، وفي التحالفات، وفي عَلاقاتها المَحَلِّيَة، والخَارِجِيَة. 14◊ بِسُرعة، شَكَّلَت هذه «المِيلشيات الإسلامية» حَقْلًا خِصْبًا لِتَدَخُّلَات الْمَلَكِيّات والإمارات العربية، وَكذلك لِلدُّوَل الإمبريالية الغَربية، ولإسرائيل، وَلِتُرْكِيَا. وهي كلها تَبحث عَن عُمَلَاء مَحَلِيِّين، يُمكن تَحْرِيكُهم مِن الخارج. 15◊ تَـغَدَّت هذه المِيلِشْيَات الإسلامية بِشُبَّان أَعْضَاء وَافِدِين، أو جِهَادِيِّين، أو مُرْتَزِقَة، قَادِمِين مِن مُختلـف بُلْدان العالم الإسلامي. 16◊ اِكْتَشَف العديد مِن المُتَتَبِّـعِـين المُتَخَصِّصِين أنّ تُركيا، وأمريكا، وإسرائيل، يُساهمون هم أيضا، ومِن فتـرة إلى أُخرى، وفي السِرِّيَة التَّامَّة، في تَمْوِيل، أو تَسليح، أو تَأْطِير، أو تَوْجيه، أو استعمال، هذه «المِيلِشْيَات الإسلامية». 17◊ نُلَاحظ، على اِمْتِدَاد عُقُود مُتوالية، أنّ «التَنظيمات»، و«الأحزاب»، و«المِلِيشْيَات» الإسلامية، أو الأُصُولية، أو الوَهَّابِيَة، أو الدَّعَوِيَة، أو التَّـكْـفِـيـرِيَة، أو المُتَشدِّدَة، ظَلَّت مُسَلَّطَة خُصوصًا على «الجُمهوريات» العربية، وليس على «المَلَكِيّات» أو «الْإِمَارَات» العربية ! وَلَم يَرَ المُلاحظون مِيلِشْيَات إسلامية تَـعْبَث، وَتُخَرِّب، وَتَـقْتُل، دَاخِل مَلَكِيَات عَربية، مِثل "الْإِمَارَات العَربية المُتَّحِدَة" (UAE)، أو قَطَر، أو البَحْرَيْن، أو السّعودية، أو عُمَان، أو الأردن، أو المَغرب، أو في غيرها مِن المَلَكِيّات العربية، وذلك على عَكْس مَا حَدث في جُمهوريّات مثل العِراق، وسُوريا، واليَمَن، ولِيبيا، والسّودان، والصّومال، الخ. 18◊ نُلَاحظ اِسْتِحَالَة أنْ تَـكون هذه «المِيلِشْيَات الإسلامية» فَاعِلًا سيّاسيًا مُسْتَـقِلًّا، أو قَائِمًا بِذَاتِه، (مِثل حزب سيّاسي مَدَنِي عَادِي). وَنُلاحظ أنّ هذه «المِيلِشْيَات الإسلامية» تَبْـقَـى مُجرّد أَدَاة مَأْجُورَة، وَمُمَوَّلَة، وَمُسَخَّرَة، وَمُشَـغَّلَة، مِن طَرف فَاعلين أَقـويّاء، مُتَخَـفِّين، وَقَادرين على تَوْفِير التَمْوِيل، وَلَا يَـقْبَلُون الظُّهُور على حَقِيـقتهم ! 19◊ كُلّ «مِيلِشْيَا إسلامية» تَـعْمَل مثل جَيْش صَـغِير. وَهِي تَـعْبِئَة مُتَوَاصِلَة لِمِئَات، أو آلَاف، مِن الشُبَّان المُسَلَّحِين، أو أكثر مِن ذلك. وَتَحتاج تَـغْطِيَةُ نَـفَـقَـاتها إلى أَمْوَال مُهِمَّة. وَفي العالم العربي، إذا اِسْتَثْنَيْنَا «المَلَكِيّات» أو «الْإِمَارَات» العربية النَّـفْـطِيَة، نُلاحظ أنّه لَا تُوجَد أَيّة قُوَّة أُخرى تَـقْدِر على تَمْوِيل هذه «التَنظيمات الإسلامية» الدَّعَوِيَة، أو «المِيلِشْيَات الإسلامية» التَـكْـفِـيرِيَة. 20◊ تُبَيِّنُ مُقارنة سَريعة بَين «مِيلِشْيَا إسلامية» و«جيش» نِظامي تَـقًلِيدِي، تَفَوُّقَ «المِيلِشيا الإسلامية» على «الجيش» النِظامي العَادي، وذلك في العَديد مِن الجَوانب. فَتَـكَالِيف «المِيلشيا الإسلامية» هي أرخص من كُلفة «جيش» عادي. والمَسْئُوليّات، والالتزامات، المُتَرَتِّبَة عَن «مِيلِشيا إسلامية»، هي أصغر، وَأَهْوَن، وَأَخَفّ، بالمُقارنة مع المَسْئُولِيَّات المُتَـعَلِّـقة بِـ «جيش» نظامي عادي. وَيُمكن لِرَاعِي «المِيلِشْيا الإسلامية» أنْ يَتَبَرَّأَ منها، وأنْ يَنكر وُجود أيّ ارتباط لَهُ بِهَا، بينما العَلاقات بِـ «جيش» نِظامي عادي تَـكون مَكْشُوفَة، وَمَرئية للجميع، وَمُكَلِّفَة. 21◊ مِيزَة هذه المِيلِشْيَات الإسلامية هي أنّها تَـغْزُو، وَتَذْبَح، وَتَـقتل المَدَنِيِّين الأبريّاء، بِأَعْدَاد كبيرة، وَلَا تُطْلِـق، وَلَوْ رَصَاصَة، أو قَذِيـفَة واحدة، ضدّ المَلَكِيّات والْإِمَارَات العَربية، أو ضدّ إسرائيل، أو ضدّ تُركيا، أو ضدّ مَصالح الإمبرياليّات الغَربية. وَتَـبْـقَـى هذه المِيلِشْيَات الإسلامية مُخلصة، ليس لِمَذهب دِينِـي أو سيّاسي مُحَدَّد، وَلَيس لِبَرْنَامَج سيّاسي مُعَيَّن، وَإِنّما تَبْـقَـى وَفِـيَّـة لِلطَّرَف الذي يَدْفَع لها الْمَال أكثر مِن غَيره. 22◊ [ لَا أَتَنَاوَل في هذه الدراسة مِيلِشْيَات إسلامية عَـقَائِدِيَة خاصّة، مثل «الإخوان المسلمين» في مصر، وَ«طَالِبَان» في أَفْغَانِسْتَان، وَ«بُوكُو حَرَامْ» في شمال نِيجِيرْيَا، و«الشَّباب» في الصُّومَال، و«الجَبهة الإسلامية للإنـقاذ» في الجزائر، وَ«الشَّبِيبَة الإسلامية» في المَغرب، وَ«حَركة النَّهضة» الإسلامية في تُونُس، و«حزب العدالة والتنمية» في تُركيا، وَ«حزب العدالة والتنمية» في المغرب، و«جماعة العدْل والإحسان» في المَغرب، الخ ]. 23◊ أمّا «الحركات الإسلامية» التي هي مُستـقلّة، وَمُـكَوَّنَة مِن مُناضلين مُتَطَوِّعِين، وليس مِن مُرْتَزِقَة، مثل «حزب الله» في لُبنان، وَ«حَركة أنصار الله» في اليَمَن، وَحَركات «حَمَاس» وَ«الجِهاد الإسلامي» في فلسطين المُسْتَـعْمَرَة، فإنّها تُصَرِّح (لكل مَن يَـقْبَل سَماعها)، أنّها تُرَتِّب نَـفسها ضِمْن «حَركات التَحرّر الوَطني»، وَلَا تَدخل ضِمْنَ «الحَركات الإسلامية الدَعَوِيَة»، أو «الجِهَادِيَة». وَلَا تَرْغَب في فَرْض أَسْلَمَة الدَّولة، أو أَسْلَمَة المُجتمع. وَلَا تُمارس «الدَّعْوَة» الدِّينِيَة، وَلَا «التَـكْـفِـير» الإسلاميّ، وَلَا تَـقبل قَتل الأَبْرِيّاء (مثلما فَعَلَت «طَالِبَان»، و«القَاعِدَة»، وَ«دَاعِشْ»، و"الميلشيات الإسلامية" المُتَمَركِزَة في سُوريا. 24◊ قَد اِتَّضَح الـفَرق بين «المِيلِشْيَات الإسلامية» المَشْرِيَة، و«الحركات الإسلامية» المُناضلة، أَوَّلًا عندما شَنَّ "حزب الله" في لبـنان حَربًا ضدّ إسرائيل «إلى حِين أَنْ يتوقّـف العُدوان على غَزَّة». وكذلك عندما أقدمت «حركة أنصار الله» في اليَمن على الرَدِّ بِشجاعة، على حِصار قطاع غَزَّة، خلال سنتي 2024 و 2025، مِن خلال قَصْف إسرائيل، وَاِسْتِهَدَاف السُّفُن المُتَّجِهَة إلى إسرائيل، عبر البحر الأحمر، أو باب المندب. بينما "حُكومة" دِمَشق، التي يَتَرأّسها «الإسلامي» (الذي غَيَّر اِسْمَه إلى) أحمد الشّرع، زَعيم مِيلِشْيا «جبهة النُّصْرَة» الإسلامية، والمُنْحَدِرَة مِن مِيلشيا «القَاعِدَة»، تَجاهلت غَزْو، واحتلال، إسرائيل لِجَنوب سُوريا. كما تَغَاضَت عن قَصف وَتَدْمِير إسرائيل لِمُجمل العَتاد القَدِيم للجيش الوطني السُّوري. وَلَم تَـفعل «السُلطة السياسية» الجديد في دِمَشْق شيئًا ضِدّ عُمَلاء إسرائيل الذين اِنتشروا بأعداد كبيرة على التُراب الوطني لِسُوريا. وانشغلت السّلطة الجديدة في سوريا فقط بِاغْتِيَّال المُعارضين لها، في السّاحِل، وفي غرب سُوريا. 25◊ إذا كانـت «الحركات الإسلامية» مُقاومة، أو مُكَافِحَة، أو مُشَيِّدَة، أو ثورية، وَمُلتـزمة بِالحُرِّيات الدِّينية، فَمَرحبًا بها. وَإِنْ كانـت مُحافظة، أو مُخَرِّبَة، أو عَميلة لِلْقِوَى الرِّجعية، أو لِلْإمبريالية، أو مُهادنة لإسرائيل، أو تُريد فرض أَسْلَمَة المُجتمع، فهي مَرفوضة. 26◊ وَتَحَوّلَ الجُزء الأكبر مِن «الأحزاب الإسلامية» الدَّعَوِيَة، وَمن «المِيلِشْيَات الإسلامية» الْأُصُولِيَة، إلى أَدَوَات تَستـعملها «المَلَكِيّات» وَ«الْإِمَارَات» العربية، في الحَرب السِرِّيَة التي تَخُوضها ضدّ «الجُمهوريّات» العربية (أو حتّى ضِدَّ الحركات الثَّوْرِيَة اليَسَارِيَة، مثلما هو الحال في المغرب، والجزائر، وَتُونس، وَمَصر، والسُّودان، الخ) !
( يُتْبَع في الجزئين المُتبـقِّيَيْن 3/4 و 4/4 ). (رحمان النوضة، حُرِّر في يوم السّبت 1 مارس 2025). تَنْبِيه لِلنَّاشِرين : في إطار تَعميم الـفَائدة، يَمنح الكاتب رحمان النوضة تَرخيصًا للنّاشرين الراغبين في إعادة نَشر مَقالاته وكتبه.
#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)
Rahman_Nouda#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
-
إِسْرَائِيل نَازِيَة مِن صِنْف جَدِيد
-
أَسْقَطَت الإمبريالية سُورْيَا في ثُـقْب أَسْوَد
-
هل يجوز توحيد العرب ولو بالقـوة؟
-
نَـقْد تَحْوِيل التَضامن مَع فَلسطين إلى مُناصرة لِلْإِسْلَا
...
-
نَقْد الزَّعِيم والزَّعَامِيَة
-
نَـقْـد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 2/2
-
نَـقْـد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
-
لماذا اُعْتُقِلَ مُدير تَطْبِيق تِلِغْرَام
-
الْإِسْلَام وَالرَّأْسَمَالِيَة
-
صِرَاع الطَّبَقِات، أَمْ صِرَاع الْإِثْنِيَّات
-
في مَنَاهِج النِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَـرَك
-
أحزاب اليسار تـرفض التـنسيـق
-
الرَّأْسَمَالِيَة هِي اِنْتِحَار جَماعِي بَطِيء
-
نَظَرِيَة «الْأَنَا»، و«الْأَنَانِيَة»
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 3/3
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 1/3
-
هِجرة الأدمغة المُمْتَازَة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
المزيد.....
-
حصريًا لـCNN: هل تستطيع إسرائيل الصمود أمام ترسانة إيران؟ وز
...
-
-كتائب القسام- تعلن تنفيذ عمليتين ضد إسرائيل
-
بيان المكتب السياسي حول التطورات الخطيرة بمنطقة الشرق الأوسط
...
-
إيران تنشر فيديو لمراكز أمنية وعسكرية حساسة تنوي استهدافها ف
...
-
الرئاسة التركية تعلق على أنباء عن وجود جزء من أسطول الطائرات
...
-
القوات الإيرانية للمستوطنين: غادروا الأراضي المحتلة فورا فلن
...
-
-معهد وايزمان-.. إيران تدمر -العقل النووي- لإسرائيل (صور + ف
...
-
نائب المستشار الألماني: لن نرفض دعم إسرائيل حال تعرض وجودها
...
-
قلق تركي من التصعيد ضد إيران
-
صنعاء تؤكد دعمها الكامل لطهران
المزيد.....
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|