أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمان النوضة - حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3















المزيد.....



حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3


عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)


الحوار المتمدن-العدد: 8302 - 2025 / 4 / 4 - 16:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هذا النَصّ هو الجزء الأوّل (من ثلاثة أجزاء) من الدراسة الحالية (في صيغتها رقم 10).

فَهْرَس هذا الـمَـقَال

1. تَــــقْــــدِيــــــم ............................................................................. 3
2. مَــــدْخَــــــل ............................................................................... 5
3. دُوَّل وَشُـعُوب غَير عَاديّة ................................................................ 6
4. التَنَاقُضات بَيْن المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات العَربية ........................................ 8
5. سُلُوكِيّات تَتَحَدَّى العَقل وَالعَدْل ......................................................... 10
6. التَـعَامُل مَع البِطَالَة وَهِجْرَة اليَد العَامِلَة ................................................ 12
7. جَشَع الْإِمْبِرْياليّات الغَربية .............................................................. 15
8. إِلى مَتَى نَتَحَمَّل أنْ يَكون مَصِير شُعوبـنا هو التَدَخُّلَات الأجنبية،
والحُروب الأهلية، والخَراب ؟ .................................................................. 17
9. مُـفَاضَلَة بَيْن الأَنظمة السيّاسية الَـمَلَكِيّة والجُمهورية .................................. 22
10. بعض تَجَلِّيَات الحَرْب الخَـفِـيَّـة بَين الـمَلَكِيّات والجُمهوريّات ....................... 28
11. مِيزَات الـمِيلِشْيَات الْإِسلامية ......................................................... 32
12. مَنْ يُمَوِّل، وَمَن يَسْتَـفِـيد، مِن الأحزاب، وَالـمِيلِشْيَات الْإِسلامية ؟ ................. 36
13. مَـآل الحَركات الْإِثْنِيَة أو العِرْقِيَة هو العَمَالَة والفَشل ............................... 37
14. مَنْ يَزْرَع الرِّيَاح، يَحْصِد العَوَاصِف ................................................ 39
15. نَحن كَـ «عَرَب»، لَنَا مَصَالِح مُشتـركة، وَأَعْدَاء مُشْتَرَكِين ........................ 43
16. الْأَنَانِيَة تُـفْسِدُ الـمَنْطِق ............................................................... 47
17. هَل إِيرَان صَديـق أمْ عَدُوّ لِلشُّعُوب العَربية ؟ ...................................... 49
18. حُرُوب عَبَثِيَة بين مَلَكِيّات الخَليج واليَمَن ........................................... 52
19. لِنُحْيِـي العَـقْلَ في تَأَمُّلِنَا حَوْل مَصيرنا المُشترك ................................... 55

1. تَــــقْــــدِيــــــم
سَبَـق لي أنْ نَشَرتُ مقالًا أَوَّلِيًّا (تَحت عُنوان : "صِراع بين المَلَكِيّات والجُمهوريّات"، نَشرتُه في سنة 2022، عدد الصفحات 21، رقم الصيغة 4). وَشَرَحْتُ فيه اِكتشاف وُجُود نَوع مِن «الحَرب السِرِّيَة» بين المَلَكِيَّات والجُمهوريات العَربية. والأحداث التي تُثبت وُجود هذه «الحَرب السرّية» قليلة، وَمُمَوَّهَة. لكنّ تَرَابُطَات هذه الأحداث الـقليلة، مع قضايا سياسية أخرى، تَبْـقَـى وَافِرَة. والرَّصْد المُتواصل، والتَحليل النَّـقْدِي المُعَمَّق، هو السَّبِيل لِمُلَامَسَة تَجَلِّيَات هذه «الحَرب السرّية». وَنَحتاج إلى نَوع مِن «المِجْهَر السيّاسي» لِلْغَوْص في كثير مِن الأحداث والمَظاهر التي قَد تَبدو مُعتادة، أو عَادِيَة، لكنها تُـعَبِّر عَن قَضايا سيّاسية اِسْتِثْنَائِيَة. [ وفي هذا النَصّ، أكتفي أحيانًا بِذكر «المَلَكِيّات» دون الحديث عن «الإمارات». لأنّني أعتبر «الإمارات»، و«السَّلْطَنَات»، صِنْـفًا خاصًّا مِن «المَلَكِيَّات» ].
وفي المقال الحالي، أُوَاصِل مُحاولة إِبْرَاز مَظَاهِر التَناقضات المُسْتَتِرَة، والصِرَاعات الخَفِيَة، القائمة بين المَلَكِيَّات والإمارات العَربية مِن جِهة، وَمِن جِهة أخرى الجُمهوريات العربية.
وفي كِلَا المَقالين، إِكْتَشَفْتُ، وَأَوْضَحْتُ، أنّ المَلَكِيّات والإمارات العَربية، تَلْعَب دَوْرًا سَلبيًّا أكبر، بِالمُقارنة مع دَور الجُمهوريّات العربية، في مَجالات إصلاح، أو تَـقْوِيم، أو تَـقَدّم، أو تَحَرّر، الشّعوب العربية.
والنَصُّ الحالي هو نَصّ سيّاسي، وَنَاقِد، وَلَا يُبالي بِـ «الصَوَابِيَة السياسية» (political correctness) السّائدة. وَإِنْ كان هذا النَصّ طَويلًا، فلأنّه يُحاول إِثْبَات أُطروحاته. وَإذا دَعَت الحَاجة لذلك، يَتـناول هذا النَصّ قَضايا قَدْ تَظهر بَعيدة عن الموضوع الرئيسي، لكنها ضَرورية لِفَهم الأطروحة الرّئيسية في هذا المقال.
ويهدف هذا النَصّ إلى إبراز قضايا سياسية مَخْفِيَّة، وَمُمَوَّهَة بِـعِنَايَة. كما يَرمي هذا النصّ إلى تَوضيح مَسائل مُجتمعية مُعَـقّدة، لكنها َمَصِيرية في حياة الشّعوب العربية.
وَغَالبًا مَا لَا تَتَجَلَّى هذه «الحرب السِرِّيَة» في تَحْرِيك جُيوش مَرْئِيَة. وإنما تَظهر في اِقْتِنَاص فُرَص خاصّة لِتَوجِيه ضَرَبَات مُهْلِكَة لِلْخَصم، أو لِلْعَدوّ. وقد تُنْجَزُ هذه الضَّرَبَات عبر وُسطاء، أو وُكَلَاء، أو عُمَلَاء سِرِّيِّين، أي عبر أطراف ثالثة.
وَالغَريب هو أنّه يُوجد صِنْـف من «التَحالف السِرِّي» بين المَلَكِيات والإمارات العَربية، بَينما لَا يُوجَد تَحَالُف مُماثل بين الجُمهوريات العَربية !
والمُدهش هو أنّ ظَاهرة هذه «الحرب السرّية» بين الأنظمة السياسية المُختلفة (المَلَكِيَّات والجُمهوريات) تُوجد في العالم العربي، وَلَا تُوجد في مَناطق أخرى مِن العالم ! وفي أوروبّا مثلًا، التي تَـعُجُّ بِمَلَكِيَّات عَتيقة، لَا نَجد «حربًا سِرِّية» بين المَلَكِيّات والجُمهوريات، مثلما هو الحال في العالم العربي.
وَمِيزَة المَلَكِيّات في أوروبّا، هي أنّ المَلِك (أو المَلكة) يَسُود وَلَا يَحكُم. بينما مِيزة المَلَكِيَّات العربية، هي أنّ المَلِك (أو الأمير الحاكم) يَحْتَكِر كل السُّلُطَات، وَبِشَـكل مُطلـق ! (ولو إدَّعَت المَمْلَكَة المَعنية عكس ذلك).

2. مَــــدْخَــــــل
هَل مِن حَـقّ المُواطن العربي، أَنْ يَتَـكَلَّم، وَيَتَساءل، وَيُسَائِل، وَيُـفَـكِّر، وَيَـقْتَرح، حسب تَخْمِيناته التِلْقَائِيَة، وَلَوْ كانـت خَاطئة ؟ هَل يُباح لِلمُواطن العربي أنْ يَنْتَـقِد الْأَنْظِمَة السيّاسية العَربية القَائِمَة ؟ هَل يجب أنْ تَـكون الأنظمة السيّاسية العَربية في خِدْمَة المُواطنين وَالشّعب، أَمْ أَنّ المُواطنين والشّعب، هم الذين يَلْزَمُهم أَنْ يَـكونوا في خِدمة الأنظمة السيّاسية العَربية القَائِمَة ؟ وَهَل يَجوز لِلْمُواطنين العَرب أنْ يَطْمَحوا لما فيه خَير الشّعوب العَربية، أم أنّهم مُلزمون بِالخُضوع لِمَنطق «أَمْن الأنظمة السيّاسية» العَربية، وَلَوْ أَدَّى بهم مَنطق «المُقَارَبَة الأمنية» إلى التَضْحِيَة بِمَصالح الشّعوب العَربية ؟ ولماذا يَجب أنّ تَـكون حُرِّيَة التَـعْبِير مَمْنُوعة في الأنظمة السيّاسية العَربية ؟ ولماذا إلغاء حَق المُواطنين في الوُلوج إلى المَـعلومة الصّحيحة ؟ ولماذا إبطال حَقّ المُواطنين في التَوَصُّل بِالأخبار المَوْضُوعية ؟ ولماذا إلغاء حقّ المُواطنين في الاستمتاع بِالشَّـفَافية ؟ ولماذا حِرْمَان المُواطنين مِن حَقّ مُمارسة المُحاسبة المُتَبَادَلَة ؟ وإنْ كان المُواطنون المُتَـكَلِّمُون والنَّاقِدُون «مُنْحَرِفِين»، أَلَا يَرْجِع سَبب ذلك إلى كَوْن النِظَام السياسي الـقَائِم هو الذي حَوَّلَهم إلى «مُنْحَرِفِين» ؟ وَهَل حُرِّيَة التَّـعبير مَشروطة بأن يَـكون المُتَـكَلِّم على صَواب ؟ [تَعمل مثلًا المَمْلَكَة المَغربية بِقَوانين تُعاقب بالسِّجن المُواطنين المُنْتَـقِدِين، وَالمُعارضينَ السيّاسيِّين، الذين يُعَبِّرُون، أو يَنْشُرون، على وسائل التَوَاصُل الرَّقْمِيَة، رَأْيًا سياسيًا، تَعتبره هذه الدّولة خَاطِئًا] ! هَل مِن العَدْل أنْ تَضَع الدّولة قَوانين تُؤَدِّي عَمَلِيًّا إلى إِلغَاء حُقُوق وَحُرِّيَات أساسية، مُعترف بها في دُستور شَكْلِي، فَيَـغْدُو القَمع السيّاسي الاستبدادي مُشَرَّعًا بِاسم القانون ؟ ألا يُوجد في هذا السُلوك إساءة لاستخدام السّلطة السياسية (abuse of power) ؟ هَل من المَعقـول وَضع قَوانين تُجَرِّم النَّـقْد السيّاسي ؟ وَهَل الخُضُوع لِـ «الصَّوَابِيَة السياسية» (politically correct) السَّائِدَة إِلْزَامِيٌّ
؟ وَهَل الحُكَّام، أو السَّائِدُون، أو الأغنيّاء، العَرب، لَا يَنْطِقُون سِوَى بِالحَقِيقة، وَبِالعَدْل، وَبِالعِلْم، وَبِالحِكْمَة ؟ وَهَل الحُكَّام، أو السَّائِدُون العَرب، هُم مُتَحَرِّرُون من كلّ أَنَانِيّة، أو نَرْجِسِيَة ؟ أَلَا يَجْمِـع الحُكّام العرب بين السُّلْطَة والثَّرْوَة ؟ أَلَا يَستـغلّ الحُكّام العرب السُلُطَات السياسية لِجَمع ثَرَوَات شخصية ؟ وَإِنْ كان الحُـكّام يُخطئون، على الأقلّ في بعض الفَتـرات، لماذا لَا يَتَحَمَّل الحُكَّام العَرب «الْاِنْتِـقَادَات السيّاسية»، التي يُدْلِي بها المُواطنون البُسطاء، أو الضُعفاء، أو المَسُودِين، حتّى وَلَوْ كانت هذه الانتـقادات «خَاطِئَة» ؟ أَلَا تُخْـفِـي الخِلَافَات حَول «الْأَخْطَاء» السيّاسية نِزَاعَات حَول مَصالح طَبَـقِيَّة مُتَنَاقِضَة ؟ أَلَا تُوجد وُجهات نَظَر مُتَـفَاوِتَة، وَمُتـعدِّدة، حَول مَـفْـهُوم «الخَطَأ» هو نَـفسه ؟ وَفي واقعنا العَربي الحَالي، هَل الأنظمة السيّاسية العَربية الحالية هي جُزء مِن الحَلّ، أَمْ أنّها جُزء هَامّ مِن المَشاكل المَطروحة ؟

3. دُوَّل وَشُـعُوب غَير عَاديّة
المُعطى الأساسي، حول دُوّل العَالم العَربي، هو أنّه، مُنذ استـقلالها الشَّكْلِي عن الاستعمار الأوروبّي إلى اليَوم، تَـعِيش مُجمل هذه الدول العربية (أو الناطقة بالعربية)، في حَالة اِنْحِطَاط مُجتمعي (إنتاج اقتصادي هَزيل، تَـعليم عُمُومِي مَحدود أو رَدِيء، تَهْمِيش المَرأة، غِيّاب دولة القانون، ثـقافة فقيرة، هَيْمَنَة الفَرْدَانية، نَدْرَة التَضامن المُجتمعي، غِيّاب البَرْمَجة والتَخْطِيط المُجتمعيَّين، انتشار الاستبداد، والفَساد، والسَّطْو، والتَبَـعِيَة لِلإمبرياليّات الغَربية، الخ).
وَمِن بَين القَوانين المُتَحَـكِّمَة في تَطوّر المُجتمعات، أنّ كل دولة يُمْنَع فيها النَّـقد السياسي، تَتَطَوّر تَدريجيًّا نحو الاستبداد، والفَساد، والرُّكُود، ثمّ التَدَهْوُر، ثمّ الانحطاط. ثُمّ َتُصبح عُرضة لِلْغَزْو الأجنبي.
وعندما يَتـكلّم المُـثَـقّـفـون، أو المَسئُولون السيّاسيّون، عن تَـغيير المُجتمع، أو عن إصلاح النظام السيّاسي القائم، أو عن تَحسين أداء الدّولة، أو عن الدِّيموقراطية، أو عن التّنمية الاقتصادية، غَالبًا ما يَنسوْن أنّ العَامِل الحَاسِم هو ما يَـفعله الشّعب، وليس ما يَفعله الحُـكَّام.
[الأُطروحة الرّئيسة في هذا المقال] : مَلَكِيّات وَإمارات الخَليج العَربي، وفي مُـقَدِّمتها الْإِمَارَات العربية المُتَّحِدة، وَقَطَر، والسّعودية، والبحرين، والكُوِّيت، الخ، ليست دُوّلًا عاديةً، ولا شُعوبًا عادية. هي قَبائل تَحرس آبار النّـفط والغاز، لِفَائدة الإمبرياليات الغربية. وَتَخُوض حربًا سِرِّيَة ضدّ الجُمهوريات العربية. وتُساهم في تَخريب الجُمهوريات العربية، مثل العراق، وليبيا، والسودان، والصومال، واليمن، وسوريا، الخ. فَيُصْبِح أَمْن المَلَكِيّات والْإِمَارَات النَّـفْطِيَة الغَنِيَة، مَرْهُون بِضَرُورَة إِضْـعَاف الجُمهوريّات العَربية ! وَجُزء مِن أَمْوَال النَّـفْط العَربي، تُنْـفَـق لِتَمْوِيل مِيلِشْيَات إسلامية تَـكْـفِيرية "دَاعِشِيَة". وَتَتَسَبَّب هذه المِيلِشْيَات الإسلامية في خَرَاب هَائل، في داخل جُمهوريّات عَربية ! دُوَل عَربية تُساهم في تَخريب دُوَل عَربية أُخْرَى ! مَشْهَد مُتـناقض، وَمُنَافٍ لِلْمَنْطِق، وَيُسَائِل كلّ عَقل حُرّ ! وما دامت هذه «الحَرب السِرِّيَة» مُوجودة بين المَلَكِيّات والإمارات العربية مِن جِهة، والجُمهوريات العربية مِن جهة أخرى، فإنّ مُجمل بُلدان العالم العربي ستبـقـى في حالة خَراب، وانحطاط ! وَفي النهاية، لَنْ يَـفْلِت أيّ بَلد عربي (أو ناطق بالعربية) مِن هذا الخَراب والانحطاط !
سُـكّان المَلَكِيّات والْإِمَارَات في دُوَل الخَليج العَربي، هُم أَقَلِّيَات في وَسَط أَغْلَبِيَّات سُكَّانِيَة مُسْتَوْرَدَة، أو غَيْر أَصْلِيَة. وهذا غَير عَادِي.
وَسُـكّان المَلَكِيّات والْإِمَارَات في منطقة الخَليج لَا يَـعِيشُون مِن أَعْمَال مُنـتجة، سَواءً كانـت صِنَاعية، أم زِرَاعية، أم خَدماتية. وَلَا يَـقبلون التَـعَوُّد على الكَدِّ، والْاِجْتِـهَاد، وَالعَمل المُنْتِج. وإنما أَلِـفُـوا العَيْش مِن سُهُولَة رِيـع النَّـفْط والغَاز. وَيَحْصُلون على مَدْخُول دَوْرِي، وَمَضمون، دُون المُساهمة في عَمَل مُنتج. وهذا غَير عادي.
وَعلى خِلاف بَاقـي العالم، أَلِـفَت كثير مِن العائلات المَيسورة في المَلَكِيات والإمارات العربية اِسْتِئْجَار خَدَم مَنْزِلِيِّين، يَتَمَيَّزون بكونهم أجانـب رَخيصين، وطيّـعين، وغير قادرين على الدِّفاع عن أنفسهم. وهذا غير عادي.
كلّ مَا تَصنـعه الدُّول الْإِمْبِرْيَالية الغَربية تَبِيعُه لِـدُول الخَليج النَّفْطِيَة. وَتَـعَوَّدَت مَلَكِيّات وإمارات الخَليج على شِراء مُعظم احتيّاجاتها مِن الدُّول الغَربية الإمبريالية، وَلَيْسَ مِن البُلدان العَربية الأخرى. وهذا غير عادي.
وَبِمَا أنّ دُوّل الخَليج تَبْـقَـى مُتَـفَـرِّقَـة، وَصَغيرة، فإنها لا تَـقدر على صِناعة أيّ شَيء ذِي أَهَمِّيَة. فَتَـقْتَصِر على شِرَاء كل ما تُنـتجه الدّول الإمبريالية الغَربية. وهذا غير عادي.


4. التَنَاقُضات بَيْن المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات العَربية
مُنذ نَشْأَتِهَا، تَخْشَى المَلَكِيّات وَالْإِمَارَات العربية النَّـفْطِية الغَنِيَة من أنْ تَـقوم الجُمهوريات العَربية غَير النَّـفْطِيَة، بَل الفَـقِيرة، وَالمُـكتظّة بالسُّـكان، بِـ «غَزْوِها»، أو بِـ «ابْتِلَاعِهَا». وَهو خَوْف ذَاتِـيّ، أكثرَ مِمَّا هو خَوْف مَوْضُوعي. أَمَا كَان مُمْـكِنًا أنْ تَتَـعَاوَن، وَأنْ تَتَـكَامَل، المَلَكِيّات العَربية النّـفْطِيَة، مع الجُمهوريّات العَربية غَيْر النَّـفْطِيَة، وَأنْ تَسْتَـفِيدَ مِن بعضها بَعضًا، وَأنْ تَحْتَمِـي بِبَعضهَا بَعضًا، بَدَلًا مِن اللُّجُوء إلى شراء حِمَاية وَهْمِيَة مِن عند الدُّوَل الإمبريالية الغَربية، والتي هي العَدُوّ الخَفِـي المُشترك ؟
وَلماذا نَـقْبَل بِأَنْ يَـكون الحَلّ الوَحيد المُمكن، لِمُعالجة أَمْن المَلَكِيّات والْإِمَارَات النَّـفْطية العَربية، هو اِرْتِمَاءُها، بِأَيَادٍ وَأَقْدَام مُـقَيَّدَة، في أَحْضَان أَعْدَائها الْإِمْبِرياليّات الغَربية ؟
الوَاقِـعِيَة هي أنّه، ما دَامت المَلَكِيّات والْإِمَارَات العَربية النَّـفْطية في الخَليج صَغِيرة، أيْ غَير مُوَحَّدة في إطار دَوْلة كبيرة، وَبِشَعب كبير، وَبِمِسَاحة جُغرافية كبيرة، فإنّها سَتَبْـقـى بالضّرورة ضَعيفة، وَهَشَّة، ومُهدّدة، وغير قادرة على إنشاء اقتصاد مُنـتـج مُتكامل.
والحَقيقة، هي أنّ أَمْن كل دَولة، وأمن كل نظام سياسي، إذا لم يَنْبُـع مِن الشَّعب المَعني، فإنّه سَيَبـقـى أَمْنًا وَهْمِيًّا.
والمُشكل العَوِيص الذي يَـعُـوق حاليًّا كل الحُلُول، هو أنّ سُـكّان مَلَكِيّات وإمارات الخليج النّـفْطية، ليسوا شُـعُوبًا عاديّة. وذلك نَاتِج عن كَوْن المُسْتَـعْمِرِين السّابقين لهذه المَنطقة، أَرَادُوا فَصْل آبار النَّـفْط والغاز عن الشُّعُوب العَربية. فَرَسَمُوا خَرَائِط بُلْدان غير عادية. وَأَنْشَأُوا دُوّلًا صَغِيرة (أو مِجْهَرِيَة)، تَنْحَصِر في حُدُود حُقُول النّفط والغاز. وَرَسَمَ المُسْتَـعْمِرُون خَرائط هذه المَلَكِيّات والْإِمَارَات النَّـفْطية، بِمَنْطِق اِنْتِهَازِي، وَلِـغَايَات إِمبريالية، تَـِهدف إلى نَهْب ثَروات هذه المَنطقة. وَتَـكَاد أنْ تَـكون مَلَكِيّات وإمارات النّفط في الخليج بِدُون شُعُوب حقـيـقـية !
وَفي مَجال الحِفَاظ على أَمْنِهَا، تَجد المَلَكِيّات والْإِمَارَات العربية النَّـفْطِيَة أَنْـفسها مُضطرّة إلى الْاِعْتِمَاد التَامّ على المُسْتَـعْمِرِين الغَربِيِّين الـقُدَامَى، وإلى شراء حِمَايَة وَهْمِيَة مِن عند الأعداء الإمبرياليِّين ! وَلَوْ أنّ ثَمَن هذه الحِمَايَة المُفْتَرَضَة، هو تَحْوِيل هذه المَلَكِيّات والْإِمَارَات العربية النّـفطية إلى «مُلْحَـقَات»، أو إلى «مُسْتَـعْمَرَات بِدُون مُسْتَـعْمِرِين». فَتَـغْدُو سِيّادتها الوَطنية مَحدودة، أو جُزئيّة، أو وَهْمِيَة. بَيْنَما كان بِإِمكان المَلَكِيّات والجُمهوريات العربية، أَنْ تَتَعَاوَن، وأنْ تَتَـكَامَل، وَأنْ تَحْتَمِـيَ بِبَعْضِهَا بَعضًا. وهل مَصِير المُسلمين والعَرب هو أنْ يَـعْمَلوا بِمَنْطِق الْأَنَانِيَة، وليس بِمَنطق التَـعَاوُن، والتَـكَامُل، والتَضَامُن المُجتمعي ؟ وهل مَصير المُسلمين والعَرب هو أنْ يَكْرَهُوا بعضهم بعضًا، وَأنْ يَحْتَـقِرُوا بعضهم بعضًا، وأنْ يَشُكُّوا في بعضهم بعضًا، وَأنْ يَخُونُوا بعضهم بعضًا، وَأَنْ يَـثِـقُوا في أعدائهم، وأنْ يُصبحوا خَاضِعِين، وَتَابِـعِين، لِلْإِمْبِرْيَاليّات الغَربية المُـفْتَرِسَة !؟
وما هي نَتيجة ما سبق ذكره ؟ مِن بين نـتائجه، نَجد أنّ مَجموعة المَلَكِيّات والإمارات العَربية، تَلْتَـقِـي مَوضوعيًّا مع مَجموعة إسرائيل والدُول الإمبريالية الغَربية، في كَون هاتان المَجموعتان تُريدان معًا أنْ تَظلّ الجُمهوريّات العَربية مُنـقسمة، ومضطربة، وَمُـكْتَسَحَة مِن طرف حُروب أهلية مُخَرِّبَة. وَصْف لَا يُصَدَّق ! لكن التحليل النّـقـدي سَيَـقودنا إلى اكتشاف هذا الواقع السِرِّي.

5. سُلُوكِيّات تَتَحَدَّى العَقل وَالعَدْل
وَمِن غَرَائب الدُّنْيَا، أنّ مِيزَة مُعظم المُسلمين، والعَرب، أو النَّاطِقِين بالعَربية، هي أنّهم يَـبْـغَضُون بَعضهم بَعضًا، وَيَـعْشِـقُون أَعْدَاءَهم المُسْتَـعْمِرِين الغَربيِّين الـقُدامى، وَيُـفَضِّلُون الإمبرياليّات الغَربية، التي مَارَسَت عليهم عَبْر التّاريخ، التَنْـكِيلَ، وَالتَـقْتِيل، وَالتَّخْرِيب، وَالْإِبَادة الجَماعية !
وَتَظهر المَلَكِيّات والْإِمَارَات العَربية في مَنطقة الخَليج كأنها «وَكَالَات» لِحِماية مَصالح الدّول والشركات الغَربية الْإِمْبِرْيَالية. وَتَحتاج باستمرار، ومنذ نَشأتها، إلى حِماية الدُول الإمبريالية الغَربية. إلى درجة أنّ بعض المُـعلِّقـين طَرحوا التَسَاؤُل التّالي : هل هي «مُستـعمرات بدون مُسْتَـعْمِرِين» ؟ وهل اِسْتِـعْمَارها هُو مِن نَوْع الاستعمار الجَدِيد الذي لَا يُرَى بِالعَيْن ؟ أَلَيْسَت هذه الأنظمة السياسية، أو الدُول النـفطية في الخَليج، نَتِيجَة لِلدَّهَاء الذي أَبْدَعه المُسْتَـعْمِرُون الْإِنْجْلِيز، في نِهاية الـقَرن التّاسع عشر، لِكَيْ يَتَمَلَّكُوا النَّـفْط، وَأَمْوَال النَّـفْط، وَفَوائد النَّـفط ؟ وهل ثَمن الاستـفادة مِن النّـفط العَربي هو بَـقاء مُجمل الشُّعوب العَربية في حَالَة اِنْحِطَاط مُجتمعي مُتواصل ؟ وهل مِن المَـقبول أنْ تَستـفيد الدُّول الإمبريالية الغَربية مِن النَّـفط العربي، منذ قُرابة قَرْن مِن الزّمان، دُون أنْ تَسْتَـفيد منه الشُّعوب العربية، التي هي المَالِكَة الأَصْلِيَة لِثَرَوَات النّـفط والغاز ؟
لَوْ اِسْتَثْمَرَت دُول الخَليج، في داخل البُلدان العربية الـفَقـيرة، أو غير النّفطية، ما تَسْتَـثـمره مِن أموال النَّـفْط في داخل الدّول الإمبريالية الغَربية الغَنية والقويّة، لَكَانـت مُجمل الشّعوب العربية قَد خَرجت من تَخلّـفـها الاقتصادي، والمُجتمعي، منذ زَمان !
يَكْـفِي أنْ يُوجد الطُمُوح إلى التَحَرُّر، وَالجُرأة السيّاسية، والرَّغْبَة في التَحرّر الوطني. أمّا العُـقُول العِلْمِيَة الضّرورية، فَبِالْإِمْـكَان تَوْفِيرها داخل الشُّعوب العَربية. والدّليل على ذلك هو وُجود شَلَّال هِجْرَة الأدمغة المُتَـفَوِّقَة، الذي يَصبّ منذ قرابة قَرْن مِن الزّمان، مِن البلدان العربية نَحو الدُول الإمبريالية الغَربية !
والتَـعَالِـي، أو الغُرور السياسي، الذي نُصادفـه، مِن وَقت لأخر، لدى بعض المَلَكِيّات أو الإمارات العربية النَّـفطية، لَا يُوجد ما يُبرِّره. وَمِن المَعلوم أنّ الثَّرَوَات النّـفطية أو المَعدنية، تَأْتِـي مِن أَوضاع جُغرافية، مُستـقلّة عن إرادة البَشَر، وَلَا تَنتج عن أيّ مِيزَة شخصية لِمَالِـكِـي الأراضي المَـعنية. فَلَا دَاعِيَ لِلتَّـعالي.
وَما دَامت المَمْلَكات والإمارات العَربية في الخَليج، تَـعيش في سَلَام وَرَفَاه، بِواسطة رِيع النّـفط والغاز، وَفي نَـفس الوقت، تَتَمَلَّص مِن وَاجباتها الأخلاقية تُجاه الشّعب الفَلسطيني المُسْتَـعْمَر، والمَقهور، أو تُجاه بَاقِـي الشُّعوب العربية الأخرى التي لَا تَملك نَـفطًا، أو التي تُـعاني مِن الـفَقر، فَسَيكُون مِن المُستبعد أنْ تَـقدر الشعوب العربية على الخُروج مِن تَخلّفها المُجتمعي المُزمن.
وَما دَامت المَلَكِيّات والإمارات العربية لَا تُبالي بِمَصير الشعوب العربية الأخرى التي لَا تَملك نَفطًا، وَلَا تُبالي بِمُعاناتها، وَلَا تَـقبل مُساعدتها، بَل تُريد منها أنْ تَخْضَع لِنَزَوَاتِها السيّاسية المُحافظة؛ وإذا لم تَخضع لِرغباتها، سَلَّطَت عليها فَتْـك المِيلِشْيَات الإسلامية، أو مُؤامرات إسرائيل، أو أمريكا، مثلما حدث في فلسطين المُحتلّة، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليَمن، والصّومال، والسّودان، الخ. وإذا اِستمرّت سيّاسة الْـلَّامُبَالَاة هذه، فَمِن المُحتمل أنْ تُصبح هذه الشّعوب المَـقهورة مَدْفُوعَة إلى اِعتبار هذه المَلَكِيّات أو الإمارات ضِمْنَ أعدائها، وليس ضمن أصدقائها. وهذا ما لَا أتمنّاه.
ومن الغَرائب أنّ تَدَخُّلات أو تَأْثِيرات المَلَكِيَة السّعودية في جُمهورية لُبـنان، تَتَلَاقَى، أو تَنْسَجِم، في مُعظم الحالات، مع تَدَخّلات أو تَأثيرات أمريكا في لُبنان.
وما دامت المَلَكِيّات والإمارات العَربية تَستـعمل رُؤَى سيّاسية قَصيرة النَّظَر، أو تَظنّ أنّه بإمكانها أنْ تَنْفصل عن بَاقـي الشعوب العربية، أو أنْ تَنْجُوَ مِن مَصير الخَراب، والانحطاط، الذي يُصيب مُجمل العالم العربي (أو النّاطق بالعربية)، فإنّها ستكون في خطأ سياسي قاتل ! وَلَنْ تَدْرِك ذلك إلّا بَعد فَوات الأوان !

6. التَـعَامُل مَع البِطَالَة وَهِجْرَة اليَد العَامِلَة
لَو كانـت المَملكة السّعودية، والْإِمَارَات الخَليجية، تَـقبل تَشغيل اليد العاملة، والْأُطُر الخَبِيرَة، الوافدة مِن البُلدان العربية غَيْر النّـفطية، بَدَلًا مِن استـعمال اليد العاملة المُستوردة مِن بُلدان آسْيَا (مثل بَنْغْلَادِيش، وَبَاكِستان، والهند، الخ)، لَـكَانـت جَميع الأطراف العربية مُسْتَـفِيدة نِسْبِيًّا مِن هذا التَـكَامُل المُجتمعي. خَاصّة وأنّ البِطالة مُتَـفَاقِمَة في مُجمل البُلدان العربية غير النَّفطية (مِن سوريا والعراق شَرقًا، إلى مُوريطانيا غربًا).
وإنْ كانـت المَلكيّات والإمارات الخَليجية تَخشى أنْ تُصبح اليَد العاملة الوافدة من الدّول العربية مُناصرة للـقِوَى السياسية المُعارضة، فهي مُحقّة في هذه النُقطة. لأنّ التَجارب في بُلدان أوروبّا وأمريكا تُؤكِّد أنّ المُهاجرين الـقُدَامَى يَتحوّلون إلى عُمّال مَأجورين. وغالبية
وخَوف المَلَكِيّات والْإِمَارَات العربية النَّـفْطِيَة، مِن تَجْنِيس اليَد العَاملة العربية، أو مِن تَحَوُّلِها إلى مُواطنين مُعارضين أو ثَوريّين، دَفَع هذه المَلَكِيّات والْإِمَارَات الخَليجية النّـفطية إلى تَفْضِيل اِسْتِـعمال المَأْجُورين الْأَسْيَوِيِّين على العرب. وَتَـعَوَّدت المَلَكِيّات والإمارات في الخليج على تَشْـغِيل هؤلاء المَأْجُورين بِـعُـقُود عَمَل مُؤَقّتة. وَيَتَـفَوَّق المَأجورون الْأَسْيَوِيُّون على المَأجورين العَرب بِكَونهم يَتَحَمَّلُون أساليب العُبُودِيَة المُهينة المُمَارسة عليهم، بَينما المَأجورون العَرب يَتَهَرَّبُون منها.
لكن، هل سَتَصْمُد هذه الاختيّارات إلى حِين أنْ تُـفْرَغ آبَار النّـفط والغاز مِن ثَرَوَاتِها ؟ وَهَل مِن الْأَكِيد أنّ هذا السُّلُوك لَنْ يُخَلِّف (في المُستـقبل) عَدَاوَةً مُزْمِنَة بين سُكّان البُلدان العربية التي كانـت مِنْ قَبْلُ نَـفْطية، وَسُـكّان البُلدان العَربية الأخرى التي لم تَكُن نَـفْطِيَة ؟
وفيما يَخُص إِشكالات هِجْرَة اليَد العَامِلَة، أُنْظُرُوا مثلًا إلى "الولايات المُتّحدة الأمريكية"، أو أَوْرُوبَّا العَتِيقة، أو كَنَدَا، أو أُسْتْرَالْيَا. حيث يُهاجِر إليها مَلَايِين المُهاجرين الـفـقراء، الْآتُون مِن العَديد مِن بُلدان العالم. وَتَدوم هذه الهِجرة منذ أكثر مِن قَرْن. وَلَا تُحْدِثُ هذه الهِجرة في هذه الدُول المُضِيـفَة أيّ ضَرَر ذِي أَهَمِّيَة. بَل على خِلَاف الخَوْف المُـفْتَـعَل مِن إِحْدَاث أيّ تَضَرّر مُحتمل، تَسْتَـفِيد، وَتَتَـقَوَّى، تلك البُلدان المُضِيـفَة، مِن تلك المَوْجَات المُتَتَالِيَة مِن المُهاجرين الفُقراء. والدَّلِيل على ذلك، هو وُجُود أكثر مِن 15 مليون شخص مِن أَصْل عربي، هَاجَرُوا مِن بُلدان شَمال إفريقيا إلى دُوّل أوروبّا وأمريكا. وَعلى خلاف مَزاعم بعض الأحزاب اليَمينية في أوروبّا، تُريد الشركات الرَّأْسَمالية الأوروبِّية جَذْب المَزيد مِن المُهاجرين العَرب مِن شمال إفريقيا، ومِن سُوريا، الخ. [وفي المَلِكِيّة المَغربية، اِكتشفت الدّولة فَوائد في هِجرة المَغَاربة إلى الدّول الغَربية لم تَكن تَخطُر على بال أحد. حيث أنّ المُدَّخَرات التي يرسلها العمال المهاجرون المغاربة في كل عام إلى عائلاتهم المقيمة في المغرب، أصبحت تَتَجاوز كل الـقطاعات الاقتصادية الأخرى. وبدونها يُمكن أن يَنهار مُجتمع المَغرب. فَغَدت دولة المَغرب تُشجِّع، أو تُثِير سِرًّا، تَضَخّم هذه الهِجرة].
فلماذا تُبالغ إذَن دُول الخَليج النَّـفطية في الخَوْف مِن اليَد العَاملة العربية، أو مِن المُهاجرين العَرب، الرَّاغِبِين في الاشتـغال المُؤَقَّت، أو حتّى في الْاِسْتِـقْرَار الدّائم، أو في التَجْنِيس، داخل دُول الخَليج ؟ ولماذا لا تُوجد حُرّية تَنَـقّل الأشخاص فيما بين البلدان العربية، مِثْلَمَا هو الحال فيما بين دُوَّل الاتّحاد الأوروبّي ؟ ولماذا الـقَبُول فَقَط بِحُرِّيَة تَنـقّل الأشخاص العرب الأثريّاء، نَحْوَ بُلدان أوروبّا وأمريكا، وليس القَبُول بِحُرّية تَنَـقّل المُواطنين العَرب البُسطاء فيما بين البُلدان العربية ؟
وماذا لَوْ حَدَثَ مثلًا "تْسُونَامِي" شَـعبي، أَيْ مَوجات جَماهيرية شَـعبية عَارِمَة مِن المُهاجرين غَير الـقَانُونِيِّين، اِنْطِلَاقًا مِن البُلدان العربية الـفَـقِيرة وَغَيْر النّـفطية، وَوُصُولًا إلى المَلَكِيّات والْإِمَارَات العَربية النَّـفْطية الغَنيّة ؟ وماذا لَوْ كانـت هذه المَوْجَات أكثر مُـفاجَأَةً، وَأَكْثَر تَـعْـقِيدًا، وَأكثر قُوَّةً، بِالمُـقارنة مع الهِجْرَة غَير الـقَانُونية التي تَجْتَاح بُلدان أوروبّا الغَربية مُنذ عُقُود ؟ وهل يَـكـفـي الـقَمْع الشَّرِس وَحده كَـمُـفَـسِّـر لِـغِيّاب هذه الهِجرة العَربية غير الـقانونية، نَحو البُلدان العربية النَّـفطية ؟

7. جَشَع الْإِمْبِرْياليّات الغَربية
أَلَا يَـكْـفِـي الدُّول الإمبريالية الغَربية كلّ مَا استـفادت مِنه مِن النّـفط والغاز العَربيّين (الطَّاقَة)، على امتـداد قُرابة قَرْن مِن الزّمان، لِبِنَاء حَضارتها، وَقُوَّتِها، وَتَـفَـوُّقِـهَا، على حِساب شُعوب "العَالم الثّالث"، وعلى حِساب الشُّعوب العربية (أو النّاطقة بالعربية) ؟ آلَاف مِن تْرِيلْيُونَات الدُّولَارات الأمريكية نُهِبَت بِأَسَاليب مُخادعة ! كَمِّيَات هَائلة مِن الأموال، وَلَا يَقدر العقل على تَصوّرها ! والحقـيـقة هي أنّه، مِن طَبيعة الْإمبرياليّات، أنها لَا تَـقْنَع أبدًا، بَل تُريد دائمًا مُضاعفة فَوَائدها، وَبِلَا حُدُود، حتّى وَلَوْ أَدّى ذلك إلى إِفْـقَار، أو تَجْهِيل، أو قَتْل ضَحاياها، أو مُسْتَـغَـلِّـيـهَا.
وَتَـقـوم إسرائيل، والإمبرياليّات الغَربية، بِخَرق سَافِر وَمُتـكرِّر لِلـقانون الدُّولي. وَلَا تُوجد مُؤسّـسات أو هَيئات دُولية، أو عَالميّة، تَـقْدِر على إجبار إسرائيل والإمبرياليّات الغَربية على الْاِمْتِثَال لِلْقَانون الدُّوَلِي.
وهل يَجوز، وَلَوْ مِن زَاوية أخلاقـية، أو استـراتيجية، أو قَومية، أو إنسانية، أنْ تَسْتَـفِيد الإمبرياليّات الغَربية، وَأَنْ يَسْتَـفِيد سُكّان المَلَكِيّات والْإِمَارَات الخَليجية، مِن ثَرَوات النَّفْط والغَاز العَربيّين، وَأنْ لَا يَستـفيد مُواطنو البُلدان العربية الأخرى (غير النّـفطية) مِن هذه الثَروات !؟
وَمِن زَاوِيَة المَصِير العَربي المُشتـرك، نَتَسَاءَل : لماذا لَا يُوجد تَخصيص نَصيب مُعَيَّن، أو نِسْبَة مُحَدّدة، مِن عَائِدَات النّـفط والغاز العَربيّين، إلى البُلدان العربية غَيْر النَّـفطية ؟
ولماذا لَا تُوجد حتّى تَسهيلات في الـقُروض المَمْنُوحة مِن الدّول العربية النّـفطية إلى الدّول العَربية غَيْر النَّـفطية ؟ ولماذا لَا تُسَهِّل المُؤَسَّـسات البَنْـكِية أو المالية العالمية مَنْح قُرُوض مِن الدُّول العربية النَّـفطية نَحو الدُّول العَربية غَيْر النَّـفطية ؟
وَهَل الـفَساد المُسْتَشْرِي في الدّول العَربية غير النّـفطية، يَـكـفـي لِإِلْـغَاء التَـفـكير في تَـقْدِيم الدَعْم مِن الدّول العربية النّـفطية إلى الدّول العربية غير النّـفطية ؟ أَلَا يُمكن اِبْتِـكار حُلُول فَـعَّالَة لهذه المَشاكل؟
ولماذا لا تُبيح الدّول العربية غير النَّـفطية، لِلمُواطنين المُنحدرين مِن الدّول العربية النّـفطية، حُرّيةَ الاستـثمار في الثَّروات المَوجودة في داخل البلدان العربية غير النّفطية ؟ ولماذا لَا تُوَفِّر الدُول العربية غير النّـفطية كل الضَمَانَات الـقَانُونية والضّرورية لِلْمُسْتَثْمِرِين العَرب (الوافدين من الدُول النّفطية) لِكَيْ يُحَافِظُوا على مُمْتَلَكَاتهم ؟
قَد يَقـول قائل : ثَروات النّـفط والغَاز هي ثَروات طبيعية، ومن حقّ السُكّان الأصليِّين في المَلَكِيّات والْإِمَارَات الخَليجية النّـفطية، أنْ تَـفـعَـل بها ما تُريد !
لكن، أَوَّلًا، دُوَّل هذه المَلَكِيّات والْإِمَارَات العَربية هي مُصَـغَّرَة، أو مُقَزَّمَة. وَقَد أَنْجز المُسْتَـعْمِرُون القُدامَى تَـقْطِيع خَرَائِط المَلَكِيّات والإمارات النَّـفْطية، بِهدف تَسْهِيل احتـكار الْإِمْبِرياليّات الغَربية لِلنَّـفْط والغاز وَفَوائدهما. وأصبحت فعلًا نَتائج تَـقْطِيع خَرائط هذه الدُوَّل النَّـفطية الصغيرة، هو بالضّبط حرمان شُعوب عربية كبيرة مِن الاستـفادة مِن ثروات النَّـفط والغاز.
وَثَانِيًّا، هَل يَجوز أنْ تَسْتَمِرّ، خِلال عُـقُود أخرى طَوِيلَة، الدُّوَل والشَرِكَات الإمبريالية الغربية البَعِيدة، في اِحْتِـكَار الْاِسْتِـفادة مِن النَّـفط العَربي، وَمِن أموال النّـفط العربي، بينما باقـي الشعوب العربية (أو النّاطقة بالعربية)، أو المُجَاوِرَة، والتي لَا يُوجد لديها نَـفْط، هل يَجوز أنْ تَـبْـقَـى تُـعَانِـي مِن التَخلّف المُجتمعي، وَأنْ تَتَأَلَّم مِن الـفَقر، وَتُـقَاسِي مِن البِطالة، وَتَتَوَجَّع مِن النَّـقْص الهَائِل في الْاِسْتِثْمَارات، وَتَتَعَذَّب مِن هَيْمَنَة الْاِسْتِبداد السياسي ؟ هذا الاحتـكار، أو هذه الأنانية، غَير مَـقْبُولة، وَلَا تُشَرِّف أصحاب الـفَخَامَة، وَلَا أَصْحاب الثَرَوات. وهذا أيضًا وَاقع غَير عَادِي.
وَلْتَسْمَح لِي المَلَكِيّات والإمارات، التي تَثِـقُ في «التَحَالُف»، وفي التَبَـعِيَة لِلْإِمْبِرْيَاليات الغَربية، أنْ أَقُول : إِقْرَأُوا أخبار شهر فبراير 2025 ! وَانْظُرُوا كَيـف عَاملت الإمبريالية الأمريكية حُلـفائها الأقربين، دُوّل أوروبا، وَدَولة أوكرانيا، والرئيس زِيلَنْسْـكِـي ! الوَقْف المُبَاغِت وَالـفَوْرِي لِلحَرْب في أُوكرانيا، والتَـفَاهُم مع العَدُو الـقَدِيم رُوسْيَا، وَفَرْض إٍرْجَاع الهِبَات وَالمُساعدات السّابقة، وَأَدَاء كُلْفَة الحِمَايَة الماضية ! لـقد خَدَعَتْ الإمبريالية الأمريكية حُلَفَائَهَا في حِلْف شَمَال الأطلسي (NATO)، وَخَدَعَت أوروبّا، وأوكرانيا، وَزِيلَنْسْكِي، وَاْسْتَـغَلَّتْهُم، ثمّ سَامَحَت فيهم، بَل ضَحَّتْ بهم. بِدُون أيّ اعتبار، لَا لِلْأخلاق، وَلَا لِلـقانون الدّولي، وَلَا لِلْإِلْتِزَامات السابقة المُتبادلة، المُسَجَلَّة في الْإِتِّـفَاقِيَات العَلَنِيَة أو السِرِّيَة ! سُلُوك لَا يَصحّ وَصفه سوى بِكَونه خِيّانة شَرسَة ! هذا هو مَصير الرّأْسَمَالية، والإمبريالية ! نـفس المُعاملة، وَنَـفس الخِيّانة، أو رُبَّمَا حتّى أقسى منها، سَتُـعَامِل بها الإمبريالياتُ الغَربيةُ الدّولَ العربيةَ الحليـفةَ لِأَمْرِيكَا، أو الحَليفة لِلْإِمْبِرْيَالِيَّات الغَربية، أو «المُطَبِّـعَة» مع إسرائيل. ومنها المَلَكِيَّات في السّعودية، والإمارات، وقطر، والأردن، ومصر، والمغرب، الخ ! هذا هو ما تَـقْتَضِيه الصّرَاحَة.
وَخِدْمَة مَصالح إسرائيل، أو أمريكا، في بلدان العالم النّاطق بالعربية، لَا يُمكن أنْ َتَتَحَـقَّـق سِوَى عبر إِلْغَاء، أو إِنْـكار، أو نَـفْـي، مَصَالح الشّعوب العربية !

8. إِلى مَتَى نَتَحَمَّل أنْ يَكون مَصِير شُعوبـنا هو التَدَخُّلَات الأجنبية، والحُروب الأهلية، والخَراب ؟
في مَا يَلِي، سَأَعْرض بَعض الأَحْدَاث وَالتَطَوّرات التاريخية المُعَبِّرَة، التي تُبْرِز مَظاهر الصِرَاع، أو الحَرْب السِرِّية، أو التَخْرِيب، التي وَقَعت في جُمهوريّات عربية بارزة، مثل العراق، وَلِيبيا، واليَمَن، والصُّومَال، والسُّودان، وَسُوريا، الخ. وهي التّالية :
▪ في العِرَاق : مُنذ سنة 1919، حَدثت في العراق تَدخّلات عسكرية مُتعدّدة لِـلاستعمار التّابع لِـ "المَملكة ‏المُتّحدة" الْإِنْجليزية. وتَوالت في العراق اِنْتفاضات شعبية، وقمع شرس، وانقلابات ‏عسكرية. وَنَشَبَت تَمَرّدات كُوردية اِنفصالية، مُدعّمة مِن طرف دُول إمبريالية غَربية، وشاه إيران. وفي سنة 1979، قَامت ‏ُمُخابرات "الموساد" الإسرائيلية بِتَخريب مُفاعل نُوَوِيّ كان يُهَيَّأُ في فرنسا لِصالح العراق. وفي يُونيو 1981، ‏قصف الطيران الإسرائيلي (بِمُساعدة الإمبرياليات الغَربية) المُفاعل النووي "أُوزِيرَاك"، الذي اِشتراه العراق مِن عند فرنسا. وقدّمت أطراف مُتَخَـفِّيَة مِن فرنسا مُساعدات لإسرائيل لِتَهيئ هُجومها. وَانْدَلَعَت نَار حَرب عَبَثِيَة بين العراق وإيران، بين سنتي 1980 و 1988. وقد كانت هذه الحرب فَخًّا مَبْتُوتًا للعراق، مِن طرف أمريكا، وبعض المَلَكِيًّات العربية. وقامت دَولتـي الكُوِيت والسّعودية بِتَمْوِيل حَرب العراق ضدّ إيران، بِـقُرُوض، قُدِّرَت بأربعين مليار لِفَائدة للكويت، ‏وَبِثَلاثين مليار لِفائدة السعودية. وفي غُشت 1990، حَاول الرئيس العراقي صدّام حُسين استرجاع إقليم الكُوِّيت، الذي كان الاستعمار البريطاني قد فَصَلَه ‏عن العراق في سنة 1922. وَاسْتَـغَلَّت أمريكا إِقْدَام العراق على هذه المُحاولة. وَخَلَقَت أمريكا تَحالفًا عالميا لِمُعاقبة العراق. وشاركت بعض المَلَكِيّات والإمارات العَربية في هذا التَحاف. وَشَنَّت أمريكا وحُلفاؤها حَربًا وَخِيمَة على العراق. وفي يناير 1991، غَزَت أمريكا العراق، واحتلّته، وخرّبته كُليًا. وَخلال حَرب 1991، خَرَّبَت أمريكا وإسرائيل البِنيات التحتية الاقتصادية العراقية. ثُمّ أُدخلت أمريكا الطَّائِفِيَةَ إلى العراق بِالقُوَّة. وَلَوْ لَم تَلتزم (سِرًّا) بعض المَلَكِيَّات والإمارات الخَليجية بِتَمْوِيل جزء هام مِن حَرب أمريكا في سنة 1991ضدّ العراق، لَمَا خَاضَت أمريكا بِوَحْدِهَا هذه الحَرب. وَفَرَضَت أمريكا وَحُلفاؤها حِصارًا اقتصاديًّا شاملًا ضد العراق، بين سنتي 1991 و 2003.‏ ثمّ شَنَّت أمريكا حَربًا أخرى مُخرِّبة على العراق، في مارس 2003، بِمُشاركة بريطانيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وَبُولُونيا، واسبانيا، وإيطاليا، الخ. وَدَبَّرَت أمريكا اِغْتيّال الرئيس صدام حُسين عبر مُحاكمة مُزوّرة. وخلال الفَترة المُمْتَدّة مِن فِبراير 2006، إلى يُونيو 2009، (وهو تاريخ بداية خُروج الجيش الأمريكية مِن العراق)، أُشْعِلَت حَرب أهلية غَامضة في العراق، بين الشِّيعَة، والسُنَّة، والبَعْثِيِّين، والسَّلَفِيِّين. وفي دِيسمبر 2013، اِنْـفَجرت حرب أهلية أخرى في العراق، وَظهرت خلالها مِيلِشْيَات إسلامية. وهي تَنظيمات مُسلّحة مِن طرف أمريكا، وَمُمَوَّلَة سِرًّا مِن طرف بعض المَلَكِيَّات والإمارات الخَليجية. وكان هدفها هو خَلق «الدّولة الإسلامية». وَاضطهدت هذه المِيلِشْيَات الإسلامية المَسيحيِّين، واليَزْدِيِّين، في العراق.
▪ وَفي لِيبْيَا : في سنة 1986، قام الطّيران الأمريكي بِـقَصف مَدينتي طَرابلس وبَنغازي. وفرضت الإمبرياليات الغربية حِصَارًا ‏اقتصاديًا خانـقًا على لِيبيا منذ سنة 1992. وبين شهري مارس ‏وأكتوبر 2011، اِنْدَلَعَت نَار حَرب أهلية مُدَمِّرَة. وحصلت اِنتـفاضات مُحَرَّكَة، وَمُسلّحة، وَمُدَبّرة مِن الخارج، خُصوصًا في مُدن بَنْغَازِي، وطَرابلس. وَسَوَّقَت وسائل الإعلام الغَربية هذه الحَرب الأهلية على أنها «ثَورة شَعبية عَفْوِيَة». لكن اِتَّضَح فيما بعد أنّ هذه الحَرب الأهلية كانـت مُدَبَّرَة مِن طَرف قِوَى إمبريالية غَربية سِرِّيَة، تَتَمَوْقَع في خارج لِيبيا. وحدث قَصف جَوِّي وبحري ضدّ أنصار الرئيس معمّر القذافي. وأسقطت (هذه الحرب الأهلية) نظام الرئيس مُعمّر القذافي، ثمّ حاصرته، ثمّ اغتالته. وأدخلت هذه الحَرب الأهلية الفَوْضَى، والتَشَتُّت، والتَشَرذم، بشكل دائم إلى جُمهورية لِيبيا. وَتَكوّنـت بِسُرعة العشرات مِن المِيلِشْيَات المُسلّحة في ليبيا. وكان هدفها يَنْحَصر في نَهب، أو تَقاسم، ثروات ليبيا. وانْفَضح فيما بعد حُصول تَدخّلات عسكري متنوّعة لِدُوّل غَربية، وَلِهَيْئَات مِن حِلف شمال ‏الأطلسي (‏OTAN‏)، بما فيها فرنسا، والمملكة المُتّحدة، وإيطاليا، وأمريكا، وكذلك تَدخّلات مِن طرف تُوركيا، وَقَطَر، وَمَصر، الخ. وقاموا جميعهم بِتَسليح أنصارهم وَعُمَلَائهم ‏المُنتـفضين.
▪ وفي اليَمَن : (أُنْظُر فيما بعد المَعلومات المُتعلّقة باليَمن في النقطة رقم 18 مِن هذا المَقال، وَعُنوانها : "حَرب عَبثية بين مَلَكِيَّات الخَليج واليَمن").
▪ وَفي الصُّومَال : [ تَدخّلت قُوات مُسلحة تابعة لجنوب إفريقيا العُنصرية، في سنة 1991، وأطاحت رئيس الجمهورية الصومالية سِيَّاد بَرِّي. وَحَدَثَت حُروب أهلية مُحَرَّكة في الخَفاء، مِن طرف الجماعات العِرْقِيَة، وأُمَرَاء الحَرب، والإمبرياليات الغربية، منذ سنة 1991 إلى اليوم. وَتَـقَاسَم أمراء الحرب بلاد الصّومال ].
▪ وفي السُودَان : [ حَدثـت حُروب أهلية عَبَثِيَة، وَمُخَرِّبة، وَمُتَـقَطِّعَة، وَمُتَوَالِيَة، منذ سنة 1955 إلى اليوم في سنة 2025. منها مثلًا حُروب أهلية بين سنتي 1955 و 1972. وَ منذ سنة 1969 ‏إلى اليوم، وَقعت اِنْـقِلَابات عَسكرية؛ وصدامات سياسية عَنِيفَة، بين المَركز والتُخُوم، وبين ‏المُسلمين والمسيحيِّين في "جنوب السودان"، وبين المُحافظين والثوريِّين، وبين الوَطنيِّين وعُمَلَاء لِقِوَى إِمْبِرْيَاليّة أجنبية. وَقَصفت إسرائيلي السُودان في يناير 2009. وفي سنة 2015، اِستـعملت المَمْلَكَة السّعودية مُجَنَّدِين سُودانِيِّين في حربها ضدّ اليَمَن في 2015. وَقَدّمت ‏الإمارات العربية، وَدُوّل أوروبية، وَاتْشَاد، دعمًا ماليًّا وعسكريًّا مُتكرِّرًا إلى "قُوَّات التَدَخُّل السَّريع" المُتَمَرِّدَة، خاصّة بين سنتي 2023 و 2024. وكان هدف ذلك الدّعم هو تَـقْوِيَة تلك "المِيلِشْيا" في حربها ضدّ حُكومة الرئيس السوداني عبد الفتّاح البُرهَان. وَتَكرّرت أنشطة اِنفصالية في إقليمي دَارْفُور، وَكُورْدُوفَان، الخ ‏].
▪ وَفي سُوريا [انتفاضات، وحروب أهلية، وَمِيلِشْيَات إسلامية، وتدخلات أجنبية، مُنذ عام 2011 إلى اليوم في سنة 2025]، الخ. وَنَـفس الأَخْطَار (المَذكورة سابقًا) قَد تُهَدِّد جُمهورية مَصْر، في حالة إذا مَا تَاهَت يَـقظتها. لأنّ القُوّة العسكرية النِسْبِيَة المُتَوِّفِرَة لَدَى مَصْر، تُـقلق المَلَكِيَّات والإمارات العربية، وَتًزْعِج إسرائيل، وَتُضَايِق الإمبرياليات الغَربية.
وَبِسَبب هذه الهَجَمات، والحُروب المُتوالية، أصبحت هذه الجُمهوريّات (العراق، ليبيا، الصومال، السودان، اليمن، سوريا، الخ)، ضَعيـفة، وَهَشَّة، وعاجزة على الـقـيّام بِمَسئُوليّاتها الدَّوْلَتِيَة كاملة. وَغَدت التَنْمِيَة المُجتمعية في هذه الجمهوريات صَعبة، أو مُستحيلة.
وَمُعظم الحروب التي سقطت فيها الجُمهوريات العربية، كانت فِخَاخًا، أو خُدْعَات، مُدَبَّرَة في الخَفاء، من طرف الإمبرياليّات الغَربية (وخصوصا منها أمريكا، وبريطانيا، وإسرائيل). وَشَاركت سِرًّا بعض المَلَكِيّات العربية في إِذْكَاء بعض هذه الحُروب، أو اِمْتَنَــعَت عن تَـقْدِيم المُساعدات الْـلَّازِمَة لِمُحاولة ِإِخْمَادِها.
وكانت الإمبرياليات الغَربيات َتَتَحَايَل لاستعمال مَنظومة "الأمم المُتّحدة" كَأَداة لِتَبْرير، أو لِتَشْرِيع، أو لِتَنـفيذ، خُططها العُدوانية. وفي نفس الوقت، تَتجاهل قرارات الأمم المُتّحدة حينما لَا تَكون في مَصلحتها.
وفي الوقت الذي تُشيِّد فيه الدُول الغَربية مُجتمعاتها، تَستمرّ إسرائيل، والإمبرياليّات الغَربية، وبعض المَلَكِيّات أو الإمارات العربية، في تَسْلِيط هذه الأحداث، والحُروب العُدوانية، التي تُخَرِّب الجُمهوريات العَربية، مثل لبنان، والعراق، وسوريا، وليبيا، واليمن، والصّومال، والسّودان، (بالإضافة إلى تَخريب فلسطين المُسْتَـعْمَرَة)، الخ.
وهذه التَناقضات الدّاخلية، وكذلك التَدَخّلات الأجنبية، أحدثت خَرابًا هائلًا، وَطَوِيل الأمَد، وَغَير عَادي، وَلَا يَجوز أنْ يَستمر ! وهذا الخَراب المُتواصل، يُفَسِّر جزءا كبيرًا مِن استمرارية تَخَلّف المُجتمعات العربية.
ولَا تَنْحَصِر أسباب هذه الاضطرابات فقط في التَدخّلات الأجنبية، بَل تُمارس أيضًا التناقضات المُجتمعية الدّاخلية دَورًا حاسمًا.
وَالمُدْهِش هو أنّ مُعظم الصِدَامات، والانتفاضات، والثورات، والحروب الأهلية، والتدخّلات العسكرية الأجنبية، حدثت في الجُمهوريّات العربية، وليس في المَلَكِيّات والإمارات العربية !
وَنَظرًا لِكَوْن المَلَكِيَّات والإمارات العربية تَـقبل بِسُهولة أكبر الخُضوعَ، والتَبَـعِيَةَ، للإمبرياليات الغَربية، فإنّ هذه الإمبرياليات الغربية لا تَحتاج إلى التَدَخُّل المَـكْشُوف، أو العَنيف، في هذه المَلَكِيّات والإمارات العَربية.
هي إذن مُجْتَمَـعَات عَربية، تُريدها المَلَكِيّات العَربية، وإسرائيل، والْإِمْبِرْيَالِيَّات الغَربية، أنْ تَـبْـقَـى هَشَّة، وَمُتَخَلِّـفَة، وَفي حَالَة اِنْحِطَاط مُجتمعي مُتَجَدِّد، لِكَي لَا تَستطيع الشُعوب العربية مُقاومة الإمبرياليّات الغَربية. كَيـف يُـعـقل الـقَبُول بهذا المَصير البَئِيس ؟!
هكذا خُلِقَت «مَلَكِيّات» و«إمارات» الخَليج النَّـفْطِيَة، وهكذا تُحِسّ بِـ «الجُمهوريات» العربية (غَيْر النَـفْطِيَة)، كَأَنها عَدُوَّة. وَلَوْ أنّ هذه «الجُمهوريات» (غَير النَّـفطية) تَبْحَثُ عَن وُدِّ «المَلَكِيّات» (النّـفطية)، وَلَا تُـفَـكِّر في إِيذَاء أيّة «مَلَكِيَة» أو «إمَارة» (نَـفْطِيَة)، ولم تَـفعل أَيَّ شيء لِلْإِضْرَار بها. (باستثناء حالة صدام حُسين الذي حاول اِسْتِرْجَاع الكُوِيت الذي اِقْتَطَعَه المُسْتَـعْمِر الإنجليزي مِن العراق).

( يُتْبَع في الجزئين المُتبـقِّيَيْن 2/3 و 3/3 ).
(رحمان النوضة، حُرِّر في يوم السّبت 1 مارس 2025).
تَنْبِيه لِلنَّاشِرين : في إطار تَعميم الـفَائدة، يَمنح الكاتب رحمان النوضة تَرخيصًا للنّاشرين لِيُعيدوا نَشر مَقالاته وكتبه.



#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)       Rahman_Nouda#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إِسْرَائِيل نَازِيَة مِن صِنْف جَدِيد
- أَسْقَطَت الإمبريالية سُورْيَا في ثُـقْب أَسْوَد
- هل يجوز توحيد العرب ولو بالقـوة؟
- نَـقْد تَحْوِيل التَضامن مَع فَلسطين إلى مُناصرة لِلْإِسْلَا ...
- نَقْد الزَّعِيم والزَّعَامِيَة
- نَـقْـد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 2/2
- نَـقْـد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
- لماذا اُعْتُقِلَ مُدير تَطْبِيق تِلِغْرَام
- الْإِسْلَام وَالرَّأْسَمَالِيَة
- صِرَاع الطَّبَقِات، أَمْ صِرَاع الْإِثْنِيَّات
- في مَنَاهِج النِضَال الجَمَاهِيرِي المُشْتَـرَك
- أحزاب اليسار تـرفض التـنسيـق
- الرَّأْسَمَالِيَة هِي اِنْتِحَار جَماعِي بَطِيء
- نَظَرِيَة «الْأَنَا»، و«الْأَنَانِيَة»
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 3/3
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
- مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 1/3
- هِجرة الأدمغة المُمْتَازَة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)


المزيد.....




- الجيش الأردني يصدر بيانا عن مسيرة محملة بالمتفجرات سقطت في م ...
- دبلوماسيون: محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة وسط ت ...
- ترامب يلوّح بالقوة ونتنياهو يتحدث عن مفاجآت وشيكة... هل تقتر ...
- تخفيف الرقابة على تأشيرة الدراسة للأجانب في الولايات المتحدة ...
- حين تصطدم إيران بإسرائيل، العالم يختار كلماته بعناية
- رضائي: نقلنا اليورانيوم المخصب إلى أماكن آمنة
- بيسكوف: بوتين يحافظ على اتصالات مع إيران وإسرائيل
- الإسعاف الإسرائيلي يكشف حصيلة القتلى والجرحى جراء الهجمات ال ...
- إيران تصدر تحذيرا لإخلاء مقر القناة -14- العبرية في تل أبيب ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر بيانا حول اليوم السابع من المواجهة مع ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الرحمان النوضة - حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3