أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علوان حسين - عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (11)















المزيد.....


عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (11)


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 16:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الفرقة التي يلفقها خادم الفاتيكان اودون لـ "تلقين" محمد تعاليم الإسلام !
أعود لنص خادم الفاتيكان أودون لافونتين في كتابه الموسوم: "التاريخ الخفي للإسلام" الذي لا توجد جملة واحدة صحيحة تاريخياً فيه عن محمد، والذي تفضل المهندس الكيمياوي عبد الحسين سلمان عاتي بترجمته من الفرنسية إلى العربية خدمة للبشرية لوجه الله.
يقول هذا النص:
" ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد وُلد لعائلة مسيحية أم لعائلة متأثرة باليهود النصارى، ويُفترض أن هذا التلقين بدأ في هذه الفترة تقريبًا. وقد احتفظ التراث الإسلامي برواية مجزأة ومشوّهة للبيئة الدعائية في تلك الحقبة، اتسمت بأحداث غريبة، إن لم تكن غير معقولة، نظرًا لدوافعها القداسية. وتشمل هذه الأحداث زواج محمد من خادمته "النصرانية" ومحسنته، خديجة (أرملة ثرية ونافذة وكبيرة في السن)، والأهمية الحقيقية والجذور التوراتية للقب "محمد"، أو واقعة تعميد محمد لعمر. تتوافق هذه، من بين حلقات أخرى، مع "معيار الإحراج" المُستخدم في النقد التاريخي. إضافةً إلى ذلك، يُبرز التقليد شخصياتٍ رمزيةً إلى حدٍ ما لقادة دينيين يهود-ناصريين، أو رجال دين، أو كهنة، أو رهبان. ومن أبرز الشخصيات في هذه الروايات ورقة بن نوفل، الذي يُقال إنه كان مُعلّمًا ومرشدًا لمحمد؛ وسلمان الفارسي، وهو يهودي فارسي اعتنق المسيحية (اليهودية-الناصرية) قبل سفره إلى سوريا والانضمام إلى محمد؛ والراهب بحيرة، الذي وُصف بأنه يُدرك دوره "النبوي" المُستقبلي . وقد رُبطت بعض الشخصيات بمدينة بصرى، الواقعة على الطريق المؤدي إلى المجتمعات اليهودية-الناصرية الجنوبية، بما في ذلك البتراء وشمال الحجاز، وربما يثرب. وكانت يثرب، وهي واحة نائية، جزءًا من مسار قوافل طريق الحرير الجنوبي القديم الذي كان مهجورًا آنذاك، كما ذكرنا. وكان زيد بن ثابت، وهو عربي اعتنق اليهودية الناصرية، من مدينة بصرى أيضًا (ووفقًا للتقاليد الإسلامية، فقد تلقى تعليمًا "يهوديًا" في يثرب). كانت يثرب، وهي واحة نائية، جزءًا من مسار قوافل طريق الحرير الجنوبي القديم والمهجور آنذاك، كما ذكرنا. زيد بن ثابت، وهو عربي اعتنق اليهودية الناصرية، كان أيضًا من مدينة بصرى (وفقًا للتقاليد الإسلامية، تلقى تعليمًا "يهوديًا" في يثرب). كان زيد قارئًا وكاتبًا بارعًا في الآرامية والعبرية، وعمل وسيطًا كتابيًا بين اليهود الناصريين والمجتمعات العربية."
إنتهى النص المقتبس.
طيب، مادام يوجد تاريخ خفي للإسلام، فأنّى تسنّى لخادم الفاتكان أودون لافونتين التعرف عليه، طالما كان "خفياً" وهو لا يعرف العربية؟ الكتب التاريخية المؤلفة عن شخصية محمد وعن تاريخ دعوته الاسلامية باللغة العربية على الأقل لا تحصى ولا تعد على مدى كل عصور التاريخ منذ وفاته إلى اليوم، وهي تزوّد المهتم بالتاريخ بحقائق راسخة يزيد غناها ووضوحها ما نعرفه عن كل واحد من أنبياء اليهود والنصارى والبابوات؛ بل وتزيد بما لايقاس على ما نعرفه نحن عن معاصرينا: أودون لافونتين نفسه: الفرنسي خريج مدرسة إدارة الأعمال والأمي بالفباء التاريخ وباللغة العربية، وعن عرّابه الملقِّن له القس الكاثوليكي الفرنسي إدوار ماري صاحب أطروحة الدكتوراه التي يقتبس لافونين منها، وعن المشرف على تلك الأطروحة رولان مينرات، رئيس أساقفة ديجون وعضو مجمع العقيدة والإيمان للفاتيكان... وعن الصندوق الأسود لمجنديهم.
يُلفّق خادم الفاتيكان هذا فيقول: "ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان قد وُلد لعائلة مسيحية أم لعائلة متأثرة باليهود النصارى" .
يُلاحظ الانعدام التام للتماسك المنطقي في الجملة التلفيقية أعلاه المتضمنة المقولات أدناه:
1. محمد ولد لعائلة مسيحية،
2. محمد ولد لعائلة متاثرة باليهود النصارى،
3. من غير الواضح صحة منطوق (1) أم منطوق (2)،
4. أذن، فإن محمداً قد ولد إما لعائلة مسيحية أو لعائلة متأثرة باليهود النصارى،
5. ولكن منطوق المقولة (4) هو غير واضح بموجب منطوق المقولة (3)،
6. أذن، القول ما إذا كان محمد قد ولد إما لعائلة مسيحية أو لعائلة متأثرة باليهود النصارى هو أمر غير واضح.
طيب: ما دامت مقولة ما إذا كان محمد قد ولد إما لعائلة مسيحية أو لعائلة متأثرة باليهود النصارى هي أمر غير واضح لخادم الفاتيكان هذا، فلماذا يقولها أصلاً، في ضوء أعترافه الصريح بكونها غير واضحة، وكان عِلم التاريخ يهتم بتثبيت ما هو واضح ومسند بالأدلة من الفرضيات وليس ماهو غير واضح منها والمستنبط من خيال المؤرخ بلا أدنى دليل ساند؟
8. الذي يدعي أنه قد أوتي العلم بالتاريخ الخفي للإسلام، فيسطّر كتاباً بهذا الموضوع، ينبغي له أن يفصح عن علمه هذا الذي تصدى بنفسه لتنوير البشرية بأسراره الخفية؛ فما باله يصرح لنا بعظمة لسانه بكونه "لا يعلم بوضوح" صحة "ما يقول أنه يعلمه" عن "التاريخ الخفي للإسلام" مثلما تقطع دلالات مقولته (6) أعلاه؟
هكذا يجري تلفيق "التاريخ الخفي للإسلام"!
طيب، إذا كان محمد قد ولد إما لعائلة مسيحية أو لعائلة متأثرة باليهود النصارى (كذا)، فلماذا رفض دين محمد تأليه المسيح والثالوث المقدس مثلما يفعل المسيحيون، ولماذا رفض كون ابراهيم وأولاده وموسى وداود وسليمان يهوداً، بل نص على كونهم مسلمين، على نحو بات وقاطع في قرآنه؟
﴿وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اسْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّين فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة: 132).
أين هو التأثير المسيحي واليهودي في دينه؟ وإذا كانت أدلة التاريخ القاطعة تثبت على نحو لا جدال فيه أن كل أسس الدينين اليهودي والمسيحي ملطوشة من التراث الديني القديم للهلال الخصيب ومصر، فلماذا يحرص هذا الأودون على إخفاء هذه الحقيقة التاريخية كمصدر ديني أساس بجعله منشأها الأصلي هو اليهودية والمسيحية؟
يواصل هذا الأفاك تلفيقه المكشوف فيقول:
"ويُفترض أن هذا التلقين بدأ في هذه الفترة تقريبًا".
أي "تلقين" لمحمد هذا المنصوص عليه في الجملة أعلاه ؟ التلقين يستلزم حتماً وجود ملقِّن؛ فهل أن خادم الفاتيكان هذا قد ركب آلة الزمن الذي زودها به الفاتيكان وشركائهم الصهيوامبرياليين فارتحل إلى زمكان محمد، ورافقه هناك في حله وترحاله فاكتشف بنفسه وجود تلقين وملقِّن له؟ وما هو كنه هذا التلقين الذي يخرف به صاحب "التاريخ الخفي للإسلام"؟
متخصص في التاريخ، يزورون؛ علماء أكاديميون لتاريخ جديد خفي، يخرفون!
يواصل هذا الأفاك تلفيقه المنافي لوقائع التاريخ فيقول:
"وقد احتفظ التراث الإسلامي برواية مجزأة ومشوّهة للبيئة الدعائية في تلك الحقبة، اتسمت بأحداث غريبة، إن لم تكن غير معقولة، نظرًا لدوافعها القداسية."
هذا الكلام ينطبق بحذافيره كلمة فكلمة على التاريخ والكتب المقدسة اليهودية والمسيحية وليس الإسلام. لقد أمضى حاخامات اليهود زهاء 1000 عام يلطشون النصوص "والأحداث الغريبة وإن لم تكن غير معقولة" (مثل انشقاق البحر الأحمر وحكاية برج بابل وحكاية دانيال في جب الأسود وحكاية شمشون ...) لتواراتهم، ثم يمسحون ويزيدون ويعدلون ويمسحون جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن حتى عام 200م. إذهب فاسأل عن "الدوافع القداسية اليهودية" التي حذفت قداسة الأسفار: سفر طوبيا؛ سفر يهوديت؛ سفر الحكمة (أو حكمة سليمان)؛ سفر ابن سيراخ؛ الإضافات لسفر دانيال (مثل قصة سوسنة و قصة بعل والتنين)؛ كتابات المكابيين الأول والثاني؛ تتمة سفر أستير؛ سفر نبوة باروخ؛ المزمور 151. أما في المسيحية – التي تختلف الكتب المقدسة عند المسيحيين المشارقة عن المغاربة والكاثوليك عن البروتستانت – فقد أدت "الدوافع القداسية" للفاتيكان إلى حذف أسفار تزيد عشرات أضعاف ما رخصت به هذه "الدوافع القداسية". فقط من الأناجيل؛ قامت هذه "الدوافع القداسية" بإلغاء قداسة الإناجيل أدناه وذلك "لدوافع قداسية" تماماً: إنجيل مرقيون؛ إنجيل ماني؛ إنجيل أبلس؛ إنجيل برديصان؛ إنجيل باسيليدس؛ إنجيل توما؛ إنجيل الأقوال؛ إنجيل غمالائيل؛ إنجيل برنابا؛ علاوة على: إنجيل بطرس؛ إنجيل نيقوديموس؛ إنجيل كيرلس الأورشليمي؛ إنجيل برثولماوس، أسفار يعقوب؛ إنجيل يهوذا؛ إنجيل مريم؛ إنجيل فيليب؛ إنجيل المصريين اليوناني؛ رؤيا بولس القبطية؛ إنجيل الحقيقة؛ سفر رؤيا بطرس الغنوصي؛ إنجيل مرقس السري؛ سفر باروخ (إنجيل جوستين)؛ إنجيل يوحنا السري؛ إنجيل المصريين القبطي (مختلف عن إنجيل المصريين اليوناني ) وكتاب العهد الحبشي (Mäṣḥafä Kidan) . ولن أعدد أسفار أعمال الرسل والرسائل والرؤى والوصايا ووو التي رفضتها "الدوافع القداسية" الفاتيكانية لأنها أكثر من أن تعد في مثل هذا المقام.
وما دام خادم الفاتيكان هذا مهتم كل هذا الإهتمام بـ "الدوافع القداسية" فلماذا لا يكتب لنا عن "الدوافع القداسية" التي جعلت البابا نيكولاس الخامس يصدر مرسومه البابوي: "دوم ديفيرساس" (١٤٥٢)، الذي خوّل فيه الملك ألفونسو الخامس ملك البرتغال قهر المسلمين والوثنيين، وفرض العبودية الدائمة على من يأسر منهم، والذي استُخدم- إلى جانب المرسوم البابوي الروماني (١٤٥٥) الذي تلاه - لتبرير استعباد أساطيل جيوش فرنسا وبريطانيا وهولندا وأسبانيا ووو للأفارقة؟ فليكتب لنا أودون هذا عن تلك "الدوافع القداسية البابوية" فيكشف للبشرية عن "التاريخ الخفي" لحقيقة ما استلمه ذاك البابا من ذهب وجواري وغلمان ووو لقاء إصداره ذينك المرسومين الكارثيين المعاديين لأبسط المباديء الدينية السماوية السامية، إن كان مهتماً بخدمة حقائق التاريخ بصدق: وليس تلفيقها على نحو فج في كتابه المفضوح: "التاريخ الخفي للإسلام" الذي ينص قرآن نبيه محمد – عكس الديانة اليهودية والمسيحية بالضبط - على تكريم كل بني آدم على حد سواء:
"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا".
ثم تطالعنا هذه الجملة:
"وتشمل هذه الأحداث (التي يقول عنها الكاتب في الجملة السابقة مباشرة أنها "اتسمت بأحداث غريبة، إن لم تكن غير معقولة") زواج محمد من خادمته "النصرانية" ومحسنته، خديجة (أرملة ثرية ونافذة وكبيرة في السن)."
أذن، فالسيدة خديجة – هذه المرأة التي هي واحدة من أمجد السيدات في التاريخ: أم المومنين المسلمين كافة في التراث الإسلامي والزوجة العظيمة والرفيقة الوفية للرسول محمد – هي:
1. خادمة لمحمد
2. نصرانية
3. مُحسنة لمحمد
4. أرملة ثرية ونافذة وكبيرة بالسن

نبدأ بالعبارة الأخيرة: كانت خديجة يوم تزوجها أرملة.
هل كانت السيدة خديجة أرملة قبل زواجها بمحمد؟
في المصادر التاريخية العربية هناك قولان. قال ابن شهرآشوب : (وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي تزوج بها، وكانت عذراء. وقال ابن حبيب في كتابه "المحبّر" في من تزوج ثلاث مرّات: كانت خديجة قبل النبي محمد عند أبي هالة هند بن النباش؛ ثم عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
لماذا لا يعرض أودون الروايتين أعلاه، ثم يحللهما علمياً ونقدياً في سياقاتهما (مثلما يزعم) فيرجح إحداهما على الأخرى إن سمحت له القرائن بذلك، ثم يسبب هذا الترجيح وفق أصول منهج البحث العلمي، مثلما يفعل المؤرخون الموضوعيون؟ كيف يقطع بكون السيدة خديجة كانت أرملة عند زواجها بمحمد، دون مناقشة القول الآخر بكونها قد تزوجت محمداً وهي عذراء؟ لماذا يلتزم بمنهج "تلقيط الكرز" المنحاز والمعادي لمنهج البحث التاريخي القويم هذا؟
ثم يقول أن محمداً قد تزوج بالسيدة خديجة وهي "كبيرة بالسن". كيف عرف خادم الفاتيكان هذه المعلومة؟ أين هو مصدره المعتمد لقوله هذا؟ وما معنى عبارة: "كبيرة بالسن" ؟ كم هو حد كبر السن للسيدة خديجة هذا؟ الجواب: هذه الصيغة المراوغة بإبهامها لكبر السن مرتبة عن سبق الإصرار والترصد بحيث تبقى مفتوحة: 50 سنة؟ 60 سنة؟ 70 سنة؟ 80 سنة؟ 90 سنة؟
هكذا يلفق مزوروا التاريخ عبر اتباع منهج "الإبهام الستراتيجي" الفاسد والمنافي للعلم. المؤرخ الحقيقي الذي يحترم شرف الكلمة لابد له أن يدرس ما تقوله كتب التاريخ عن عمر السيدة خديجة عندما تزوجها محمد. وسيجد عندئذٍ أنه لا توجد أدلة تاريخية قاطعة بصدد هذا التفصيل، لأن الروايات التاريخية التي أخرجها ابن سعد في طبقاته تضع عمرها بين 28 سنة (وهو القول المرجح) و 40 سنة يوم زواجها بمحمد، فيما يحدد البيهقي عمرها يوم زواجها بـ 25 سنة. عندها، يعرض المؤرخ المنصف الحيادي في تاريخه هذه الروايات؛ ثم يدرس كم أنجبت من زوجها محمد لكون سن الانجاب للنساء مهم في تحديد عمرهن. عندها سيكتشف أن كُتب التاريخ تبيّن أن إبنها الأول القاسم قد ولد عام 598 م وأن الإبن الأخير عبد الله ولد عام 611 م، وأنها لم تنجب بعده؛ وأن فترة زواجها بمحمد قد دامت حوالي 25 سنة. وازاء كل هذه المعطيات، يصبح بوسع المؤرخ غير المتحيز أن يستنتج على نحو معقول بأن السيدة خديجة قد بقيت قادرة على الإنجاب طوال 15 سنة من حياتها الزوجية مع محمد (من عام 597م إلى عام 611م). فإذا ما اعتبرنا سن اليأس هو – مثلا – 45 سنة، يكون عمرها 30 سنة يوم زواجها؛ وإذا مددنا سن الياس إلى أقصاه – 50 سنة – يكون عمرها يوم زواجها 35 سنة كأقصى حد؛ فهل أن المرأة بهذا السن (30-35 سنة) تسمى: "كبيرة بالسن"؟
المصدر: "أولاد النبي محمد" على الوكيبيديا.
وما علاقة تفصيل سن السيدة خديجة عند زواجها بمحمد بـ "التاريخ الخفي للإسلام"؟ ما هو الشيء "الخفي" الذي اكتشفه هنا خادم الفاتيكان هذا؟ كل الذي عمله هو أنه زوّر حقائق التاريخ الثابتة.
نأتي الآن إلى جملته: خديجة هي خادمة محمد!
المعروف اجتماعياً أن الزوجة هي ربة بيت الزوجية وليست أبداً الخادمة لزوجها. صحيح أن الزوجة تخدم عادة زوجها والزوج يخدم زوجته التزاماً، ولكن العلاقة بين الاثنين مرسَّمة برفعة عقد علاقة الزوج بزوجته، وليست علاقة الخادم بمخدومه، البتة. فهل أن الفاتيكان يعتبر أن العلاقة بين الزوجة والزوج هي علاقة خادمة بمخدومها؛ أم أن كل هذا هو من باب الدس والتلفيق الموجه لمقاصد دنيئة مكشوفة؟ وكيف تكون السيدة خديجة خادمة لزوجها محمد وقد تطوع في خدمته ببيته كل من أنس بن مالك وبلال بن رباح؟ كما كان لمحمد موالي من الرجال والنساء ممن يعكفون على خدمته وبيته، ومنهم أسلم، وأبو رافع، وثوبان، وأبو كَبشَة سُلَيْم، وشُقران واسمه صابح، ويسار، وَمدْعَم، وَكرْكرَةَ ... ومن النساء سلمى أم رافع، وميمونة بنت سعد، وخضرة، ورضوى، ورزينة، وأم ضُميرة، وميمونة بنت أبي عسيب، وريحانة؟
ومن المعلوم أيضاً أن السيدة خديجة نفسها – باعتبارها " ثرية ونافذة " – مثلما يعترف خادم الفاتيكان أودون هذا، لابد أنها كانت هي الأخرى لديها عبيد وإماء يتولون خدمتها، أسوة بنظرائها من "الأغنياء النافذين"، علاوة على ما تحفظة كتب التاريخ من وجود خادمتها "نفيسة بنت منبه" التي أرسلتها السيدة خديحة لمحمد لعرض اقتراح زواجه منها عليه. فلماذا تحتاج السيدة خديجة أن تكون "خادمة لزوجها محمد" - مثلما يدس أفاك الفاتيكان هذا – وسط كل هذا الحشد من الخدم والحشم والعبيد والإماء ممّن حفظ التاريخ لنا أسماؤهم؟
المصدر:
: http://iswy.co/e13ivp
هكذا تتم دراسة واكتشاف "التناقض الداخلي" داخل الرواية التاريخية، وهذا اختصاص لغوي أعلى من مستوى إدراك أودون وعرابيه والفاتيكان ممن زقّوه بدس فرية كون السيدة العظيمة خديجة هي خادمة لمحمد دون أن ينتبهوا إلى التناقض الداخلي القائم بين مقولة "السيدة الغنية النافذة" و فرية "الخادمة" (كذا!)، ناهيك عن الدس على قداسة العلاقة الزوجية التي تسمو عالياً فوق علاقة الخادم بالمخدوم.
نفس التناقض الداخلي في رواية خادم الفاتيكان أعلاه ينسف كذلك مصداقية الجملة (3) أعلاه من الجذور.
كيف تكون السيدة خديجة هي "خادمة" لزوجها محمد، وهي في نفس الوقت "محسنته"؟ معلوم أن علاقة العمل بين محمد وخديجة كانت علاقة تاجر بشريكه أو وكيله، حيث تشارك السيدة خديجة بالمال ويشارك محمد بالمجهود؛ أو لنتنازل فنقول أنها كانت على الأقل علاقة رب عمل بعامله الوكيل بالأجرة. وهذه ليست أبداً علاقة المُحسن بالمحسن إليه. فإذا ما قام الفاتيكان والسي آي أي والموساد بتوظيف أودون لافونتين لديهم بثمن معلوم (خمسة ملايين دولار، مثلاً) لتسطير كتاب خرنقعي للإساءة لمحمد ولأصحابه بغية محاربة الإسلام والمسلمين وتأجيج الكراهية الدينية (التي هم أساتذة فيها مثلما تثبت شواهد التاريخ المتواترة)، فعندئذ يكون أودون لافونتين هو موظفاً في الفاتيكان والسي آي أي والموساد وليس مُحسَناً إليه: منهم المال، ومنه "الشغل"، أليس كذلك؟
نأتي الآن إلى قوله: السيدة خديجة كانت نصرانية .
هذا القول يفتري به من هو أمي تماماً بخصائص التاريخ الاجتماعي-الديني للعرب قبل الإسلام ولأهل مكة. أسم السيدة خديجة الثلاثي هو: خديجة بنت خويلد بن عبد العزّى. واسم جدّها "عبد العزّى" يعني أنه: "عبد الإلهة العزّى"، وهي إحدى الآلهة الأنثوية الثلاثة الكبرى (اللات، العزّى، ومناة) في مكة التي عبدتها قريش والعرب قبل الأسلام. وكان يتم تعظيمها ويطاف حولها باعتبارها "بنت الله" والشفيعة عنده للعابدين لها. وكان اسم "عبد العزّى" شائعًا قبل الإسلام، وأبرز من حملوه هو أبو لهب عم النبي محمد، و ذو البجادين: الصحابي عبد الله بن عبد نهم قبل إسلامهما. ومَن كان جدها عبداً للعزى فهي أولى من غيرها أن تكون عبدة لها قبل إسلامها، أسوة بعبادة جدها للعزى إسماً ورسماً، أليس كذلك ؟ فمن أين أتتها النصرانية ومكة خالية من النصارى والكنائس؟ (سأعود لموضوع العلاقة بـين "الحنيفية" وعبادة الأصنام قبل البعثة).
وتؤكد المصادر لشهود العيان على زواج محمد بالسيدة خديجة ما يلي: "قالت نفيسة أخت يعلى بن أمية: فأرسلتني خديجة إليه دسيساً (خِفْية)، أعرض عليه نكاحها، فقبل وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، والذي زوجها عمها عمرو لأن أباها كان مات في الجاهلية."
المصدر: "زواج محمد بخديجة" على موقع (islamweb).
هذا هو القول المنطقي والمتسق السياق لشاهد عيان، والذي يعلوا ولا يعلى عليه كدليل تاريخي. والشخص الذي قام بتزويجها من محمد والذي يثبِّته شاهد العيان هذا هو عمّها، الذي أبوه هو "عبد العزّى" وليس "عبد المسيح"، ولا عبد أي قديس مسيحي آخر موهوم؛ كما لا توجد أي كنيسة ولا قساوس في مكة، لا في زمن محمد ولا حتى في زماننا اليوم. لعل الفاتيكان قد أرسل في وقتها سراً أحد قساوسته على متن طائرة بي 52 مستعارة من أعمامهم مبيدي الشعوب في البنتاغون ليتولى تزويجهما في مكة، والناس لا يعلمون؟ يا أخي: أفتحوا صناديقكم السود القابعة في خزائن الفاتيكان، وقولوا لنا، بربكم، لنستفيد! واذا كانت السيدة خديجة نصرانية، فلماذا أصبحت أول المسلمين ونبذت "نصرانيتها"؟ هل لأن دين زوجها محمد – عكس اليهودية والنصرانية بالضبط – يعترف باستقلال الذمة المالية للزوج عن زوجته؟ أين إذن راح كل ذلك "التلقين" اليهودي النصراني" الموهوم لمحمد طوال عشرين سنة – الذي يحكم بكون الذمة المالية للزوج والزوجة هي ذمة واحدة في "جسد واحد" - والذي يلفقه أودون على أسماعنا ؟ لماذا قضى دين محمد باستقلال الذمة المالية للزوجة عن الزوج – وهو نفس حكم شريعة بلالاما (قانون إشنونّا) الذي يعود أصله إلى ما قبل عام 2000 ق.م. وذلك بالضبط عكس أحكام الدينين اليهودي والنصراني ؟ هنا يظهر من هو "الملقِّن" الحقيقي لدين محمد: إنه إرث ثقافة حضارة وادي الرافدين القديمة العظيمة. حيّاك لينين، الذي تعلَّمنا منه مقولة هيغل في أسس البحث العلمي: الجوهر يظهر، والظاهرة جوهرية ! (سأعود لهذا الموضوع).
هذه هي الحصيلة عندما يتولى الأميون بالتاريخ مهمة تزويره. ومثل هذه المهمة القذرة لا يقبل أي مؤرخ عالم شريف يحترم العلم ويحرص على سمعته.
ثم نراه يتكلم عن سلمان الفارسي وعن زيد بن ثابت ضمن " فرقة الملقِّنين" لمحمد وأحكام دينه التي يخترعها من عقله المريض، ولكنه لا يقول لنا لماذا آمن هذان "الملقِّنان" (كذا!) بدين محمد، ولم يؤمن محمد بدينهما المزعوم الذي "لقنوه" إياه؟ هذا هو موضوع الحلقة القادمة.
يتبع، لطفاً.



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (10)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (9)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (8)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (7)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (6)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (5)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (4)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (3)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (2)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (1)
- الحلم بالجمال السامي لدى الشاعرة ديلان تمّي: تعليق وترجمة
- -ألصابئون في القرآن الكريم- للأستاذ المتمرس الدكتور عبد اللط ...
- عربة حكومة ولاية بَتّيخ
- ما قُربَ الهجوم القادم لجيش الكيان الصهيوني على غزة؟ (2-2)
- ما قرب الهجوم القادم لجيش الكيان الصهيوني على غزة؟ (1-2)
- إعلان وفاة
- الدرس الأول للعام الدراسي الجديد
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (7-7)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (6)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (5)


المزيد.....




- الإغاثة الإسلامية تنتصر على قناة بريطانية بتعويض واعتذار عن ...
- قناة بريطانية تدفع تعويضات لـ-الإغاثة الإسلامية- بعد اتهامات ...
- بدء المرحلة الثانية من مناورات القوات البحرية لحرس الثورة ال ...
- النمسا تتحرك لقطع -أذرع الإخوان- سياسيا وماليا
- -اليهود في ذروة البياض-: منشور لماسك على -إكس- عن -انقراض ال ...
- بعد -هجوم 2020-.. النمسا تشدد الخناق على تنظيم الإخوان
- حرس الثورة الاسلامية يحذر السفن الأمريكية خلال مناورات بالخل ...
- هل العلمانية تُعادي الإسلام؟ حقيقة الصراع بين المسلمين والعل ...
- عالم سياسة: المجتمع الفرنسي لم يعد قادرا على رؤية الإسلام إل ...
- إنجيل السجن: المسيح ينتظر الفجر


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علوان حسين - عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (11)