أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - الدرس الأول للعام الدراسي الجديد














المزيد.....

الدرس الأول للعام الدراسي الجديد


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 14:03
المحور: الادب والفن
    


توقف "موسى" عن العدو السريع وهو يلهث بشدة، مزرقَّ الوجه، خائر القوى، حال بلوغه باب قاعة صفه لحضور الدرس الأول للمرحلة الجامعية الرابعة للعام الدراسي الجديد. إنها لعنة ازدحام الشوارع بالسيارات دوماً قبل بدء الدوام الرسمي كل يوم. أكثر من مليون سيارة في مدينة استيعاب شوارعها مائة ألف سيارة فقط! وقد اضطر لقطع المسافة الطويلة بين مرآب السيارات وقاعة صفة بالعدو السريع كي لا تفوته محاضرة الدرس الأول للعام الدراسي الجديد، رغم معاناته من داء الربو الولادي.
ما في اليد من حيلة !
تذكّر أنه لم يحضر - بسبب طول توقف السير في شوارع المدينة قبل ساعة الدوام الصباحي كل يوم - أي حصة من حصص مادة "فلسفة التربية" للعام الماضي التي كان المحاضر فيها يحرص على حجز الدرس الأول له، وقد عَبَر المرحلة الجامعية الثالثة إلى الرابعة محمّلا بها، ويترتب عليه الآن دراسة مقرراتها جيداً واجتياز اختباراتها بتفوق هذه السنة كي يتسنى له المحافظة على مركزه: الخريج الأول على المرحلة. ولكن، أنّى له تحقيق ذلك، وهو لم يحصل بعد على مقررات منهجها؟ لا بأس، سيحصل عليها من أستاذ نفس المادة الذي يحاضر في الدرس الأول اليوم، ويدرسها كعادته بامعان، فيضبطها ويحلق بنيل درجة الامتياز فيها.
انتبه للقميص والبنطال اللذين ارتداهما لذاك اليوم. لاحظ أن بنطاله قد انهدل لعدم ارتدائه للحزام. لماذا لم يهتم بارتداء الحزام الضروري ولديه العديد منها، وبعضها جديد ما زال حبيس مغلفّه الأنيق؟ المظهر غير مهم. المهم العقل الوقّاد. رفع كَمَرَ بنطاله، ودسَّ حواشي قميصه الأزرق الفاتح داخل خصر بنطاله. انتبه إلى أن بعض أزرار قميصه قد انفتحت جراء عدوه السريع، فكشفت عن أجزاء من صدره وبطنه العاريين، فقام بغلقها على عجل. ولكن نسيج قميصه بات محبّبا بقطرات العرق، وما عاد مكوياً حسب الأصول. لا يهم؛ المهم في الدراسة هو امتلاك العقل الوقّاد مثل عقله وليس اللباس الذي هو وسخ دنيا.
فتح باب قاعة الدرس الأول، ورفع رأسه لفوق .. فوق .. فاتضح له أن أستاذ المادة قد ابتدأ محاضرته فعلاً. كل ما عليه الآن هو ارتقاء مراقي ذلك السلّم الطويل - العتيق والضيق بمراقيه الحجرية العالية والقذرة جداً بحافاتها الحادّة - بأسرع ما يمكن كي يتسنى له دخول الصف والاستماع للمحاضرة والاشتراك بنقاشاتها للتدليل على فهمه وعلمه.
لم يكن يوجد أي درابزين يعاونه للصعود. ذكّره غياب الدرابزين بمسألة كون وتر المربع أطول من طول ضلعه. ولخوار كل قواه جراء العدو السريع الطويل، فقد انحنى وراح يصعد السلم بيديه وساقيه بكل ما تبقى له من طاقة كي لا تفوته المحاضرة.
تناهى لسمعه الأستاذ المحاضر وهو يقول لطلابه: "إن صُنع الأفكار والأشياء هو دائما أيسر من استخدامها؛ فصُنع العَلَم - مثلاً - هو أيسر من رفعه والدفاع عنه، ومثله السيف والمحراث والكتاب والنظريات والمخترعات وكل شيء آخر".
بجب عليه الإسراع بارتقاء عتبات السلم ليثبت للأستاذ حقيقة أن عكس ما يقوله هو الصحيح أحياناً إذا ما تدخلت المصالح.
ارتقى أول ثلاث مراقي، فاستبد به الاعياء، الذي اشتد مع بلوغه المرقاة الرابعة، فتوقف لاهثاً عن الصعود لأخذ قسط من الراحة.
يجب عليه الإسراع لضمان حضور الدرس الأول للسنة الدراسية الجديدة.
عند المرقاة الخامسة، شقّت حافتها الحادة بنطاله عند فخذيه.
لا يهم. واصل لاهثاً الارتقاء الصعب بكل قواه.. بقيت عشرون مرقاة فحسب؛ ومَن جدَّ، وَجَد؛ أم وَجِد؟
عند صعوده للمرقاة العاشرة، انزلقت فردة حذائه الأيمن وتدحرجت إلى أسفل السلّم العالي القذر. لا وقت لديه للتراجع الآن لاسترجاعها. إنتزع فردة حذائه اليسرى ورماها للاسفل: سيدخل الدرس حافياً، ثم يستعيد حذاءه بعد خروجه من المحاضرة.
عند بلوغه المرقاة الخامسة عشرة، هاله مقدار القذارة والاتربة التي علقت ببنطاله وقميصه جراء زحفه عليهما، فخلعهما ورماهما جانباً.
ورغم أن جسده العاري بات مسخما بالقاذورات من صدره إلى أخمص قدميه، وازرقَّ وجهه علة نحو عجيب غريب جرّاء الاجهاد عندما وقف أخيراً عند مدخل قاعة الدرس، إلا أنه وَلَجَ قاعة الصف حالاً لكون مدخله كائناً عند الجانب الأبعد من موقع السبورة والأستاذ.
ما أن رآه الاستاذ وهو يلج الصف فجأة، ويجلس دون استئذان، حتى تجهّم وجههه كمن يرى عفريتاً، وسأله صارخاً باستنكار:
- أنت، يا من دخلت علينا عارياً بلا استئذان: من تكون؟ هل أنت طرزان الغابة؟
التفتت اليه وجوه زملائه الطالبات والطلاب، وراحوا يتفرسون بعريه وقذارته وازرقاق وجهه باستغراب واستهجان. صرخت إحدى زميلاته - التي طالما قام بتدريسها طوال ثلاث سنوات مادة "الشعر الانجليزي" مجاناً في نادي الكلية بعد انتهاء الدوام - وهي تهرول خارجة:
- يبووو ! هذا جِنّي الجان !
عندها قام الجميع وغادروا بأسرع ما يمكن قاعة الدرس صارخين – حتى الأستاذ – دون أن يسمحوا له بأخذ نَفَسٍ واحد وفتح فمه لإيضاح أنه هو "موسى": زميلهم العتيد في الصف.



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (7-7)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (6)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (5)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (4)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (3)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (2)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (1)
- الموساد صوَّر أشرطة لترامب وهو يغتصب القاصرات
- استخدام الرياضيات في البحث الماركسي
- تاريخ الكومونات الاشتراكية (3)
- تاريخ الكومونات الاشتراكية (2)
- تاريخ الكومونات الإستراكية (1)
- الفنان التشكيلي الكبير رسول علوان حيدر في كتاب جديد
- إيضاحات بصدد الكومونة الاشتراكية
- الكومونات الاشتراكية ومناهضة الإمبريالية: النهج الماركسي
- أعلام عراقية شامخة: الأستاذ المتمرس الدكتور عبد اللطيف علوان ...
- أعلام عراقية شامخة: الأستاذ المتمرس الدكتور عبد اللطيف علوان ...
- الفنان التشكيلي العراقي الكبير غازي السعّودي في كتاب مهم
- فيزياء الرأسمالية
- إلى روح الشاعر الفذ: موفق محمد أبو خُمْره


المزيد.....




- -الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
- -حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...
- -لا بغداد قرب حياتي-.. علي حبش يكتب خرائط المنفى
- فيلم -معركة تلو الأخرى-.. دي كابريو وأندرسون يسخران من جنون ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - الدرس الأول للعام الدراسي الجديد