أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علوان حسين - عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (8)















المزيد.....

عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (8)


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 23:06
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الحلقة السابقة، رأينا كيف أن تفاعل قوى الجذب والطرد بين العبادة التعددية والواحدية إرتباطاً بتجاذبات السلطة السيادينية وديناميات الهيمنة الإقليمية المؤدية إلى تنامي الشعور الوطني-القومي لشعب الإلهة التعددية إنما يفضي في النهاية إلى اختزال مجمع آلهته بإسم إله قومي واحد: إنليل للسومريين، مردوخ للبابليين، أشور للآشوريين، إيل للكنعانيين، آتون للمصريين... مع الاعتراف الإسمي بوجود بقية الآلهة لنفس الشعب كتجليات لسلطة الإله الرئيسي، وكذلك الاعتراف بآلهة الشعوب الأخرى المجاورة والمحيطة على أساس كونها "نسخاً" نظيرة لمجمع الآلهة القومي-الوطني.
وبالطبع فإن صعود نجم الإله الوطني- القومي الرئيس لا يمنع أبداً أي شخص من سكان ذلك الإقليم من إصطفاء الإله الشخصي الأثير لديه دون غيره من الآلهة لهذا السبب أو ذاك عنده، مثل اصطفائه لأي شيء عزيز عنده كالحبيبة أو الصديق الحميم. كما وُجد في كل عصور التاريخ مِن الناس مَن آمن شخصياً بقوة مطلقة كونية عليا كمفهوم تجريدي خالص يرفض التجسيد المادي، ومنهم "الأحناف" عند العرب قبل الإسلام كشخصيات فردية موحِّدة تعيش بين ظهراني مختلف القبائل والمدن. وعلى القطب المضاد، فقد عرفت كل الشعوب عبر التاريخ البشر اللادينيين من هذا الشكل أو ذاك؛ ولعل هؤلاء يشكلون اليوم أكبر "دين" غير معترف به في العالم! تُلاحظ جدلية "دين اللادين" هنا، بفعل تعريف الدين كمعتقد بشري!

وبسبب قدمه التاريخي، فقد طبع الدين السومري-الأكدي الشرق والغرب القديم بميسمه بحيث أن هياكل الآلهة لكل الديانات المحلية من حدود الهند إلى أسبانيا، ومن جبال الألب إلى مضيق باب المندب كانت نسخاً مماثلة بهذا الشكل أو ذاك لهيكل آلهة الأنونّاكي، مع وجود التنوعات المحلية والإقليمية الخاصة، طبعاً. وضمن هذا التداخل – ولكون الجذر الديني السومري الذي انتشر بأرجاء العالم القديم كان تجسيمياً: خلق السومريون الله على صورتنا نحن الشر؛ إي إنه إله مجسم؛ لذا، فقد كان التجسيم المادي للآلهة كأصنام أو أوثان أو نصب تسكن المعابد لاستقبال حجاجها كان ضرورياً جداً لضمان رضا العباد المخلصين، ولرجال الدين – "المبربعين" على حساب مواطنيهم وآلهتهم - الذين راحوا يتلاعبون بإساطير معجزات آلتهم جيلاً بعد جيل على حساب غيرها من الآلهة، وفقما تطلبت مقتضيات زيادة ثرائهم ذلك. ومن المعلوم أن طبقة رجال الدين الطفيلية إنما تتخلق وتضمحل تحت أجنحة قداسة مَن تخلِّده من البشر المؤلهين، مثلما تولد قداسة الأرباب وتتطاول بفعل قوة الاقناع لسرديات عظمتها التي يختلقها كهنتها المتحالفين مع قوة السلطة السياسية المتخادمه معها. وهكذا، نجد أن قداسة أهل الأرض هي التي تخلق وتميت قداسة أهل السماء، ولكن قداسة أهل الأرض تبقى خالدة لا تموت.
وبالإضافة للإله المجسم على صورة الإنسان، فقد منح السومريون شعوب العالم كافة التقاليد الأصلية لأساطير الخلق، والطوفان، ووجود الروح البشرية والحياة الآخرة، والمكانة الخاصة للرقم سبعة التام، وكرامة الموتى، وما إلى ذلك.
وبقدر تعلق الأمر باختزال الإله القومي الواحد لبقية آلهة الهيكل الديني، فقد بقيت عبادة الأصنام ماثلة بين ظهراني كافة شعوب الشرق الأدنى بضمنها اليهودية والمسيحية والمسلمة. صحيح أن محمداً كان أقرب نبي عرفته البشرية من إنجاز الإلغاء التام لعبادة الأصنام كافة، ولكن الضرورة الدينية الحاكمة والمنافع الإقتصادية لوجود بيت مجسد مادياً لله في الكعبة منعه من الأمر بتحطيم الحجر الأسود مثل غيره من الأصنام والأوثان والأنصاب، وذلك لارتباطه الراسخ تاريخياً في المخيال العربي المقدس بالنبي إبراهيم: النبي العربي العتيد للأحناف الذي لا علاقة له البتة باليهود ممَّن زوروا سرقتهم له ولكل التراث الثقافي السومري ولأحفاده ولآدم وحواء ونوح وهود وشعيب وموسى وداود ... إلخ. في أساطير العهد القديم - مثلما سرق صهاينة اليوم الإرث الثقافي للشعب الفلسطيني الذي تعمل الصهيونية جاهدة بدفع امبريالي لإبادته وتشريده- كما سأبين بالتفصيل.

نأتي الآن إلى الديانة اليهودية التي يفتري خادم الفاتيكان أودون لافونتين وأتباعه بكون محمد إنما قد أقتبس الدين الإسلامي منها ومن المسيحية التي سأناقشها بعدها.
لا يمكن البتة عزل الدين اليهودي بتقاليده كافة التي نشأت وتطورت خلال الألفية الأولى قبل الميلاد – متأخراً على الأقل بألفين وخمسمائة عام عن الدين السومري والمصري الأقدمَين، وألفي عام عن الدين الكنعاني الأكبر – عن ديانة السومريين والمصريين والكنعانيين والفينيقيين والآراميين القدماء، وذلك لارتباط اليهود البيئي والعرقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الوثيق جداً بتلك الأديان التي كانت هي السائدة في منطقة الهلال الخصيب القديم. وحتى عندما تأسست مملكة اسرائيل (حوالي عام 1050 إلى 930 قبل الميلاد) فقد كانت قابعة تحت ظل الهيمنة السياسية والثقافية للدول الأكبر المحيطة بها والأقوى منها على نحو لا يضاهى القائمة في ربوع وادي الرافدين ومصر والشام. وكان اليهود يمارسون الديانة التعددية العائدة للكنعانيين: الكتلة البشرية الأقدم منهم في الشام والتي دخلت قبائلهم البدوية بين ظهرانيها؛ حيث كان الإله الكنعاني "إيل" هو رئيس مجمع آلهة اليهود، ومعه زوجته الكنعانية عشيرة، ونجليهما بعل (السيد) ويهوه (مِن "يهوى": المحبوب)؛ وكذلك الآلهة يارخ وموت وشمش وأستارت ومولوخ. هذا الهيكل الإلهي لليهود تقليدي تماماً، ليس فيه أي شيء يهودي البتة، لأن كل آلهته هي رافدينية- كنعانية- فينيقية عتيدة وراسخة الجذور في المعتقدات الدينية لشعوب الهلال الخصيب القديم. ولا توجد حتى اليوم في اللغة العبرية المفردة التي تدل على مفهوم "الله" رباً لكل البشر. يوجد لديهم اليوم فقط إسم الإله "يهوه" إلهاً حصرياً لهم لوحدهم، وهو إله وثني عبده قديماً من قبلهم الكنعانيون والإيدوميوم والسعيرون والفارانيون والتيمائيون، والذي يقبل تماماً - مثل غيره من آلهة الديانات التعددية - بوجود آلهة أخرى مختلفة عنه، ويقبل أيضاً بوجود شعوب عديدة ولكل منها آلهتها الخاصة ودياناتها المختلفة. سأعود لموضوع كيفية تحويل اليهود ليهوه الشرك إلها حصرياً لهم في أورشليم عام 456 ق.م. تحديداً.
وعلى غرار الإله القومي لأقوام الدول الأقدم القائمة حوله في العراق والشام، فقد شجع ملك مملكة اسرائيل الشمالية (الأكبر من مملكة يهوذا الجنوبية) عمري (حوالي 884-873 ق.م.) و من بعده إبنه الملك آخاب (حوالي 875-853 ق.م.) عبادة الإله بعل كإله قومي لليهود، فبنى الأخير هيكلًا له، ووضع عليه كهنة من عامة الشعب ومن الكهنة الفينيقيين – وليس من اللاويين حسب أوامر حاخامات اليهود من كهنة يهوه وغيره كاحتكار رباني حصري لهم منحوه هم لأنفسهم بأنفسهم، والذين تهددت ثروتهم ونفوذهم – فحرَّضوا ضده نبيهم إيليا لبث الأراجيف بغية التوقف عن اتخاذ بعل إلهاً قومياً، ولكنه لم يفلح في سعيه ذاك، وتم نفيه خارج المملكة. غير أن ابن آخاب: الملك يهورام (حوالي 849-842 ق.م.) أعاد عبادة العجلين الذهبيين اللذين كان سلفه الملك يربعام (حوالي 931- 912 ق.م.) قد أمر شعبه بعبادتهما، وقَبِل شعبه بهما عن طيب خاطر. واستمرت العبادة الوثنية على هذا المنوال في مملكة إسرائيل الشمالية حتى تاريخ سقوطها.
ويصف أحد كتاب الغربيين نهاية هاتين الدولتين اليهوديتين فيقول: ".. هي قصة ملوك همج يحكمون شعباً من الهمج، حتى إذا وافت سنة 721 قبل الميلاد محت يد الأسر الآشوري مملكة إسرائيل من الوجود، وظلت مملكة يهوذا تكافح حتى أسقطها البابليون سنة 586 قبل الميلاد".
المصدر:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D8%AD%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D9%85_%D8%A8%D9%86_%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86

هذا، وقد نصب سرجون الثاني (722-705)، الملك الآشوري الذي غزا مملكة إسرائيل الشمالية في نهاية العهد الملكي المبكر لليهود، لوحةً تذكاريةً - تسمى موشور نمرود )د( - تُحصي أصنام" الآلهة التي وثقوا بها" من بين الغنائم التي غنمها الآشوريون من السامرة، عاصمة مملكة إسرائيل الشمالية السابقة. في هذه اللوحة إشارة إلى الأصنام القيّمة التي كانت تخص آلهة بني إسرائيل.
المصدر:
The Nimrud Prism, D (= ND 2601+3401+3417) and E (= ND 3400+3402+3408+3409) ― Cyril John Gadd, “Inscribed Prisms of Sargon II from Nimrud,” Iraq 16 (1954): 179–80, col. iv, ll. 37–39 (trans. Becking, The Fall of Samaria, 28–30)

يُتبع، لطفاً.



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (7)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (6)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (5)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (4)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (3)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (2)
- عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (1)
- الحلم بالجمال السامي لدى الشاعرة ديلان تمّي: تعليق وترجمة
- -ألصابئون في القرآن الكريم- للأستاذ المتمرس الدكتور عبد اللط ...
- عربة حكومة ولاية بَتّيخ
- ما قُربَ الهجوم القادم لجيش الكيان الصهيوني على غزة؟ (2-2)
- ما قرب الهجوم القادم لجيش الكيان الصهيوني على غزة؟ (1-2)
- إعلان وفاة
- الدرس الأول للعام الدراسي الجديد
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (7-7)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (6)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (5)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (4)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (3)
- ملاحظات عن اشتراكية الصين (2)


المزيد.....




- قمة -تسوغشبيتسه- الأعلى في ألمانيا تستعيد صليبها المذهب استع ...
- من تركيا.. بابا الفاتيكان يندد بإساءة استخدام الدين لتبرير ا ...
- بعد مجزرة بيت جن.. الجماعة الإسلامية بلبنان تُكذّب رواية تل ...
- في اليوم الثاني من زيارته لتركيا... البابا يدعو إلى الوحدة ب ...
- إيهود أولمرت لـCNN عن أعمال العنف في الضفة الغربية: ما يحدث ...
- 60 ألفًا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- في يومه الثاني بتركيا.. البابا ليو الرابع عشر يجول على الكنا ...
- إيهود أولمرت لـCNN: من يحرق بساتين زيتون الفلسطينيين يمكنه ح ...
- بودابست: اللجنة الرئاسية تشارك في ندوة حول واقع المسيحيين في ...
- بابا الفاتيكان في تركيا : ما أبعاد الزيارة التاريخية ؟


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علوان حسين - عبد الحسين سلمان عاتي والإبادة الجماعية لمصادر التاريخ (8)