أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - معادلة التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية: الاحتواء النشط والضم البطي














المزيد.....

معادلة التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية: الاحتواء النشط والضم البطي


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 14:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تستمر الضفة الغربية في العيش تحت وطأة تحول استراتيجي إسرائيلي عميق، يحمل في طياته تناقضاً واضحاً يجسد جوهر المرحلة الراهنة. فمن جهة، يعلو خطاب سياسي داخلي متطرف يضع الضفة في صلب مشروع "إسرائيل الكبرى" ويحثّ صراحة على الضم وتقويض أي أفق لإقامة الدولة الفلسطينية، وفضلاً عن أن هذا الخطاب لم يعد حبيس الصالونات السياسية، بل بات يُترجم على الأرض عبر تشريع وتنفيذ حملة استيطانية غير مسبوقة وتمكين منهجي للميليشيات الاستيطانية المسلحة، وعمليات عسكرية مكثفة في مدن الضفة الغربية تتجلى ذروتها في المدن الشمالية مثل طوباس وجنين، فإنه يهدف إلى خلق واقع جديد من القلق الجمعي واختبار حدود الصمود الفلسطيني. ولكن، ومن جهة أخرى، تكشف التحليلات الواقعية للقدرات والجاهزية الإسرائيلية أن هذا الخطاب، الذي يعكس مساراً تصعيدياً محكوماً بسقف تنفيذي مركّب، يتحول من مشروع مواجهة شاملة إلى استراتيجية أكثر تعقيداً يمكن وصفها بـ"الاحتواء النشط" أو "التغيير البطيء للواقع".

ويكمن أساس هذا السقف في طبيعة الواقع الداخلي الإسرائيلي نفسه. فالمجتمع الإسرائيلي، وإن صار أكثر نزوعاً نحو اليمين أكثر فأكثر وخلف وراءه تشاؤماً عميقاً حيث لا يؤمن سوى 21% من مواطنيه بإمكانية قيام دولة فلسطينية مجاورة، إلا أنه مجتمع منهك ومنقسم يعاني أوجهاً متعددة من الهشاشة والتناقض. إذ أظهرت الحرب المستمرة في غزة والتوتر على الحدود الشمالية مع حزب الله وكلفتها البشرية والنفسية العالية تراجعاً ملحوظاً في مستويات الدعم الشعبي للمغامرات العسكرية الطويلة. والأهم من ذلك أن المؤسسة العسكرية، وهي أداة التنفيذ الأساسية لأي مواجهة كبرى، تواجه أزمة موارد بشرية حادة مع نقص يُقدَّر باثني عشر ألف جندي، ناهيك عن الانقسام المجتمعي العميق حول قضايا جوهرية مثل تجنيد طائفة الحريديم التي تمثل عشرات الآلاف من الشباب المعفيين من الخدمة. هذه العوامل مجتمعة تجعل فتح جبهة عسكرية ثالثة واسعة النطاق وطويلة النفس في الضفة الغربية مغامرة غير محسوبة أو مضمونة العواقب بالنسبة لصنّاع القرار في تل أبيب، حتى لو تعالت حدة الخطاب السياسي الرسمي الذي يوحي بغير ذلك أكثر مما هي عليه الآن.

لذلك، فإن الاستراتيجية الفعلية للحكومة الإسرائيلية التي تتعزز حالياً، والتي أخذت طريقها إلى التنفيذ على الأرض في هذه المرحلة، تتوخى العمل الدقيق على حل واقعي لهذا التناقض. إذ بدل خوض مواجهة مفتوحة، تعتمد إسرائيل في الظروف الراهنة على ترسانة من الأدوات ذات "التكلفة المنخفضة" نسبياً لتحقيق أهدافها التراكمية. وفي مقدمة هذه الأدوات تأتي العمليات العسكرية "الجراحية" المحدودة كما حدث في طوباس، والتي تكون عنيفة ومباغتة وتهدف إلى تدمير البنى الناشئة لاحتمالات أي شكل من أشكال المقاومة، ولكنها محكومة بزمان ومكان محددين لتجنب الانجرار إلى حرب شاملة. ويُكمل هذا النهج الدور المتعاظم لميليشيات المستوطنين المسلحة، التي تحولت من جماعات ضغط إلى ذراع تنفيذي شبه رسمي مهمته خلق نقاط احتكاك دائمة وفرض واقع للتطهير العرقي البطيء في المناطق الهشة، كل ذلك تحت حماية الجيش الإسرائيلي. وهذا بدوره يرتبط عضوياً بآلة التغيير الديموغرافي والقانوني البطيء التي لا تتوقف، عبر مصادرة الأراضي وتسريع البناء الاستيطاني وتكريس نظام قضائي مزدوج، بهدف تقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية إلى كانتونات معزولة وخلق واقع لا عودة فيه، وبما يحقق الحلم الإسرائيلي وتحديدا اليمين منه في منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة .

غير أن هذه الاستراتيجية، رغم ما تبدو عليه من "واقعية" من وجهة نظر إسرائيلية قصيرة المدى، لا تخلو من مخاطر جسيمة قد تفلت من سيطرة مهندسيها. فأول هذه المخاطر هو احتمال انفجار شعبي عفوي وغير متوقع في ظل استمرار التصعيد الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني ،حيث إن كثرة نقاط الاحتكاك وانتشار السلاح بين المستوطنين قد تؤدي إلى حادث كبير يدفع الجميع، رغماً عنهم، نحو مواجهة لم يكونوا مستعدين لكلفتها. وثانيها هو التآكل المتعمد والممنهج لقدرات وهيكلية السلطة الوطنية الفلسطينية، والذي قد يخلق فراغاً أمنياً وسياسياً خطيراً تندفع لملئه فصائل أكثر تشدداً وعنفاً، مما يعيد المنطقة إلى مربع المواجهة المباشرة التي يسعى الإسرائيليون إلى تجنبها. وأخيراً، هناك التكلفة الدولية المتصاعدة، حيث تستمر هذه الممارسات في تقويض شرعية إسرائيل في المحافل الدولية، ودفع المزيد من الدول نحو الاعتراف الفعلي بدولة فلسطين وفرض أشكال مختلفة من العقوبات، مما يزيد من العزلة الدولية ويحدّ من هامش المناورة لديها.

ويبقى أن نقول إن ملامح استشراف مستقبلي لمسار ووجهة الأحداث القادمة، في المدى المنظور على الأقل، لن تتجه نحو تكرار سيناريو غزة في الضفة الغربية بصورته الكلاسيكية من حرب شاملة واسعة النطاق. بل الأرجح أن تستمر إسرائيل في نهجها المزدوج: خطاب سياسي متطرف يرضي القاعدة الأيديولوجية ويحافظ على زخم المشروع الاستيطاني، وممارسة ميدانية حذرة ومقيدة تراعي حدود الجاهزية العسكرية والاستقرار الداخلي والضغوط الخارجية. وعليه، فإن الضفة الغربية لن تشهد لحظة انفجار كبرى وحاسمة بالضرورة، ولكنها ستغرق أكثر في واقع مرير من الصراع الوجودي المنخفض الحدة والبطيء، حيث تحاول إسرائيل فرض أمر واقع نهائي عبر التآكل اليومي، بينما يواجه الفلسطينيون تحدي الصمود في جغرافيا تتقلص وتنفصم روابطها، والتأسيس لأدوات مقاومة جديدة تلائم طبيعة هذه المعركة غير المتكافئة والممتدة.



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استمرار الانكشاف الأمني ل -حزب الله ودلالاته على جاهزيته الق ...
- قمة بن سلمان ترامب الاحتمالات الاكثر ترجيحا
- عندما تتغيّر سوريا... هل يتغيّر الشرق الأوسط
- الدور التركي في الترتيبات الامريكية لما بعد الحرب على غزة
- السلام الامريكي للشرق الاوسط في معادلة الصراع على الهيمنة
- بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام ال ...
- اذا رغبت السعودية استطاعت
- الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة
- بيان قمة الدوحة: الادانة الشديدة وانعدام الاليات
- قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...
- هل تكون السويداء مخبر القادم؟؟
- سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .
- التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...


المزيد.....




- - تنافس لندن وبرلين على التفوق العسكري، يزيد من نقاش أولويات ...
- -خطر على الأمن القومي-.. جدل في إسرائيل بعد تعيين غوفمان على ...
- 30 مليار يورو.. كاتس وسموتريتش يتفقان على ميزانية دفاع قياسي ...
- صعوبات جمة تواجه العائدين لسوريا أبرزها دمار المنازل والبنية ...
- أمهات يروين معاناتهن.. تشوهات خلقية نادرة لأطفال غزيين وُلدو ...
- بلدية غزة تحذر من كارثة صحية وبيئية بسبب نفاد الوقود
- اللامركزية المجهَضة في تونس
- مودي وبوتين يعززان العلاقات بين بلديهما بمواجهة الضغوط الأمي ...
- تصاعد الاشتباكات بكردفان ومجلس السيادة يتمسك بإقصاء الدعم ال ...
- جزيرة الجبيل.. مجتمع مثالي يوازن بين السكن والعمل والراحة


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - معادلة التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية: الاحتواء النشط والضم البطي