أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الاشتراكية في الولايات المتحدة















المزيد.....


الاشتراكية في الولايات المتحدة


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 14:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بقلم: ديفيد دوهالدي*
ترجمة: حازم كويي
الجزء الأول

مقدمة
هذه الدراسة موجَّهة إلى جميع المهتمين بأكبر منظمة اشتراكية في الولايات المتحدة، وهي منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا (DSA). إن معرفة أصول هذه المنظمة، والنقاشات التي دارت فيها حول النقابات والسياسة الانتخابية، تقدّم رؤى قيّمة حول توجهاتها المستقبلية – خصوصاً عند مقارنتها تحليلياً بسابقتها، الحزب الاشتراكي الأمريكي (SP). كما تهدف هذه الدراسة إلى توضيح الكيفية التي تؤثر بها تاريخ الحركة الاشتراكية في الولايات المتحدة في تطور الأحداث داخل منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا اليوم.

إن تدفّق الأعضاء الجُدد وتكرار تغيّر القيادات في منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا خلال السنوات الأخيرة جعلا الحفاظ على الذاكرة التاريخية والمؤسسية أمراً صعباً. ولم يكن هذا الحال دائماً. فعندما انضممتُ إلى المنظمة في مطلع الألفية الجديدة، لم يكن معدل تبدّل الأعضاء والقيادات مرتفعاً، بل كان هناك وعيٌ جماعي عميق بالتاريخ يدعم استمرارية المؤسسة. لكن الاستقرار والهوية الذاتية للمنظمة كانا أيضاً انعكاساً لهامشيتها وطابعها الشبيه بالفرق الصغيرة (المنغلقة)، فضلاً عن تأثيرها الضئيل جداً على السياسة الأمريكية. أما اليوم، فقد أصبحت منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا على مختلف المستويات قوة سياسية ذات أهمية حقيقية على الصعيد الوطني.
إن العصر الاشتراكي الجديد، في جوانب كثيرة، ما زال يتشكّل من القوى والأفكار التي سبقته. وبالنسبة للاشتراكية الأمريكية، يمكن القول إنه على مدى قرن من الزمن بقيت العناصر الأساسية كما هي – تغيّر فقط الممثلون والمشاهد. غير أن التجارب التاريخية المهمة التي قد تحتاجها الأجيال الجديدة تُنسى بسهولة. كما يمكن أن تُطغى دروس الماضي على أنماط التفسير والسرديات السائدة، رغم محدودية قيمتها المعرفية للحاضر. ومن هنا، جعلت هذه الدراسة من مهمتها الكشف عن تلك الدروس التاريخية وإعادة إبرازها.
تاريخ موجز للحزب الاشتراكي و"الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا"

الحزب الاشتراكي
تأسس الحزب الاشتراكي الأمريكي (SP) عام 1901 في مدينة إنديانابوليس بولاية إنديانا، نتيجةً لاندماج الحزب الديمقراطي الاجتماعي مع عدد من الأعضاء السابقين في حزب العمل الاشتراكي.
شهد الحزب خلال العقد التالي نمواً سريعاً، حتى بلغ عدد أعضائه عام 1912 نحو 120 ألف عضو – وهو ما يعادل اليوم، إذا ما قورن بعدد سكان الولايات المتحدة الحالي، قرابة نصف مليون شخص.
حقق الحزب أكبر تأثير له خلال العقدين الأولين من تأريخه، تحت قيادة شخصيات بارزة من الحركة النقابية تبنّت خطاً سياسياً يعتمد على العمل الانتخابي.
وقد ضمّت هذه القيادة شخصيات ذات رؤى مختلفة حول اتجاه الحركة الاشتراكية، من أبرزهم:
يوجين ديبس، فيكتور بيرغر، موريس هيلكويت، بيل هايوود، ئالام جونز، وكيت أوهير.
نجح الحزب في إيصال المئات، بل الآلاف من أعضائه إلى المناصب السياسية.
كما ساهمت النزاعات العمالية التي خاضها في إنشاء اتحادات نقابية قوية استطاعت أن تربط ملايين العمال بالصراع الطبقي وتعبّئهم ضمن الحركة الاشتراكية.
لكن المعارضة الصريحة والحازمة التي أعلنها الحزب ضد الحرب العالمية الأولى أدّت إلى قمع سياسي شديد لم يتمكّن الحزب من التعافي منه بشكل كامل.
ورغم أن يوجين ديبس حصل في الانتخابات الرئاسية لعام 1920 على قرابة مليون صوت – من داخل السجن الذي أودعته فيه الحكومة الفيدرالية بسبب خُطَبه المناهضة للعسكرة – فإن الحزب كان قد دخل في مرحلة تراجع واضحة خلال عشرينيات القرن العشرين.
ومن مظاهر هذا التراجع أيضاً محاولته الفاشلة في منتصف العقد لتأسيس حزب تقدّمي أوسع نطاقاً ((Progressive Party.
في ثلاثينيات القرن العشرين، لم يتمكّن الحزب من الحفاظ سوى على مراكز نفوذ محدودة في بعض المناطق الحضرية، وذلك بسبب تغيّر تركيبته الديموغرافية.
فبعد أن كان يضمّ نسبة كبيرة من الأعضاء المولودين في الولايات المتحدة ويتمتع بحضور قوي في المجتمعات الريفية، أصبح الآن حزباً يغلب عليه الطابع الحضري، وتكوّن أساساً من المهاجرين وأبناء الجيل الأول منهم.
خَلَف نورمان توماس الزعيم يوجين ديبس كمتحدث وطني باسم الحزب، وقد حصل في الانتخابات الرئاسية لعام 1932 أيضاً على ما يقارب المليون صوت.
إلا أن عصر "الصفقة الجديدة" (New Deal) كان بشكل عام غير ملائم للحزب الاشتراكي.فقد بدأ الحزب يفقد الكوادر المُتمرّسة، دون أن يتمكّن في المقابل من إستقطاب أعضاء جدد.
اختار الكثير من الاشتراكيين دعم سياسات فرانكلين روزفلت، أو انجذبوا إلى تنظيمات أكثر فاعلية ونزعةً نضالية مثل الحزب الشيوعي الأمريكي، وهو المنافس الرئيسي للحزب الاشتراكي في تلك الفترة.
كما أدّت الصراعات الداخلية، ومن بينها محاولة فاشلة من قبل مجموعة تروتسكية للسيطرة على الحزب، إلى إضعافه أكثر فأكثر.
ومع ذلك، ظل الحزب وأعضاؤه يلعبون دوراً مهماً في النضالات العمالية والحركات الاجتماعية.
فقد كان الاشتراكيون من المؤسسين الرئيسيين للجمعية الوطنية لتقدّم الملوّنين (NAACP)،
كما شاركوا بعد عقود لاحقة بنشاط في نضالات حركة الحقوق المدنية.
ومن بين أعضاء الحزب البارزين في تلك المرحلة نقابيون سود معروفون مثل فيليب راندولف، بينما وضع بايارد رَستِن البرنامج الاقتصادي لمسيرة واشنطن عام 1963،وهي المسيرة التي ألقى فيها الدكتور مارتن لوثر كينغ الابن – الذي كان في حياته الخاصة يعتبر نفسه أيضاً اشتراكياً ديمقراطياً – وخطبته الشهيرة «لديّ حلم» (I Have a Dream).
منذ الخمسينيات، توقّف الحزب الاشتراكي الأمريكي (SP) عن تقديم مرشحين للرئاسة.
وكان من بين القليل من المنظمات اليسارية المعروفة التي لم تشهد نمواً يُذكر حتى خلال مرحلة النهوض المناهض للرأسمالية في الستينيات.
فقد بات الحزب الصغير يستمدّ نفوذه فقط من المناصب التي يشغلها أعضاؤه داخل النقابات العمالية أو المؤسسات الحكومية،ومن خلالها حاول أن يؤثر في صياغة السياسات العامة.
لكن الدور الذي لعبه بعض القادة الاشتراكيين داخل الحركة النقابية، إضافةً إلى التحالفات التي عقدوها هناك،كان يتعارض مع الموقف السلمي المبدئي الطويل الأمد للحزب،إذ إن العديد من النقابات الأمريكية آنذاك كانت تؤيد حرب فيتنام.
وباختصار، فإن الحزب الذي نجا من إنقسامات عديدة ومن حملات قمع حكومي وجد نفسه في منتصف الستينيات أمام أزمة وجودية:
هل يتحالف مع القوى الليبرالية والنقابية المؤيدة للحرب،أم ينضم إلى الحركات التقدمية الأخرى الداعية إلى السلام ويؤيد التيارات المناهضة للحرب؟

اللجنة التنظيمية للاشتراكيين الديمقراطيين (DSOC) وحركة أمريكا الجديدة (NAM)

في عام 1972 غيّر الحزب الاشتراكي الأمريكي اسمه إلى الاشتراكيون الديمقراطيون في الولايات المتحدة (Social Democrats USA – SDUSA)، واستمر بهذا الاسم حتى عام 2007.
وفي عام 1973، انسحب مايكل هارينغتون – أحد الرؤساء المشاركين الثلاثة للمنظمة – مع عدد من الأعضاء من SDUSA احتجاجاً على استمرار دعمها لحرب فيتنام.وسرعان ما انضم إليهم آلاف الأعضاء الآخرين، ليؤسسوا معاً اللجنة التنظيمية للاشتراكيين الديمقراطيين (Democratic Socialist Organizing Committee – DSOC).
أعتمدت هذه اللجنة في عملها على ما عُرف بـ استراتيجية "إعادة الاصطفاف" (Realignment Strategy)،التي هدفت إلى إبعاد القوى الرجعية داخل الحزب الديمقراطي ومن أجل تحويله إلى حزب أكثر تقدمية – وذلك من خلال العمل من داخله، والمشاركة في الانتخابات التمهيدية، وبناء شبكات بين النقابات والحركات الاجتماعية.
في المقابل، شكّلت مجموعة أخرى، من بينهم فرانك زايدلر– آخر عمدة اشتراكي لمدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن – الحزب الاشتراكي الأمريكي الجديد (Socialist Party USA)،الذي ما زال قائماً حتى اليوم،لكنّه لم يتمكن خلال العقود الماضية إلا من تحقيق عدد محدود جداً من المقاعد المنتخبة.
في عام 1980، لعبت اللجنة التنظيمية للاشتراكيين الديمقراطيين (DSOC) دوراً محورياً في دعم ترشّح السيناتور تيد كينيدي ضد الرئيس آنذاك جيمي كارتر في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي،وقد خسر كينيدي بفارقٍ ضئيلٍ فقط.
ومن خلال التحالف الواسع المعروف باسم "الأجندة الديمقراطية" (Democratic Agenda)،تمكّنت اللجنة التنظيمية للاشتراكيين الديمقراطيين في أوائل الثمانينيات من تأسيس قاعدة اشتراكية داخل الحزب الديمقراطي،وكذلك في النقابات المتحالفة معه وداخل المجموعات التقدمية الأخرى.
لكن ما عُرف بـ"ثورة ريغان" (Reagan Revolution) وصعود المناخ السياسي المحافظ المتزايد في البلاد أدّيا إلى كبح الكثير من هذه المكاسب وإضعاف الزخم الاشتراكي مرة أخرى.
في عام 1982، اندمجت اللجنة التنظيمية للاشتراكيين الديمقراطيين مع حركة "أمريكا الجديدة" (New American Movement – NAM)،وهي منظمة ديمقراطية اشتراكية ناشطة، كانت قد تأسست على يد شيوعيين سابقين وقدامى حركة "الطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي" (Students for a Democratic Society – SDS).ونتج عن هذا الاندماج تأسيس منظمة جديدة حملت اسم "الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا" (Democratic Socialists of America – DSA).

الاشتراكيون الديمقراطيون في أمريكا (DSA)
على مدى أربعة عقود، عملت منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا باستمرار على بناء حضورٍ اشتراكي ديمقراطي فعّال في الولايات المتحدة.
وكما حدث مع العديد من المنظمات الاشتراكية والمناهضة للرأسمالية الأخرى،فقد شهدت المنظمة خلال العصر النيوليبرالي تراجعاً في عدد أعضائها ونفوذها السياسي.
ومع ذلك، ظلت منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا – على الأقل من الناحية الشكلية – أكبر منظمة اشتراكية في الولايات المتحدة،واستطاعت أن تضم في صفوفها أو بين مؤيديها شخصيات بارزة ومفكرين معروفين مثل كورنيل ويست وباربرا إهرنرايش .
وقد ساهمت هذه الأسماء في منح المنظمة شهرة وطنية واسعة بعد وفاة مايكل هارينغتون عام 1989.
كانت المنظمة صغيرة الحجم، ذات بنية ديمقراطية وتنوع داخلي ملحوظ،لكنّ فهمها لمفهوم الاشتراكية الديمقراطية وللبرامج السياسية الممكنة لتحقيقها كان ضيقاً ومحدوداً نسبياً –إلى أن جاءت الحملة الرئاسية الأولى لـ بيرني ساندرز، التي غيّرت هذا الواقع ووسّعت أفقها السياسي.
بعد فوز دونالد ترامب الأول في الانتخابات الرئاسية، شهدت منظمة الاشتراكيين
الديمقراطيين في أمريكا تحولاً جذرياً،فبعد أن ظلّ عدد أعضائها لسنوات طويلة يتراوح بين خمسة آلاف وسبعة آلاف عضو فقط،انضم خلال فترة قصيرة آلاف الأعضاء الجُدد دفعة واحدة.وخلال أشهر قليلة، ارتفع عدد الأعضاء إلى نحو عشرة آلاف،وفي عام 2017 وصل إلى 25 ألفاً،وبحلول الانتخابات الرئاسية لعام 2020 تجاوز العدد 90 ألف عضو.
ومع انضمام الاشتراكيين الجُدد وأفكارهم المتجددة، شهدت المنظمة نمواً ليس فقط من حيث الحجم، بل أيضاً من حيث النوعية ــ سواء على مستوى التصورات السياسية أو تنوع الأنشطة والاستراتيجيات.
أصبحت منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا اليوم فاعلاً سياسياً مؤثراً وحقيقياً:
فهي تضم نواباً في الكونغرس الأمريكي ومئات الممثلين المنتخبين على المستويين المحلي والولايات،وتتمتع بقدرة ملموسة على التأثير التشريعي في مجموعة واسعة من القضايا.
ومن اللافت أن قيادتي الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة (الديمقراطي والجمهوري)
تصفان المنظمة بشكل متكرر بأنها تحدٍ مباشر أو حتى تهديد لأجندتيهما السياسيتين.

الجذور التاريخية لنقاشاتنا لحركة "الطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي" SDS)) وما بعدها:
تنطلق هذه الدراسة من السؤال حول سبب مقارنة منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا مراراً وتكراراً بمنظمات يسارية أخرى، رغم أن هذه المنظمات ليست متشابهة معها في الواقع.
نادراً ما يتم استخدام الحزب الشيوعي الأمريكي (Communist Party USA) كمقارنة، نظراً لأن هيكله الديمقراطي المركزي وانضباطه الحزبي الصارم سابقاً لا يشبهان بأي شكل منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا.
وعلى العكس، غالباً ما يتم اللجوء إلى مقارنة منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا بحركة الطلاب من أجل مجتمع ديمقراطي،غالباً مع تحذيرات مفادها أن SDS قد تمزقت بفعل الصراعات الداخلية داخل الفصائل.
ومع ذلك، فإن النزاعات العامة داخل منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا والتي تشهد صراعات بين تياراتها المختلفة تتشابه مع الديناميكيات الانفصالية التي دمرت SDS على نحو سطحي فقط.
فكثير من الأعضاء القدامى في منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا ، الذين عايشوا تجربة SDS،يمنحون هذه المقارنات وزناً أكبر مما تستحقه فعلاً،ويغفلون الاختلافات الجوهرية بين المنظمتين.
أولاً، على الرغم من أن منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا تضم في الغالب شباباً،إلا أنها منظمة عابرة للأجيال وليست، كما كان SDS، مقتصرة على الجامعات فقط.
ثانياً، رغم أن كلا المنظمتين تتسمان بانخفاض العوائق أمام الانضمام،إلا أن الطيف السياسي لـ منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا أضيق بكثير من حركة الطلاب آنذاك.
ويضيف ميشائيل كازين، مؤرخ اليسار الأمريكي وعضو سابق في SDS،أن المقارنة بين منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا وSDS غير دقيقة وغير مفيدة للتعلم.
ففي حديثه لهذا المقال، أشار إلى أن منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا اليوم، رغم كل الأزمات الداخلية، موجودة تقريباً بنفس مدة SDS قبل انهياره.

تشبيه تاريخي أكثر دقة: الحزب الاشتراكي قبل الحرب الباردة
تشير الدراسة هنا إلى أن تشبيهاً أكثر دقة تاريخياً لمنظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا الجديدة هو الحزب الاشتراكي الأمريكي قبل الحرب الباردة.
فالمسافة الزمنية عن الصراع بين المعسكرين تمثل أحد أوجه الشبه الأساسية بين المنظمة الحالية والحزب الاشتراكي القديم (خصوصاً في عهد يوجين ديبس).
وقد أشار المؤرخ جيمس وينشتاين إلى هذا الأمر في عام 2003 في كتابه "التحويلة الطويلة " (The Long Detour)، أي بعد أكثر من عقد على انهيار الاتحاد السوفييتي.
وهو يجادل بأن وجود الاتحاد السوفييتي والتيار المعادي للشيوعية في الولايات المتحدة كانا يضعان قيوداً صارمة على الاشتراكيين الديمقراطيين لفترة طويلة، سواء في استقطاب الأعضاء أو توسيع نفوذهم السياسي.
ومن ناحية أخرى، كان غياب "التهديد الشيوعي" الذي يهيمن على المناخ الداخلي بمثابة ظرف مساعد نسبياً للحركة الاشتراكية في الولايات المتحدة.
فقد أتاح لها هذا الأمر، على نحو غير مباشر وعلى مدى طويل من الزمن، إعادة الارتباط بالبنى السابقة ونفوذها السياسي منذ أكثر من مئة عام.
ويظهر هذا بشكل واضح في نتائج الانتخابات وفي تأثيرها المجتمعي الذي تجلّى من خلال نشاطها حول القضايا النقابية وغيرها من ميادين الصراع الاجتماعي.
وقد أشار وينشتاين في كتابه عام 2003 إلى عنصر أساسي، وهو مشاركة الاشتراكيين في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية للحصول على المناصب السياسية.
وبعد اثني عشر عاماً من نشر الكتاب، قام بيرني ساندرز بذلك بالضبط، ومنذ ذلك الحين تبعته مئات الترشيحات التي اعتمدت على دعم منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا.
يهدف هذا النص إلى إظهار أن الحركة الاشتراكية دائماً كانت مليئة بالنقاشات،لكن في المنظمات مثل الحزب الاشتراكي (SP) أو منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا ،حيث كانت هناك في الغالب قضية مركزية واحدة تهيمن على النقاشات.
بالنسبة للحزب الاشتراكي قبل الحرب الباردة، كانت المسألة الاستراتيجية المتعلقة بالعلاقة مع حركة العمال والنقابات تهيمن على النقاش لفترة من الوقت.
لاحقاً، في الستينيات والسبعينيات، أدى الخلاف حول حرب فيتنام إلى أزمة وجودية للحزب، انتهت بانهياره في النهاية.
أما في منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا اليوم، فلا يوجد إجماع حول مسألة تأسيس حزب عمالي أو اشتراكي مستقل،ولا حول كيفية أو توقيت ذلك، أو ما إذا كان ينبغي الاستمرار في ترشيحات الأعضاء من خلال الحزب الديمقراطي.
ومن اللافت أن الاستراتيجيات الانتخابية والسياسات النقابية لا تزال حتى اليوم المجالات الأساسية للصراع داخل المنظمة،وهي موازية واضحة لما كان يحدث في الحزب الاشتراكي القديم (SP).
يقارن هذا البحث المُحاججة بين الحزب الاشتراكي القديم (SP) والاشتراكيين الديمقراطيين الجُدد في أمريكا في ثلاثة مجالات موضوعية:العمل والنقابات ـ السياسة الانتخابية ـ السياسة الداخلية ومسائل التنظيم.
في القسم الخاص بـ العمل والنقابات، أجادل بأن منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا الجديدة، رغم أن استراتيجيتها التنظيمية وتركيزها على النقابات تختلف عن سياسات منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا القديمة،إلا أنها تتمتع، بخلاف الحزب الاشتراكي القديم، بتوافق أوسع حول ضرورة أن تصبح النقابات القائمة أكثر نضالية وديمقراطية.
في الحزب الاشتراكي الأمريكي كان هناك جدل حاد حول ما إذا كان العمل التنظيمي يجب أن يحدث خارج النقابات الكبرى وما إذا كان يجب تأسيس نقابات جديدة بالكامل.
في القسم الثاني، أُظهر أن النقاش حول دور المرشحين والانتخابات والممثلين المنتخبين في منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا مشابه للنقاش الذي دار في SP قبل مئة عام،إلا أن الآراء اليوم متباينة بشكل أكبر بكثير.
ففي منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا لا يوجد اتفاق فقط حول كيفية الانفصال عن الحزب الديمقراطي، بل حتى حول ما إذا كان الانفصال ضرورياً أصلاً.
في المقابل، كان هناك في الحزب الاشتراكي الأمريكي توافق شبه كامل على أن المرشحين يجب أن يُطرحوا خارج "الأحزاب التقليدية"، أي الديمقراطيين والجمهوريين.
في القسم الأخير، سأوضح أن التنوع الكبير في المواقف داخل المنظمة اليوم يتماشى تماماً مع تقاليد الاشتراكية الأمريكية.
وأطروحتي هي أن كل من الحزب الاشتراكي الأمريكي و منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا يجب فهمهما ليس كمنظمات مستقلة متماسكة، بل كتحالفات من التيارات الاشتراكية والمجموعات والمصالح المختلفة.
وأبرز هنا حجتي، هي أن فهم الصراعات الداخلية في الحزب الاشتراكي الأمريكي قبل أكثر من مئة عام يمكن أن يقدم مؤشرات أوضح بكثير حول مسار التوترات داخل منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا اليوم مقارنةً مع SDS.
وبهذه الطريقة، يمكن أيضاً تفنيد المخاوف القائلة بأن منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا منقسمة إلى حد لا يمكن إصلاحه وأن ذلك سيؤدي إلى فشلها.
كما سأبين، من أن الثقافة الصحية للنقاش – التي تكون أحياناً حادة وممتدة – كانت دائماً جزءاً أساسياً من طبيعة الحركة الاشتراكية الأمريكية.
أود أيضاً أن أؤكد أن هذا البحث ليس مخصصاً لتقديم تاريخ شامل لمنظمة DSA أو الحزب الاشتراكي، ولا يدّعي ذلك.فمثلاً، لم يتم التطرق إلى خطوط الانقسام التي ظهرت نتيجة حرب فيتنام.
ويركز النص على الفترة قبل وبعد الحرب الباردة.
لقد حاولت أن أكون موضوعياً قدر الإمكان وأن أغطي أكبر قدر ممكن من الموضوعات،
ومع ذلك، من المؤكد أنني لم أتناول بعض التيارات والفصائل والتحالفات الداخلية ـ وأعتذر مقدماً عن ذلك.
ومن منطلق الإنصاف، ولكي لا أُضخم أي شخص ضمن منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا بشكل مُبالغ فيه،ركزت في الدراسة، إلى جانب عدد قليل من الممثلين المنتخبين حالياً ورؤساء المنظمة المشاركين، على الشخصيات التاريخية.(1)

(1)توضيح: أناعضو في كتلة الأغلبية الاشتراكية (Socialist Majority Caucus) ضمن منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا.ومع ذلك، لأغراض هذا البحث، تحدثت مع ممثلين من تيارات أخرى، وأعضاء مستقلين وسابقين،لأنني كنت أرغب في استعراض أوسع نطاق ممكن من وجهات النظر.وكان الهدف هو تقديم عرض شامل قدر الإمكان، يمكّن أعضاء منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا ومن هم خارجها على حد سواء من فهم تاريخ المنظمة وحاضرها.

ديفيد دوهالدي*:هو رئيس صندوق الأشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين،وهي منظمة تعليمية غير ربحية شقيقة للحزب الأشتراكي الأمريكي.وهو المديرالسياسي السابق للحزب الأشتراكي الأمريكي.

يتبع



#حازم_كويي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحزاب اليمينية تُحوِّل القسوة إلى أمرٍ عادي
- «الاشتراكية ليست طوباوية – إنها مفعمة بالحياة»
- الجيل زدّ يتظاهر في جميع أنحاء العالم
- الإرث السياسي ل«أفقر رئيس في العالم»
- زهران ممداني: انتصار اشتراكي في نيويورك
- وجهة نظر ماركس عن الديمقراطية
- زوهران ممداني: «الاشتراكي الذي يريد أن يغيّر نيويورك»
- نحن نصنع التاريخ
- العقل يتفوّق على الذكاء الاصطناعي
- -مسألة الحزب-
- الولايات المتحدة والذكاء الاصطناعي: «هيمنة تكنولوجية عالمية»
- الذكاء الأصطناعي، ذكي لكن للأسف غير مربح
- هل تحتاج نظرية الفاشية إلى تجديد؟
- إنجلز: العقل المنظم وراء النظرية الماركسية
- سر التجربة الصينية: من الفقر إلى أضخم طبقة وسطى في العالم
- ماركس نصيرٌ للديمقراطية
- -النرويج تشهد تقدماً لليسار الجذري-
- حزب اليسار الألماني :نحن الأمل
- كارل ماركس كسياسي: «الفرنسيون بحاجة إلى جَلدْ»
- -نيتشه والتمرد: بين النقد الثقافي والتقدّم بعد 125 عاماً-


المزيد.....




- لمواجهة إستحقاقات القرار 2803، يؤكد المكتب السياسي على أهمية ...
- “القضاء الإداري” تنظر طعن أهالي طوسون على إزالة منازلهم
- Why Are We Failing to End One of Humanity’s Oldest and Most ...
- Why CBC Needs a Co-op Revolution
- How Trump Fueled an Affordability Crisis
- Whose Bosnia, Whose Name?  Identity Engineering in a Dayton ...
- Why America Is Removing Thousands of Dams and Letting Rivers ...
- Let Comedians Say Anything: Why Comedy Is Society’s Last Hon ...
- Democrats in Congress Are Out of Touch With Constituents on ...
- How Did We Get Here?—Palestine and the Mandates of Deception ...


المزيد.....

- الإقتصاد في النفقات مبدأ هام في الإقتصاد الإشتراكيّ – الفصل ... / شادي الشماوي
- الاقتصاد الإشتراكي إقتصاد مخطّط – الفصل السادس من كتاب - الإ ... / شادي الشماوي
- في تطوير الإقتصاد الوطنيّ يجب أن نعوّل على الفلاحة كأساس و ا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (المادية التاريخية والفنون) [Manual no: 64] جو ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية(ماركس، كينز، هايك وأزمة الرأسمالية) [Manual no ... / عبدالرؤوف بطيخ
- تطوير الإنتاج الإشتراكي بنتائج أكبر و أسرع و أفضل و أكثر توف ... / شادي الشماوي
- الإنتاجية ل -العمل الرقمي- من منظور ماركسية! / كاوە کریم
- إرساء علاقات تعاونيّة بين الناس وفق المبادئ الإشتراكيّة - ال ... / شادي الشماوي
- المجتمع الإشتراكي يدشّن عصرا جديدا في تاريخ الإنسانيّة -الفص ... / شادي الشماوي
- النظام الإشتراكي للملكيّة هو أساس علاقات الإنتاج الإشتراكية ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - الاشتراكية في الولايات المتحدة