أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - سيكولوجيا الأخبار الكاذبة: تحليل نفسي-اجتماعي لآليات الخداع والتلقي ‏















المزيد.....

سيكولوجيا الأخبار الكاذبة: تحليل نفسي-اجتماعي لآليات الخداع والتلقي ‏


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8545 - 2025 / 12 / 3 - 02:55
المحور: قضايا ثقافية
    


‏سيكولوجيا الأخبار الكاذبة: تحليل نفسي-اجتماعي لآليات الخداع والتلقي

‏مقدمة

‏تُعد الأخبار الكاذبة (Fake News) واحدة من أخطر الظواهر الاتصالية المعاصرة، لما تملكه من تأثير على الرأي العام، وسلوك الأفراد، واستقرار المجتمعات. ومع التحول الرقمي، باتت المعلومات تنتشر بسرعة غير مسبوقة، وتتنافس فيها المصادر الحقيقية مع المصادر الزائفة. لكن السؤال الجوهري هو: لماذا يصدق الناس الأخبار الكاذبة حتى حين تكون مفبركة بوضوح؟
‏يعود ذلك إلى مجموعة من العمليات النفسية العميقة، والانحيازات المعرفية، والدوافع الاجتماعية، التي تجعل الفرد عرضة لتقبّل المعلومات المضللة. يهدف هذا المقال إلى تحليل سيكولوجيا الأخبار الكاذبة، وشرح آلياتها النفسية، وكيفية تأثيرها في السلوك الجمعي.


‏---

‏أولاً: تعريف الأخبار الكاذبة وأشكالها

‏تُعرّف الأخبار الكاذبة بأنها:
‏معلومات مضلّلة أو مختلقة بالكامل، تُقدَّم على شكل خبر صحفي بهدف التأثير في الجمهور، أو تحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

‏وتتخذ عدة أشكال:

‏1. الخبر المفبرك بالكامل


‏2. الخبر المحرّف (تغيير سياق الصورة أو الاقتباس)


‏3. الخبر المضلل بالإطار (اختيار عناوين تحريفية)


‏4. السرديات المؤامراتية


‏5. التضليل عبر الصور والفيديوهات المعدّلة




‏---

‏ثانياً: لماذا نصدق الأخبار الكاذبة؟ — السيكولوجيا العميقة

‏1. الانحياز التأكيدي (Confirmation Bias)

‏يميل الفرد إلى تصديق المعلومات التي تتفق مع آرائه المسبقة، ويتجاهل أو يشكك بالمعلومات المخالفة.
‏الأخبار الكاذبة تُصمّم غالباً لتعزيز ما يعتقده الناس مسبقاً، فتبدو «منطقية» بالنسبة لهم.

‏2. تأثير التكرار (Illusory Truth Effect)

‏كلما تكرّر الخبر، ازداد قبوله، حتى لو كان زائفاً.
‏ذلك لأن الدماغ يربط بين سهولة التذكر والصدق.

‏3. الحاجة إلى تبسيط العالم

‏الدماغ يكره التعقيد، ويميل للبحث عن سرديات بسيطة ومباشرة.
‏الأخبار الكاذبة تقدم «قصة سهلة الفهم» مقارنة بالحقائق المعقدة.

‏4. العاطفة أقوى من العقل

‏الأخبار الكاذبة تعمل على إثارة:

‏الخوف

‏الغضب

‏الاشمئزاز

‏الحماسة
‏ما يؤدي إلى تعطيل التفكير النقدي.


‏5. القطيع المعرفي (Herd Behavior)

‏عندما يرى الفرد أن أصدقاءه يصدّقون خبراً ما، يميل لقبوله كي لا يشعر بأنه خارج المجموعة.
‏هذا جزء من «علم نفس الانتماء».

‏6. ندرة الوقت وكثرة المعلومات (Information Overload)

‏في عصر السوشيال ميديا، لا يملك الناس وقتاً للتحقق من المعلومات، فيلجؤون إلى الاستنتاج السريع.

‏7. سلطة المصدر الموهوم

‏حتى إذا كان المصدر مجهولاً أو غير موثوق، يكفي تقديمه بهوية أو صفة مهنية مزيفة (مثلاً: خبير دولي) لإكسابه مصداقية نفسية.


‏---

‏ثالثاً: آليات انتشار الأخبار الكاذبة

‏1. غرف الصدى (Echo Chambers)

‏في المجموعات المغلقة، يتعرض المستخدم لنفس الأفكار باستمرار، مما يعزز يقينه بأن خطابه هو السائد.
‏هذه البيئة تُخصّب انتشار الأخبار الكاذبة.

‏2. الخوارزميات الرقمية

‏منصات التواصل تروّج للأخبار المثيرة لأنها تزيد التفاعل، بغض النظر عن صدقيتها.

‏3. الافتقار إلى الثقافة الإعلامية

‏الكثير من المستخدمين لا يجيدون التحقق من الصور أو الروابط أو المصدر، ما يجعلهم أكثر عرضة للخداع.


‏---

‏رابعاً: الآثار النفسية للأخبار الكاذبة

‏1. القلق الجمعي

‏الأخبار المفبركة حول المخاطر الصحية أو الحروب تولّد خوفاً جماعياً.

‏2. تعزيز الكراهية

‏تصميم الأخبار الكاذبة حول جماعات أو طوائف يتسبب برفع مستوى العدائية تجاهها.

‏3. الاستقطاب السياسي

‏تساهم في تعميق الانقسام الاجتماعي، وخلق «نحن» مقابل «هم».

‏4. تآكل الثقة

‏تضعف الثقة بالمؤسسات الإعلامية والحكومية، ما يهدد الاستقرار الاجتماعي.


‏---

‏خامساً: طرق مقاومة تأثير الأخبار الكاذبة

‏1. تعزيز التفكير النقدي

‏تعليم مهارات تقييم المصادر وتحليل الأدلة.

‏2. ترسيخ التربية الإعلامية

‏إدخال مهارات التحقق الرقمي في المدارس والجامعات.

‏3. تطوير منصات التحقق

‏مثل Snopes، FactCheck، وغيرها من المبادرات العربية.

‏4. ضبط الخوارزميات

‏تقليل انتشار المحتوى التحريضي والمفبرك عبر التعاون بين الحكومات والمنصات التقنية.

‏5. بناء بيئة إعلامية شفافة

‏كلما زادت الشفافية الرسمية والإحصائية، تراجع الطلب على الأخبار البديلة.


‏---

‏خاتمة

‏تؤكد الدراسات النفسية أن الأخبار الكاذبة ليست مجرد خطأ إعلامي أو معلومة غير دقيقة، بل هي ظاهرة نفسية-اجتماعية معقدة تستغل نقاط ضعف العقل البشري: الانحيازات، العاطفة، الحاجة للتبسيط، والانتماء الجماعي. ولا يمكن القضاء عليها كلياً، لكن يمكن الحد من تأثيرها من خلال التربية الإعلامية، والشفافية، والوعي ضمن المجتمع.
‏فالصراع اليوم ليس بين الحقيقة والكذب فقط، بل بين العقل النقدي والانفعال الجماعي.


‏---

‏المراجـــع

‏مراجع عربية

‏1. شلش، مروان. علم نفس الإعلام والأخبار. القاهرة: دار الفكر العربي، 2020.


‏2. منصور، خليل. التواصل الرقمي والتحولات المعرفية. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2019.


‏3. حمودة، سامي. "سيكولوجيا الإشاعة والأخبار الزائفة". مجلة البحوث الإعلامية، العدد 15، 2021.



‏مراجع أجنبية

‏4. Lewandowsky, S., Ecker, U., & Cook, J. Beyond Misinformation: The Psychology of Fake News. Psychological Science, 2017.


‏5. Pennycook, G. & Rand, D. “The Implied Truth Effect.” Nature Human Behavior, 2020.


‏6. Vosoughi, S., Roy, D., & Aral, S. “The Spread of True and False News Online.” Science, 2018.


‏7. Kahneman, Daniel. Thinking, Fast and Slow. Farrar, Straus and Giroux, 2011.


‏8. Wardle, Claire & Derakhshan, Hossein. Information Disorder. Council of Europe, 2017.




#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏سباق المسافات الطويلة نحو بناء الوطن: من يسبق من... الخطاب ...
- ‏حماية الذاكرة البصرية للمجتمع: إطار نظري ومقاربة تطبيقية ‏
- كيف تغلبت فرنسا على الهزيمة في الحرب الفرنسية البروسية
- ‏أشكال الخطاب التحريضي ضد الآخر: رواندا نموذجًا
- ‏صناعة المعرفة: من إنتاج الحقيقة إلى هندسة الوعي
- ‏صناعة التطرف: آليات التشكيل وأدوات التأثير في المجتمعات الح ...
- فنون وأشكال الإقصاء السياسي: دراسة تحليلية في آليات التهميش ...
- ‏هل سرق الإنترنت براءة الأطفال؟ دراسة نقدية لتأثير الإعلام ا ...
- ‏عندما يصبح التوجّه السياسي Off the Point
- ‏هل تعيد إسرائيل تكرار حرب عام 1967 وتضاعف مساحات الأراضي ال ...
- ‏مخاطر الاقتراض من البنك الدولي
- مراحل للإبادة الجماعية للأقليات
- ‏المؤسسات المالية الدولية: الأنواع — الملكية — العمل — آليات ...
- ك‏يف تُختطف الطوائف؟ جذور الظاهرة وآلياتها وتجلياتها في العا ...
- ‏أهمية الخطاب الديني والفتوى في وقف الحروب الطائفية
- الشركات القابضة: دراسة تحليلية في المفهوم، الأنواع، الفلسفة، ...
- ‏ثقافة الميليشيات وجذور الشر: دراسة تحليلية وتطبيقيّة
- أنسنة الروبوتات... إلى أين؟
- قوانين نُورمبرغ ضد اليهود: دراسة تاريخية – قانونية في سياق ا ...
- سورية وأمريكا وسياسة «الاحتواء» المتبادل: «من يحتوي من؟»


المزيد.....




- بريطانيا تنتقد تأخر دخول المساعدات إلى غزة بعد استغراق وصول ...
- قضية التآمر في تونس: العياشي الهمامي ينشر فيديو بعد اعتقاله ...
- الجزائر - إسبانيا: سانشيز قد يستقبل تبون في مدريد بعد القمة ...
- هل تنشئ فرنسا -وزارة حقيقة-؟
- تقرير أممي: 16 مليون نازح سوري يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجل ...
- في ذكرى 29 نوفمبر 1947: غزة ومقاومتها تقاوم الاحتلال وكل مؤا ...
- ترامب يلغي قرارات العفو التي أصدرها بايدن بالتوقيع الآلي
- ترامب: مهمة الرئيس السوري ليست سهلة.. ولدي ثقة به
- المزارعون اليونانيون يصعّدون إغلاق الطرق على مستوى البلاد
- قطر الخيرية تحفر 73 بئرا لدعم المجتمعات المتضررة من الجفاف ب ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - سيكولوجيا الأخبار الكاذبة: تحليل نفسي-اجتماعي لآليات الخداع والتلقي ‏