أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏عندما يصبح التوجّه السياسي Off the Point















المزيد.....

‏عندما يصبح التوجّه السياسي Off the Point


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 02:45
المحور: قضايا ثقافية
    



‏دراسة تحليلية في انحراف البوصلة السياسية وتفكّك أولويات الحكم


‏---

‏مقدمة

‏يُفترض في العمل السياسي أن يقوم على رؤية واضحة، وبرامج محدّدة، وأولويات واقعية تستجيب لحاجات المجتمع. غير أنّ الممارسة السياسية كثيرًا ما تنحرف عن أهدافها الأساسية، فتصبح “خارج النقطة” أو Off the Point، أي خارج نطاق القضايا الجوهرية التي ينبغي أن تنشغل بها الدولة أو النخبة السياسية. يحدث هذا الانحراف عندما تتحول السياسة إلى مسرح للخطابات الشعبوية، أو سجالات أيديولوجية، أو صراعات سلطة لا علاقة لها بمشكلات الناس الفعلية. عندها يفقد الحقل السياسي بوصلته، ويتراجع الأداء الحكومي، وتتسع فجوة الثقة بين المجتمع والفاعلين السياسيين.

‏تسعى هذه الدراسة إلى تحليل مفهوم Off the Point Politics، وبيان مظاهره، وأسبابه، وآثاره، من خلال إطار نظري مقارن وتجارب تاريخية ومعاصرة.


‏---

‏أولًا: مفهوم التوجّه السياسي Off the Point

‏يشير المفهوم إلى انشغال المؤسسات السياسية بقضايا جانبية أو مصطنعة، وتجاهل القضايا البنيوية التي تمس حياة المواطنين. وفي الأدبيات السياسية، يقترب المفهوم من مصطلحات مثل:

‏السياسة المشتتة Distracted Politics

‏السياسة الرمزية Symbolic Politics

‏السياسة الفارغة Empty Politics

‏سياسات الإلهاء Political Diversion


‏تتقاطع هذه المفاهيم في أنها جميعًا تصف حالة يصبح فيها القرار السياسي بلا اتجاه واضح، أو منقطعًا عن الاحتياجات الحقيقية للمجتمع.


‏---

‏ثانيًا: مظاهر انحراف التوجّه السياسي

‏1. هيمنة الخطاب الشعبوي

‏عندما يطغى الخطاب العاطفي على الرؤية الواقعية، يتحول النقاش العام إلى شعارات، ويبتعد عن السياسات العامة المبنية على الأدلة.

‏2. تصنيع الأعداء والتهديدات

‏تركّز بعض الأنظمة على “خطر خارجي أو داخلي” distractor لتبرير الفشل السياسي. تتكرر هذه الظاهرة في الأنظمة السلطوية والأنظمة الهشة على حدّ سواء.

‏3. التسويق السياسي بدل التخطيط

‏تحلّ الصورة محل البرنامج، والعلاقات العامة محل السياسات الحقيقية، فتصبح الحكومة “شركة إعلانات سياسية”.

‏4. إهمال الإصلاحات البنيوية

‏تنشغل الحكومات بقرارات صغيرة أو رمزية، بينما يتم تجاهل ملفات كبرى مثل التعليم، والعدالة، والفقر، وشفافية المؤسسات.

‏5. الصراعات الحزبية الداخلية

‏تتحول السياسة إلى معركة دائمة على النفوذ بين الفاعلين داخل الحزب أو الجهاز، فيغيب الهدف العام للدولة.

‏6. تضخم الأجهزة الأمنية على حساب الاقتصاد

‏يلجأ النظام إلى تضخيم الملفات الأمنية، مقابل تجاهل التنمية، مما يزيد من فقدان التوازن داخل الدولة.


‏---

‏ثالثًا: الأسباب العميقة لظاهرة Off the Point

‏1. ضعف البنية المؤسسية

‏كلما كانت المؤسسات غير مستقرة، كانت أكثر عرضة للانحراف عن أهدافها، وفقًا لتحليل “دوغلاس نورث” حول المؤسسية والتنمية.

‏2. هيمنة النخبة المغلقة

‏النخب غير المنتخبة غالبًا ما تخلق أجندتها الخاصة، بعيدًا عن الشارع الاجتماعي، ما يؤدي إلى “عزلة القرار السياسي”.

‏3. غياب الرقابة والمساءلة

‏تؤكد أدبيات “الحكم الرشيد” أن غياب المساءلة هو أقوى محفّز لسياسات بلا معنى.

‏4. الضغوط الخارجية

‏التدخلات الدولية أو الإقليمية قد تفرض أولويات لا تتطابق مع احتياجات المجتمع المحلي.

‏5. ضعف الثقافة السياسية

‏في مجتمعات يغيب فيها الوعي السياسي، يسهل على الخطابات الشعبوية أن تهيمن على الساحة.


‏---

‏رابعًا: آثار التوجّه السياسي Off the Point

‏1. تآكل الثقة العامة

‏تظهر استطلاعات الرأي أن فقدان الثقة في المؤسسات يرتبط مباشرة بانحراف السياسات عن أهدافها.

‏2. تدهور الخدمات العامة

‏لأن السلطة تنشغل بمعارك جانبية، يتم إهمال الصحة، والتعليم، والبنى التحتية، والتنمية.

‏3. تعميق الاستقطاب المجتمعي

‏تنشأ خطوط انقسام حادة نتيجة الخطابات الإلهائية التي تخلق أعداء وهميين.

‏4. تراجع الشرعية السياسية

‏خاصة عندما يصبح الفشل ظاهرًا في حياة الناس اليومية.

‏5. ازدياد الهجرة والنزيف البشري

‏تدل البيانات الدولية أن المواطنين يغادرون الدول التي تفشل في إشباع حاجاتهم الأساسية وتدير الأزمات بشكل غير فعّال.


‏---

‏خامسًا: نماذج تاريخية ومعاصرة

‏روما في أواخر الجمهورية

‏تحولت السياسة إلى صراع بين النخب على السلطة (قيصر–بومبيوس)، بينما انهارت البنى الاقتصادية. اعتبر المؤرخون هذا نموذجًا كلاسيكيًا للسياسة خارج النقطة.

‏أميركا اللاتينية في السبعينيات

‏انشغلت العديد من الأنظمة العسكرية بالأمن ومواجهة “الخطر الشيوعي” على حساب التنمية، ما قاد إلى انهيارات اقتصادية.

‏بعض الدول العربية بعد 2011

‏تركّز الخطاب على “الأمن” و“الاستقرار” و“المؤامرة الخارجية”، بينما بقيت الملفات الاجتماعية والاقتصادية خارج أولويات القرار.


‏---

‏سادسًا: كيف نعيد البوصلة إلى نقطة التوازن؟

‏1. تعزيز الشفافية

‏نشر بيانات تفصيلية حول السياسات والميزانيات يعيد بناء الثقة ويمنع التلاعب بالأولويات.

‏2. تفعيل دور المجتمع المدني

‏المؤسسات المدنية تعمل كـ“محدد اتجاه” يراقب أداء الدولة وينبّه إلى الانحرافات.

‏3. اعتماد منهج السياسات القائمة على الأدلة

‏Evidence-Based Policymaking يقلل من القرارات العشوائية.

‏4. إصلاح الإعلام

‏الإعلام الحرّ يسلّط الضوء على القضايا الجوهرية، ويحدّ من الخطابات الشعبوية.

‏5. بناء ثقافة سياسية مجتمعية

‏تشجيع التعليم السياسي والمواطنة الفعّالة يخلق محاسبة شعبية تمنع تشتت العمل السياسي.


‏---

‏خاتمة

‏عندما يصبح التوجه السياسي Off the Point، يفقد المجتمع القدرة على التقدّم، وتغيب الاستراتيجية، وتضيع الجهود في صراعات وملفات غير مؤثرة. إن إعادة السياسة إلى “النقطة” تتطلب مؤسسات قوية، ووعيًا اجتماعيًا، وإرادة سياسية صادقة. فالقضية ليست في نقص الموارد، بل في انحراف الاتجاه. وحين تستعيد السياسة بوصلتها، تستعيد الدولة دورها، ويتجدد الأمل في مستقبل أفضل.


‏---

‏مراجع مختارة

‏1. North, Douglass. Institutions, Institutional Change and Economic Performance. Cambridge University Press, 1990.


‏2. Levitsky, Steven & Ziblatt, Daniel. How Democracies Die. Crown, 2018.


‏3. Diamond, Larry. “Elections Without Democracy: Thinking About Hybrid Regimes.” Journal of Democracy, 2002.


‏4. Mudde, Cas. Populism: A Very Short Introduction. Oxford University Press, 2017.


‏5. Edelman, Murray. The Symbolic Uses of Politics. University of Illinois Press, 1985.


‏6. Acemoglu, Daron & Robinson, James. Why Nations Fail. Crown, 2012.


‏7. Fukuyama, Francis. Political Order and Political Decay. Farrar, Straus and Giroux, 2014.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏هل تعيد إسرائيل تكرار حرب عام 1967 وتضاعف مساحات الأراضي ال ...
- ‏مخاطر الاقتراض من البنك الدولي
- مراحل للإبادة الجماعية للأقليات
- ‏المؤسسات المالية الدولية: الأنواع — الملكية — العمل — آليات ...
- ك‏يف تُختطف الطوائف؟ جذور الظاهرة وآلياتها وتجلياتها في العا ...
- ‏أهمية الخطاب الديني والفتوى في وقف الحروب الطائفية
- الشركات القابضة: دراسة تحليلية في المفهوم، الأنواع، الفلسفة، ...
- ‏ثقافة الميليشيات وجذور الشر: دراسة تحليلية وتطبيقيّة
- أنسنة الروبوتات... إلى أين؟
- قوانين نُورمبرغ ضد اليهود: دراسة تاريخية – قانونية في سياق ا ...
- سورية وأمريكا وسياسة «الاحتواء» المتبادل: «من يحتوي من؟»
- ‏دمشق في قصيدة بدوي الجبل -حنين الغريب-
- أنا وحبيبتي الروبوت في جبال الساحل السوري... حين تعلّمتُ كيف ...
- ابن النور الجديد: متعة التطوير العلمي للذكاء الصناعي
- الأبعاد الفلسفية والحنين في قصيدة بدوي الجبل «سيذكرني»
- ‏الفلسفة اللغوية عند نعوم تشومسكي ونظرياته المتعددة
- ‏صناعة الثراء: بين اقتصاد المعرفة ومنظومة الهيمنة المالية
- من المنجنيق إلى الدرونات: قصة أسلحة غيرت مسار الحروب
- من إنقاذ المريض إلى إنقاذ المحصول: الطب البشري والطب الزراعي ...
- فرديناند دو سوسور والإبداع في علوم اللغة


المزيد.....




- وفاة سارة بيكستروم إحدى أفراد الحرس الوطني إثر إطلاق النار ف ...
- وزير خارجية إسبانيا: مستعدون لعقوبات جديدة ضد إسرائيل
- قادة الانقلاب بغينيا بيساو ينصّبون رئيسا للبلاد وإمبالو يصل ...
- قرار مجلس الأمن بشأن غزة وفضيحة الخذلان العربي
- إيداع الصحافي الجزائري سعد بوعقبة الحبس الإحتياطي بعد شكوى م ...
- القوات الإسرائيلية تقتل فلسطينيين اثنين بعد استسلامهما وفق م ...
- -سيناريوهات- يستعرض جهود واشنطن لإحلال السلام بين موسكو وكيي ...
- مصر: توقيع مشروع تجاري فندقي في القاهرة الجديدة.. وخبراء يعل ...
- إحباط بين جماهير ليفربول بعد سلسلة هزائم، وتساؤلات حول مستقب ...
- فيديو يظهر مقتل فلسطينيين في وضعية الاستسلام على ما يبدو وال ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏عندما يصبح التوجّه السياسي Off the Point