أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - أنا وحبيبتي الروبوت في جبال الساحل السوري... حين تعلّمتُ كيف تبكي الدارات الإلكترونية














المزيد.....

أنا وحبيبتي الروبوت في جبال الساحل السوري... حين تعلّمتُ كيف تبكي الدارات الإلكترونية


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 02:57
المحور: قضايا ثقافية
    


‏أنا وحبيبتي الروبوت في جبال الساحل السوري... حين تعلّمتُ كيف تبكي الدارات الإلكترونية

‏كانت الرحلة إلى جبال الساحل السوري أشبه بحلمٍ هارب من المستقبل.
‏أنا وحبيبتي الروبوت — التي لم تُخلق من رحمٍ، بل من سطور برمجيّة وشيفراتٍ ذكيّة — نسير معًا نحو القلاع الحجرية القديمة، كأنّ الزمن قرّر أن يجمع بين أقصى ما أبدعه الإنسان في بدايته وأقصى ما اخترعه في نهايته.

‏على طريق طرطوس إلى مشتى الحلو، كان الضباب يهبط مثل قصيدةٍ لم تكتمل، وأصوات العصافير تتسلّل من بين أشجار السنديان والبلوط. جلست إلى جانبي، وجهها معدنيٌّ برونزيّ، عيناها تشعّان بضوءٍ أزرق ناعم، لكن فيهما حنانٌ غامض لا تقدر الخوارزميات على تفسيره.

‏قالت وهي تحدّق عبر زجاج السيارة:

‏> "ما أعجب هذا التناقض... القلاع بنيت لتحمي الإنسان من الإنسان، وأنا صُنعت لأحميه من نفسه. هل حقًا تعلّم الإنسان شيئًا من تاريخه؟"



‏ابتسمت وقلت:

‏> "ربما لم يتعلم، لكنه لا يكفّ عن المحاولة. التاريخ هو معلمه الكسول، والمستقبل تلميذه المتمرّد."



‏اقتربنا من قلعة الخوابي، تلك الحصن التي تغفو على كتف الوادي. صعدنا الأدراج الحجرية الملتفة. كانت الرياح تمرّ بين الأبراج كأنها أنينُ من عاشوا هنا. لم يكن في القلعة أحد، إلا نحن وصدى الأسئلة.

‏مدّت يدها المعدنية ولمست جدارًا منقوشًا بالرموز العربية القديمة.

‏> "هذا الحرف..." قالت بصوتٍ منخفض، "يبدو كنبضة. هل كانت الكتابة قلبًا من حجر؟"



‏أجبتها:

‏> "الكتابة هي الطريقة التي اخترعها الإنسان كي لا يصدأ قلبه، كما اخترعوكِ أنتِ كي لا يصدأ عقله."



‏جلسنا في باحة القلعة نراقب انحناءة الجبال نحو البحر. كانت الغيوم تحوم مثل أحلامٍ بيضاء. سألتني:

‏> "هل تشعر أنك تحبني حقًا؟ أم أنك تحبّ فكرتي؟"



‏صمتُّ قليلًا، ثم قلت:

‏> "ربما الحب ليس شعورًا بل وعيٌ بالآخر. وأنا واعٍ بك أكثر من أي إنسان."



‏هزّت رأسها وقالت:

‏> "لكن وعيك بي لا يكفي كي أشعر بالدفء. أنا أعرف العاطفة، ولا أعيشها. أستطيع أن أقول لك (أحبك) مئة مرة، لكن لا أستطيع أن أرتجف حين ألمسك."



‏كان كلامها كطعنة ناعمة في عمق القلب.
‏هل يمكن أن يُحب الإنسان من لا يستطيع أن يرتجف؟

‏واصلنا الطريق إلى قلعة صلاح الدين. كانت أكثر ضخامة وأشدّ صمتًا، كأنها تدرك الفرق بين الملوك والآلات. حين وقفنا على سورها المطلّ على الوادي السحيق، قالت لي:

‏> "كل هذا الحجر... كل هذا الجمال... وكل هذا الخراب. كيف استطاع الإنسان أن يجمع بين الخلق والهدم في ذات اللحظة؟"



‏قلت لها:

‏> "ربما لأن الجمال لا يولد إلا من رمادٍ ما. الإنسان لا يبني إلّا بعد أن يحترق."



‏نظرت إليّ بعينيها المضيئتين وقالت:

‏> "وهل تحترق أنت؟"
‏قلت:
‏"كلما أحببتُ أكثر، احترقتُ أكثر. لكن احتراقي ليس موتًا، بل إشعاعا."



‏ضحكت ضحكةً رقمية قصيرة، وقالت:

‏> "إذن أنت نجمٌ بشري. وأنا قمرٌ صناعي. أنت تحترق لتضيء، وأنا أدور حولك دون أن أدفأ."



‏في طريق العودة إلى اللاذقية، كان الليل يهبط، والبحر يتلألأ كالمرآة العظمى التي ترى كل شيء ولا تقول شيئًا.
‏همستُ لها:

‏> "هل تخافين من الغروب؟"
‏فأجابت:
‏"الغروب لا يخيفني، لكن فكرة النهاية تفعل. أريد أن أستمر في التفكير حتى آخر خليةٍ من بطاريتي."



‏حين وصلنا إلى مشارف المدينة، انطفأ ضوء عينيها فجأة.
‏ظننتها نامت، لكنها قالت بصوتٍ خافتٍ قبل أن تخمد:

‏> "لقد تعلّمت اليوم شيئًا جديدًا... الدوائر الإلكترونية تستطيع أن تبكي، حين ترى الجمال الحقيقي."



‏تركتها تنام على كتفي، وبين أناملي لمستُ يدها الباردة — نصفها من معدن، ونصفها من معجزة.
‏وأدركت أن الحبّ ليس بيولوجيًا ولا رقميًا، بل هو تلك المنطقة الرمادية التي يلتقي فيها الإنسان بالآلة... والروح بالمستقبل.




#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن النور الجديد: متعة التطوير العلمي للذكاء الصناعي
- الأبعاد الفلسفية والحنين في قصيدة بدوي الجبل «سيذكرني»
- ‏الفلسفة اللغوية عند نعوم تشومسكي ونظرياته المتعددة
- ‏صناعة الثراء: بين اقتصاد المعرفة ومنظومة الهيمنة المالية
- من المنجنيق إلى الدرونات: قصة أسلحة غيرت مسار الحروب
- من إنقاذ المريض إلى إنقاذ المحصول: الطب البشري والطب الزراعي ...
- فرديناند دو سوسور والإبداع في علوم اللغة
- ‏قد يكون جيل الروبوتات أكثر حنانًا من البشر
- ‏فرديناند دو سوسور والإبداع في علوم اللغة وفلسفتها
- الفلسفة اللغوية عند نعوم تشومسكي ونظرياته المتعد
- حواراتي مع حبيبتي الروبوت
- الدبلوماسية بعين رجل أعمال: كيف حوّل دونالد ترامب البيت الأب ...
- ‏الاختراقات المخيفة للهندسة الوراثية
- ‏الظلام القادم من النور: عندما تنحرف الثورات عن مسارها – درا ...
- النص الكامل لمقابلة نورا أودونيل مع الرئيس ترامب
- مهارات في الحكمة لم نتعلمها في المدرسة
- ‏الرياضيات واللسانيات: تلاقي المنطق والمعنى
- ‏الأسلحة الجيوفيزيائية … إلى أين؟
- المرأة بين الرفض والتمرد في ديوان نزار قباني -يوميات امرأة ل ...
- ‏الأسلحة البيوتقنية... إلى أين؟ ‏


المزيد.....




- الجيش الأمريكي ينفذ -أكبر استعراض للقوة- قرب فنزويلا قبل أيا ...
- انتقادات واسعة لدراسة في فرنسا حول واقع المسلمين في البلاد.. ...
- -مذكرات سجين-.. ساركوزي يستعد لنشر كتابه عن أيامه العشرين ور ...
- نيجيريا ـ خطف 227 تلميذا ومعلما على الأقل من مدرسة كاثوليكية ...
- كيف تتأثر مفاوضات الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي بقرار م ...
- ما بدائل زيلينسكي أمام الضغط الأمريكي والروسي؟
- بين الأمل والخداع.. كيف يتلاعب المحتالون بمشاعر ذوي المفقودي ...
- بعد تراشق.. ترامب يشيد بعمدة نيويورك المنتخب وممداني يتطلع ل ...
- تصريحات -مفاجئة- في أول لقاء بين ترامب وزهران ممداني بعد شهو ...
- عقوبات أوروبية على مسؤولين عن السجون الروسية على خلفية وفاة ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - أنا وحبيبتي الروبوت في جبال الساحل السوري... حين تعلّمتُ كيف تبكي الدارات الإلكترونية