محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 01:08
المحور:
قضايا ثقافية
---
الفصل الأول: مدخل نظري إلى مفهوم الطائفة وعمليات الاختطاف
تُعدّ الطوائف إحدى أقدم البنى الاجتماعية التي رافقت تشكّل المجتمعات البشرية، إذ لعبت أدواراً متباينة في التنظيم الاجتماعي والسياسي والثقافي. فالطائفة ليست مجرد جماعة تتشارك معتقدات دينية أو هوياتية محددة، بل هي منظومة متكاملة من الرموز والطقوس والذاكرة الجماعية وعلاقات التضامن الداخلي. ومع ذلك، فإن هذه البنية نفسها التي تمنح أفرادها شعور الانتماء والأمان قد تتحول، في ظروف محددة، إلى بيئة خصبة لعمليات "الاختطاف الطائفي"؛ أي استيلاء فاعلين سياسيين أو اقتصاديين أو خارجيين على القرار الجمعي للطائفة، وتحويلها من وحدة اجتماعية إلى أداة في مشاريع الصراع أو النفوذ.
وتشير الأدبيات الاجتماعية إلى أن الطائفة تصبح عرضة للاختطاف عندما تضعف مؤسساتها الداخلية، أو عندما تتعرض الجماعة لشعور وجودي بالتهديد. في هذه اللحظات الحرجة تنشأ حاجة إلى "قائد مخلّص" أو "حركة حامية" تتولى تمثيل الطائفة سياسياً وأمنياً، فتُفوضها الأغلبية بذلك، قبل أن يتحول هذا التفويض لاحقاً إلى احتكار للتمثيل، ومنه إلى مصادرة الدولة الداخلية للجماعة. يؤدي ذلك إلى نقل السلطة من القاعدة الاجتماعية إلى نخبة ضيقة، غالباً ما تكون مرتبطة بشبكات خارجية أو مصالح اقتصادية صلبة.
ويكتسب مفهوم "اختطاف الطوائف" أهمية مضاعفة في المجال العربي، حيث لعبت الانقسامات الدينية والمذهبية دوراً محورياً في تشكيل السياسات الحديثة، سواء بفعل الإرث العثماني، أو الحقبة الاستعمارية، أو سياسات الدول الوطنية التي عززت الهويات الجزئية على حساب الهوية الجامعة. تتداخل هذه الديناميات مع تدخلات القوى الكبرى، التي غالباً ما استثمرت الانقسامات دون أن تنشئها، وحوّلت الطوائف إلى وكلاء في صراعات إقليمية ودولية.
مراجع الفصل الأول:
Bruce Lawrence, Shattering the Myth: Islam Beyond Violence, Princeton 1998.
Charles Taylor, The Politics of Recognition, Princeton University Press, 1992.
عبد الغني عماد، الطائفية في العالم العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2014.
---
الفصل الثاني: الطائفة كهوية وجماعة متخيّلة
يقدّم بندكت أندرسون مفهوم "الجماعة المتخيّلة" بوصفها إطاراً يعيد فيه الأفراد بناء انتمائهم من خلال رموز مشتركة، تُختبر أكثر مما تُرى. تنطبق هذه الفكرة على الطوائف بدرجة كبيرة؛ إذ تتشكل الطائفة من سرديات مؤسسة تبني ذاكرة جماعية، تُستعاد باستمرار في الأعياد والمناسبات والخطابات الدينية. هذه الذاكرة لا تعمل فقط كوسيط روحي، بل كأداة سياسية تفسّر الماضي وتبرر الحاضر وتحدد مسار المستقبل.
وتتكثّف أهمية الهوية الطائفية عندما تتعرض الجماعة لأزمات تحفّز نزوعها إلى "الانعزال الدفاعي". خلال هذه اللحظات يصبح الخطاب الطائفي قادراً على إعادة ترتيب الوعي الجمعي، فيُعاد تعريف "الآخر" باعتباره تهديداً وجودياً. ومع كل دورة تهديد جديدة، تتماسك الطائفة أكثر حول النخبة التي تدّعي حماية مصالحها، مما يمنح تلك النخبة فرصة لتوسيع صلاحياتها، والسيطرة على الفضاء العام الطائفي، والطعن بشرعية أي منافسين آخرين للتمثيل.
ويشير علم الاجتماع السياسي إلى أن الهوية الطائفية ليست معطى ثابتاً، بل تتشكل ضمن سياق سياسي ـ اقتصادي. فحين تضعف الدولة الوطنية وتنحسر قدرتها على توفير العدالة والتنمية، يبحث الأفراد عن هوية بديلة تمنحهم شعوراً بالقدرة والانتماء. وهنا تتقدم الطائفة لتملأ الفراغ، وتصبح قناة للحصول على الخدمات، وفرص العمل، والحماية. ومع اتساع هذه القناة، تتحول الطائفة تدريجياً إلى ما يشبه "دولة داخل الدولة"، لها مؤسساتها وقضاؤها غير الرسمي وقادتها.
مراجع الفصل الثاني:
Benedict Anderson, Imagined Communities, London: Verso, 2006.
Roger Brubaker, Ethnicity Without Groups, Harvard University Press, 2004.
برهان غليون، مجتمع النخب، بيروت: رياض الريس، 1992.
---
الفصل الثالث: آليات اختطاف الطائفة من الداخل
تبدأ عملية اختطاف الطائفة عادة من داخلها، أي عبر استثمار التوترات والرموز الهوياتية في إنتاج سردية تهديد مستمر. وقد بيّنت تجارب عديدة أن الفاعل الداخلي هو الأكثر قدرة على السيطرة على الطائفة، لأنه يمتلك الشرعية الرمزية ويفهم البنية النفسية للانتماء. تنشأ العملية عبر مراحل متدرجة: تبدأ بتضخيم الشعور بالخطر، ثم تبرير الحاجة إلى قيادة مركزية، ثم تجريم الأصوات المخالفة، وأخيراً احتكار القوة والقرار. في هذه المرحلة تصبح الطائفة "مجالاً مغلقاً"، حيث يتم التحكم بالفضاء الإعلامي والمالي والديني لصالح الجهة الخاطفة.
لا تقوم القيادة الطائفية الخاطفة بفرض وجودها بالقوة فقط، بل عبر خلق "اقتصاد طائفي" متكامل. فهي توفر العمل، وتوزع المساعدات، وتدير الجمعيات الخيرية، وتتحكم في الموارد المحلية. ويؤدي هذا إلى نشوء علاقة تبعية بين أفراد الطائفة والقيادة، بحيث يُنظر إلى الولاء السياسي بوصفه شرطاً للوصول إلى الحياة الكريمة. ومع الوقت، تصبح مؤسسات الطائفة أكثر تأثيراً من مؤسسات الدولة، ويغدو الخروج عليها فعلاً محفوفاً بالمخاطر.
خطيرٌ أيضاً تحالف القيادات الطائفية مع القوى الخارجية، إذ يمنحها دعماً عسكرياً أو مالياً يمكنها من قمع معارضيها الداخليين، ويحوّل الطائفة نفسها إلى ورقة مساومة إقليمية. تستنزف هذه العملية هوية الطائفة الروحية لصالح هوية سياسية ضيقة، فتتراجع وظائفها الثقافية والاجتماعية، وتحل محلها بنية ميليشياوية أو أمنية.
مراجع الفصل الثالث:
Joel Migdal, State in Society, Cambridge University Press, 2001.
Michael Mann, The Sources of Social Power, Vol.2, Cambridge, 1993.
حازم صاغية، الطوائف والطبقات والأمم، بيروت: دار الساقي، 2010.
---
الفصل الرابع: اختطاف الطوائف من الخارج – البنية الاستعمارية وعودة التدخلات الدولية
تاريخياً، لعبت القوى الدولية دوراً محورياً في تشكيل الهويات الطائفية في المشرق. فمنذ القرن التاسع عشر، اتخذت فرنسا وبريطانيا الطوائف أدوات لتوسيع نفوذها في المنطقة. وقد كشفت الوثائق القنصلية الفرنسية أن باريس كانت تنظر إلى بعض الطوائف كـ"حلفاء تاريخيين"، وتمنحهم حماية سياسية، ما أدى إلى إعادة رسم العلاقات بين الجماعات المحلية.
خلال الحرب الباردة، مثّلت الطوائف بوابات ملائمة للدخول إلى الدول الضعيفة. وعملت قوى دولية عديدة على بناء شبكات تسليح وتمويل داخل طوائف محددة، لضمان نفوذ سياسي دائم. وبعد عام 2003، شهدت المنطقة العربية موجة جديدة من الاستثمار الدولي في الانقسامات الطائفية، حيث تحولت بعض الطوائف إلى أذرع في صراعات إقليمية مفتوحة.
تستغل القوى الخارجية عادة هشاشة الدولة المركزية وغياب العدالة، فتقدم نفسها كضامن أمني أو اقتصادي للطائفة. وفي كثير من الحالات، تساهم في عسكرة الطائفة وتحويلها إلى قوة مسلحة. وهذا يؤدي إلى إعادة تعريف العلاقة بين الطائفة والدولة، بحيث يصبح ولاء أفرادها موزعاً بين السلطة الوطنية والجهة الخارجية الراعية، مما يخلق نمطاً جديداً من التبعية العابرة للحدود.
مراجع الفصل الرابع:
Ussama Makdisi, The Culture of Sectarianism, University of California Press, 2000.
Fawaz Gerges, The New Middle East, Cambridge University Press, 2013.
Albert Hourani, A History of the Arab Peoples, London: Faber & Faber, 1991.
---
الفصل الخامس: الطائفة كجبهة حرب – العسكرة وتحويل الهوية
حين تُختطف الطائفة بالكامل، تتحول من جماعة اجتماعية إلى بنية عسكرية. يتغير خطابها الداخلي، وتُعاد كتابة سرديتها التاريخية، وتُفكك الروابط الإنسانية لمصلحة روابط قتالية. يسود خطاب "المظلومية" الذي يؤمن عبئياً بأن الطائفة مستهدفة وجودياً، ويُستخدم هذا الخطاب لتبرير ممارسة العنف ورفض الاندماج الوطني.
تُجنّد الطائفة أبنائها عبر خطاب وجداني يُقدّم القتال باعتباره دفاعاً عن الذات، لا عن مشروع سياسي للنخبة. وتعمل القيادات على ترسيخ انضباط طائفي صارم عبر السيطرة على المساجد أو الكنائس، وعلى المدارس والجمعيات. وتتحول الطائفة إلى جهاز تعبئة جماهيرية، ينتج شعارات ورموزاً جديدة، تُستعاد في المناسبات لتأكيد وحدتها القتالية.
لا تقتصر العسكرة على السلاح فقط؛ فهي تدخل اللغة والإعلام والتعليم. وتصبح الصحف والقنوات والفضاءات الرقمية أدوات لإعادة إنتاج الولاء. ويُعاد تفسير الماضي وفق منظور صراعي، بحيث يتم بناء صورة "عدو" دائم يُقدّم بوصفه المسؤول عن جميع إخفاقات الطائفة. ومع الزمن يفقد الفرد استقلاله الداخلي، ويتماهى أكثر مع الجماعة، مما يجعل الخروج على الخطاب الطائفي شبه مستحيل.
مراجع الفصل الخامس:
David Kilcullen, The Accidental Guerrilla, Oxford University Press, 2009.
Paul Brass, The Production of Hindu-Muslim Violence in Contemporary India, University of Washington Press, 2003.
سليم الحص، الفتنة: جدلية الدين والسياسة في لبنان، بيروت، 2008.
---
الفصل السادس: التلاعب الاقتصادي ودور شبكات المال
يُعدّ الاقتصاد أحد أهم أدوات اختطاف الطوائف، إذ يتيح للقيادات الطائفية التحكم بحياة الأفراد. يُعاد توزيع الثروة داخل الطائفة بطريقة غير متكافئة، تضمن ولاء الجماعة لجهة واحدة. تُنشأ شركات ومصارف ومؤسسات خيرية، وتُدار وفق منطق المكاسب السياسية لا وفق منطق التنمية. كما تُستخدم المساعدات الخارجية لتوسيع نفوذ الجهة الخاطفة.
ويترافق هذا مع خلق "اقتصاد ظلّ" يستفيد من التهريب وتجارة السلاح والمخدرات والضرائب غير الرسمية. تصبح هذه الشبكات مصدر تمويل مستدام للقيادة الطائفية، مما يسمح لها بالاستغناء عن الدولة المركزية. ويؤدي ذلك إلى تفريغ الدولة من مضمونها، ويحوّل الطائفة إلى كيان اقتصادي مستقل.
هذا النوع من الاقتصاد يساهم في خلق طبقة "رأسمالية طائفية" تستثمر في استمرار الانقسام، لأنها تستفيد من بقاء الطائفة في حالة حصار أو خوف. وتقوم هذه الطبقة بتمويل الإعلام الطائفي، والميليشيات، والمؤسسات الدينية، ما يؤدي إلى إعادة إنتاج البنية المختطفة عبر أجيال متعددة.
مراجع الفصل السادس:
Timothy Mitchell, Rule of Experts, University of California Press, 2002.
Charles Tripp, The Power and the People, Cambridge University Press, 2013.
عزمي بشارة، الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة، المركز العربي للأبحاث، 2018.
---
الفصل السابع: الإعلام الطائفي وصناعة الوعي
يلعب الإعلام دوراً مركزياً في إعادة تشكيل وعي الطائفة المخطوفة. فالإعلام ليس مجرد ناقل للخبر، بل أداة تكوين للهوية، تُبنى عبر الخطاب والصور والرموز. تُنتج القيادات الطائفية منصات إعلامية تعمل على تبني رواية ثابتة للعالم: نحن في حالة حصار، الآخرين يريدون القضاء علينا، والقيادة هي الحامي الوحيد. هذا الخطاب يخلق عالماً مغلقاً، تتراجع فيه القدرة على النقد، ويصبح فيه التفكير المستقل عملاً مريباً.
تعمل وسائل الإعلام على إعادة كتابة التاريخ، وتضخيم الانتصارات أو المظلومية، وتقديم كل نقد باعتباره خيانة. كما تستخدم أساليب حديثة مثل "هندسة القبول السياسي"، عبر ضخ رسائل قصيرة بسيطة ومتكررة تؤثر على الوعي الجمعي، وتشكل لاشعور الطائفة.
ويترافق هذا مع استثمار مكثف في وسائل التواصل الاجتماعي. فالمحتوى المرئي السريع يساهم في تعزيز الانفعالات الجماعية، وتحويل الطائفة إلى وحدة عاطفية متجانسة. وتصبح المنصات الرقمية مختبرات لصناعة الكراهية أو الحشد، بما يخدم مصالح النخبة.
مراجع الفصل السابع:
George Lakoff, Don t Think of an Elephant, Chelsea Green, 2004.
Manuel Castells, Communication Power, Oxford University Press, 2009.
إليزابيث سوزان كسّاب، الفكر العربي المعاصر، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2012.
---
الفصل الثامن: الطائفية كإستراتيجية دول – كيف تُختطف الدولة نفسها؟
في العديد من الدول العربية، لم تُختطف الطوائف فقط، بل اختُطف النظام السياسي نفسه. فالدولة، بدل أن تكون محايدة، باتت أحياناً منشغلة بإدارة الانقسامات واستثمارها. تُوزع المناصب وفق حصص طائفية، ويُعاد إنتاج الولاءات على أساس الهوية لا المواطنة. ومع الوقت، تصبح الدولة رهينة لدى النخب الطائفية، وتفقد قدرتها على فرض السيادة أو تطبيق القانون.
ويؤدي هذا إلى نشوء دولة هشة، تعتمد على شبكات غير رسمية، وتحتوي على نظام مزدوج: دولة رسمية مكتوبة في الدستور، ودولة فعلية تديرها الطوائف. يتراجع شعور الفرد بأنه مواطن متساوٍ، ويشعر بأنه ينتمي أولاً للطائفة، ثم للوطن.
كما تساهم هذه البنية في تعطيل التنمية، لأن الاستقرار الطائفي يصبح أهم من الكفاءة. وتُدار البلاد عبر صفقات ومصالح متغيرة، لا عبر مؤسسات مستقلة. وفي نهاية المطاف، تصبح الدولة نفسها أداة لشرعنة خطط النخب الطائفية، وليس العكس.
مراجع الفصل الثامن:
Francis Fukuyama, State-Building, Cornell University Press, 2004.
Robert Dahl, Polyarchy, Yale University Press, 1971.
وجيه كوثراني، السياسة في التاريخ الإسلامي، بيروت، 1998.
---
الفصل التاسع: آثار اختطاف الطائفة على النسيج الاجتماعي
تُخلّف عملية اختطاف الطوائف آثاراً عميقة على المجتمع. إذ تؤدي إلى انقسام عمودي داخل الأمة، وتفقد الدولة قدرتها على دمج مواطنيها. يصبح الانتماء الوطني هشاً، بينما يتضخم الانتماء الجزئي. وتتراجع الثقة بين المكونات المختلفة، ويصبح التعاون بين الطوائف صعباً، وغالباً ما يُنظر إليه كفعل مشبوه.
إن أخطر ما ينتج عن اختطاف الطوائف هو خلق "إنسان طائفي جديد"؛ إنسان يرى العالم عبر مرآة الهوية، ويقرأ الواقع من منظور الصراع الوجودي. يصبح من السهل التحكم به، وتوجيهه نحو العنف أو الانعزال. ومع انتشار هذا النموذج، تتراجع القيم المدنية مثل المواطنة، والعدالة، والمساواة، لصالح قيم الانضباط الطائفي والعصبية.
وتؤدي هذه الديناميات في النهاية إلى إعاقة نشوء مجتمع تعددي حقيقي، لأن الاختلاف يُنظر إليه كتهديد. وهكذا يدخل المجتمع في دائرة مغلقة: كلما ازدادت الطائفية ضعف المجتمع، وكلما ضعف المجتمع ازدادت قدرة النخب على السيطرة على الطوائف.
مراجع الفصل التاسع:
Pierre Bourdieu, Language and Symbolic Power, Harvard University Press, 1991.
عبد الله العروي، مفهوم الدولة، الدار البيضاء، 1987.
فتحي التريكي، العيش المشترك، تونس، 2014.
---
الفصل العاشر: نحو مقاربة لفكّ اختطاف الطوائف – مقترحات وإستراتيجيات
يتطلب تحرير الطوائف من قبضة النخب الخاطفة إعادة بناء الدولة الوطنية على أسس جديدة، تقوم على العدالة والمساواة والتمثيل الحقيقي. لا يمكن تفكيك البنى الطائفية بالقوة، لأنها متجذرة في الوعي الجمعي، بل عبر توفير بدائل عملية تمنح الأفراد شعوراً بالأمان والكرامة خارج الطائفة.
ينبغي تعزيز مؤسسات الدولة لتصبح قادرة على إدارة التنوع، وإنتاج سياسات تنمية عادلة تقلل من الاحتقان. كما يجب دعم المجتمع المدني المستقل غير المرتبط بالطائفة، وتشجيع المبادرات الثقافية التي تبني سرديات بديلة عن الهوية الطائفية. إن كل سردية تكرّس العيش المشترك ستكون قادرة على اختراق الجدار الذي بنته النخب حول الطائفة.
كما يمكن للمناهج التعليمية أن تلعب دوراً محورياً في تفكيك الخطاب الطائفي، عبر دمج تاريخ مشترك للمنطقة، ونقد الروايات الانقسامية، وتعليم مهارات الحوار والتفكير النقدي.
مراجع الفصل العاشر:
Amartya Sen, Identity and Violence, Norton, 2006.
John Rawls, Political Liberalism, Columbia University Press, 1993.
محمد عابد الجابري، الدين والدولة وتطبيق الشريعة، بيروت، 1996.
---
الخاتمة
تظهر دراسة آليات اختطاف الطوائف أنها عملية معقدة تتداخل فيها السياسة والاجتماع والاقتصاد والدين والإعلام. إنها ليست أزمة هوية فقط، بل أزمة بنيوية في الدولة والمجتمع. وتتطلب معالجتها رؤية طويلة الأمد تعيد بناء الثقة بين المواطنين، وتحرر الطوائف نفسها من الخوف والارتهان. فحين تشعر الجماعات بالأمان، تتراجع الحاجة إلى العصبيات، وتعود الطوائف إلى دورها الطبيعي كفضاء روحي وأخلاقي، لا كأداة صراع.
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟