|
|
الاختيار بين المالكي والسوداني: لا خيارات داخل المتاهة الطائفية إلا بكسر الهيمنة الأميركية
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 12:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الاختيار بين المالكي والسوداني كالاختيار بين الانتحار بالسم أو بالمشنقة، فالأول سيقود البلد الى الاقتتال والتقسيم والثاني إلى تبعية أكثر لواشنطن والتفريط بما تبقى من مصالح العراق والحل في كسر الهيمنة الأميركية! خلاصة: الإقطاع السياسي عبر أحزاب الفساد التي تزعم تمثيل المكونات الطائفية والإثنية يريد موظفا في مجلس الوزراء ينفذ طلباته اللصوصية لا رئيساً للوزراء، ودستور المكونات مع الإقطاع السياسي في التفريق بين "رئيس الوزراء" و"رئيس مجلس الوزراء" أما المعارضة على اختلاف مشاربها فتقفز على أساس البلاء المتمثل بالعملية السياسية الطائفية التي جاء بها الاحتلال الأميركي وتغازل الأميركي عساه يرأف بحالها ويطيح بخصومها الحاكمين وهذا وهم مرضي خطير: *الدستور لا ينص على منصب رئيس وزراء بل رئيس مجلس الوزراء فما الفرق؟ نصَّ الدستور العراقي في سبع من مواده من 76 إلى 83 على وجود منصب "رئيس مجلس الوزراء" وبيَّن مهمات هذا الرئيس، ولم ينص قط على عبارة رئيس الحكومة أو رئيس الوزراء أو الوزير الأول. هل هناك فرق بين رئيس مجلس الوزراء ورئيس الوزراء؟ نعم، ثمة فرق وقد لا يبدو ظاهرا بشكل واضح، فرئيس المجلس مهمته الأولى - كما تذهب دلالات العبارة - هي إدارة المجلس ضمن صلاحيات محددة، وعددها ست صلاحيات عامة وواسعة. ورئيس الوزراء أو رئيس الحكومة مهمته قيادة الوزراء أو الحكومة ضمن صلاحيات محددة أيضا ولكنها أوسع. ففي الدول البرلمانية العادية في مقدمتها نظام الحكم البريطاني هناك رئيس الوزراء وليس رئيس مجلس الوزراء أما في العراق ونظامه برلماني أيضا ولكن رئيس الوزراء لا يمكنه فرض إرادته وقراراته على مدير عام يتبع إلى مكون آخر أو كتلة نيابية مختلفة عن كتلة الرئيس! وطالما اشتكى الرؤساء في مقدمتهم نوري المالكي في ولايتيه من أنه مقيد الصلاحيات ولا أمر له على وزرائه وانه لا يمكنه فعل شيء معهم سوى شكواهم إلى البرلمان. وفي البرلمان لا توجد معارضة وموالاة، بل توافق وصفقات سرية بين رؤساء الكتل النيابية وقيادات أحزاب الفساد. معلوم أن الدستور العراقي يقوم على أسس منها أن الدولة العراقية دولة مكونات "هويات فرعية" لا دولة هوية رئيسية وهو لا ينص على ذلك تفصيلا وصراحة بل عبر تكرار كلمة "المكونات" وضرورة المساواة والتوازن بينها. ولتحقيق هذا التوازن والمساواة تم اللجوء إلى نظام حكم التوافق (الصفقات) والمحاصصة الطائفية والعرقية حسب الوزن السكاني لكل مكون. *إن الهدف الأميركي الأول والذي نفذه كاتب مسودة الدستور هو خلق دولة مكونات ذات صلاحيات متناقضة ومتضاربة وغامضة أشبه بالمتاهة التي لا يمكن الخروج منها. الخروج منها يعني كسر الهيمنة الأميركية في جميع المجالات ووقف التدخلات الإقليمية وفي مقدمتها الإيرانية الحامية لسلطة أحزاب الفساد، وإعادة كتابة الدستور على أساس وطني عراقي لا مكوناتي طائفي وإثني. إن التعويل على الطرف الأميركي لتغيير الوضع في العراق هو كالتعويل على الشيطان لدخول الجنة فأميركا خلقت هذا الوضع وأسست هذا النظام على شكل متاهة جنونية لكي تقتل العراق وتتركه ميتا سريرا يقوده لصوص سرقات القرن والعصابات الدموية من زاخو إلى الفاو. *ولهذا اعتبرت زعامات الاقطاع السياسي الكردي أي محاولة لإعادة كتابة الدستور أو تعديله أشبه بالمستحيلة إن لم تكن مستحيلة فعلا. وقد صمم الدستور وخاصة المادة الخاصة بالتعديلات بحيث يسقط أي تعديل إذا اعترض عليه الناخبون في ثلاث محافظات في الاستفتاء العام (ليس مصادفة أن يكون العدد "ثلاث محافظات"، وهو عدد محافظات منطقة الإقليم الكردي التي كانت تحت حماية الناتو المباشرة وخارج سيطرة بغداد منذ 1991، وثمة أيضا المحافظات الثلاث ذات الغالبية العربية السنية؛ نينوى والأنبار وصلاح الدين). بمعنى إذا وافقت جميع محافظات العراق البالغة 18 محافظة على التعديل الدستوري واعترضت المحافظات الكردية فقط أو العربية السنية لوحدها سيسقط التعديل! *عمليا، وفي أكثر من مناسبة هدد بارزاني ومعاونوه صراحة بالحرب الأهلية إذا تم تعديل أو تغيير الدستور، الذي سُن في سنوات الاحتلال الأولى وتم التصويت عليه خلال أيام ودون مناقشات وبمباركة من المرجعية الدينية السيستانية التي دعت علنا جمهورها الشيعي إلى التصويت عليه بنعم، وقد التحق بها قبل يوم أو يومين من موعد الاستفتاء فرع حركة الإخوان المسلمين العراقي "الحزب الإسلامي" الذي كان بزعامة طارق الهاشمي (فر لاحقا إلى تركيا قبل اعتقاله بتهمة التورط في أعمال إرهابية لمصلحة تنظيم القاعدة وما يزال هاربا حتى اليوم). *وإذا كانت المرجعية الشيعية تتحمل مسؤولية الدعوة إلى التصويت بنعم، فالإخوان المسلمون يتحملون مسؤولية إسقاط فيتو المحافظات الثلاث ذات الغالبية العربية السنية بدعوتهم الناس إلى التصويت بنعم. ورغم تلك الدعوة الإخوانية رفضت غالبية الجمهور الدستور في محافظة صلاح الدين ومرَّ بفرق صغير في نينوى والأنبار مع اتهامات قوية ومبررة بتزوير النتائج. *هذه المتاهة الأميركية صنعت داخل الدستور العراقي لمصلحة الزعامات الإقطاعية الكردية أولا، وهناك مواد دستورية تجعل يد سلطات الإقليم أعلى من سلطات الدولة العراقية. فالمادة (115) والتي نصّها «كل ما لم يُنَصّ عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، يكون من صلاحية الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في حالة الخلاف بينهما». إنّ هذه المادة هي بمثابة طعنة نجلاء في صميم مبدأ «السمو الدستوري» المعتمد عالمياً، فالدستور هو السلطة الأسمى والأعلى في الدولة، والذي لا تعلو أو تسمو عليه قوة أو سلطة أخرى، وهو التعبير الرسمي والأوضح عن السيادة الوطنية للأمة على أرض وطنها. وهي تهدف ثانيا لأن يعيش العراق حالة توتر وانعدام استقرار مستمرة وعميقة نتيجة الاختلافات والصراعات حول مواد دستورية قابلة للتأويلات المتناقضة. ولهذا كان الدستور إلى جانب الطرفين أو الأحزاب المتصارعة لأنه يعطي لكل طرف ما يريد. فالثروات الطبيعية كالنفط والغاز هي كما تنص المادة 111 ملك الشعب العراقي حصرا، ولكن المادة 112 ثانيا، تنص على أن إدارة النفط والغاز تتم بشكل ثنائي بين الإقليم والمحافظات والدولة الاتحادية. وهنا فالإقطاع السياسي الكردي تصرف بشكل مستقل وعقد العقود مع الشركات الأجنبية واستخرج وصدر النفط والغاز من دون الاتفاق مع بغداد، معتمدا على المادة 112 أما الإقطاع السياسي الشيعي فقد رفض هذا التصرف من أربيل معتمدا على تفسيره الخاص للمادة 111. وحتى في حالة حلاف كهذا فإن القرار النهائي والأخير يكون للطرف الكردي بموجب المادة 115 سالفة الذكر ووافقتها في ذلك حكومة تركيا التي تبنت موقفا معاديا للعراق ووافقت على تصدير النفط العراقي المهرب عبر أراضيها. ولكن محكمة دولية في باريس هي "لجنة التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية" حكمت لمصلحة العراق وفرضت عقوبة مالية (مليار ونصف مليار دولارتقريبا) على تركيا وأمرت بوقف التصدير وهذا ما كان ويقال إن حكومة السوداني تنازلت عن هذه الأموال الواجبة للعراق - المليار ونصف المليار دولار – تنازلت عنها لحكومة أردوغان في اتفاقية المياه الأخيرة ومع ذلك فالمياه لم تصل حتى الآن! *هذا مجرد مثال على تناقض وسوء وبؤس الدستور المكوناتي العراقي والذي هو متاهة تدميرية أغرِق العراقُ فيها حتى اليوم.
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هو الشيخ محمد مزوِّر ختم المرجع السيستاني ومنتحل دوره؟
-
تحريم الغناء والموسيقى والسكوت على سرقات القرن!
-
مداخلة برسم صديقي البغدادي -الأصيل-!
-
حول الزبائنية والإقطاع السياسي في منظومة حكم الطائفية السياس
...
-
شروط بارزاني على بغداد وشروط التنسيقي على السوداني: مزيدا من
...
-
لماذا فشل اليسار العراقي؟ نسخة مخففة من -ردوها عليَّ إنْ است
...
-
الانتخابات العراقية: الدوران في الحلقة الطائفية المفرغة مستم
...
-
نماذج من نقد شباب اليسار العراقي لأداء مرشحيهم في الانتخابات
-
لعبة تزوير الانتخابات تبدأ من تزوير نسبة المشاركة
-
تزوير فظ لنسبة المشاركة في الانتخابات رغم مقاطعة أكبر أحزاب
...
-
رئيس حكومة أم زعيم معارضة: السوداني يتحدث عن الاتفاقية المائ
...
-
هل فرطت الحكومة بنصف عائدات النفط لشركة إكسون موبيل من أجل ا
...
-
انتخاب مامداني: ترامب يتراجع: كن لطيفا معي ويوم أسود وحالة ح
...
-
خدعة أردوغان الأخيرة ووعوده الكاذبة للمشهداني: كيف وصلنا إلى
...
-
الإبادة الجماعية مشروع مجتمع استيطاني لا زعماء متطرفين فقط
-
احتلال تركي مدفوع الثمن: حكومة السوداني تكلف دولة أجنبية بإد
...
-
المؤرخ آفي شلايم: إسرائيل مسؤولة عن تهجير اليهود العراقيين
-
المالكي يتهم السوداني بالتطبيع والأخير يعلن انه مؤمن بزوال إ
...
-
ديموقراطية ترامب: ضد اليسار اللاتيني ومع الانقلابيين وتجار ا
...
-
مقتبسات من كتاب إسرائيل شاحاك -التاريخ اليهودي والديانة اليه
...
المزيد.....
-
هكذا أطلًت المدونات العربية في حفل يحتفي بالموضة في الكويت
-
رموز شيطانية وطقوس غامضة.. اكتشاف تفاصيل صادمة بعد تفكيك شبك
...
-
تحليل.. كيف يلعب النفط دورا في قرار ترامب بشن حرب ضد فنزويلا
...
-
-انتحال هوية مشاهير-.. اتهامات إسرائيلية لفلسطينيين باستخدام
...
-
مادورو يطلب العفو من ترامب.. ماذا جرى في الاتصال الهاتفي بين
...
-
وسط تفاؤل أمريكي ـ ويتكوف وكوشنير يلتقيان بوتين في موسكو
-
كأس العرب.. العراق يتحدى البحرين في مستهل مشوارهما بكأس العر
...
-
العراق: مشاورات تسمية رئيس الحكومة، مهمة صعبة للحفاظ على الت
...
-
البابا يختتم زيارته إلى لبنان بإحياء قداس حاشد ويزور موقع ان
...
-
الثورة السورية الكبرى 1925.. جهاد -بالسيف بعد أن سكت القلم-
...
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|