|
|
سي جلول ملايكة؛ حكاية لم تكتب فصولها بعد
مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 22:03
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
اجمل الايام كان ولازال ما يأتي لك بأقدامه وإقدامه حبا وطواعية، مشرقا ومبهجا ومحملا باجمل القصص والحكايا، فكيف اذا كان ذلك اليوم تشرق شمسه على ارض الجزائر التي تعوم وتقوم على بحر من الحكايا... يوم 4/11/2025 بمقبرة سيدي حَلُّو بالبليدة ، التي تعتبر من أقدم مقابر مدينة الورود، قادتنا سيرة الوفاء محمولة على خطواتنا الصغيرة بجولة في البلاد الكبيرة [الجزائر] لتنسم عبق التاريخ حيث قبر سي جلول ملايكة يزين المكان ...
سي جلول احد الابطال الذين قادوا وعملوا بصمت لتحرير الجزائر وغيرها من اقطار القارة الافريقية، وساهم ورعى ودعم بشكل منقطع النظير الثورة الفلسطينية.
وصلنا المقبر وولجنا سريعا الى حيث مقصدنا عند قبر سي جلول. لم نحتج لكثير من الوقت لذلك. لكننا اخذنا كثير من الوقت ونحن نناظر ونشاهد ماخُط على شاهد القبر؛ كان ماخط على شاهد الضريح يشير الى احتضان قبر سي جلول ملايكة لجثمانين اخرين مسجيان معه في نفس الضريح، الاول كان لوالده الجوائري الاصيل وسليل العائلة المناضلة كابرا عن كابر، والثاني لنسيبه الفلسطيني محمد سليم الشقيق الاكبر لمضيفنا د.محمود سليم وعديله في نفس الوقت.
توقفنا كثيرا عند رمزية المشهد وكثافة المعنى، فالتقت الاعين وثارت الاسئلة، وسرعان ما اخبرنا صاحبنا محمود سليم بان سي جلول كان قد اوصى ان يدفن معه [لاحقا/ او قبلا] نسيبه[صهره] الاثير وزوج ابنته البكر الفلسطيني محمد سليم ..
سي جلول في مماته كحياته كانت فلسطين حاضرة بكل الالق والبهاء وباعظم الصور، وهاهو في مماته كما في حياته يحتضن فلسطين حتى النهاية...
سي جلول ناظم هذه العلاقة في حياته نجح بتاكيد اواصر هذه العلاقة حتى في مماته عبر كثافة هذا المشهد بما ينطوي عليه من رمزية فائقة الدلالة لتبقى سيرته في الحياة والممات شاهدا حيا على طبيعة وطهارة واخوية واصالة العلاقات الجزائرية الفلسطينية، ولينجح معها سي جلول بتقديم النموذج الاصيل والمتفرد لهذه العلاقة.
بهذه الزيارة الاثيرة اكتملت بعض فصول الحكاية... وهذا ما يحصل دائما حين تقرر الذاكرة ان تصحوا او تستفيق من سباتها، وحين تصحوا لا شيء يمنعها من التدفق ، فقط عليك ان توفر لها الاجواء الملائمة للبوح والانثيال، وهذا تماما ما حصل مع مضيفنا الاثير محمود سليم .. فالرجل من طينة هؤلاء الذين يعرفون جيدا كيف يحفظون الحكايا ويخبئون اسرارها في خابية الحنين...
لم نحتج كثيرا لنختبر خابية الحنين لدى مضيفنا ؛ فمنذ طلبنا منه زيارة سي جلول ملايكة حتى بدات تزدحم على لسانه القصص والحكايا ، وبدا يسترجع الذكريات...
كان صاحبنا وهو يسترجع الذكريات يبدوا كمن يستدعيها من شبابيك متعددة، وكانت الشبابيك تفتح على ابواب، والابواب تفتح على سعة المدى، والمدى يفتح نفسه على آخره حتى سدرة المنتهى...
اخبرنا صاحبنا عن دور سي جلول الدؤوب في دعم الثورة الفلسطينية وعن علاقته الخاصة جدا بابي عمار عداك عن ابي جهاد وابو ميزر واخرين، واخبرنا عن مواقفه في مساعدة القيادة الفلسطينية على كافة المستويات وفي احلك المحطات واصعب الظروف؛ كاحداث ايلول الاسود في الاردن، ومساهمته بتامين اخراج ياسر عرفات من هناك، علاوة على تدخله لصالح الثورة الفلسطينية ابان المرحلة اللبنانية، ومحاولته الدؤوبة لمنع النظام سوريا الاسد من الاصطدام مع الثورة الفلسطينية . كما حدثنا عن دور سي جلول في الجبهة العربية المساندة للثورة الفلسطينية، وعن دوره في جمع الشمل ونبذ الفرقة وتجاوز الخلاف، لاسيما بين قطبي البعث السوري والعراقي، وفي تدخله الحازم في وضع حد للخلاف القائم والمتواصل بينهما ، لاسيما في اجتماعات قيادة الجبهة، تلك الجبهة التي ضمت في صفوفها كمال جنبلاط ومحسن ابراهيم والبعث العراقي والسوري وليبيا القذافي واليمن الثوري وكثيرون ممن اختبأت قصصهم وحكاياهم خلف اسمائهم و القابهم...
اخبرنا مضيفنا عن زبارات ابي عمار المتكررة للجزائر وحرصه على لقاء جلول باستمرار، وعن محاولات ابي عمار الدؤوبة للصلح بين الجزائر والمغرب، وضحكنا كثيرا ونحن نسمع منه رجاه الشديد لهواري بومدين بان يسمح لطائرة ابي عمار بان تهبط في الجزائر بعد قدومه اليها مباشرة من المغرب، وعن اسباب ذلك ومبرراته لدى القيادة الجزائرية.
كما حدثنا عن دور سي جلول في عملية ميونخ الفدائية، وعن علاقته بابي اياد وابي داوود ، وعن موقف هواري من ذلك الحدث ومن تلك العملية.
كما حدثنا عن دور سي جلول في عودة بوتفليقة من منفاه الباريسي بعد اختلاف الرفاق، وكان قبل ذلك حدثنا عن اول لقاء بين سي جلول وبوتفليقة، وكيف تنبأ سي جلول لبوتفليقة بمستقبل باهر ياخذ فيه الشباب دورهم في قيادة الثورة والبلاد، وهذا بالذات ما اثنى عليه القائد عبان رمضان وثبتت نبوئته بان تولى بوتفليقة وزارة الشباب في اول حكومة بعد الاستقلال.
كما حدثنا عن الاحوال المأساوية التي احاطت ببوتفليقة في منفاه بعد اخراجه من مقر اقامته في فندق السان جورج واضطراره للاقامة في نزل مهين ومتواضع لا يليق بابناء الثورة حتى وان بلغ الخلاف والخصام معهم مبلغه، فعلمنا منه فصول الحكاية وكيف نجح سي جلول باقناع القيادة الجزائرية وعلى راسهم الشاذلي بن جديد بعودة بوتفليقة للبلاد مع منحه كامل حقوقه ومستحقاته القانونية والمالية والتنظيمية، وعلى راسها عودة الاعتبار له، عبر عودته لتبوء مقعده في عضوية اللجنة المركزية لجبهة التحرير، وهذا ما حصل بالضبط، حتى انه اخبرنا بعض التفاصيل التي تتعلق بكيفية تصدي سي جلول لكثير ممن تهجموا على بوتفليقة بغية تصغيره وتحجيمه، ومحاولة اجباره على الخروج من اجتماعات القيادة والحزب بهدف استبعاده ونفيه مجددا ...
كان لسان الدكتور محمود سليم مزدحم بالحكايا طيلة يوم زيارتنا، كان يتحدث عن سي جلول وكأنه يغرف الحكايا من بئر عميق...ونحن بدورنا كنا نستمع وندون والاهم كنا نعرف كيف نسترق السمع لاجمل الحكايا...
في حضرة التاريخ تزدحم الكلمات وتلهج الالسن بالدعاء لمن ذهبوا وبقيت سيرتهم حاضرة في قلوب المحبين والغيورين على تاريخ كتبت حروفه بمداد من نار ودم...
سي جلول ملايكة من صنف هؤلاء الرجال الذين لا يعادوا مرتين...
هو من هؤلاء الذين زرعوا وغرسوا وذهبوا ليبقى غرسهم يؤتي ثماره كلما تنفس ثائر على وجه الخليقة.. سي جلول احد اهم ابطال الثورة التحررية الجزائرية واحد اهم انصار الثورات والحريات حيث كانت ونشأت.. وهو كذلك احد ابطال كتابي الجديد " خطوات صغيرة في بلاد كبيرة" كنا برفقته اليوم حيث زرناه في مرقده الاخير وحيث جللنا طيفه الحاضر بكل جلال وبهاء..
حين تزور قبر سي جلول في مرقده بمقبرة البليدة تشعر بهيبة التاريخ الحاضرة طوعا مع كل نسمة يتنسمها الزائر... رائحة التاريخ في ذلك المكان لها مايميزها حين تتنسمها...تلك النسمة لها مايميزها عن غيرها...كيف لا وهي تردد من الحروف اعذبها وتحفظ للتاريخ اجمل اسمائها... ذلك سي جلول وتلك رائحة اسمه الذي يملأ الزمان والمكان...
في حضرة سي جلول يدرك الانسان تماما كيف تبقى الرموز وتحيا على سطح الذاكرة رغم انف الزمان..
في حضرة سي جلول يدرك الانسان بان الزعامة لييت هالة وسطوة يصنعها بعض الناس حولهم عبر منصب أو مال أو جاه، بل يدرك الانسان معنى كيف يبقى الاثر ولا يزول...
في حالة سي جلول يدرك الانسان تماما ان الزعامة قد تبرز في صورة رجل عمل في الظل وارتضى ان يبقى جنديا مجهولا يخدم الفكرة ولا يهتم بتبعيتها لاسمه.. امثاله يعرفون كيف تصنع المواقف الارث الذي يبقى ولا يزول...
امثال سي جلول قد يبدو عاديا لا يعرفه الكثيرون، لكنه من تلك الطينة التي اودعت اسرارها واصول حكايتها لمن صنعوا مجد اوطانهم في الجزائر وافريقيا والعالم اجمع ومن جملة هؤلاء وعلى راسهم الثورة الفلسطينية...
بدأ عمي جلول نضاله مبكرا في صفوف الحركة الوطنية مع النصف الأول من أربعينيات القرن الماضي مناضلا في حزب الشعب ثم حركة الانتصار ، ثم كان من الرعيل الأول الذي انضم للثورة الجزائرية، إذ عمل إلى جانب مختلف قادة وقيادات الولاية الرابعة التاريخية التي عملت على تحرير الجزائر .
بعد تحرير الجزائر والاستقلال لم يتوقف نضاله حيث كان عضوا في المجلس الوطني التأسيسي حيث كان نائبا لرفيق دربه رابح بيطاط رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق .
وقد لا يعرف الكثير أن الراحل كان مسؤولا لمكتب حركات التحرر، إذ عمل بقلب المناضل الجسور وجرأة الثائر على مساعدة كثير من شعوب القارة الإفريقية على التحرر، وقد أقام الراحل أوثق العلاقات مع مختلف زعماء حركات التحرر الإفريقية خصوصا الزعيم نلسون مانديلا وسامورا ماشيل وأميلكار كابرال الذي كان يَعتبر الجزائر كعبة الثوار.
وأما الثورة الفلسطينية فقد سكنت قلب هذا الثائر المتميز، فقد كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بمجرد نزوله على أرضية مطار الجزائر لا يبدأ بالأسئلة عن أصدقائه من الجزائريين قبل أن يسأل عن جلول ملايكة، ولذلك لم يكن من الغريب ان يكون سي جلول عضوا مؤسسا وفاعلا في مجلس امناء مؤسسة ياسر عرفات حتى وفاته؛ تلك المؤسسة التي شكلت في فلسطين عقب وفاة الزعيم الراحل ياسر عرفات بغية الحفاظ على ارثه النضالي وحفظه من الضياع في ظل صراع مرير مع الاحتلال كان ولازال همه الاول العبث بالذاكرة وتزوير التاريخ، فتأسست المؤسسة كصيغة مضادة لحفظ الارث النضالي للراحل الكبير ياسر عرفات بغية مواجهة الرواية الصهيونية الزائفة ودحض روايتها القائمة على الكذب والتخريف والتحريف.
في حضرة سي جلول وامثاله تضيق الكلمات وتتسع العبارة، فطوبى وطيب لامثاله وافضاله ونحن ننعم بما قدموه وفعلوه...
بقي ان نقول ان سي جلول من طينة هؤلاء الرجال الذين ينطبق عليهم ما قاله الشاعر الكبير نزار قباني: "إنهم كالموت والولادة صعب بأن يعادوا مرتين".
#جلول_ملايكة #مهند_طلال_الاخرس #خطوات_صغيرة_في_بلاد_كبيرة
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين تكتب الخطوات نشيدها في البلاد الكبيرة ، قراءة نقدية في ت
...
-
خطوات صغيرة في بلاد كبيرة
-
دلالات العنوان في كتاب خطوات صغيرة في بلاد كبيرة
-
قراءة في كتاب تحت ظل الخيمة -من يكتب يقاوم ومن يقاوم ينتصر-
-
رؤوف مسعد؛ مناضل وكاتب من الزمن الثوري الجميل
-
خطوات صغيرة في بلاد كبيرة؛ مهند الاخرس
-
دلالات العنوان في “تحت ظل الخيمة”
-
تحت ظل الخيمة قراءة نقدية بقلم رائد الحواري
-
الصين؛ عرض عسكري مهيب بمناسبة يوم النصر 80
-
رحلة البحث عن المعنى - سن الغزال -
-
صنع الله ابراهيم، فرادة الاسم والمسيرة
-
غسان كنفاني ، رمز الحضور المكثف 2
-
صباح الخير يا وطن ، رؤوف مسعد
-
الى جدتي هيجر في ذكراها...
-
غسان كنفاني ؛ رمز الحضور المكثف
-
دمشق ؛ رائحة الياسمين الذي لم يَغِب
-
نجم المتوسط؛ رواية تشبه سيرة صاحبها، علي حسين خلف
-
التجربة الثورية بين المثال والواقع، نديم البيطار
-
سيرة ومسيرة عابرة للحدود؛ خوسيه ماخيكا نموذجا
-
وداعاً خوسيه موخيكا
المزيد.....
-
ميسي ورونالدو يرفعان مبيعات قمصان أنديتهما.. فمن تفوّق على ا
...
-
المجلس العسكري في غينيا بيساو يعيّن حليف الرئيس المعزول على
...
-
الاتحاد الأفريقي يعلق عضوية غينيا بيساو بعد الانقلاب والعسكر
...
-
ما دلالة تصدي المقاومة الشعبية في بلدة بيت جن للهجوم الإسرائ
...
-
-قصر الباشا-.. بين التشويق المزيف والإثارة الحقيقية
-
تهمة القتل العمد تنتظر الأفغاني مهاجم البيت الأبيض
-
هيئة فلسطينية بيوم التضامن: المقاومة طريق هزيمة الاحتلال
-
ترامب يلغي أوامر بايدن التنفيذية الموقعة عبر -القلم الآلي-
-
علبي: هناك في إسرائيل من لا يريد أن تستعيد سوريا قوتها
-
لبنان.. أسرة فضل شاكر تنفي تدهور صحته بانتظار استئناف محاكمت
...
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|