أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - وهم الحضارات الكبرى: تفكيك الأسس الدينية والثقافية للتمايز في عصر العولمة















المزيد.....

وهم الحضارات الكبرى: تفكيك الأسس الدينية والثقافية للتمايز في عصر العولمة


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 10:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل ما زالت مفاهيم مثل "الحضارة الإسلامية" أو "الحضارة المسيحية" قادرة على تفسير واقع عالمنا المعاصر؟ إنني أرى أنَّ هذه التصنيفات التاريخية قد تجرَّدت من جوهرها الحقيقي، لا سيما بعد انهيار الإمبراطوريات التاريخية الكبرى كالعثمانية والبيزنطية. فلم يعد التباين بين المجتمعات الحديثة يتجسد في تلك الأُطر الدينية أو الثقافية الشاملة، بل في مستويات التمدن والتحضر والتقدم التكنولوجي؛ تلك هي الفوارق الحقيقية التي ترسم اليوم خريطة التمايز العالمي.

أود أن أنطلق في هذا الطرح من رؤية نقدية مفادها أنَّ مقولات مثل "صراع الحضارات" ليست سوى أداة أيديولوجية تُستخدم لتغذية الدعاية السياسية وصرف انتباه الجماهير عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملموسة. وفي هذا السياق، يُنظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية تُستخدم كأداة فعَّالة في أيدي الطبقات المهيمنة، سواء لتحقيق التعبئة الاجتماعية أو لاستدامة الهيمنة الطبقية عبر زرع الانقسامات.

وتأتي العولمة لتُعقِّد هذه الصورة التقليدية بشكل أعمق، حيث عملت على تفكيك الأسس الجغرافية والثقافية للحضارات المغلقة. ومع ذلك، لم تُلغِ العولمة التأثيرات الثقافية والتاريخية تماماً، بل أوجدت بيئة خصبة لـتسييس هذه المفاهيم وتحويلها إلى أدوات صراع اجتماعي وسياسي، بينما يظل التقدم التكنولوجي والاقتصادي هو المعيار الأهم للقوة والنفوذ. أسعى في هذا المقال إلى تفكيك هذا الوهم، مؤكداً أنَّ تجاوز الحواجز الثقافية والتركيز على التعاون الدولي والجماهيري والمصالح المشتركة هو جوهر الفلسفات العالمية التي تسعى للتنمية والسلام في عالمنا المترابط.
_______________

إن الحديث عن مصطلحات مثل الحضارة المسيحية أو الحضارة الإسلامية أصبح في العصر الحديث خاليًا من الجوهر والمعنى الحقيقي، لا سيما بعد انهيار الإمبراطوريات التاريخية الكبرى التي كانت تمثل رموزًا وتجليات لهذه المصطلحات، كالإمبراطوريات البيزنطية والعثمانية والصفوية. هذه المفاهيم لم تعد تعبر عن واقع الدول الأوروبية أو الشرق أوسطية الحالية، وذلك لغياب أي وحدة دينية أو ثقافية شاملة تعكس تلك التوجهات في ظل تطورات العولمة والمشهد السياسي الحديث.

الاختلاف الحقيقي والقائم بين الدول لا يتجلى في ما يسمى بتنوع الحضارات أو الثقافات، وإنما يتمثل في مستويات التمدن والتحضر والتقدم التكنولوجي. هذه الفوارق هي التي تحدد ملامح التمايز بين المجتمعات الحديثة وليست تلك التصنيفات الثقافية أو الدينية التي جرى تضخيمها بصورة مبالغ فيها. في الواقع، مقولات مثل "صراع الحضارات" ليست سوى أداة أيديولوجية تُستخدم لبث دعاية سياسية تهدف إلى تحقيق مصالح طبقات معينة، وقد تُوظَّف هذه المفاهيم لصرف انتباه الجماهير عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية التي تواجههم.

وعندما ننظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية، تظهر بوضوح طبيعته كأداة تخدم الأهداف الطبقية والسياسية. فقد استُخدم الدين، في كل من المشرق والغرب، كوسيلة فعالة للتعبئة الاجتماعية وكمحرّك للصراعات المرتبطة بالمصالح الدنيوية. الحكومات والأنظمة المسيطرة وجدت في الدين سبيلًا لاستدامة هيمنتها على الطبقات الدنيا، سواء عبر تغذية الانقسامات الطائفية والقومية أو من خلال نشر الخوف والانقسام بين أفراد المجتمع. الدين يشكل وسيلة قوية للسيطرة على الجماهير وإسكاتها، إذ تستفيد منه الطبقات البرجوازية بشكل خاص لتحقيق غاياتها الاقتصادية والسياسية.

في الواقع الراهن، لم تعد البرجوازية قادرة على مواجهة سلطة وتأثير السلطات الدينية، بل لجأت إلى نوع من المساومة والتحالف مع المؤسسات الدينية لتحقيق مصالح مشتركة، وهو ما يظهر في سياسات العديد من الدول. هذا التعاون يبرز بشكل واضح عندما نرى الحكومات الأوروبية، جنبا إلى جنب مع القوى اليمينية العنصرية، تدعم الانقسامات الاجتماعية تحت مسمى "احترام الخصوصيات الثقافية". وبذلك يتم تكريس الفوارق الطبقية والحد من اندماج مواطني الجاليات المهاجرة في مجتمعاتهم الجديدة، حيث يُستخدم الدين كذريعة لترسيخ حالة من المواطنة من الدرجة الثانية.

استنادًا إلى هذا الطرح، يمكن القول إن تلك المقولات التي تدّعي وجود تناقضات حضارية جوهرية قد أصبحت عبارات فارغة المضمون في عالم اليوم. فمع التغيرات الكبرى التي أسقطت الإمبراطوريات وتلاشي الأطر الدينية الجامعة على المستوى القومي والإقليمي، أصبح الاختلاف الحقيقي بين المجتمعات يتمحور حول مقدار ما تحققه من تقدم حضاري وتقني بدلاً من الارتكاز على أسس دينية أو ثقافية لتفسير تلك الفروقات. التنوع الثقافي والحضاري يُستخدم الآن كأداة تُخفي ورائها أهدافًا طبقية تسعى النخب الحاكمة إلى تحقيقها على حساب الشعوب.
رغم ما ورد أعلاه، أن غالبية علماء الاجتماع والمؤرخين يميلون إلى استخدام تعبيرات أكثر مرونة وذات تركيز أكبر على الأبعاد الثقافية والتاريخية بدلاً من الاكتفاء بمفهوم "الحضارة" بمعناها التقليدي القائم على التصورات الإمبراطورية القديمة.

فيما يخص دلالات المصطلح في الوقت الراهن

التأثير الثقافي والمجالات الحضارية: يمكن أن نلاحظ بصمات واضحة لمجالات ثقافية وتقاليد حضارية تتأثر بشكل جوهري بالأديان. على سبيل المثال، يُعد الإسلام عنصرًا لا ينفصل عن النسيج القانوني والاجتماعي والفني واللغوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حتى في ظل وجود أنظمة سياسية تتبنى التوجهات العلمانية أو القومية.

البعد السياسي: لا يزال مفهوم "صراع الحضارات" الذي طرحه صامويل هنتنغتون يشكل إطارًا مرجعيًا لتحليل الصراعات الدولية. ومع ذلك، فإن هذا المفهوم يتعرض أحيانًا للنقد لكونه يعاني من التبسيط المفرط أو سوء التطبيق.

البعد القيمي: ثمة حديث عن مجموعات قيمية عالمية تنبثق من تقاليد ثقافية كبرى، مثل القيم ذات الجذور الأنجلوسكسونية/الغربية، والقيم المتأصلة في الفكر الكنفوشيوسي بشرق آسيا، أو القيم المنبعثة من التراث الإسلامي. ومع ذلك، فإن هذه البنى القيمية ليست منغلقة؛ بل إنها تتداخل وتؤثر وتتأثر ببعضها البعض بوضوح بفعل تداعيات العولمة.

لا يمكن النظر إلى "الحضارات" وفق مفهومها التاريخي القديم باعتبارها كيانات سياسية ودينية محكمة الإغلاق ومتحصنة داخل ذاتها. ولكن يمكن القول بإنصاف إن هناك تأثيرات ثقافية ودينية متجذرة ما تزال تُسهم في تشكيل هوية المجموعات والدول الكبرى. ويمكن وصف هذه الأطر بأنها "مناطق ثقافية كبرى"، مثل المجال الغربي، والمجال الإسلامي، والمجال الآسيوي. ومع ذلك، لا يعني ذلك أن هذه المناطق متجانسة بالكامل أو في حالة صراع دائم.

لقد تركت العولمة أثرًا عميقًا على مفاهيم "الحضارات" أو "المناطق الثقافية الكبرى"، إذ إنها ساهمت في تعقيد الصورة التقليدية لهذه المفاهيم عبر تحدي فكرة وجود كيانات ثقافية معزولة أو نقية تمامًا. ويمكن تلخيص تأثيرات العولمة في جانبين متعارضين: أحدهما يتمثل في خلق تجانس عالمي (التوحيد الثقافي)، والآخر في إثارة حالات من الاستقطاب ورد الفعل العكسي.
لقد ساهمت العولمة الاقتصادية والتكنولوجية، خصوصًا وسائل الإعلام الرقمية والإنترنت، في خلق انتشار واسع لقيم ومفاهيم مشتركة تتجاوز الخلفيات الدينية التقليدية. من أبرز هذه المفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية بدرجاتها المختلفة، بالإضافة إلى استهلاك العلامات التجارية العالمية وتبني أنماط الحياة المدنية الحديثة. نتيجة لذلك، تشكلت طبقة من الثقافة المشتركة التي تقلل من تماسك المفهوم الشامل للحضارة الإسلامية" أو "المسيحية" بزخمها القديم.

مع تزايد الهجرة والتنقل الدائم، أصبح الانتماء الثقافي أكثر انفصالًا عن العوامل الجغرافية. بات الشباب في الشرق الأوسط يتأثرون بشكل واضح بالثقافة الغربية، فيما يتفاعل الأفراد في الغرب يوميًا مع مظاهر ثقافية مثل الموسيقى والأطعمة والأفكار القادمة من آسيا وأفريقيا. هذه التداخلات الثقافية والهويات متعددة الطبقات جعلت مفهوم الحضارة المغلقة والمتجانسة فكرة غير ملائمة للواقع المعاصر.

اليوم، يعد معيار التقدم التكنولوجي والنمو الاقتصادي العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد قوة الدول ونفوذها العالمي، متجاوزًا أي التزام ديني أو ثقافي محدد. ومع ترابط الاقتصاد العالمي، باتت القدرة على المنافسة في الأسواق الدولية أهم بكثير من التمسك بالنماذج الثقافية التقليدية. وهذا يعزز وجهة النظر القائلة بأن الفروقات في مستويات المدنية والتطور هي الأهم مقارنة بتباين الحضارات.

ومع ذلك، لم تؤد العولمة إلى القضاء التام على الهويات الثقافية، بل أثارت موجات دفاع وردود فعل مضادة. أدّى الانتشار السريع للثقافة الغربية ذات الطابع العلماني إلى شعور بعض المجموعات بالتهديد، مما أفسح المجال لنشوء حركات أصولية دينية مثل الإسلام السياسي أو تيارات قومية دينية أخرى تهدف إلى تعزيز الهويات بصورة أكثر حدة ووضوح. في هذا السياق، تحول الدين إلى عنصر سياسي يُستخدم كوسيلة لإبراز التميز ومقاومة ما يُعرف بـ ”الغزو الثقافي".

في ظل هذه الظاهرة العالمية، أصبح مصطلح "صراع الحضارات" أداة أيديولوجية تُستغل من قبل أطراف سياسية مختلفة لتصوير عدو خارجي وهمي، سواء كان الغرب ضد الإسلام أو الإسلام ضد الغرب، مما يُظهر كيف يمكن للعولمة أن تصبح وسيلة للتصعيد السياسي بدلًا من التقارب الثقافي.
من خلال التركيز على حماية "النقاء" الثقافي أو الديني من التأثيرات الخارجية، أصبحت المواجهة أحيانًا تدور داخل الحضارة الواحدة بدلاً من أن تكون صراعًا بين الحضارات المختلفة. هذا الصدام الداخلي يتمحور حول كيفية التعامل مع العولمة: هل من الأفضل الانفتاح عليها والتكيف مع متغيراتها، أم اتخاذ موقف انغلاق ورفض؟ وفي كثير من الأحيان يكون هذا الصراع الداخلي أكثر حدة من أي مواجهة خارجية.

بوجه عام، أدت العولمة إلى تفكيك الأساسات الجغرافية والثقافية الراسخة لمفاهيم الحضارات الكبرى. إلا أنها في الوقت ذاته أوجدت بيئة خصبة لتسييس هذه المفاهيم، وجعلتها أدوات للصراع الاجتماعي والسياسي.

إن تجاوز الحواجز الوطنية والعنصرية والتركيز على المصالح المشتركة والعمل على تعزيز التعاون، يشكلان جوهر الفلسفات العالمية التي تهدف إلى تحقيق التنمية والسلام.

أما بالنسبة لسؤالك عن لغة الإسبرانتو (Esperanto)، فهي لم تختفِ تمامًا، لكنها لم تصل إلى هدفها الأساسي بأن تصبح لغة تواصل عالمية ثانية. ورغم ذلك، لا تزال هناك مجموعات صغيرة وحيوية حول العالم تستخدمها، لكن انتشارها ظل محدودًا للغاية. اللغة:
ما هي لغة الإسبرانتو ولماذا اعتُبِرت "ضرورية"؟
الإسبرانتو هي لغة مصطنعة قام بابتكارها الطبيب البولندي لودفيك زامنهوف في أواخر القرن التاسع عشر. الهدف الأساسي من تصميم هذه اللغة كان إيجاد وسيلة تواصل واحدة تكون سهلة التعلم، ومحايدة سياسيًا وثقافيًا، تُستخدم كلغة ثانية للجميع، لتقريب الشعوب من بعضها البعض. وتتماشى هذه الرؤية تمامًا مع فكرة تعزيز القيم المشتركة والابتعاد عن التفرقة، حيث إن الإسبرانتو لم ترتبط بأي قوة مهيمنة ثقافيًا أو سياسيًا.

رغم أهمية الفكرة من الناحية النظرية، لم تستطع الإسبرانتو تحقيق انتشار واسع أو أن تصبح لغة عالمية لأسباب كثيرة، أهمها هيمنة الإنجليزية التي كانت قد اكتسبت مكانة قوية عالميًا بعد الحرب العالمية الثانية بفضل النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة، إضافة إلى دورها الكبير في التكنولوجيا ووسائل الإعلام. اللغة الإنجليزية لم تكتسب شعبيتها عبر التخطيط، بل فرضت نفسها عبر عوامل القوة الصلبة والناعمة.

عادةً ما يتوافق قرار تعلم لغة جديدة مع معايير تتصل بالمكاسب الاقتصادية والمهنية أو المصالح السياسية، وهو ما لم تُقدمه الإسبرانتو عمليًا. فلم تُعتمد كلغة رسمية لأي دولة ذات ثقل اقتصادي أو لمنظمات دولية مؤثرة مثل الأمم المتحدة. هذا النقص في الاعتراف الدولي قلل بشكل كبير من حافز تعلمها.

أمر آخر جعل الإسبرانتو أقل جاذبية هو افتقارها "للحمولة الثقافية" التي تمتلكها اللغات الطبيعية، أي تاريخ طويل من الأدب والفنون والموسيقى المرتبطة بثقافة معينة. ورغم أن هذا كان مقصودًا لجعلها لغة محايدة، إلا أنه أدى كذلك إلى خفض الاهتمام بها.

كما أن تعلم الإسبرانتو، بالرغم من سهولتها النسبية، لا يزال يتطلب وقتًا وجهدًا، وهذا الجهد يفضل الكثيرون استثماره في تعلم لغات أكثر انتشارًا وفائدة عملية مثل الإنجليزية أو الصينية أو الإسبانية، التي تفتح آفاقاً أوسع على الصعيد الاقتصادي والثقافي.

بالمختصر، كانت الإسبرانتو حلًا مثاليًا من الناحية النظرية لمشكلة التواصل الدولي بين البشر، ولكنها اصطدمت بالواقع العملي والواقعية السياسية والاقتصادية التي عززت هيمنة اللغات الطبيعية.

وفي ظل زيادة النزاعات العرقية والدينية، يشهد العصر الحديث أيضًا تعاونًا دوليًا متزايدًا يتجاوز الحدود التقليدية، مدفوعًا بمصالح مشتركة تواجه تهديدات عالمية.

تمثل الأمم المتحدة مثالاً حيًا على هذا التوجه، حيث تكرّس الوثائق مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان بعيدًا عن الانتماءات القومية أو العرقية. كما أن المحكمة الجنائية الدولية تعمل على مبدأ أن الجرائم الكبرى مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ليست مجرد اعتداءات محلية، بل هي جرائم ضد الإنسانية بأسرها، ويجب محاسبة مرتكبيها بغض النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكابها.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن منظمة التجارة العالمية تقدم نموذجًا للتعاون الدولي عبر وضع قواعد شفافة تعزز المساواة بين الدول وتقلل التوجهات الحمائية التي تقود للعزلة الاقتصادية.

وفيما يخص القضايا البيئية، فإن تدهور البيئة وتغير المناخ لا يعترفان بالحدود الوطنية، مما فرض التعاون الإقليمي والدولي لإيجاد حلول مشتركة. اتفاقية باريس للمناخ تُعد نموذجًا بارزًا لهذا التعاون حيث تلتزم جميع الدول باتخاذ خطوات جادة للحد من انبعاثات الكربون.

هناك أيضاً قضايا أخرى تلزم التعاون الدولي مثل حماية الحياة البحرية ونظم الصيد التي تعتمد على تنظيم شامل بين الدول لأن الملوثات والثروات البحرية تتجاوز الحدود.

في النهاية، يبقى العلم ظاهرة عالمية بطبيعته، يعتمد على تبادل المعرفة والانفتاح بين كل شعوب العالم لتحقيق تقدم مشترك يعود بالنفع على الجميع.
مختبر فيزياء الجسيمات العالمي يُعد نموذجًا للتعاون الدولي بين عشرات الدول الأوروبية وغيرها، حيث يعمل العلماء من مختلف أنحاء العالم معًا لتحقيق هدف معرفي مشترك وهو فهم بنية المادة، متجاوزين أي مصالح وطنية ضيقة.
خلال أزمة جائحة كورونا، برزت أهمية التضامن العالمي من خلال تبادل البيانات المتعلقة بالفيروس والتعاون في تطوير اللقاحات والأدوية، مما يُظهر أن الصحة العامة العالمية تُشكل مصلحة مشتركة لا تعرف الحدود.

على نفس النهج، تعمل مؤسسات بريتون وودز مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تقديم الدعم المالي للدول التي تواجه أزمات، وضمان استقرار النظام المالي العالمي. هذه المؤسسات تُجسد مبدأ أن استقرار دولة واحدة ينعكس إيجاباً على الجميع.
أما المنظمات الإغاثية الإنسانية، فتُقدم مساعداتها عبر الحدود دون النظر إلى الدين أو الجنسية أو الانتماءات السياسية، مسترشدة بمبدأ الإنسانية المشتركة، كما يظهر جليًا في جهودها أثناء النزاعات المسلحة والكوارث الطبيعية.

ومع أنَّ العولمة قد فككت مفهوم الحضارات ككيانات مغلقة، إلا أنها ولَّدت في المقابل ردود فعل أصولية أدَّت إلى تسييس الهويات الثقافية واستغلالها كأدوات للصراع الداخلي والخارجي. لكن هذا الواقع المتقلب لا يجب أن يكون نهاية المطاف.

ومن هنا، أرى الطريق نحو المستقبل بوضوح: ليس أمام القوى التقدمية والإنسانية إلا العمل على بناء أمميتها الخاصة. هذه الأممية يجب أن ترتكز على مبدأ التعاون المشترك وتجاوز الحواجز الوطنية والعرقية، استناداً إلى القيم العالمية المتفق عليها في مجالات حقوق الإنسان والتنمية والبيئة، كما تجسدها المنظمات الدولية ومشاريع العلم العالمية. إنَّ الهدف الأسمى هو توحيد الجهود لتحقيق العدل ورفع المظالم عن الجماهير، والتركيز على مقياس التمدن الحقيقي الذي يخدم الإنسان، بدلاً من الانغماس في أوهام التصنيفات الثقافية التي طالما استخدمتها النخب لتعزيز هيمنتها.



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب يفقد السيطرة: هل هذه بداية النهاية؟
- الفردوسي ودوره المحوري في سياق التاريخ الثقافي الإيراني
- الترجمة الأيديولوجية: بين أفيون -الشعب- و -الشعوب-
- التباين الجمالي بين الشعر العاطفي والسياسي
- فجر الاعترافات
- التأطير الأحادي للإبداع -2
- التأطير الأحادي للإبداع -1
- الأزمة الهيكلية في بلدان الشرق الأوسط
- الترجمة العربية: تحريفات لأسباب إيديولوجية
- أسباب ضعف السلع الاستهلاكية في الاتحاد السوفيتي
- الأهمية المستمرة لكتاب -رأس المال- في عصر الرقمنة
- الشوفينية الفارسية أمام تحديات العقلانية والأممية
- حقبة الركود السوفيتية
- بين مزيج الأمواج والذكريات
- ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر
- أزمة اليسار في العالم العربي: تحديات الهيمنة القومية والليبر ...
- ضرورة تحريم التقية: بين رخصة الضرورة وخطرها على المجتمع
- اختلاف الآراء في اشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق
- ثلاثة قرون من الجمود: كيف دفع العرب والمسلمون ثمن حظر آل عثم ...
- تآكل الليبرالية


المزيد.....




- شاهد.. لماذا زار البابا لاوُن كنيسة القديس نيوفيتوس الغارقة ...
- -اشتباكات في حضرموت بين حلف القبائل والدعم الأمني-.. ما حقيق ...
- قيود ترامب على الهجرة.. فما هي الدول العربية المتأثرة بالقرا ...
- حريق هونغ كونغ: ارتفاع عدد الوفيات إلى 128 شخصاً، والبحث لا ...
- بينها دول عربية .. واشنطن تهدد حاملي البطاقة الخضراء بالطرد ...
- عمال مصر والصين.. شراكة نقابية جديدة تُدشّن خمس سنوات من الت ...
- بلجيكا تتمسك برفض استخدام الأصول الروسية لتمويل أوكرانيا خشي ...
- صحافة عالمية: الحملة العسكرية الإسرائيلية بالضفة انتقام جماع ...
- مظاهرات حاشدة في سوريا احتفالا بالذكرى الأولى لـ-ردع العدوان ...
- تحقيق لرويترز يكشف فظائع جديدة للدعم السريع بالفاشر


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - وهم الحضارات الكبرى: تفكيك الأسس الدينية والثقافية للتمايز في عصر العولمة