أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سهيل الزهاوي - حاجي ژن.. حين تغدو المرأة وطناً يُؤوي الأرواح














المزيد.....

حاجي ژن.. حين تغدو المرأة وطناً يُؤوي الأرواح


سهيل الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 22:50
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


وُلدت عائشة قادر سعيد، المعروفة باسم حاجي ژن، عام 1920 في قلعة دزة، المدينة التي تتكئ على الجبال وتستقي من صلابتها روح الصمود. منذ طفولتها، كان القدر يخطّ لها طريقًا مختلفًا، كأنه يهيئها لتغدو أكثر من امرأة، لتصبح ذاكرةً للنضال وصوتًا لا يخرس أمام الجور.

تزوجت من سوفي محمد رسول لوس، وأنجبت ثلاثة أولاد وبنتين. لكن يد الإقطاع امتدت لتخطف زوجها وتسطو على أملاكه، تاركةً خلفها أرملةً تواجه عالمًا لا يرحم. لجأت إلى المحاكم لتسترد حقها، لكن العدالة كانت حبيسة قصرٍ يحرسه الإقطاعيون. وحين لم تجد بابًا مفتوحًا، وجدت في نفسها بابًا إلى النضال. لاحقوها بالاغتيال مرارًا، لكنها كانت تنجو لأن للحياة رسالةً كتبت باسمها.

في نهاية عام 1958، أعلنت انتماءها رسميًا إلى الحزب الشيوعي، لا كخيارٍ سياسي، بل كميثاقٍ روحي مع العدالة، منذ ذلك اليوم، لم تعد حياتها ملكًا لها، بل أصبحت نذرًا لقضيةٍ تتجاوز الذات وتلامس جوهر الإنسان.

بعد قصف قلعة دزة في عام 1974، حملت قلبها ورحلت إلى رانية، وهناك وجدت في رابطة المرأة العراقية بقيادة پەرژين أحمد باپير وطنًا من النساء اللاتي يحوّلن الألم إلى طاقة، والخذلان إلى فعلٍ مقاوم. وفي عام 1977، اضطرت إلى الانتقال إلى السليمانية بسبب مضايقات الأجهزة الأمنية، حيث التقت بالرفيقة نجيبة صديق، فانفتح أمامها طريق الحزب الشيوعي العراقي، لتفتح هي بالمقابل باب بيتها وتهبه للحزب: بيتٌ صغير صار ملاذًا للأمل، ومأوى للسرية، وموقدًا للحلم الجماعي.

في عام 1984، تحوّل بيتها إلى مطبعة سرية تنبض بالحياة. بين جدرانها كانت تُطبع أدبيات الحزب وبياناته، وتخرج من بين يديها كلمات تتوهج كجمرة في ليل الوطن. كان صوت المطبعة الخافت في العتمة يشبه نبض قلبها، وكانت الأوراق تفوح برائحة التضحية والوفاء.

وفي العام ذاته، حملت على عاتقها خط البريد الحزبي بين المنظمة والقيادة، متنقلة بين الأزقة والجبال، تحمل الرسائل كمن يحمل الأرواح. ذات يومٍ، وقعت في كمينٍ للجحوش، لكن حيلتها وشجاعتها أنقذتاها. أنقذت البريد، وأنقذت معها وعدها للحزب، ووعدها للوطن.

كانت حياتها مسيرةً لا تعرف السكون. إذا ابتعدت عن النضال أثقلها الحزن، وإذا كُلّفت بمهمة أضاء وجهها كأنها تُبعث من جديد. وعندما استُشهد ابنها الأصغر عبد الرحمن في 15 تموز 1982، لم تبكِ، بل قالت: لا تحزنوا، بل اذكروه بالخير، لأنه استُشهد من أجل قضية، دفاعًا عن مصالح الكادحين." كانت كلماتها مرثيةً تحولت إلى نشيد، ودمعةً ارتفعت إلى راية.

بل وأكثر من ذلك، حين كُلّفت بمهمة حزبية بعد أيام من استشهاده، تركت مجلس العزاء بهدوءٍ شامخ، وذهبت لتنفيذ المهمة، كأنها تؤمن أن الوفاء لدمه هو في مواصلة الطريق، لا في البكاء عليه.

وفي المنفى، ظلت تحمل أمنيةً واحدة: أن تزور ضريح لينين في موسكو. وقد تحققت لها تلك الأمنية، كأن القدر أراد أن يمنحها طمأنينة اللقاء الأخير مع رمزٍ من رموز العدالة التي آمنت بها. وفي الثالث من كانون الثاني 1995، أُسدلت الستارة على حياةٍ ملأى بالنور، ودُفن جسدها في قرية إيسكرا قرب موسكو، بينما بقيت روحها تحرس ذاكرة النضال، وتضيء للأجيال درب الإيمان والوفاء

لم تكن حاجي ژن امرأة عابرة في سجل التاريخ؛ كانت وطنًا يُؤوي الأرواح، وتاريخًا ينطق بضميرٍ أنثوي لا ينام فحين تؤمن المرأة، تصير وطنًا، وحين تناضل، تصير تاريخًا، وحين تُضحّي، تصير ضميرًا لا يُمحى.



#سهيل_الزهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الرغبة والتمرد: قراءة بنيوية وسيميائية ونفسية ونسوية لقص ...
- من الغزل إلى الالتزام: الحبيبة كقناع للوطن والفكر: في قصيدة ...
- الشوق والغياب في رباعية الشاعر القدير يحيى السماوي: قراءة نق ...
- قالوا: تدلّل! قلتُ: لا! - الشعر كفعل مقاومة أخلاقية دراسة ما ...
- الألم و العشق والفناء والخلود: مقاربة وطنية وفلسفية لومضة يح ...
- بين الظلال والنور: قراءة نقدية في قصيدة -لا تكن معتما…- للشا ...
- ومضة الهوية: صراع الذات والوطن في النص الشعري للشاعر الكبير ...
- تموز: انبعاث الثورة وانبثاق الحرية من قلب المعاناة، في قصيدة ...
- حين يضحك الشهيد قبل المقصلة
- رمزية المرأة وقضية التحرر في قصيدة -العنقاء- للشاعر عبد الست ...
- من -خبز أمي- إلى -قضبان الضلوع-: قراءة رمزية في ومضة شعرية - ...
- بين الهبة والسُّلطَة: قراءة في قصيدة -إنّما الدنيا لِمن وَهَ ...
- عهدي وكلمتي
- الجندي، الهذيان، والخذلان الكبير قراءة في قصيدة -العمائم- لل ...
- مواويل عشق للشاعرة: كريمة الحسيني: دراسة نقدية في تكوين الحب ...
- وطنٌ معلق بين الحب والخذلان قراءة نقدية لقصيدة -حبُّ امتناعٍ ...
- لوحة المنزل* / للشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلاند
- الصمود والتحدي: قراءة في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياس ...
- قراءات نقدية : دراسة بنيوية ورمزية لقصيدة -مهرجان- للشاعر يح ...
- *قصيدة العَلْمُ الأَحْمَرُ / الشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلان ...


المزيد.....




- تركيا: اللجنة البرلمانية تبحث إمكانية زيارة زعيم حزب العمال ...
- في قرار مجلس الأمن حول غزة
- الاشتراكي الديمقراطي مامداني وديمقراطيون آخرون يفوزون في انت ...
- مجلس الاستعمار.. برعاية ترامب وحلفاؤه العرب
- ألمانيا... صعود اليمين المتطرف يشعل جرائم الكراهية ضد المثلي ...
- الجزائر تؤكد استعدادها لدعم وساطة بين المغرب والبوليساريو لح ...
- زحف اليسار ينذر بتحولات داخل الحزب الديمقراطي بأميركا
- عقب مجزرة عين الحلوة...الفصائل الفلسطينية بصيدا تعلن الإضراب ...
- السودان وزور ادّعاءات ترامب
- اعتقال متظاهرين مؤيدين لمنظمة فلسطين أكشن في بريطانيا


المزيد.....

- [كراسات شيوعية]اغتيال أندريه نين: أسبابه، ومن الجناة :تأليف ... / عبدالرؤوف بطيخ
- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - سهيل الزهاوي - حاجي ژن.. حين تغدو المرأة وطناً يُؤوي الأرواح