أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - بين الظلال والنور: قراءة نقدية في قصيدة -لا تكن معتما…- للشاعرة ظمياء ملكشاهي















المزيد.....


بين الظلال والنور: قراءة نقدية في قصيدة -لا تكن معتما…- للشاعرة ظمياء ملكشاهي


سهيل الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 20:47
المحور: الادب والفن
    


المقدمة
تُقدم قصيدة “لا تكن معتمًا…” لظمياء ملكشاهي نموذجاً للشعر الحرّ الذي يواكب الصراع الوجودي بين الألم والأمل، مستثمرةً رموز القلق الكينوني والاضطراب النفسيّ في بناء نصٍّ يحرّض الذات على تجاوز العتمة وإشعال شرارة الحياة من داخله. تنطلق الدراسة من فرضيّة مفادها أن ملكشاهي توظف ثلاث آليات متكاملة لتحويل الجمود النفسي إلى طاقة فعّالة: الأولى تتناول البنية النحوية والدلالية للخطاب الشعري؛ الثانية تركز على البعد النفسي والرمزي للعناصر التصويرية؛ والثالثة تقارن بين تقنية المخاطب الذاتي في النصّ الشعري ومُقاربته الفلسفية في “هكذا تكلم زرادشت” لنيتشه.
يستند البحث في محاوره الثلاث إلى المنهج الوصفيّ التحليلي، حيث:
1- يبيّن المحور النحوي–الدلالي وظائف النهي والحثّ والانزياحات الدلالية في إحداث صدمة تحفيزية للذات.
2- يدرس المحور النفسي–الرمزيّ استدعاء المحسوسات والاستعارات ودورها في رسم مسار التحوّل الداخلي من العتمة إلى الانبعاث.
3- يعقد المحور الفلسفي–الشعري مقارنة نقدية بين خطاب ملكشاهي الذاتي ولغة الأوامر والنبوءة في نصوص نيتشه، لتبيان كيفية انتقال الذات من متلقٍّ سلبي إلى فاعلٍ مبدع.
من خلال هذه المحاور الثلاثة، تهدف الدراسة إلى كشف الآليات الفنية التي تكوّن بنية القصيدة كمشروع إنسانيّ مُتمرد على الانكسار، قادرٍ على استنطاق الإرادة الداخلية وإعادة ولادة النور من تحت الرماد
نص القصيدة:
لاتكن معتما...
تنوس في سقف الغرفة كفانوس عتيق
هي ذي ايامك الموسومة بالعتمة
لا تستمع لتلك المنى
ماعاد يجديك التريث
أسرع وأنت تحث الخطى إلى منتهاك
واختر لغيمتك مطرا يليق بهطولك
ثمة من ينتظرك صباحا ليبدأ يومه
قططك التي تحب
علمها كيف يموت الانتظار عندما لا تأتي
تلك الأشجار التي ترسمها لن تكبر أكثر
وطيور النوارس لا تحب سمكاتك
بحرك زبد
وايامك عدد
وٱخرك اسم على شاهد
اغصانك الكسيرة لن تزهر
عواء بعيد
طيور تنتظر خلف شبابيك السماء الزرقاء
تراتيلك تترنم في شوارعها
فلا تسقط الٱن مرغما
كن حليف نفسك
وابتهج وانت تقاتل طواحين الهواء
مازال فيك رمق للمجالدة
ٱيها الخرتيت الجبار
والمجالد الصعب
تموضع في جحرك
فالموت قريب
تفسير أبيات القصيدة
المصطلحات البلاغية المعتمدة
التشبيه: مقارنة صريحة بين شيئين باستخدام أداة مثل “كـ”.
الاستعارة: تشبيه مكنى عن أحد طرفيه بحذف صريح لعنصر من عناصر التشبيه.
1. عنوان القصيدة: “لا تكن معتمًا”
يستهل العنوان بالأمر المنهي، فـ“لا تكن” وظيفة إنشائية تحريضية تدعو الذات إلى رفض الانسحاق في العتمة. هذه الصيغة تلتقي مع مقاربة سارتر الفلسفية لحتمية الفعل الحرّ وتؤسّس لخطابٍ وجوديٍّ يُجاهر بضرورة الاستيقاظ الذاتي.
2. “تنوس في سقف الغرفة كفانوس عتيق"
توظّف الشاعرة استعارةً بصرية لوصف الوعي الداخلي بضوء خافتٍ، يشبه فانوسًا قديمًا على وشك الانطفاء. “تنوس” تعكس رجفة الحركة وذبذبة الانكسار، فتؤسس لرمز تردّد الذات بين البقاء والزوال.
3. “هي ذي أيامك الموسومة بالعتمة”
الجملة الإخبارية تنبّه إلى اتساع الظلال ليشمل امتداد الزمن نفسه. “الموسومة” هنا استعارة نوعية للدلالة على الثبات: فالعتمة ليست حالة عابرة بل عنوانٌ يختزل تجربةً مستمرةً من الكآبة.
4. “لا تستمع لتلك المنى”
الأمر القاطع هنا يستهدف وهم الأمنيات كوسيلةٍ للتسكين. تُعمَّق الكلمة “المنى” وظيفتها التقليدية فتتحول إلى فخّ يثبّط الحماس بدلاً من تأجيجه، مستدعيةً فكرة ديكارت عن ضرورة الشكّ في الوهم لتحرير العقل.
5. “ما عاد يجديك التريث”
النفي المطلق يحسم جدوى الانتظار، فالتأجيل أصبح قرين الانطفاء. هنا تتماهى النصيحة الشعرية مع مقولة هيدغر عن “رهاب الوقت” ورسوخ أهمية المبادرة الفعلية.
6. “أسرع وأنت تحث الخطى إلى منتهاك”
الدعوة إلى الإسراع ليست تسرّعًا أعميًّا بل حركةٌ مدروسة. “حث الخطى” استعارةٌ للحافز الداخلي، تعكس وعيًا بضرورة امتلاك زمام المبادرة الفعّالة نحو تحقيق الذات.
7. “واختر لغيمتك مطرًا يليق بهطولك”
يُحوِّل هذا البيت سيل المشاعر أوّلًا إلى خيارٍ واعٍ. الاستعارة هنا “مطر لغيمة” تؤكد قدرتك على التشكيل الذاتي حتى في لحظة الانسكاب العاطفي، مذكّرةً بمنهج الكينونة عند سارتر.
8. “ثمة من ينتظرك صباحًا ليبدأ يومه”
يُرجع الخطاب الشاعرية إلى البعد الاجتماعي، فيستعيد الذات من عزلتها بوظيفة إنسانية. هذا الانتظار يدلّل على أثرك في الآخرين، كأنك رمزٌ ضوئيٌّ ينبغي لك عدم الانطفاء.
9. “قططك التي تحب علّمها كيف يموت الانتظار عندما لا تأتي”
القطط هنا رمز للألفة والاعتماد. الدعوة إلى تعليمها قسوة الفقدان تحوّل الوداعة إلى مسؤولية؛ فغيابك يصنع موت الصبر لديك وللآخرين، فتتحوّل العلاقة إلى اختبارٍ لمدى جدوى الوجود.
10. “تلك الأشجار التي ترسمها لن تكبر أكثر”
الأشجار استعارةٌ للأحلام والمنجزات. تثبت أنّ الخيال بلا فعلٍ متسقٍ يبقى قابعًا في طور التمثّل دون نموٍّ حقيقي، وفق ما يوضحه رولان بارت عن اشتراط ديمومة الفعل لإتمام الدلالة.
11. “وطيور النوارس لا تحب سمكاتك”
التنافر السريالي في هذه الصورة يدفع إلى تأويل الخذلان: حتى رموز الحرية (النوارس) ترفض عطاياك الرمزية. يسلّط الضوء على فجوة بين العرض والطلب، بين الذات والعالم.
12. “بحرك زبد وأيامك عدد وآخرك اسم على شاهد”
ثلاثيةٌ شعريّة تركّز على هشاشة الوجود: البحر زبدٌ لا عمقَ فيه، الأيام معدودةٌ، والنهاية مرصودةٌ. ينتهي الخطاب بتذكيرٍ بأن مقولة “العدم” ليست مفرًا بل دافعٌ لصنع المعنى الآن.
13. “أغصانك الكسيرة لن تزهر”
استعارة للألم والعجز: الأغصان المنكسرة رمزٌ للذات الموجوعة التي لا تجد في جرحها ما يثمر. هذا التشاؤم المؤقت يهيئ القارئ لتصعيد الفعل المقاوم في الفقرات اللاحقة.
14. “عواء بعيد طيور تنتظر خلف شبابيك السماء الزرقاء تراتيلك تترنم في شوارعها”
جمعٌ بين الصوت (العواء) والصورة (الطيور والشبابيك) والموسيقى (التراتيل)، ليشكّل سيمفونية حنين مهيَمَنة على الصمت الخارجي. يشير إلى جهد الذات لفرض وجودها في فضاءٍ عامٍّ صامت.
15. “فلا تسقط الآن مرغمًا كن حليف نفسك”
نقطة التحول: النفي “لا تسقط” يقابله الأمر الإيجابي “كن حليف نفسك”. يعكس الانتقال من ضياع الذات إلى تحالفٍ وجدانيٍّ مع الداخل، تأكيدًا على أن المقاومة تبدأ باتفاق بين الوعي والإرادة.
16. “وابتهج وأنت تقاتل طواحين الهواء ما زال فيك رمق للمجالدة”
توظيف دون كيـشوت كرمزٍ للتحدّي العبثي، فيقلبه إلى مثالٍ للكرامة. يحتفي البيت بقدرة الذات على استثمار رمقها الأخير في معارك مصيرية، حتى لو بدا القتال ضد قوى لا يمكن دحرها.
17. “أيها الخرتيت الجبار والمجالد الصعب تموضع في جحرك فالموت قريب”
تختتم الشاعرة بنداءٍ لحيوانٍ بدائيٍّ قويٍّ، يجمع الوحشية والعناد. “تموضع في جحرك” استعارة للاختباء المُعَدّ للمعركة الأخيرة. رغم وعي الذات بقرب الموت، فإنها تُصوغه كاختبارٍ أخير للهيبة.
الخلاصة
القصيدة تنتقل من وعيٍ بالعتمة والجمود إلى خطابٍ تحريضيٍّ للتمكين الفعّال.
الخطاب الذاتيّ يُوَلّد تحالفاً بين الإرادة والوعي بدلاً من الركون إلى الوهم.
رموزُ الضوء والظلال والحياة والموت تتصاعد لتؤسس لخطاب مقاومةٍ وجوديةٍ متكامل.
التناقض الظاهري أم الانسجام البنائي؟
1. الانطباع الأول
على مستوى الصور الفردية، قد تبدو بعض الأزواج متعارضة:
البيت الذي يصور “أغصانك الكسيرة لن تزهر” مقابل الدعوة لاحقًا لـ “ابتهج وأنت تقاتل طواحين الهواء”
الانتقال من التأمل في العتمة إلى الحث على الفعل يبدو قفزة درامية.
لكن هذا التضاد ليس تناقضًا حقيقيًا، بل هو محرك للعاطفة والنظرية في شعرية القصيدة.
2. آلية التضاد الإبداعي
الشعر يستثمر التضاد لتكثيف الانفعال وإبراز التحول النفسي.
في السياق الوجودي، الانهيار الأولى (“عتمة”، “أغصانك الكسيرة”) يهيئ القارئ لذروة الفعل المقاوم (“لا تكن معتمًا”، “ابتهج”).
3. الوحدة العضوية للنص
الخطاب التحريضي يبدأ بالنفي والتحذير ثم ينتقل إلى الأمر والدعوة للانتصار على الذات.
التصاعد الدرامي:
من وعي بالعجز (صور الانطفاء والموت)
إلى تصعيد موقفي (صور القتال والكرامة)
التناقضات الظاهرة تخضع للنسق الواحد:
لا تناقض في الرؤية بل تناوب للمشاعر يدعم رحلة الذات من الظلام إلى الفعل.
4. الخلاصة
لا يوجد تناقض مفاهيميّ بين الأبيات، بل توظيف للشعرية المضادة لتعميق المضامين.
كل صورة تقيم حلقة في السرد الذاتي، فتنتقل السلسلة بين انكسار الأمل وحضوره من جديد في دعوة الفعل.
المقاربة البنيوية
المقدمة
تناول هذه الدراسة بنية القصيدة باعتبارها منظومة دلالية متكاملة، تتفاعل فيها صور الظلام والنور عبر صراع داخلي يتحول إلى خطابٍ وجوديٍّ مشحونٍ بالتوتر والتحفيز. تنقسم القراءة البنيوية إلى ثلاثة محاور رئيسة: الهيكل الداخلي، الثنائيات البنيوية، والتتابع الدرامي.
1. الهيكل الداخلي: من السكون إلى الحراك
المقطع الأول (من “لا تكن معتمًا” حتى “ما عاد يجديك التريث”) يشكل مدخلًا رمزيًا إلى حالة الجمود النفسي واللاجدوى. تستحضر الشاعرة عبر “الفانوس العتيق” و“الأيام الموسومة بالعتمة” عتمة داخليةٍ ثابرةٍ، فتثبت موقع الذات في عزلتها وكآبتها.
المقطع الثاني (من “أسرع وأنت تحث الخطى” حتى “ما زال فيك رمق للمجالدة”) تنقلب صياغة النص من الوصف السلبي إلى صيغة الأمر والدعوة للفعل. تسهم مجازات مثل “اختر لغيمتك مطرًا” و“كن حليف نفسك” في توليد طاقةٍ حركيةٍ تعبر بالذات من الاستكانة إلى المواجهة، رغم إدراكها بقرب النهاية.
المقطع الثالث (من “أيها الخرتيت الجبار” حتى “فالموت قريب”) تختتم القصيدة باعترافٍ بواقعية الموت، مرفق بصورة “الخرتيت المجالد” رمزًا للقوة الباقية. هذا الوقوف الختامي يمحو شعور الهزيمة، ويعيد صياغة الموت كلحظةٍ واعية ضمن رحلة الوجود.
2. الثنائيات البنيوية: صياغة التوتر
تتكامل بنية النص عبر ثنائيات تخلق صراعات داخلية تدفع القصيدة نحو التناقض المنتج:
الثنائية
الوظيفة البنيوية
عتمة / نور
تأرجح الذات بين الانغلاق والبحث عن البصيرة
سكون / حراك
الانتقال من الجمود إلى المبادرة
موت / رمق
جدلية النهاية وبقاء الطاقة للمجابهة
انتظار / انقطاع
كسر رتابة الزمن و تحرر الذات من الركود
تسليم / مقاومة
الصراع بين الخضوع والاستقلال بالإرادة

3. التتابع الدرامي: من الإدراك إلى القرار
الإدراك السلبي: توصيف الظلام الداخلي وتثبيت الذات في موقع الضعف.
الأوامر التحفيزية: صياغة خطابٍ تحريضيٍ ينتقل بالذات من التردد إلى الفعل.
ذروة المواجهة: إعلان تحالف الإرادة مع الذات واستقبال الموت كجزءٍ مدركٍ من الصيرورة الوجودية.
الخلاصة
القصيدة تتخذ بنيةً تصاعديةً من الثبات إلى الحركة ثم التمركز الختامي.
الثنائيات تضفي توترًا دلاليًا ينتج ديناميكية النص ويعزز صراع الذات مع مصيرها.
التتابع الدرامي يوضح مدى تحول الخطاب من وعي بالعجز إلى قرارٍ فاعلٍ بالتمرد على العتمة.
الانزياحات الدلالية
الارتعاش الضوئي («تنوس… كفانوسٍ عتيق»)
المنحى الحركي لفعل «تنوس» يمنح الفانوس العتيق حياةً يترنّح فيها بين الانطفاء والاشتعال. تنقل هذه الصورة شعورًا بالقلق الكامن، كما لو أن النفس تتنفس أنفاسها الأخيرة قبل أن يزول نورها.
أنسنة الانتظار («يموت الانتظار»)
تُصوَّر لحظة الانتظار ككائنٍ معرض للموت، فيتحول الرجاء إلى وهم قابلٍ للفناء. بهذا الانزياح، تُقترح على الذات إمكانية تحطيم قيود الترقب بقرارٍ حاسم، فيُعاد تعريف الغياب كخيارٍ مُلغى لا كزمنٍ مؤجل.
تجميد النموّ («الأشجار التي ترسمها… لن تكبر»)
تُمنح الأشجار المرسومة حياةً خيالية، لكنها تُحرم من النمو الفعلي، فتبرز الفجوة بين الإبداع العقلي وواقع العجز عن الإخصاب والتحوّل. تصبح الرغبات حبراً على ورقٍ ما لم تُدعم بفعلٍ وقرار.
اختلال البحر («بحرك زبد»)
تتحوّل عمق البحار إلى سطحٍ رغوي هشّ، فتفقد الذات جذورها وسكونها. يرمز هذا التحول إلى اضطرابٍ داخليٍّ يزيح الاتزان ويتركَّز على الخارجي السطحي بلا عمق ولا معنى.
تفريغ الزمان («أيامك عدد»)
يُختزل الزمن إلى أرقامٍ جافة بلا روح أو خبرة، ما يعمّق الإحساس بتسارع الفناء. هنا لا يُسرد الزمان بخلق الحكاية بل يُحسب كحافزٍ للفعل، لا وعاءً للانتظار.
الاستعارات الرئيسية
العتمة
استعارة للانسحاب الوجودي وانطفاء البصيرة، حيث لا تعود الظلال مجرد فراغ فيزيائي بل انعكاسٌ لحالة انكماش داخلي.
طواحين الهواء
تجسّد المعارك العبثية لكنها ضرورية لاختبار الإرادة والبطولة. المواجهة هنا لا تقاس بالنتائج بل بالعزم المستمر رغم العبث.
الخرتيت الجبار
رمز للإرادة الصلبة المغلّفة بهيئةٍ بدائية، يجمع بين القوة الظاهرة وهشاشةٍ باطنة، فتتبدى الذات مقاتلةً تعرف متى تصمد ومتى تنسحب.
شبابيك السماء
تصوّر نافذةً روحية أو أفقًا للخلاص، تُقرب السماء إلى متناول الذات دون أن تؤكد إمكانية الفتح أو الإجابة النهائية.
رمق المجالدة
الطاقة الأخيرة التي لا تعني الهزال بل شرارة انطلاق جديدة، حيث يُختبر العزم في قمة اللحظة الحاسمة.
الفانوس العتيق
استعارة لذاكرةٍ تقاوم النسيان، وضوءٍ باهت يصرّ على الاستمرار رغم تقادم الزمن وتهديد الانطفاء.
عواء بعيد
صدى داخليٌّ للوحشة الوجودية وعزلة الذات في فضاء خالٍ من الردود، يعبّر عن ندبة الروح وفقدان الأمل.
المقاربة السيميائية
المقاربة السيميائية – تُعالج هذه المقاربة القصيدة كنظامٍ من العلامات) الدالة، تنحو بصورها المتناقضة والإيحائية إلى كشف أزمة الذات في علاقتها مع الزمان، والموت، والإرادة. وفيما يلي إعادة صياغة تلحظ بنية العلامة (الدال – المدلول) وسياقها الدلالي:
1. المبادئ المنهجية
تُفهم القصيدة هنا شبكة علامات موصولة ببعضها عبر علاقات تشبيهية واستعارية.
يُركَّز على حركة كل علامة داخل محورها البصري–النفسي: من الانطفاء إلى التوهّج، من الصمت إلى الصخب.
تُقرأ علامات القصيدة بوصفها رموزًا توضّحُ صيرورة الذات بين العتمة والفعل.
2. قراءة العلامات الدلالية
الفانوس العتيق
الدال: الفانوس القديم المرتجف فوق سقف الغرفة.
المدلول: وعي داخلي باهت يواجه خطر الانطفاء، مع بقايا أملٍ متآكلٍ بدوره.
الغيم والمطر
- الدال: اختيار المطر لغيمة الذات.
- المدلول: قدرة الذات على توليد التجدد والإخصاب العاطفي من قرارٍ داخلي مستقلّ، لا من عوامل خارجية.
القطط المحبوبة
الدال: القطط التي اعتادت الحضور والانتظار
المدلول: الارتباط الحميميّ بكل ما نحتضنه، ومسؤولية حرمان الآخرين من هذا الحضور عند انكفائنا.
الأشجار الراسمة
الدال: أشجارٌ مصوّرةٌ على الورق لا تكبر
المدلول: الأحلام والمشاريع الخيالية الجامدة، التي من دون فعلٍ مستمرّ تظلّ حبراً على ورق.
طيور النوارس وسمكاتك المرفوضة
- الدال: النوارس التي لم تعد تحب السمك.
- المدلول: الخذلان حتى من رموز الحرية، وفجوة بين ما نعرضه من قيمةٍ وما يطلبه الواقع.
البحر الزبد
الدال: بحرٌ يتكوّن كله من زبدٍ سطحي
المدلول: فقدان العمق والجوهر في تجربة الذات؛ صراعاتٌ بلا صدى حقيقي.
الخرتيت الجبار
الدال: الكائن المدرّع القويّ.
المدلول: إرادةٌ صلبة رغم هشاشتها الظاهرة، استعارةٌ للذات المحاربة على نحو دونكيشوتي.
الشبابيك الزرقاء
الدال: نوافذ في جدار السماء.
المدلول: أفقٌ روحيٌّ أو منفذٌ للحرية؛ رغبة الذات في الخروج من أسوار العتمة.
3. دينامية العلامة
التنافر السيميائي: اختلاف الواقع (نوارس ترفض السمك) والخيال (طيورٌ منتظِرةُ الفجر) يخلق انفعالاً دراميًّا.
التعالق الدلالي: كل رمزٍ يعيد توقيته في ثنائية العتمة/النور والصمت/الصخب، ما يعزّز انتقال الذات من الركود إلى المقاومة.
4. الخلاصة
تكشف مقاربة العلامات هذه عن اشتباكٍ سيميائيٍّ بنيويٍّ يجعل من القصيدة خطابًا وجوديًا متوتراً، لا يكتفي بتشخيص أزمة الذات بل يحوّل اللغة إلى ساحة مقاومة داخلية مستمرة.
المقاربة النفسية
1. دينامية الصراع الداخلي
تبدأ القصيدة برمز «العتمة» كخلفية نفسية تغرق الذات في كآبةٍ تجمّد الفعل.
يصاحب هذه الحالة صمتٌ داخلي تفرزه الأنماط الدفاعية (الإنكار والقمع)، ثم تتصاعد إيقاعات أوامر النهي والتحريض (لا تكن… أسرع… قاتل) لتحرّض النفس على إطلاق الطاقة الكامنة.
2. مراحل التحول النفسي
الصمود في العتمة
الذات تذعن لبؤسها، فتعيش جمودًا داخليًا يوازي صمت الظلال.
انفجار الإرادة
إصدار الأوامر يمثل «لحظة مفصل» تحوّل اليأس إلى دفعة حركية، حيث تصبح اللغة أداة مقاومة.
الفعل المتجلّي
تجسّد الأوامر في صور رمزية تنبض بالحياة: تحريك الفانوس، تأجيج القطط، انتفاض الشجرة.
3. وظيفة الرموز النفسية
الفانوس بؤرة ضوءٍ داخل الظلام، رمز لبذرة الإرادة التي تقاوم الانطفاء.
القطط المنتظرة تجسّد توقعات الذات للخلاص الخارجي، وتؤشر إلى ضرورة المبادرة قبل فوات الأوان.
الشجرة المكسورة مرآة لفقدان الأمل حين تبقى الرغبة حبراً على ورق بلا فعلٍ داعم.
طواحين الهواء معركة وهمية تواجه فيها الذات قيودها الداخلية والظروف المفتعلة.
النوارس تجسيد لرغبة الحرية التي ترفض الأسر بحكايات الذات الصغيرة.
المقارنة الفلسفية–الشعرية لتقنية المخاطِب الذاتي
1. تقنية المخاطب الذاتي في «لا تكن معتمًا» لظمياء ملكشاهي
أسلوب الأمر والنهي يبدأ النص بصيغة أمر تُحفّز «الذات» على الخلاص من العتمة، فتؤسّس مونولوجًا ذاتيًا يسعى إلى نقل الصوت الداخلي إلى فعل مقاوم.
ثنائية القائل والمخاطب تنقسم «الذات» إلى ضميرين: قائلٌ يوجّه وضميرٌ مُخاطَب يستجيب أو يرفض، ما يولّد صراعًا نفسيًا يتجاوز التمني إلى الفعل.
التقنية كأداة تحفيز تُعيد القصيدة بناء المشهد النفسي عبر إزاحة الانتظار والتمني بفعل إلزامي؛ فتتحوّل اللغة إلى آلية ضغط داخلية تدفع الذات نحو الحركة.
2. تقنية المخاطب الذاتي في «هكذا تكلم زرادشت» لنيتشه
الخطاب النبوي–الفلسفي يستعين نيتشه بصيغة الأوامر والنبوءات لتفجير طاقات «الأنا العليا» وبناء إنسانٍ متجاوزٍ للمألوف.
تعدد الأصوات والتناوب تتداخل في النص أصوات نيتشه، وزرادشت، والمتلقي الافتراضي، فينأى الخطاب عن السرد الأحادي ليصبح مسرحًا وجوديًا تعليميًا–تفكيكيًا.
الأسئلة البلاغية التحفيزية تنبع معظم الأوامر من أسئلة تشكّك في المسلّمات، فتدفع الذات إلى التفكير الأخلاقي المتعالي وإعادة النظر في ثوابتها.
3. أوجه التشابه
عنصر المقارنة
ظمياء ملكشاهي
فريدريش نيتشه
طبيعة الخطاب
أوامر شعرية حسّية
نثر فلسفي نبوي
الهدف
الخروج من العتمة والانتظار
تجاوز الإنسان العادي نحو الأسمى
الذات المخاطبة
ذاتٌ مجروحة تبحث عن الاستنهاض
ذاتٌ واعية تنشد التجلّي
التقنية البلاغية
أوامر مباشرة – صور حسّية
مونولوجات – أسئلة بلاغية
مركزية الذات
الذات محور الفعل والتغيير
الأنا بذرة التحول الكوني

4. الخلاصة
تؤكد المقارنة أن ظمياء ملكشاهي تستثمر تقنية المخاطب الذاتي في صيغة أمر تُفعّل الحوار الداخلي بين اليأس والإرادة، فتلتفت نحو الفعل الشعري المقاوم. في المقابل، يوظف نيتشه الأوامر والأسئلة ضمن خطاب فلسفي-نبوي لبناء «الأنا العليا» وتجاوز الشروط المألوفة. وفي كلتا الحالتين، تعود «الذات» إلى موقع الفاعل الرئيسي لصنع المعنى وإعادة ولادة نفسها من رماد الخمول إلى نبض الإرادة.
خاتمة
قصيدة "لا تكن معتمًا" تفتح أبوابًا من التأويل العميق والمتشابك، مدفوعة بصراع داخلي مشحون بثنائيات الحياة الجوهرية: النور مقابل العتمة، الانتظار أمام الفعل، والتراجع مقابل المواجهة المستميتة. الشاعرة اختارت خطابًا ذاتيًا ليس كوسيلة بلاغية عابرة، بل كنهج وجودي يعكس حوارًا داخليًا بين الذات وما تحمله من إمكانيات خفية، كأنها تُبادر بمواجهة مكنونات نفسها عند مفترق المصير.
ينسج النص شبكة معقدة من الاستعارات الرمزية والانزياحات الدلالية، مما يجعل تجربة القراءة رحلة في أعماق النفس، مدفوعة ببنية درامية متصاعدة تبدأ من الغموض وتتحوّل تدريجيًا نحو حسم يُطالب بالمقاومة. تبدو القصيدة أقرب إلى بيان يدعو للتمسك بالجوهر الذاتي مهما كانت الظروف، حتى في مواجهة الموت القريب. ومع ذلك، تعترف بحقيقة هشاشة الإنسان، إلا أنها تحول هذه الهشاشة إلى قوة تحدٍ ورفض للهزيمة.
في الختام، "لا تكن معتمًا" ليست إجابة بل سؤال مفتوح تُلقي به في وجه العتمة:
هل ستنطفئ، أم تُقاوم بشعلة خافتة لا تزال قادرة على التوهج؟



#سهيل_الزهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ومضة الهوية: صراع الذات والوطن في النص الشعري للشاعر الكبير ...
- تموز: انبعاث الثورة وانبثاق الحرية من قلب المعاناة، في قصيدة ...
- حين يضحك الشهيد قبل المقصلة
- رمزية المرأة وقضية التحرر في قصيدة -العنقاء- للشاعر عبد الست ...
- من -خبز أمي- إلى -قضبان الضلوع-: قراءة رمزية في ومضة شعرية - ...
- بين الهبة والسُّلطَة: قراءة في قصيدة -إنّما الدنيا لِمن وَهَ ...
- عهدي وكلمتي
- الجندي، الهذيان، والخذلان الكبير قراءة في قصيدة -العمائم- لل ...
- مواويل عشق للشاعرة: كريمة الحسيني: دراسة نقدية في تكوين الحب ...
- وطنٌ معلق بين الحب والخذلان قراءة نقدية لقصيدة -حبُّ امتناعٍ ...
- لوحة المنزل* / للشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلاند
- الصمود والتحدي: قراءة في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياس ...
- قراءات نقدية : دراسة بنيوية ورمزية لقصيدة -مهرجان- للشاعر يح ...
- *قصيدة العَلْمُ الأَحْمَرُ / الشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلان ...
- الشاعر سيجبيورن اوبستفلدر (1866- 1900) رائد الحداثة في النرو ...
- مُستيقِظاً في عَتْمَةِ الغَبَشِ
- نضال الطلبة ضد المعاهدات العراقية - البريطانية ( 1922- 1930 ...
- الوند العظيم
- أفجعتها المصيبةُ
- المثقفون (النشاط الفكري والسياسي في العهد العثماني )


المزيد.....




- تناقض واضح في الرواية الإسرائيلية حول الأسرى والمجاعة بغزة+ ...
- تضامنا مع القضية الفلسطينية.. مجموعة الصايغ تدعم إنتاج الفيل ...
- الخبز يصبح حلما بعيد المنال للفلسطينيين في غزة
- صوت الأمعاء الخاوية أعلى من ضجيج الحرب.. يوميات التجويع في غ ...
- مقتل الفنانة العراقية ديالا الوادي بدمشق
- لبنان: المسرح.. وسيلة للشفاء من الآثار النفسية التي خلفتها ...
- -طحين ونار وخوف وأنا أحاول أن أكون أمًا في غزة الجائعة-
- وفاة الفنانة ديالا الوادي في حادثة سرقة بدمشق
- مشروع قانون فرنسي لتعجيل استعادة الممتلكات الثقافية المنهوبة ...
- أكثر 10 لغات انتشارا في العالم بعام 2025.. ما ترتيب اللغة ال ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - بين الظلال والنور: قراءة نقدية في قصيدة -لا تكن معتما…- للشاعرة ظمياء ملكشاهي