أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - ومضة الهوية: صراع الذات والوطن في النص الشعري للشاعر الكبير يحيى السماوي














المزيد.....

ومضة الهوية: صراع الذات والوطن في النص الشعري للشاعر الكبير يحيى السماوي


سهيل الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 19:22
المحور: الادب والفن
    


المقدمة :
تستعرض هذه الدراسة تجربة الاغتراب والانفصال عن الجذور الحضارية كما تعكسها القصيدة "ومضة" للشاعر القدير يحيى السماوي، حيث يتحول التفكك النفسي إلى موت رمزي للهوية الشخصية. تهدف الدراسة إلى تحليل البيتين من الومضة عبر استكشاف الأبعاد البلاغية، البنيوية، والدلالية، مستندة إلى فرضية مفادها أن انفصال الذات عن فضاء "وادي الرافدين" لا يعبر فقط عن تحرك جغرافي، بل يشكل إعلانًا عن زوال وجود ثقافي ونفسي يسبق الموت الجسدي.

تنقسم الدراسة إلى أربعة محاور أساسية:

أولًا، التحقيق في الجذور اللغوية للتوازي بين الفعلين "استراح" و"استرحتُ"، مع إبراز دلالاتهما الرمزية ضمن السياق الشعري.
ثانيًا، تحليل بنيوي يركز على العلاقة التصاعدية بين عناصر الوطن والذات، مع دراسة التتابع الدرامي في ترتيب الأبيات لتوضيح ديناميكية الحوار الذاتي الداخلي.
ثالثًا، قراءة سيميائية للمفاتيح الرمزية في النص (مثل الوطن، الخيمة، الموت) بهدف رسم خريطة إشارات تُعمّق تجربة الاغتراب.
رابعًا، دراسة عملية إزاحة المعاني واستثمار الاستعارات المركزية في صياغة تصويرية لحالة التشرد وفقدان الهوية.
تتبع منهجية البحث نهجًا وصفيًا تحليليًا، حيث يُقدم النص بتحليل أولي ثم تُفسر دلالاته بالاعتماد على مناهج النقد البنيوي والسيميائي مع عرض أمثلة تطبيقية مأخوذة من الشعر. في ختام الدراسة، تُستخلص نتائج أدبية وثقافية تثري فهم العلاقة بين الإنسان وأرضه وتراثه الحضاري. مع مقدمة وخاتمة

نص الومضة
ومـضـة
_________
الـوطـنُ اسـتـراحَ مـنـي ..
وأنـا اسـتـرحـتُ ..
*
فإنـنـي مـنـذ نصبتُ خيمتي
في غيرِ وادي الرافدينِ :
مُـتُّ !

1. فك رموز الأبيات
في البيت الأول، لا يتناول الشاعر "الراحة" بالمعنى الحرفي، بل يقدّم مفهومًا مقلوبًا في علاقة الذات بالوطن. هنا، الوطن يستريح من الشاعر كما استراح الشاعر من الوطن. يشير هذا إلى أن العلاقة بين الشاعر وموطنه قد تعرّضت للخلل، فالمفروض أن "الراحة" تكون حالة متبادلة، لكن الشاعر يعبر عن عدم الراحة في صميم هذه العلاقة.
أما في البيت الثاني، فـ"نصب الخيمة" هو عنصر رمزي قوي يشير إلى التشتت والاغتراب. فقد كان من المفترض أن يستقر الشاعر في وطنه الأصلي (وادي الرافدين) ولكنه اختار الخيمة، التي تمثل موقفي الترحال والانقطاع. الخيمة هي تذكير بمؤقتية الاستقرار والهوية الضائعة.
2. التحليل البنيوي
القصيدة تركز على ثنائية "وطن – ذات"، وهذه الثنائية تكشف عن الصراع الداخلي للشاعر بين الانتماء إلى أرضه واغتراب ذاته. التباين بين مفهوم الوطن واحتياجات الذات يخلق حالة من التوتر الدائم، حيث يبحث الشاعر عن مكان يحقق فيه توازنه الشخصي، بينما ترفض الأرض أن تكون ملاذًا له.
ترتيب الأبيات يعزز من فكرة التصاعد الدرامي، حيث يبدأ الأمر بمفارقة تثير الصدمة، ثم ينتقل إلى حالة من السكون (الراحة)، ليحدث التحول الجذري في النهاية، حيث يعلن الشاعر عن "موت" رمزي.
3. التحليل السيميائي
في هذا السياق، "الوطن" لا يقتصر على كونه مكانًا جغرافيًا، بل يتخذ طابعًا أعمق مرتبطًا بالأمن النفسي والانتماء الثقافي والتاريخي. كما أن "الخيمة" تصبح استعارة للهوية المشتتة والضياع في المنافي، فهي ليست رمزًا للاستقرار، بل هي دالة على الافتقار إلى الجذور والهوية الثابتة.
أما "الموت" فهو ليس موتًا جسديًا، بل موتٌ للهوية أو فَقدٌ للانتماء، الأمر الذي يعكس حجم الأثر الكبير للاغتراب على الذات.
4. الدلالة الإزاحية
يتمكن الشاعر من إزاحة معاني الكلمات العادية وتوجيهها نحو سياقات ذات دلالات أعمق. "الراحة" التي يتم الحديث عنها لا تتعلق بتوقف الجسد عن التعب، بل ترتبط بالموت الرمزي. كما أن "نصب الخيمة" في مكان آخر غير "وادي الرافدين" يعني رفض الشاعر للانتماء التقليدي. هو لا يختار الهجرة من وطنه فحسب، بل يختار فقدان الهوية التي يمثلها هذا الوادي.
5. الاستعارات
الوطن كمصدر للراحة: استعارة توضح أن الوطن في ذاكرة الشاعر ليس مجرد مكان يعيش فيه، بل هو "حضن" روحاني يشعر فيه بالسلام الداخلي.
الخيمة كذات شاردة: استعارة تعبر عن حالة من الضياع والاغتراب، حيث لا يوجد مكان ثابت للذات في الخارج.
الوادي كمهد للإنسانية: استعارة تشير إلى أن وادي الرافدين يمثل بداية التاريخ والجذور العميقة للإنسانية، وهو المكان الذي يعكس الاستقرار والتقاليد.


6. الاستنتاج النهائي
القصيدة تُصور كيف أن اغتراب الشاعر عن "وادي الرافدين" لا يمثل مجرد ابتعاد عن مكان جغرافي، بل هو قطع للصلة بالجذور التاريخية والثقافية. هذا الانقطاع يخلق موتًا رمزيًا في هوية الشاعر، مما يعبّر عن فجيعة الاغتراب الذي لا يقتصر على بعد جغرافي بل يمتد ليشمل التدمير الروحي.
7. استخلاص العبر
الانتماء لا يُفصَل عن الهوية: إذا قُطِعَت الجذور، فإن الذات تصبح ميتة رمزيًا. التفريط في الروابط الثقافية يؤدي إلى موت أكثر قسوة من الموت الجسدي.
الاغتراب كحكم مبكر على الذات: يؤدي الاغتراب عن الوطن إلى "إعدام" الهوية الثقافية في الخارج، ويعكس هذا كيف يمكن للإنسان أن يفقد جزءًا من ذاته في الرحيل.

خاتمة
تُظهر نتائج هذا البحث أن قصيدة “ومضة” لا تكتفي بوصف حالة اغترابٍ سطحية، بل تُمثِّل انتحارًا رمزيًّا للهوية كلما فُصِمَت الصلة بالأصل. إن المعالجات البلاغية—من توازي الأفعال إلى توظيف الخيمة والموت كعلامات—تبني سردًا دراميًّا يتدرج من الراحة الزائفة إلى الموت الحقيقي للذات. ومن ذلك نخلص إلى أن النص يؤكد على أنّ الانتماء ليس امتيازًا جغرافيًّا فحسب، بل ضرورة وجودية وحضارية لا يمكن تجاوزها دون دفع ثمنٍ ثقافي ونفسي باهِظ. هذه الدراسة تدعو إلى مزيد من المقارنات مع نصوص المهجرية العربية ونماذج أدبية عالمية تناولت الاغتراب الرمزي، لتوسيع آفاق فهم تأثير التشرد على تكوين الذات الشعري.



#سهيل_الزهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تموز: انبعاث الثورة وانبثاق الحرية من قلب المعاناة، في قصيدة ...
- حين يضحك الشهيد قبل المقصلة
- رمزية المرأة وقضية التحرر في قصيدة -العنقاء- للشاعر عبد الست ...
- من -خبز أمي- إلى -قضبان الضلوع-: قراءة رمزية في ومضة شعرية - ...
- بين الهبة والسُّلطَة: قراءة في قصيدة -إنّما الدنيا لِمن وَهَ ...
- عهدي وكلمتي
- الجندي، الهذيان، والخذلان الكبير قراءة في قصيدة -العمائم- لل ...
- مواويل عشق للشاعرة: كريمة الحسيني: دراسة نقدية في تكوين الحب ...
- وطنٌ معلق بين الحب والخذلان قراءة نقدية لقصيدة -حبُّ امتناعٍ ...
- لوحة المنزل* / للشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلاند
- الصمود والتحدي: قراءة في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياس ...
- قراءات نقدية : دراسة بنيوية ورمزية لقصيدة -مهرجان- للشاعر يح ...
- *قصيدة العَلْمُ الأَحْمَرُ / الشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلان ...
- الشاعر سيجبيورن اوبستفلدر (1866- 1900) رائد الحداثة في النرو ...
- مُستيقِظاً في عَتْمَةِ الغَبَشِ
- نضال الطلبة ضد المعاهدات العراقية - البريطانية ( 1922- 1930 ...
- الوند العظيم
- أفجعتها المصيبةُ
- المثقفون (النشاط الفكري والسياسي في العهد العثماني )
- النظام التعليمي في العراق ونشوء المثقفين 1900 - 1934


المزيد.....




- فنانون بلجيكيون: لا نريد أن نربي أطفالنا في عالم يموت فيه ال ...
- المسرح الجامعي بالدار البيضاء.. ذاكرة تهجس بالحداثة والتجريب ...
- حماس: نرفض المسرحيات الهزلية التي تسمى عمليات الإنزال الجوي ...
- حكومة غزة: المجاعة تزداد شراسة وما يجري مسرحية هزلية
- موسيقى زياد الرحباني.. حين تتحول النغمات إلى منشور سياسي غاض ...
- تعازي الشيوعي العراقي للشيوعي اللبناني برحيل الفنان الكبير ز ...
- اختتام مسابقة الرواية حول الشهيد يحيى السنوار في مسقط
- في حرب السرد بين المقاومة والاحتلال. من يملك الرواية؟
- من بغداد إلى القاهرة.. دروس الروح الأدبية في منافسات الشعراء ...
- صدور (كوثرة متد حرجة) مجموعة قصصية للأديبة بلقيس خالدب


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - ومضة الهوية: صراع الذات والوطن في النص الشعري للشاعر الكبير يحيى السماوي