أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - حين يضحك الشهيد قبل المقصلة














المزيد.....

حين يضحك الشهيد قبل المقصلة


سهيل الزهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 13:00
المحور: الادب والفن
    


ها قد انصرم عامٌ وشهران وستة أيام على إقامتي في هذه المدينة، منذ تسلّمي المهمة السرية الجديدة. في مثل هذا اليوم، تحديدًا في الثاني من شباط عام 1985، كنت على موعدٍ مع الرفيق حسيب وزوجته الرفيقة أَشتي. هناك، في بيتهم، التقيتُ بأخي زانا لأول مرة.
كالعادة، انطلقتُ إلى الموعد في السابعة صباحًا. كان صباح ذلك اليوم باردًا، تتساقط فيه الثلوج بغزارة، كما لو أنها تحمل في بياضها أسرار الحزن، وتكسو الشوارع بصمتٍ موحش. طرقتُ الباب وأنا أبتسم، ففتحت لي أَشتي، وأومأت لي أن أدخل إلى غرفة النوم بدلًا من الجلوس في الصالة.. بدا الأمر غريبًا، ظننتُ أن في البيت ضيفًا لا ينبغي أن يراني، أو أنهم بانتظار أحد.
لم تمضِ دقائق حتى عادت أَشتي. كان وجهها شاحبًا، ودموع صغيرة تتلألأ في عينيها. جلستْ صامتة تحدق بي. وعندما أبعدت نظراتها عني فجأة، أثار ذلك فضولي. رفعت رأسها من جديد، وقالت بصوتٍ مرتجف:
— هل تعلم أن السلطات أعدمت قبل أيام 150 سجينًا سياسيًا في سجن أبو غريب ببغداد؟
هززت رأسي: لا، لم أكن أعلم.
ثم صمتت وغادرت الغرفة مسرعة. بقيتُ وحدي، وغرقتُ في التفكير. تذكرت حينها ما أخبرتني به الرفيقة جميلة في الشهر الماضي، أن أخي. زانا خضع لمحاكمة صورية في بغداد. شيئًا فشيئًا بدأ الخوف يتسلل إليّ: هل كان زانا من بين الشهداء؟
عادت أَشتي وهي تحمل كأس ماء. نظرتُ إليها، وسألتها بحذر:
— هل زانا... كان من بين الشهداء؟
أطرقتْ برأسها، ثم قالت بصوتٍ مختنق:
— نعم.
تدفقت دموعها، بينما حاولتُ أنا أن أتماسك.
— من أين عرفتِ؟
— وصلتنا الرفيقة زكية من بغداد، وقالت إن ابنة عمتك، سعيدة، هي من نقلت الخبر.
أضافتْ:
— لا يوجد ضيف في البيت. طلبتُ منك المجيء إلى هنا لأنني عرفت أن وقع هذا الخبر سيكون قاسيًا، وأردتُ أن تسمعه بعيدًا عن الآخرين.
فتحتُ باب الغرفة واتجهت إلى الصالة. جلست بينهم، وقلت بصوتٍ خافت:
— لا داعي للبكاء عليه. هو من اختار هذا الطريق بكامل إرادته.
ثم، بينما أغالب انفعالاتي، قلت بثبات:
— الشهيد زانا لم يمت، بل سطّر صورة بطولية حين وقف متحديًا جلاديه، محافظًا على العهد. فليفتخر الجميع ببطولة الشهداء.
نظرتُ في عيني أَشتي، وأضفت:
— كنتُ واثقًا أنه سيصمد حتى النهاية. لقد قال لي يومًا: "يجب أن يواصل الشيوعي السير نحو الحقيقة، حتى لو كان على حافة قبره."
كان زانا أكثر تماسكًا في لحظاته الأخيرة، ينتظر دوره أمام المقصلة، مبتسمًا، مرتديًا ملابسه نفسها منذ لحظة اعتقاله. وبهدوء، أطلق نكتة ساخرة عن صدام حسين... فضحك الجلادون.
قالت أمي عندما استلمت جثمانه:
"وجهه كان هادئًا، كأنه نائم نومًا عميقًا."
التفتُّ إليهم مجددًا، وقلت بثبات:
— لن نبكيه، بل سنحمله في ذاكرتنا فخرًا ورايةً للمقاومة.
ساد الصمت، لكنني شعرتُ أن روح زانا كانت تملأ المكان.



#سهيل_الزهاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمزية المرأة وقضية التحرر في قصيدة -العنقاء- للشاعر عبد الست ...
- من -خبز أمي- إلى -قضبان الضلوع-: قراءة رمزية في ومضة شعرية - ...
- بين الهبة والسُّلطَة: قراءة في قصيدة -إنّما الدنيا لِمن وَهَ ...
- عهدي وكلمتي
- الجندي، الهذيان، والخذلان الكبير قراءة في قصيدة -العمائم- لل ...
- مواويل عشق للشاعرة: كريمة الحسيني: دراسة نقدية في تكوين الحب ...
- وطنٌ معلق بين الحب والخذلان قراءة نقدية لقصيدة -حبُّ امتناعٍ ...
- لوحة المنزل* / للشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلاند
- الصمود والتحدي: قراءة في الأبعاد النفسية والاجتماعية والسياس ...
- قراءات نقدية : دراسة بنيوية ورمزية لقصيدة -مهرجان- للشاعر يح ...
- *قصيدة العَلْمُ الأَحْمَرُ / الشاعر النرويجي أرنولف أوفيرلان ...
- الشاعر سيجبيورن اوبستفلدر (1866- 1900) رائد الحداثة في النرو ...
- مُستيقِظاً في عَتْمَةِ الغَبَشِ
- نضال الطلبة ضد المعاهدات العراقية - البريطانية ( 1922- 1930 ...
- الوند العظيم
- أفجعتها المصيبةُ
- المثقفون (النشاط الفكري والسياسي في العهد العثماني )
- النظام التعليمي في العراق ونشوء المثقفين 1900 - 1934
- رحلة إلى قلب المخاطر
- يجب عليك أن لا تنام


المزيد.....




- حرب غزة و-شبيه نتنياهو-.. فيلم -سوبرمان- الجديد يثير الجدل
- موقع التعليم الفني.. الاستعلام علي نتائج الدبلومات الفنية 20 ...
- عمرو دياب.. كلمات مكررة وموسيقى متجددة ونجاح مضمون
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس والاسم عبر بوابة الت ...
- الأماكن الأردنية وحماية الذاكرة من التزوير والسرقة في قصص -ا ...
- الشيخة مهرة.. ظهور ابنة حاكم دبي مع مغني الراب الأمريكي فرنش ...
- شيرين عبد الوهاب.. هل مُنعت الفنانة المصرية من لقاء فضل شاكر ...
- محمد ياسين صالح.. انتقادات لوزير الثقافة السوري بعد حديثه عن ...
- 2000 حرفي وفنان عملوا على مجموعة أزياء هندية في أسبوع باريس ...
- الأدب والألم: كيف يولد الجمال من رماد البؤس؟


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهيل الزهاوي - حين يضحك الشهيد قبل المقصلة