أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - نغم حزين على وتر جاحد نظرة تأملية في نص لأكرم الوتري…















المزيد.....

نغم حزين على وتر جاحد نظرة تأملية في نص لأكرم الوتري…


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 00:40
المحور: الادب والفن
    


نغم حزين على وتر جاحد
نظرة تأملية في نص لأكرم الوتري…
قحطان الفرج الله/ بغداد

الدكتور أكرم الوتري، شاعر وقاص ودبلوماسي وقانوني عراقي، يعد من الرواد المميزين في الحركة الشعرية الحديثة في العراق، عاصر أفذاذها مثل نازك الملائكة، بدر شاكر السياب، بلندن الحيدري، وحسين مردان. وُلد في بغداد عام 1930، ورحل عن عالمنا عام 2013. وقد كتب أولى أعماله الشعرية الحديثة عام 1947، نفس العام الذي نشرت فيه نازك الملائكة قصيدتها الشهيرة “(الكوليرا)”.
تقول عنه الراحلة الدكتورة حياة شرارة في مقدمة حوارها معه عام 1989 في مجلة الأقلام.
“صمت صلد مستديم طال أمده ما ينيف على ربع قرن، لم تستطع خلاله ملائكة الشعر، لا شياطينه، بكل ما أوتيت من فتنة وحذاقة ووسوسة وإغراء، أن تقطع حبال الصمت وتوصل أوتار الصوت وتعيد الوتري إلى عالمه الشعري، عالم الكلمات التي رسمها يراعه فانتظمت واستوت قصائد وقصص وترجمات ومقالات. وهو يمضي في خطواته الأولى على درب الحياة، ولكنها كانت خطوات الماشي على أرض طينية تطبع آثارها بعمق فتلفت إليها البصر، فلا يقدر أن يتحول عنها، وحين يجف تظل معالمها منحوتة في مكانها مهما مرت عليها السنون.”
في هذا الحوار، نشرت قصيدته “رائد الفضاء” لأول مرة إلى جانب نصوص أخرى، مما يجعلها حجر الزاوية لفهم تجربة الوتري الشعرية والفكرية. اليوم، نحن نعمل على إعادة إصدار ديوانه الوحيد للوجود (الوتر الجاحد) الذي طبع عام 1950 ، برفقة أصدقاء، مع كتابة دراسة نقدية عنه ونشر ملحق شامل عن حياته ومسيرته الأدبية، لإعادة تسليط الضوء على تجربة شاعر شكلت جزءًا من تاريخ الشعر الحديث في العراق والعالم العربي.
للوتري فلسفته الخاصة في كتابة الشعر، فقد صرح الوتري قائلاً: “أعتقد أن الإنسان يجب أن لا ينظم الشعر إلا إذا اضطر إلى ذلك، أي حين يصيح صرخة ألم كأنما داس أحد على قدمه فجأة بقسوة، فيصرخ دون وعي منه ثم يصمت. وكانت قصائدي بهذا الشكل، إنها أدب الصرخة. وأنا لا أحب الإطالة، إذا كتبت قصيدة طولها عشرون بيتًا، أظل أشطب حتى تصبح خمسة أبيات. وقصيدة «ضحكة» التي لفتت أنظار النقاد المصريين واللبنانيين من هذا النمط.” وهو هنا يصرح بكل دقة إن الشعر ابن الانفعال …
هذا الرأي يعكس طبيعته الشعرية الفذة، التي تقوم على الصرخة والاختصار المكثف، ويظهر رفضه للاطالة الزائدة، وحرصه على أن تكون كل كلمة في النص محملة بالمعنى والصدق الشعوري. ومن هنا نفهم طبيعة قصيدته “رائد الفضاء”، التي تجمع بين الرمزية الوجودية، والصرخة الشعرية، والتأمل الفلسفي العميق، لتصبح نصًا يتجاوز مجرد الشعر إلى تجربة فلسفية متكاملة حول الإنسان والغربة والذات والمعنى.

رائد الفضاء
لما وصلت إلى النجوم ، وجدتها
سوداً ، وكنت أظنها بيضاء
ووددت ريّ النفس عند عيونها
فوجدت كلّ صخورها جرداء
فلو انني - جهلاً مكثت بكوكبي لكفيت نفسي أن أرود فضاء
***
وحبست كلّ مطامحي في واحتي ولففت حول مضاربي الصحراء
***
تأبى فلول سفينتي عوداً إلى أرضي التي فارقتها استعلاء
ومن المحال بقاء عمر فائت ورجوع مجهود أضيع هباء
26 - 7 - 1980

تُعد قصيدة “رائد الفضاء” للشاعر العراقي الرائد الدكتور أكرم الوتري (رحمه الله) من أهم واعمق النصوص الشعرية التي تجسد المزج بين التجربة الشعرية والتأمل الفلسفي العميق. فالوتري، من خلال هذه القصيدة، لا يصف مجرد رحلة مادية إلى النجوم، بل يرسم رحلة الإنسان الداخلية، رحلة البحث عن المعنى في عالم يعج بالخيبات والتناقضات، رحلة البحث عن ذاته وسط الغربة الكونية والذاتية.
بين الفضاء والاغتراب تبدأ القصيدة بصورة شاعرية قوية، تعكس صدمة الإنسان أمام الواقع حين يواجه المجهول:

“لما وصلت إلى النجوم،
وجدتها سوداً،
وكنت أظنها بيضاء
ووددت ريّ النفس عند عيونها
فوجدت كلّ صخورها جرداء”

هذه الصورة ليست مجرد وصف للفضاء الخارجي، بل استعارة لتجربة الإنسان أمام الحقيقة التي لا تتوافق مع توقعاته. النجوم السوداء تمثل الخيبة، والفقدان، والفراغ الذي يواجه كلّ من يظن أن العلو أو البعد عن الأرض يمكن أن يمنحه الإجابات. هنا يظهر البعد الفلسفي للقصيدة: الإنسان يكتشف أن الرحلة إلى الخارج لا تغني عن رحلة الداخل، وأن الحقيقة ليست في المكان، بل في التجربة الذاتية.
الوتري يواصل التأمل باستخدام الرموز الشعرية، حين يقول:

“وحبست كل مطامحي في واحةٍ
ولففت حول مضاربي الصحراء”

الواحة هنا ليست مجرد مكان مألوف، بل رمز للطموحات المكبوتة، للفضاءات التي يسعى الإنسان من خلالها إلى حماية ذاته الداخلية. أما الصحراء، فهي تعبير عن السجن النفسي، عن العزلة والقيود التي تصاحب الإنسان أينما رحل. هذه الرمزية تجعل الرحلة إلى الفضاء الخارجي رحلة داخلية، وتجعل القارئ يتأمل في حدود الذات والوجود، وفي الكفاح الدائم للإنسان بين الرغبة في التحرر والقيود التي لا تفارقه، حتى يصل النص الى ابواب الخيال وتصل المفارقة الوجودية إلى ذروتها عند نهاية النص:
“تأبى فلول سفينتي عوداً إلى
أرضي التي فارقتها استعلاء
ومن المحال بقاء عمر فائت ورجوع مجهود أضيع هباء”

هنا يكشف الوتري عن الحقيقة المركزية في نصه: العلو والابتعاد ليسا ضمانًا للخلاص، بل قد يصبحان عبئًا إضافيًا يعيق العودة إلى الذات وإلى الواقع. الكبرياء الذي دفع الإنسان للابتعاد عن الأرض أصبح سببًا في توقيفه عن العودة، فيعلق بين الأمل والخيبة، بين الطموح والفشل، بين المعرفة والضياع. هذه المفارقة تعكس تأملًا فلسفيًا عميقًا في طبيعة الإنسان، وفي حدود قدراته على التحرر، وتجعل من القصيدة تجربة تأملية متكاملة، تثير التساؤلات الكبرى حول معنى الحرية والوجود.
فالقصيدة ليست مجرد رحلة مادية، بل نص تأملي فلسفي متكامل يستحضر أسئلة الإنسان الكبرى:
   •   هل الابتعاد عن الواقع يحقق الحرية؟
   •   هل الطموح والعلو كافيان لتجاوز حدود الذات؟
   •   كيف يواجه الإنسان حدود وجوده وقيوده النفسية؟
الوتري يجيب عن هذه الأسئلة ضمنيًا من خلال توظيفه الرمزي للصحراء، للواحة، وللنجوم السوداء، وللكبرياء الذي يعوق العودة. فالفضاء الخارجي يصبح فضاءً رمزيًا للروح، والرحلة إلى النجوم رحلة داخلية لاستكشاف أعماق النفس الإنسانية، وليست مجرد رحلة علمية أو مادية.
إن المفارقات الرمزية التي يحفل بها النص بين النجوم البيضاء والسوداء: صرخة فلسفية على مفرق طرق المتوقع والواقع، بين الأمل والخيبة، بين الصورة الذهنية والوجود الحقيقي، وكذلك الامر في الواحة والصحراء: تصوير الصراع الداخلي بين الطموح والقيود، بين الملاذ الداخلي والمأزق النفسي، وصولاً إلى السفينة المرفوضة للعودة: تعبير عن العبء الذي يصنعه الكبرياء، وعن استحالة العودة إلى الماضي بعد تجربة المعرفة أو الارتفاع.
كل هذه المفارقات تجعل النص تجربة فلسفية متكاملة، تنقل القارئ من التأمل في الفضاء الخارجي إلى التأمل في الذات، وتطرح التساؤلات الكبرى حول معنى الحياة والحرية والوجود.
قصيدة “رائد الفضاء” تجربة شعرية وفلسفية متكاملة، تمتزج فيها الصور الشعرية بالاستبطان الفلسفي، والمفارقات الوجودية بالرمزية الشعرية. الوتري يجعل من رحلة الإنسان إلى النجوم رحلة إلى أعماق ذاته، حيث يكتشف أن الحرية والنجاة ليست في العلو أو الرحيل، بل في مواجهة الذات والتصالح معها. إن هذه القصيدة تُعد نموذجًا فريدًا للشعر العراقي الحديث، ومرجعًا للتأمل الفلسفي في تجربة الإنسان الكونية والوجودية، وتجعل القارئ يعيش تجربة الشعر كرحلة داخلية مليئة بالتساؤلات والتحديات الفكرية.



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهدي العلاق… حين تصير الذاكرة وطنًا يكتبنا…
- في بيت آل الجمال… الله وقبول الاختلاف.
- الله والشرير مسألة الشر بين العقل والعاطفة: قراءة في كتاب ال ...
- العزوف الشيعي والانقياد السني… قراءة في المزاج الاجتماعي الج ...
- الاقتصاد الإبداعي في العراق بين التقدير والاختزال: قراءة نقد ...
- الحلاج ، سؤال لا يموت…. بين الفلسفة والتصوف.
- ذاكرة الخصم أقوى من وعي الحليف… قراءة في عقل الرئيس رفسنجاني ...
- والآن… ماذا بعد أن سقطت ورقة التوت؟!
- ( إيمان) يفرض بسلطة القانون
- حديث راهي جدًا….
- تفاهة اليقين: والخوف من السؤال: لماذا يعادي بعض رجال الدين ا ...
- (اللام الشمسية ) في سياسة حماية الطفولة
- ولاد الشمس: ذكاء الموضوع وعبقرية الأداء
- بين وهم التنمية البشرية والعنف الديني
- مقهى الوجودية
- تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)
- الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان ...
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة


المزيد.....




- -أعرف مدى دناءة دونالد ترامب-.. جيفري إبستين في رسالة عن قضي ...
- قمر كوردستان
- الشارقة... عاصمة الكتاب وروح اللغة
- الفنان المغترب سعدي يونس : مثلت مع مائدة نزهت، وقدمت مسرحية ...
- لبنان.. تقليد الفنان صلاح تيزاني -أبو سليم- وسام الاستحقاق
- فيلم -ذا رَننغ مان-.. نبوءة ستيفن كينغ تتحوّل إلى واقع سينما ...
- -العطر والدولة- لكمال القصير يبحث في تناقضات وتحولات الوعي ا ...
- مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون ...
- فيلم ”نسور الجمهورية” في مهرجان ستوكهولم السينمائي
- هل انتهى عصر الألعاب حقًا؟.. الشاشات هي العدو في الإعلان الت ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - نغم حزين على وتر جاحد نظرة تأملية في نص لأكرم الوتري…