أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - مهدي العلاق… حين تصير الذاكرة وطنًا يكتبنا…














المزيد.....

مهدي العلاق… حين تصير الذاكرة وطنًا يكتبنا…


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 16:48
المحور: الادب والفن
    


من يكتب سيرته لا يروي عمره فحسب، بل يوقظ الأمكنة التي ربّته، وينصت إلى رفيف الذاكرة وهي تعيد ترتيب العالم على مهلٍ في قلبه. فالسيرة، في معناها الأعمق، ليست استدعاءً للماضي، بل تربية للحاضر ومصالحة مع الذات، عرفتُ الدكتور مهدي محسن العلاق عن قرب، حين عملنا معًا في الأمانة العامة لمجلس الوزراء إبّان حكومة الدكتور حيدر العبادي، وكان هو الأمين العام للمجلس، وكنت أحد العاملين في فريقه. وما زلت أذكر كيف كان العمل معه تجربة أخلاقية قبل أن تكون وظيفية؛ إذ جمع بين انضباط الخبير ورهافة الإنسان، يوجّه من دون صخب، ويقنع من دون سلطة، فيغدو الحزم لديه قرين الرحمة، والدقة وجهًا من وجوه الإيمان بالواجب العام.
لم يكن المنصب عنده امتيازًا، بل عبئًا يؤديه بحسٍّ عالٍ من المسؤولية. كان يدخل مكتبه كما يدخل المؤمن محرابه، نظيف النية، واضح الخطى، مشغولًا بسلام الناس أكثر من صخَب السياسة. ومن خلاله تعلّمت أن الإدارة يمكن أن تكون مدرسة في الأخلاق، وأن الثقة تُبنى على الصدق لا على الأوامر، وحين صدر كتابه الجميل «كولي كمب CC»، شعرت أني أقرأ سيرة الوطن في إنسانٍ واحد. ففي ثنايا حكايته عن أبيه وأمه وأهله، تتجلّى صورة العراق التي آمن بها: بلدٌ تنوعه ثراءٌ لا انقسام، واختلافه رحمةٌ لا خصومة. في تلك الصفحات، تستعيد الذاكرة نكهة الطين وهمس الماء ودفء الجيرة. كتب يقول:
«لم تكن رحلة أبي إلى سن الذبان رحلة عملٍ موسميٍّ يعدّ أيامه ويرجع بما قسم الله، بل استقرارًا ينمّ عن رغبة في التوطن على أرضٍ شاءتها إرادة الله وظروف العيش».
كأن الأب في سرده رمزٌ لجيلٍ حمل العراق على كتفيه ومهّد لتكوّن روح الجماعة في وجه الغربة والعوز. ويمضي العلاق متأملًا في تنوّع الناس الذي شكّل نسيج الحياة في كولي كمب: «هكذا في بقعةٍ من أرض لواء الدليم، تمارس مجموعة صغيرة واحدة من شعائرها بصدرٍ رحب، وباحترامٍ وتعاطفٍ من رجال المنطقة ونسائها… لم يكن في تلك الأرض غريب، بل كان الجميع من طينٍ واحد».
ذلك العمق الإنساني هو ما يجعل من «كولي كمب» أكثر من مذكراتٍ عائلية؛ إنها وثيقة وجدانية في السلم الأهلي، ودعوة لأن نستعيد إنساننا قبل أن نعيد بناء مدننا. ففي كل صفحةٍ منها يتسلّل ضوء الأمكنة العراقية التي فقدناها شيئًا فشيئًا تحت ركام الإسمنت المتشابه.
ألهمتني تجربة الدكتور العلاق أن أتأمل معنى السيرة الذاتية من زاوية المكان. فالمكان هو الذاكرة الأولى، وهو الذي يصنع تمايز الناس والبيوت. غير أن زمننا هذا — كما قلت لصديقٍ ونحن نتوه في زحام المدن — جعلت الأمكنة متطابقة إلى حدّ التنافر، حتى صرنا لا نفرّق بين “أم الكبر والغزلان” فلا غزال فيها و“أم الخنازير”، فلا خنزير فيها !!!لا فرق إلا في الاسم فالناس هم الناس . ضاعت ملامح التنوع التي كانت تُثري الوجود وتؤنس الوحدة.
جعل كل الأمكنة متشابهة حتى غدت المدن نسخةً من المدن، والوجوه ظلًّا لبعضها. ضاع الغنى الذي كان يجعل المدينة تُسمّى على اسم نبعها أو نخيلها أو طيرها، وصار الناس كأنهم يسكنون في مرايا لا في بيوت.
في سيرة العلاق يتجلّى جمال الاختلاف، لا بوصفه انقسامًا، بل وفاءً للطبيعة الأولى للإنسان والوطن؛ تلك الطبيعة التي تتّسع للألوان، وتُحسن الظنّ بالآخر، وتجد في التنوّع نعمة لا نقمة. ولذلك ظلّ أثره فينا، في زملائه وتلامذته، أن نكتب سيرتنا كما نعيشها، ونعيش مناصبنا كما لو كنّا نكتب سيرةً تُقرأ بعدنا.
هذا هو الدرس الذي تركه في العمل وفي الحياة، وهو نفسه الذي تسكنه فصول «كولي كمب»؛ الكتاب الذي خطّه رجل دولةٍ بقلب ابنٍ وفيّ، جمع في ذاكرته بين الحنين والكرامة، وبين الطين والسماء.



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بيت آل الجمال… الله وقبول الاختلاف.
- الله والشرير مسألة الشر بين العقل والعاطفة: قراءة في كتاب ال ...
- العزوف الشيعي والانقياد السني… قراءة في المزاج الاجتماعي الج ...
- الاقتصاد الإبداعي في العراق بين التقدير والاختزال: قراءة نقد ...
- الحلاج ، سؤال لا يموت…. بين الفلسفة والتصوف.
- ذاكرة الخصم أقوى من وعي الحليف… قراءة في عقل الرئيس رفسنجاني ...
- والآن… ماذا بعد أن سقطت ورقة التوت؟!
- ( إيمان) يفرض بسلطة القانون
- حديث راهي جدًا….
- تفاهة اليقين: والخوف من السؤال: لماذا يعادي بعض رجال الدين ا ...
- (اللام الشمسية ) في سياسة حماية الطفولة
- ولاد الشمس: ذكاء الموضوع وعبقرية الأداء
- بين وهم التنمية البشرية والعنف الديني
- مقهى الوجودية
- تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)
- الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان ...
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة
- ثناء على الجيل الجديد ((يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …) ...


المزيد.....




- لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- ...
- محمد المعزوز يوقع روايته -أول النسيان- في أصيلة
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...
- مهرجان كتارا الـ11 يواصل فعالياته بمشاركة نخبة من الروائيين ...
- الوجه المظلم لـ-كريستوفر كولومبوس- و-عالمه الجديد-
- قناطر: لا آباء للثقافة العراقية!
- المخرج الايراني ناصر تقوائي يودَّع -خاله العزيز نابليون-
- إنجاز جديد للسينما الفلسطينية.. -فلسطين 36- بين الأفلام المر ...
- وليد سيف يسدل الستار على آخر فصول المشهد الأندلسي في رواية - ...
- موسم أصيلة الـ 46 يكرم أهالي المدينة في ختام فعاليات دورته ا ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - مهدي العلاق… حين تصير الذاكرة وطنًا يكتبنا…