أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - قحطان الفرج الله - الله والشرير مسألة الشر بين العقل والعاطفة: قراءة في كتاب المطران د.يوسف توما














المزيد.....

الله والشرير مسألة الشر بين العقل والعاطفة: قراءة في كتاب المطران د.يوسف توما


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 13:56
المحور: قضايا ثقافية
    


الله والشرير
مسألة الشر بين العقل والعاطفة:
قراءة في كتاب المطران د.يوسف توما


مسألة الشر من المسائل المعقدة فلسفيًا ودينيًا وحتى عاطفيًا، فهي من هواجس الإنسان وتساؤلاته الفلسفية الدائمة، كما أنها من مثيرات عقله تجاه إيمانه الفطري. فالسؤال عن الشر يثير مخاوف الإنسان في تجنّب الوقوع فيه، سواء من حيث الفعل أو التحمّل، أو من حيث اعتباره عقوبة للخلاص من الذنب. ومن هنا تبرز الأسئلة القديمة الجديدة: ما هو الشر؟ ومن خلقه؟ ولماذا يوجد أصلًا؟
من هنا ينطلق المطران الدكتور يوسف توما في رحلة ممتعة لتتبّع الإجابة عن هذه الأسئلة، بطريقة بسيطة بعيدة عن التعقيد والتعالي الفلسفي، وبأسلوب قريب من لغة الصحافة الفكرية المميزة. فهو يذكّر بأن “مسألة الشر تكثر فيها الأسئلة وتقل فيها الأجوبة، لأن الشر بذاته سؤال يفلت من جميع تساؤلاتنا وأجوبتنا، ويصعب الإمساك به أو تحديده بدقة: من أين يأتي الشر؟ ولماذا الشر؟ وكيف يحدث الشر؟ لقد طرح البشر هذه الأسئلة منذ القدم…
إن الشر لا يمسّنا في عقولنا فقط، بل في عواطفنا وأحاسيسنا أيضًا، ولهذا نحاول أن نجد له مبررًا لكي نرتاح أو نتعوذ منه فنهرب”.
يعالج الدكتور توما في كتابه عدة مسائل محاولًا الإجابة على هذه الأسئلة، ولا سيما في الفصل الأول الذي يعدّ واسطة العقد، إذ طرح فيه فكرة مسألة الشر بين العقل والعاطفة. وقد فرّق بحكمة ودراية بين المنطق العقلي المبني على الأدلة والأحكام المنطقية، وبين الإيمان الذي يقوم في كثير من مناحيه على العاطفة والسكينة النفسية. كما رسّخ المؤلف العديد من المفاهيم اللاهوتية المأخوذة من الكتاب المقدس بأسلوب عرض فريد وجميل خالٍ من الغموض.
إن أقدم التساؤلات حول الشر يكمن في السؤال: من خلقه؟ وإذا كان الله خالق كل شيء، أليس مسؤولًا عن وجود الشر؟ وهنا يبدو أن الله يقف في أول صف المتهمين! لكن يوسف توما يطرح منهاجًا مغايرًا للتفكير في الرد، إذ يقول: “كل هذه الانتقادات –وهي أقرب أحيانًا إلى السخرية– لا تتوجّه إلى الله، بل إلى فكرة الله التي نحملها نحن البشر، مؤمنين كنا أو غير مؤمنين. إنها فكرة مسبقة، وفيها تلعب الحساسية دورًا كبيرًا. فالمسألة في حقيقتها صرخة الإنسان المتألم، حتى وإن كان صراخه مهينًا أو غير منطقي، فإنه يريد أن يقول شيئًا ما لكي يرفض.”
من هنا يصبح الرفض ليس كفرًا ولا جحودًا، بل محاولة لرفض الخلط بين الله والشرير. لذلك نستحضر قول زوجة أيوب المبتلى حين قالت له: “جَدِّف (أكفر) على الله ومت” (أيوب 2:9)، فجاء تعليق يوسف توما العميق: “برد قلبك”. وهنا يبرز التمييز بين طبيعة الله ووجوده؛ وهي فكرة لاهوتية، لكنها مقبولة عقليًا أيضًا. فليس المطلوب الدفاع عن الله، لأنه ليس متهمًا –كما يقول المثل: من يعتذر متهم– بل المطلوب أن يكون موضوع تأمل وإصغاء. فبدل أن ينشغل المؤمن بالدفاع عن الله، عليه أن يتحلّى بالشجاعة ويسأل الله، لا كخصم بل كشريك في البحث عن المعنى.
ومن خلال هذا التوضيح الذكي، يؤكد يوسف توما أن مسألة الشر هي في جوهرها مسألة إنسانية. وعندما نطرحها على الله، فإننا نسائل أنفسنا: أي إله نقصد؟ أإله الفلاسفة أم إله المؤمنين؟ الإله القائم بذاته أم الله معنا؟ وإذا افترضنا أن الله مسؤول –مباشرًا أو غير مباشر– عن الشر، فإما أنه يريد الشر، أو لا يستطيع إيقافه، وفي الحالتين لا يكون هو الله. فالله لا يمكن إلا أن يكون صالحًا وطيبًا ونافعًا.
هذا الطرح يعيد إلى الأذهان ما ذهب إليه عدد من الفلاسفة؛ فأفلاطون اعتبر الشر نقصًا في الخير، وأوغسطينوس رأى أنه ليس جوهرًا مستقلًا بل فساد الخير، أما ابن سينا فأكد أن الشر عَرَضيّ لا ذاتيّ، والغزالي شدّد على أن ما نراه شرًا قد يكون جزءًا من نظام أوسع تحكمه حكمة خفية، بينما ذهب كانط إلى أن الشر متجذّر في حرية الإنسان، وسارتر اعتبره نتيجة مباشرة لاختياراتنا، فالإنسان “محكوم عليه بالحرية”.
ويخلص يوسف توما إلى أن الشر ليس له وجود حقيقي قائم بذاته، بل هو مجرد غياب للخير. كما أن الظلام لا يملك كيانًا خاصًا بل هو غياب النور، وكما أن الصمت ليس شيئًا بحد ذاته بل توقف الكلام، والعمى ليس وجودًا مستقلاً بل غياب البصر، كذلك الشر ليس سوى ثغرة في حضور الخير.
وهنا تكمن أهمية الكتاب: أنه لا يقدّم أجوبة جاهزة، بل يضع القارئ أمام الأسئلة نفسها بشجاعة ووضوح، داعيًا إياه إلى أن يجعل من الشر موضوع تأمل لا موضوع اتهام. فالشر يظل لغزًا لا يملك العقل البشري حسمه، وكل محاولة لفهمه إنما هي خطوة نحو مواجهة قسوته بالوعي، والبحث عن المعنى في مواجهة التجربة الإنسانية المؤلمة. وهكذا يصبح الشر، في نظر يوسف توما، ليس نهاية الطريق، بل بداية السؤال الذي يقود إلى أفق أرحب من الرجاء.



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العزوف الشيعي والانقياد السني… قراءة في المزاج الاجتماعي الج ...
- الاقتصاد الإبداعي في العراق بين التقدير والاختزال: قراءة نقد ...
- الحلاج ، سؤال لا يموت…. بين الفلسفة والتصوف.
- ذاكرة الخصم أقوى من وعي الحليف… قراءة في عقل الرئيس رفسنجاني ...
- والآن… ماذا بعد أن سقطت ورقة التوت؟!
- ( إيمان) يفرض بسلطة القانون
- حديث راهي جدًا….
- تفاهة اليقين: والخوف من السؤال: لماذا يعادي بعض رجال الدين ا ...
- (اللام الشمسية ) في سياسة حماية الطفولة
- ولاد الشمس: ذكاء الموضوع وعبقرية الأداء
- بين وهم التنمية البشرية والعنف الديني
- مقهى الوجودية
- تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)
- الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان ...
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة
- ثناء على الجيل الجديد ((يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …) ...
- سيرچاو صديقي الكردي...
- شعرية (الغموض الإيجابي)


المزيد.....




- ألمانيا: ضبط أكثر من 400 كيلوغرام من الكوكايين في ميناء هامب ...
- مسيرة بمدينة طنجة المغربية تضامنا مع قطر والمقاومة الفلسطيني ...
- حفّار قبر إسرائيل
- مظاهرة في إيطاليا للمطالبة بإنهاء حرب غزة ورفض مخطط التهجير ...
- مظاهرة في برلين تندد بالجرائم الإسرائيلية في غزة وتطالب بوقف ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى وينفخون بالبوق داخله
- وائل الدحدوح لـCNN عن مقتل صحفيي غزة: -مُدبَّر ومُتعمَّد-
- -الألعاب المحسنة-: رياضيون يتعاطون المنشطات مقابل مكافآت مجز ...
- مسيرات روسية في أجواء بولندا- وارسو تكشر عن أنيابها للكرملين ...
- دراسة صينية تحذر من مخاطر تيك توك على الأطفال تحت عمر السادس ...


المزيد.....

- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - قحطان الفرج الله - الله والشرير مسألة الشر بين العقل والعاطفة: قراءة في كتاب المطران د.يوسف توما