أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - حديث راهي جدًا….














المزيد.....

حديث راهي جدًا….


قحطان الفرج الله

الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 14:07
المحور: الادب والفن
    


منذ البدء، والإنسان العراقي يعيش ازدواجية عجيبة بين الألم والنكتة، بين الحزن الغائر في الذاكرة والابتسامة الساخرة التي تتسلل كفجوة ضوء من شق جدار معتم. سيظل الأدب الشفاهي حيًّا مادام في العراقي روح الطرافة، وروح السخرية التي لا تنفصل عن جسد المعاناة، بل تنبع منه. فكأن العراقي، حين يروي أو يغني أو ينكّت، يُقطّر من ألمه متعةً، ومن مأساته سحرًا يُدهش السامع حتى الذوبان، هذا الأدب ليس سردًا عابرًا، بل هو بنية شعورية واجتماعية، تُنتج اللذة من مكابدات الحياة، تمامًا كحرقة “أمّ ولد غَرِقَان تبرى الشرايع”، تلك الأم المنتظرة طفو ابنها الغريق عند ضفة النهر، بين الماء والقدر. إنها صورة تختزل كلّ جوهر الأدب الشفاهي العراقي، الانتظار، الحنين، الفقد، والإيمان بأن الحكاية تُعيد تشكيل المأساة في قالب إنساني شديد الحرارة.
لم تكن علاقتي بالمثقف العراقي كريم راهي علاقة شخصية مباشرة، بل هي صلة وجدانية ومعرفية من خلال ما يكتب، وقد كان كتابه اللافت “حكايات الساعة صفر” بوابة دهشة بالنسبة لي. فقد أدهشني أسلوبه الرشيق، وعمق رصده للبيئة الشفاهية العراقية وعلاقة ذلك بالجغرافية والبيئة، والماء وشدة الألم، وقدرته الفريدة على استدراج المتلقي إلى عوالم لم تعد متاحة إلا في الذاكرة، ولأنني من المهتمين بالأدب الشعبي والشفاهي، فقد كتبتُ فيه عدة مقالات ودراسات، علّها تنفع من يريد الإنصات إليها.
في أحد صباحات الصدفة، شاهدت لقاء كريم راهي ضمن برنامج “صباح منسي”، فأدركت حجم الظلم الثقافي الذي تعرّض له هذا الرجل، لا على مستوى التقدير العام فحسب، بل في الإعداد الإعلامي الذي لم يرتقِ إلى قامته المعرفية. لقاءٌ كان ينبغي أن يُكتب له ورقة إعداد تليق برجل موسوعيّ بهذا الأفق، لا أن يترك ضمن أسئلة فضفاضة وعابرة.
طرح كريم راهي في اللقاء تساؤلات بالغة الأهمية، حين قال: “كيف أنقل هذا النغم؟ لا بد أن أحكيه. وكيف أنقل هذه الحركة الجسدية؟ فلا بد أن أُصوّرها.”وهو بذلك لا يشير إلى التوثيق فحسب، بل إلى معضلة ترجمة الشفاهة إلى مدوّنة رقمية، تحافظ على حرارة الإلقاء، ونبرة الصوت، وتعبير الجسد. الرقمنة فرصة جديدة للأدب الشفاهي.
إن ميدان الأدب الشفاهي، بمخزونه العاطفي والوجداني الهائل، يجد اليوم فرصته الذهبية من خلال التكنولوجيا الحديثة. فالكتاب الرقمي، أو ما يُعرف بـ”الكتاب الإلكتروني التفاعلي”، يفتح آفاقًا جديدة أمام كتّاب الحكاية الشفاهية كالأستاذ كريم راهي، فهذا الشكل من الكتب لا يمكن تزويره أو التلاعب به، إذ يقوم على روابط إحالة إلكترونية فعالة، تمكّن القارئ من مشاهدة مقاطع فيديو، وسماع تسجيلات صوتية أو أغانٍ تراثية، أو حتى متابعة مشهد تمثيلي لحكاية ما.
وقد كان أول من بادر في هذا المجال على مستوى الوطن العربي الروائي الأردني محمد سناجلة، حين أصدر روايته التفاعلية الشهيرة “ظلال الواحد” سنة 2001، والتي تُعدّ تحولًا مفصليًا في العلاقة بين النص والتقنية، الأدب الشفاهي ، إن خزان الذاكرة الجمعية الأدب الشفاهي لا يُختزَل في حكاية أو أغنية، بل هو الذاكرة الجمعية التي ظلّت تحفظ التاريخ والهُوية في مواجهة التدوين الرسمي. وكما يقول الباحث المغربي عبد الحميد عقار “الأدب الشفاهي هو وجدان الأمة عندما تعجز السياسة عن التعبير عنها ” فهو أداة مقاومة بقدر ما هو وسيلة تسلية، وسلاح جماهيري بيد المهمّشين والفقراء لتحدّي السلطة والسخرية منها، وفي هذا السياق، نستحضر ما قاله المفكر المصري الاستاذ عبد الحميد يوسف، استاذ الادب الشعبي في كلية الاداب جامعة القاهرة ومؤسس كرسيها “الحكاية الشفاهية ليست مجرد بوحٍ عابر، بل هي إعادة كتابة غير مكتوبة للتاريخ من قاع المجتمع.”
من هنا، لا بد أن يُعاد الاعتبار لهذا النمط الإبداعي، وتُتاح له المنصات والوسائل الحديثة، ليبقى حيًا نابضًا كما هو في وجدان أمّ الولد الغريق، وفي نكتة البقال، وأغنية الحداد، ونشيج النخّال في سوق الشيوخ.
تحية لمَن يحفظ لهب التراث في ضوء كل ما سبق، فإن المثقف العراقي كريم راهي، ومن يسيرون على دربه من عشّاق الحكاية ومؤرّخي الوجدان الشعبي، يستحقون مساحة أوسع من التقدير والاحتفاء.
إنهم لا يكتبون سطورًا فحسب، بل ينقذون أرواحًا من الغياب، ويمدّون جسورًا بين الماضي والمستقبل، بين الإنسان وذاته، بين العراق ونبضه. وكريم راهي هو من هؤلاء الذين يصنعون مجد الذاكرة، هو من هؤلاء الذين ولدوا من العدم إلى العدم ونجوا من الطوفان ، ليكون ساعي بريد الغرقى، ولا اعني غرقى الفرات فقط بل عرقى ماء الورق أيضاً، ليكتب لنا نغم الحكاية، وحرارة الشغف، ونبض الحياة…



#قحطان_الفرج_الله (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفاهة اليقين: والخوف من السؤال: لماذا يعادي بعض رجال الدين ا ...
- (اللام الشمسية ) في سياسة حماية الطفولة
- ولاد الشمس: ذكاء الموضوع وعبقرية الأداء
- بين وهم التنمية البشرية والعنف الديني
- مقهى الوجودية
- تجليات معاصرة لشخصية عتمان (ابن الحبلة)
- الفكر الإنساني والأدب قراءة في كتاب د. سليمان العطار (عقلان ...
- صقور الحاج فويلح
- لماذا تأخر العرب وتقدم الصهاينة؟
- رياح التجهيل ومواسم التفاهة
- ثناء على الجيل الجديد ((يترجم القلب كلمات الحب بمعنى واحد …) ...
- سيرچاو صديقي الكردي...
- شعرية (الغموض الإيجابي)
- علم طفلك نطق الــ(لا)
- تشرين ولادة وطن اجهض في اسبوعه الأول
- مسلسل -الجنة والنار- وانعكاس لذّة العنف والبكاء
- الموت من أجل البقاء…
- الموت يسلبنا القدرة على الاعتذار …
- مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة
- حوار في الثقافة والادب


المزيد.....




- تابع حلقات المؤسس عثمان.. تردد قناة الفجر الجزائرية 2025 لمت ...
- توضيح بشأن قرار العباءة الزينبية: جزء من الفلكلور
- -عمّان بلغتين- فعالية فنية وأدبية توثق المدينة بعدستها وصوته ...
- مجموعة أدبية نادرة تضم مخطوطات أصلية لفرانز كافكا للبيع في ب ...
- كيف تحول الموسيقى والفن إلى علاج لتعزيز الصحة النفسية في الع ...
- موسكو تحتفي بالكاتب والمفكر سهيل فرح
- براعة مذهلة.. كيف يتقن الأطفال أدوارهم في السينما؟
- وفاة الفنانة الكبيرة سميحة أيوب تهز الوسط الفني.. وداع سيدة ...
- -مطبخ الرواية-.. رحلة أدبية عبر عوالم الطعام بين التراث العر ...
- رحيل يفغيني دوغا مبدع أحد 4 روائع موسيقية في القرن العشرين ( ...


المزيد.....

- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان الفرج الله - حديث راهي جدًا….