أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائف أمير اسماعيل - اتصال غرب سبراتلي















المزيد.....



اتصال غرب سبراتلي


رائف أمير اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 14:17
المحور: الادب والفن
    


اليوم الاول

كأن طائرة إيرباص (A380) قد أصبحت أخف وزناً حين صعدت على متنها ملكة جمال العالم.كأن انتشاءها بها جعلها مثل نسرٍ باسطٍ جناحيه خفةً وسمواً في السماء رغم وزنها البالغ 177 طنا عدا وزن ركابها الـ 853، بل وكأنها صارت تطير بتبختر لهذا التميُّز، المضاف إلى تميُّزها كونها أكبر وأغلى وأفضل وأجمل طائرة في العالم.. فالكل انتشى حتى قبل اقلاعها برؤية الملكة لانا فاراب وهي تتجول بين أحضان أضواء التصوير أينما حلت في مطار سيدني الدولي.
والكل ابتهج حتى قائدا الطائرة أنها ستكون بينهم ولوحدهم لست ساعات عندما حطت أقدامها البيض الجميلة على (أرض) الطائرة، وعندما انطلقت في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 15/ 4/ 2020 متوجهة إلى مطار هونغ كونغ الدولي.
وعلى الرغم من أن المواصفات التي بموجبها يتم إنتخاب ملكة جمال العالم قد لاتثير الكثير من الناس عندما يرونها أمامهم في الحقيقة وليس في المهرجانات، فهي عندهم امرأة جميلة فقط، حالها حال الجميلات، إلاّ أن هذه الملكة أقنعت كل من شاهدها باستحقاقها اللقب، رغم أن هناك الكثيرات ممن هنَّ أطول منها أو أكثر لحماً، بل قال عنها الراكب رافال الدميم لمجاوره عندما قدمت تمرُ من جانب كرسيه مبتسمةً:
- هي أجمل الملكات في تاريخ المسابقات.. قد لايندم الرجل على عمره إذا قضى معها ساعة واحدة.
- وبكم من المال يستطيع الرجل أن يستضيفها عنده لساعة؟
- أها؟ هل تظن هذا الشكل البريء المتسامي يقبل أن يُشترى بالمال؟
- لاتكن حالما أكثر، سيستضيفها الكثير من المليارديرات لليالِ وليس لساعات..ربما الشرط في أن لايسمح لملكة جمال العالم بالزواج لمدة خمس سنوات هو دعوة لأن تسرح وتمرح عند هذا وذاك ممن يعجبها ومن يدفع أكثر.
- رجاءً لاتُثر حفيظة خيالي، دعني أتخيلها بمثالية كما هو جمالها وأنا أدخلها في جنة في خيالي في ساعات الرحلة، لانني سأنسى شكلها بعد ساعات من الوصول..هذه طبيعتي، الأشكال التي أُحبها جداً أنساها بعد ساعات من الرؤية.
- طيب، سأتركك تتخيل براحتك.
شكَّ رافال أن صاحبه كان يدقق في دمامة وجهه وهو يتلفظ جملته الأخيرة حتى شابها لحن مستهزئ، فتحسرَ معترفاً متسائلاً:
- هل يمكن لدميم مثلي أن يحظى بها أو بمثلها يوماً؟
- لِمَ لا، ليس في الحياة معايير ثابتة، الحياة كثيرا ماتخدعنا بوجه منظم وهي تضمر عشوائية ليس فيها منطق.عفوا، العشوائية أصلا تظلم الكثير منا فتعطي الجمال أو المال لهذا وتحرم غيره (خالجه الشك في كلامه عندما تذكر أن كوازيمودو أحدب نوتردام القبيح لم يجتمع بالاسميرالدا الجميلة إلا ّ بعد أن دفن نفسه مع جثتها في قبرها).
وهكذا تُرك رافال يتخيَّل وهو يقتنص في فترات لمحات وحركات من الملكة أثناء تجوالها داخل الطائرة، أو أثناء ظهور جزءٍ من وجهها أو جسدها في زاوية النظر المائلة بزاوية 45 درجة تقريبا بين مقعدها ومقعده الذي يليه بثلاثة صفوف.
حلّقت الطائرة بارتفاعات تتراوح (30- 35) ألف قدم حين اجتازت قارة استراليا، ثم ارتفعت أكثر وهي تعبر غرب المحيط الهادئ حيث تُلمح تحتها تباعا الجزر الملونة المرسومة بأشكال جميلة فوق سطحه الأزرق.
لم يتبقَّ من زمن الرحلة سوى ساعتين.عند وصول الطائرة فوق جزر سبراتلي تفاجأ قائداها بدوامة كبيرة أَرغمتها على الدوران بداخلها ولم يتمكنا من فعل أي شيء لتعديل مسارها. والأغرب كانت السماء تَظلَم بشكل متقطع لتُنار خلالها بأضواء براقة ملونة.. المقاييس والعدادات صارت تتأرجح صعودا ونزولا مع نزولها.. الدوامة اشتدت وكأنها تبتلع الطائرة، نزلت آلاف الاقدام..تخلخل الضغط خارجها وضعف كثيراً إلى الحد الذي مزَّق ضغطها الداخلي جدارَها من أماكن متعددة.
كانت الملكة في تلك اللحظات قد لبست من جديد تنورتها الجلدية الحمراء الضيقة القصيرة، لتهم بالخروج من المرحاض..خرجت فتفاجأت بهول الاضطراب وعدم الاتزان في سيرها، ثم لحظات أخرى لتجد نفسها وقد اندفعت إلى خارج الطائرة من شرخ حدث قربها، وهوت إلى البحر.
بعد لحظات مرعبة اصطدم جسدها اليانع بسطح البحر ثم غرق. غطس عشرات الأمتار.. ويبدو أن الدوامة قد فعلت فعلها في البحر أيضا فلم تتمكن من السباحة رغم أنها تجيدها، وهكذا دخل الماء إلى رئتيها وتوقف دوران الدم وماتت(اكلينيكيا).
لكن قبل أن يموت الدماغ، وبعد أن شعرت أنها طارت بعيدا عن جسدها، شاهدت مخلوقاً غريب الشكل، قريباً من شكل البشر وكأنه يقول لها: إرجعي..إرجعي.
عندها أحست من جديد بجسدها بعد أن قذفتها دوامة فوق سطح البحر، ثم لتجرفها بعيداً بسرعة، بعيداً إلى ساحل جزيرة رملية.. شعرت وكأن قوة خارقة قد ساعدتها على لفظ ما بداخلها من ماء لتستعيد وعيها تماماَ وهي مذعورة مما حدث.
ثم أفقد الإعياء وعيها من جديد فدخلت في غيبوبة لمدة قاربت نصف ساعة لتستيقظ من جديد، لتتابع ما أصبح واقعاً أمامها، لتستفهم أين هي الآن وكيف ستتصرف؟
قبل أن تقف لتتفحص الجزيرة فهمت أن الطائرة لابد أن تكون غرقت تماما في البحر..قد يكون هناك بعض الناجين مثل حالتها لكنها لم ترَ أحداً منهم عندما نظرت إلى المكان الذي اعتقدت أن الطائرة قد غرقت فيه. وفي الوقت نفسه تحسست وبسرعة الجيب المغلق بالسحاب في تنورتها.. هاتفها الخلوي مازال موجوداً في الجيب، كانت أخرجته من حقيبتها ووضعته في جيبها عندما ذهبت إلى المرحاض. الهاتف الحديث الذي أهدته لها إحدى شركات الهواتف الخلوية كان من نوع الثريا الذكي، المباشر في الاتصال بالقمر الصناعي، إلاّ أنه أشار إلى عدم وجود اتصال معه. لكن رغم هذه المحاولة المؤلمة، هي ارتاحت بعض الشيء أنه مشحون تماما ومن الممكن أن يعود الاتصال في وقت لاحق. ثم تذكرت بارتياح: لابد من أن دول ركاب الطائرة سترسل طائراتها وسفنها للبحث وسيجدونها، وعليها أن تنتظر.
التفتت إلى الجزيرة، بدت كلها أمامها، جزيرة رملية صغيرة لاتتعدى ابعادها 500 متر طولاً و300 متر عرضاً، خالية من أي نبات أو ماء.. مسطحة عموما مع طياح صغيرة، امتدت منها نتوءات في البحر حصرت بينها خلجانا صغيرة.وهناك جزيرة تشبهها تقريبا، خالية، تبعد عنها حوالي 200 متر.
الجو كان ربيعيا فيما بدت سحب بيضاء عديدة تغطي جزءاً من السماء الزرقاء فوقها.
مشت بقدميها الحافيتين تجوب الجزيرة (لاتتذكر بالضبط كيف وأين فلتَ حذاءها من قدميها)، وتجوب بنظرها البحر من حولها وتدقق في النظر لمسافات قاصية. لم تجد شيئا يطمئنها، لا غذاء ، لا ماء ، لا مأوى مريح، لا سفن.. هناك جزر تبدو بعيدة جداً على بعد عشرات الكيلومترات.
شجعتها فكرة: إن الله أنقذها من موت محقّق، وأنه لن يتخلى عنها، في أن تضمن بعض الاطمئنان، لكن تخرقه لأول وهلة المؤشرات المعيشية السلبية في هذه الجزيرة، مع تأسّي من وضع معاكس تماما لواقع كانت تعيشه قبل ساعة.. من وضع كان فيه عشرات الناس وكاميراتهم يحومون حولها، إلى أن تكون مقصية وحدها تماما حتى دون اتصال لاسلكي.
واصلت بكاءها وارتجافها عندما تذكرت عائلتها.. هم حتما سمعوا حادث سقوط الطائرة، وأن الركاب كلهم غرقوا مع الطائرة، وهم الآن يصرخون بكاءً: والدها ووالدتها واخوتها واختها.
ساعتان بعدها لم يتخللها سوى تفكيرها ونسمة بحرية معتدلة الحرارة، ثم حل الغروب.
ساعات قضتها قبل أن تنام.قلبها يناشد السماء لتنقذها، وعقلها يفكر بتشتت في كيفية النجاة. ابتعدت امتاراً عن الساحل و تمددت على الرمل..خائفة قلقة مما قد تتفاجأ به. تفزعها حيناً أمواج البحر وحيناً تتحول إلى ترنيمة أم تهدهد طفلتها. شعرت بالجوع والعطش وهي تتذكر المآدب الفاخرة التي كانت تقام لأجلها بعد فوزها. غفتْ ثم فَزَّتْ..غفتْ وفزَّت مراراً من اصوات الموج والبرق البعيد، ثم تعبت ونامت.استيقظت من أحلام مزعجة متكررة، ثم نامت لتستيقظ أواخر الليل بسبب برودة الجو. بقيت ترتجف ساعات.. قامت لتحرك جسمها بعد اشتداد البرد بحركات رياضية كي تدفئ جسمها، حتى حل الفجر.

اليوم الثاني

حلول الفجر حالة لم تمر بها منذ سنوات، فقد كانت معتادة أن تنهض من فراشها في الساعة السابعة صباحاً لتستعد لأعمالها الروتينية. لم يسبق لها أن رأت فجر البحر، كيف يتغير لونه من الأسود إلى الأزرق الغامق ثم الفاتح..كيف تبدأ إضاءة السماء..كيف يبدأ خط نور الشمس ليسطع فوق سطح الماء ثم يتوسع بسرعة مع صعود قرصها..كيف يدفأ الهواء، أحاسيس رائعة تختلط مع مشاعر قلق وترقب في ذات الوقت.
أفزعتها دَقة منبه هاتفها الخلوي وهي تشير إلى السابعة صباحاً.. تنبيه جاء متأخراً كثيراً لأول مرة، فساعتها البايولوجية قبلها صحتها ونبهتها إلى جوعها وعطشها. عندها قامت تجوب الجزيرة من جديد عسى أن تجد شيئا تأكله، ذاقت ماء البحر المالح.. تذكرت دراسة علمية تقول أن ماء البحر حتى لو تجرّعه الإنسان فأن خلايا جسمه ستجف بسبب ملوحته الشديدة، ويموت. حفرت بيديها.. تعبت يداها دون أن تعثر على طعام أو ماء. دققت في الماء عسى أن ترى شيئاً، لم يكن الماء شفافا لترى ماتحته، عدا بعض الأسماك الصغيرة أو المتوسطة الحجم تقترب من حافة الجزيرة ثم تبتعد بسرعة. هي لم تجرِّب صيد السمك إلاّ مرّة واحدة حيث ذهبت مرّة للنزهة في أحد سواحل هونغ كونغ.كانت هناك تصطاد بالسنارة بعد أن تعلق بها قطع الخبز الصغيرة، لكن هنا بأي شيءٍ ستصيد وبأي موقد ستشويه؟.
ظلّت تنظر وتراقب السماء من جديد عسى أن تأتي طائرة ما.. تدعو من الله أن ينقذها أو يسهِّل نجاتها بطريقة ما، ثم تراقب البحر بدقة عسى أن تقترب سفينة ما. أحيانا تلوح في الأفق حركة جانبية لسفينة بعيدة جداً، لكن كيف تخرق المستحيل لتوصل صوتها أو صورتها.
في حوالي الواحدة بعد الظهر، جاءت طائرة مروحية من بعيد، فهبت لتلوح لها بيديها وتتقفز بجسدها وتركض في الجزيرة كي يراها قائداها. الطائرة بدت باحثة عن شيءٍ ما وحلقت بارتفاعٍ واطئ، إلاّ أنها مرّت دون أن تنزل، وذهبت بعيداً ولم تعد.
خارت قواها وجلست خائبة، لكنها لم تفقد الأمل ،فقد احتملت أنها لم تكن طائرة إنقاذ وكانت في واجب مستعجل، تبحث عن شيءٍ آخر لايتعلق بالحادث.
التقارير التي قدمتها طائرات الإنقاذ الصينية إلى حكومتها قالت إنهم لم يعثروا على شيءٍ فوق سطح البحر، ولا في الجزر القريبة من مكان الحادث.
الإنسان كائن اجتماعي، يصعب عليه أن يعيش وحده.. يصعب عليه أن يبقى فترة طويلة لايتكلم فيها مع أحد، أو أن لايرى أحدا، فكيف معها وهي التي عاشت داخل أسرة حميمة الصلة والحنان في مدينة مكتظة بالسكان، وقد خلقها الله جميلة والكلّ يريد أن يتقرّب منها ويتحدث معها حتى قبل أن تفوز بلقب ملكة جمال.. بل بدون طعام وشراب، والأتعس: ضمن مدة مجهولة، ومصير مجهول قد تكون نهايته الموت البطيء.
ماذا حدث؟ حدث عارض أم عقوبة إلهية لشيءٍ اقترفته؟.. والأغرب الطريقة التي نجت فيها، ما هذه الصورة التي أمرتها بالرجوع إلى الحياة فعادت؟..حلم ؟..وهم؟..مخلوق حقيقي حدَّثها؟..فهي لم ترَ مثله حتى في أفلام الخيال العلمي. هل جمع دماغها تقاطيع من صور؟..كان شكله قريب من البشر بجبين كبير جداً، وأذنين كأنهما تشكلان طوقا، ينبتان من الصدغ حتى يلتحمان فوق الرأس، وسطهما دائرة كأنها عين ثالثة. هل هناك من حولها أشياء أو مخلوقات لاتراها؟ دراستها العلمية وتفكيرها المنطقي يقولان لها إن الإنسان يلجأ إلى الخرافة والوهم عند الخوف، وعليها أن تكون واقعية فقط..أن تبحث في أية أشياء مادية تكون وسائل للحصول على الغذاء ومن ثم النجاة، وعليها أن تتحمل فيبدو أن الحياة قد دللتها كثيرا ثم فطمتها فجأة.

اليوم الثالث

مرَّ مثل اليومين الماضيين وقد اشتد بها الجوع والعطش دون أن تحصل على طعام أو ماء.واستمرت الثواني والدقائق بالاستطالة وكأنها تطبق نظرية آينشتاين النسبية.. أصبحت الثواني دقائق والدقائق ساعات، ومرَّ اليوم كأنه اسبوع.أمعاؤها تلتوي وتنعصر ودمها يتجه إلى الجفاف، وخلايا جسمها تصرخ مستنجدة.
ثواني الألم والقلق من الموت أكيد لاتشبه ثواني القلق التي أمضتها وهي تترقب إعلان النتيجة في مسابقة ملكة جمال العالم.





 اليوم الرابع

فزّت من النوم وقت شروق الشمس على صياح رجل يناديها من بعيد، قامت بلهفة لترى أكثر وتتأكد أكثر.كان رجلا واقفا على طوله على حافة الجزيرة القريبة من جزيرتها:
- هلوووو..هلوووو..
- هلوووو..هلووو..ردت التحية ملوحة عالياً بيدها اليمنى وهي تسير إلى حافة جزيرتها القريبة من جزيرته لتكون أقرب إليه.
كان يبدو رجلا في الثلاثين من عمره، يلبس بنطلون (جينز) أسود اللّون وقميص بلا أكمام بني اللّون، يرفع يده محيِّياً بفرح ويصيح:
- أنتِ ملكة جمال العالم لانا فاراب، أنا اعرفك.قال جملته وهو يحتمل أنها ستفهم انجليزيته لأن ملكة جمال العالم يجب أن تتقن لغتين وعلى الأكثر هي تتقن الانجليزية كلغة ثانية.
طمأنها كلامه،خصوصا أنه أضاف بصوت أعلى:
- أنا كنت معك في الطائرة.
أجابته بلغته بلهفة:
- حسنا، كيف حالك؟
- أنا بخير، سأحاول أن أعبر إليكِ سباحة.
- حسنا. قالتها وهي تضمر الفرح والخوف معا.. فرح لأنها تحتاج لأي إنسان كان يساعدها أو يرافق محنتها، أو على الأقل تتحادث معه.. وخوف لأنه رجل غريب وهي أنثى ضعيفة، رغم أن لاوعيها يقنعها: على الأقل هو متحضر وليس من آكلة لحوم البشر أو من سكنة الجزر البدائيين والذين قد لايرحمونها، وهو أحد الاحتمالات الذي شغل ذهنها للأيام الثلاثة الماضية.
نزل إلى البحر ليجرِّب السباحة من أضحل مكان بين الجزيرتين، أو الأقرب مسافة، فسار ساحلها.
لم يجد مكانا ضحلا، والمسافة الكبيرة بين الجزيرتين تعد مغامرة قد يغرق فيها، فهو على الأقل لم يسبح منذ سنتين. ثم هو لم يجرِّب مسافات قد تصل إلى مئتي متر هي أقرب مسافة بين الجزيرتين.
جرَّب أن ينزل أكثر، يعتريه الخجل أنه قد لايستطيع تنفيذ ما قال لها، وتصميم للعبور لأنه أيضا بحاجة لها كإنسانة، بغض النظر أنها من كان يحلم بها في الطائرة كحبيبة له. وتعتريه أيضا فكرة أن تكون هناك مناطق ضحلة وسط المسافة يرتاح فيها من السباحة.
سبح وتعب ورجع وهو لم يصل إلى ثلث المسافة..خاف أن لايستطيع اكمال المسافة فَوفرَ جزءاً من جهده للرجوع.
هي نزلت وجرَّبت أيضاً مثل ماجرَّب وفشلت.
جاءت بباله فكرة: أن يقص من بنطلونه فيجعل منه شرائط ويربطها كحبل تسحبه بواسطته لما يبقى من المسافة بينهما، فقد قدر أن المسافة الباقية لاتتعدى عشرين مترا. فكر بأي شيء يقصه؟ بحث عن حصاة كبيرة..وجدها..كسرها..انتقى شظية من شظايا التكسر.. جلس ساعة وهو يقص بنطلونه فوق الركبة، ويعمل الجزء الأسفل منه شرائط، ثم ربطها معا فحصل على حبل بطول أربعة عشر مترا تقريبا، فقد نسي أن يُنقص عُقد الربط عندما حسب وجمع الطول الكلي.فيما لاح لنظرها من بعيد أنه أخرج من جيوبه الأربعة قنينة ماء بلاستيكية سعة نصف لتر وبعض القطع المعلبة.
صاح وهو يربط الشرائط بعضها ببعض:
- أنا سأسبح باتجاهك إلى نصف المسافة، وانت تسبحين باتجاهي إلى ثلثها، وسأرمي لك (الحبل) إذا لم أستطع اكمال المسافة المتبقية بعد أن أشدّهُ بحصاة صغيرة، ثم تسحبينني، وفي جميع الاحوال أظن أننا لن نغرق مادمنا مربوطين ببعض.
وافقت متلهفة خصوصا إلى قنينة الماء وربما هناك طعام في تلك القطع الصغيرة التي جمعها بمنديل كان في جيبه و شدّها بشريط حول رقبته.نزلا الماء في وقت واحد من أقرب مسافة، ولحسن الحظ أنها وصلت إلى ثلث المسافة وهي ماشية على طولها دون أن تحتاج إلى سباحة، فقد انحرفت عن المكان الذي جرّبته قبل قليل..وصل هو سباحة إلى المنتصف، بقيت بالفعل أمتار قليلة..كرر رماية الشريط مع الحصاة المشدودة في نهايته، تلقفتها في ثالث محاولة وسحبته.. نجحت المحاولة وصعد إلى جزيرتها. توسلت قائلة وهي تنظر إلى منديله الذي بدأ بفكه من رقبته:
- أكاد أموت جوعاً وعطشاً.
- اشربي نصفه لكن ببطء.
ناولها قنينة الماء المملوءة إلى ثلثيها منه بعد أن حل عقد منديله، وشربت بلهفة شديدة، ثم تابع:
- كُلي هذه القطعة (أعطاها قطعة مربى صغيرة)..وبينما هي تلتهمها بسرعة تَبعها بقطعة صغيرة من (الشوكولاتا). وبعد أن إلتهمتها بسرعة قال:
- هذا يكفي الآن، لم يبقَ كما ترين إلاّ ست قطع ونصف قنينة ماء، وعلينا أن نفكر كيف نحصل على الطعام والماء.
عرّفها بنفسه:
- أنا اسمي رافال فورد استرالي الجنسية وأعمل في مصرف WESTPAC GROUP في سيدني.
- أهلا بك، و شكرا لتضحيتك بتبرعك بالماء والطعام في وقت أنت أحوج إليه، وقد نموت ولانعثر على شيء منه.
- هو لك كله حتى لو متُّ أنا جوعا. أنا أكلت البارحة بعض القطع. (ناولها القطع وقنينة الماء مع المنديل فدفعتها بيدها غير قابلة).
استنتجت هي أن القطع المتنوعة وقنينة الماء هي ماقدمته المضيفات لركاب الطائرة، لكن هو بادرها إلى القول:
- أنا كنت شبعاناً تماماً قبل أن أصعد الطائرة، وبما أن هذه القطع لذيذة حيث جرّبتها في رحلة سابقة فقد فضلت أن أحشرها في جيوبي، وكذلك فعلت مع قطع الراكب المجاور الذي رأني أحشرها فقال: خذ قطعي ايضا، ربما فعلا هو لا يحتاجها الآن إذا لم ينجُ مثلنا. وأيضا أنا فكرت في هذا من قبل.. في رحلة سابقة تعرضت الطائرة إلى مطب جوي خطير كاد يسقطها، حينها فكرت مالذي أخسره لو أنني حشوت جيوبي بالطعام والماء فربما تكون حالتي مثل ما نحن عليه الآن.
- وكيف نجوت؟ ولماذا لم أشاهدك البارحة على الجزيرة ؟..أين كنت؟
- تعالي نستطلع جزيرتك فربما نجد شيئاً، بينما أحدثك عما جرى لي.
وسارا يتفحصان بالنظر تربة الجزيرة وساحلها وهو يقول لها:
- يبدو أنها جزيرة اصطناعية حديثة ولن نجد فيها شيئاً.
- ماذا تعني بجزيرة اصطناعية؟
- طيب سأحدثك أولا كيف نجوت.. بعد أن مرت ملكة جمال العالم من جانب كرسيِّي مبتسمة لي، غرقتُ في خيال مع صورتها الحيًّة أمامي واسترجعت صورها التي شاهدتها في التلفاز، وتلك التي احتفظت بها في حاسوبي.كنت خلاله ألحُّ في جدالي مع الراكب الذي بجواري : إنها أجمل من كل ملكات العالم اللاتي سبقنها..
ابتسمت هي وقالت:
- شكرا للاطراء. ثم أردف:
- أنا لا أجاملك، هذه كانت ومازالت وجهة نظري، أنا متابع جيد لمسابقات ملكات الجمال واحتفظ بصورهن كلهن، وبينما أنا أراجع الصور وأنظر إليك بالوقت نفسه من زاوية لأنك كنت أمامي بثلاثة مقاعد، قمت أنت وذهبت بعيدا، فككتُ حزام الأمان ورحتُ أتبعك بحجة الذهاب إلى صديق جالس في الخلف. وعندما فهمت أنك ستذهبين إلى المرحاض رجعت. وقبل أن أصل إلى مقعدي شعرتُ باضطراب الطائرة، فقدت توازني، بعد لحظات وجدت نفسي أُقذف من شق كبير في الطائرة..كانت لحظات مريعة..(تنهد) وهو يكمل: غرقتُ في البحر، إختنقت، شعرتُ أن روحي خرجت من جسمي وإنني أطير، لكن رأيت مخلوقا غريب الشكل يطير على مسافة بعيدة مني، وأعلى مني يقول لي: إرجع..إرجع، بعدها وجدت نفسي فوق سطح الماء والموج يدفع بي، ثم أُغمي علي بعد لحظات قليلة، بعدها وجدت نفسي مرميّاً على ساحل جزيرة وكأن هناك شيئاً خفياً يجري تنفسا اصطناعيا لي فأخرجَ من رئتي ماء البحر..فقتُ..بعد ساعات حل الظلام..قاطعته:
- كأنك تتحدث عن حالتي بالضبط، غريب، ماشكل هذا المخلوق؟
- لا أعرف كيف أصفه لك بالضبط، لكن وكأن عنده عين ثالثة فوق رأسه.
- ماذا؟ نفس المخلوق بالضبط، كيف حدث هذا؟ أنا لم اسمع بهذا سابقا. سمعت شيئا عن حالات العودة بعد الموت بقليل لكن كانوا يصفون أشياء شبحية، أو نقاط ضوئية متجمعة، هل هناك أنواع من الملائكة؟
- لا أدري.
- طيب، هذا كان قبل يومين، لِمَ لمْ أشاهدكَ على الجزيرة إلاّ اليوم، أنا نظرت مرّات عديدة إلى جزيرتكَ، دققت فيها ولم أشاهد أي حركة، كنتَ نائما أو مغميا عليكَ ؟
- لا، كنت أجوب الجزيرة، والغريب أنا أيضا كنت أرى الجزيرة ولم أركِ إلاّ اليوم، ماذا حدث حقا، والأحرى ما سبب سقوط الطائرة ؟
- لا أدري، لكن يبدو أنها كانت دوامة وأنا حتى أحسست بها عندما قذفت من الطائرة..
- أنا ايضا أحسست بذلك، لكن ماذا يعني أن نقضي يومين في جزيرتين متقاربين ولا يَرى أحدنا الآخر؟
- هناك أمر غريب آخر، هاتفي الخلوي لايتصل بالقمر الصناعي.
- جيد أن هاتفك الخلوي قد بقي عندك، أنا فقدته في البحر، كنت ماسكاً به لكن عندما غرقت يبدو أنه إنفكَّ من يدي، لكني مازلت احتفظ بحذائي ها ها ها، هل تريدين لبسه؟
- شكرا، يبدو أنني تعودت خلال يومين أن أسير حافية.
- هذا أفضل كي أرى كم هي جميلة قدما ملكة جمال العالم ها ها ها.
- ها ها ها..الغريب أيضا أن طائرة مروحية جاءت البارحة ومرّت قرب الجزيرة ثم عبرت من فوقها ولم تُعرني أي اهتمام رغم أنني لوّحت لها وصرخت دون جدوى.
- وأنا أيضا مرّت من فوقي و هي منخفضة، وأُقسِم إن قائداها قد رأياني ولم يُعيرا اهتمام، سأشتكي عليهما عند عودتي. لماذا بظنِّك سبب إهمالهما؟
- لا أدري، هو غريب حقا.
لاحظ هو أن ماء البحر قد صبغ جسدها بلون أحمر، فقال لنفسه: ماهو شكلي الآن مع تغير لون بشرتي؟
لكنه رآها تتعامل معه بكل ودية..ربما هي لم تُعب شكله في داخلها، أو هُنَّ هكذا ملكات الجمال، مجاملات مع الكل.
وهو يسير معها وينظر أحيانا جانبا إليها، كان ينتشي لجمالها وإيقاع مشيتها، كان يتأرجح بين الشعور بالقلق حينا لمصيرهما المجهول، فيتمنى أن يتم انقاذهما بأسرع وقت، أو يجدا طريقة للعودة الى ديارهما.. وحينا تنتابه فكرة أن يبقيا معا لوحدهما طوال العمر، أو على الأقل لأيام يستمتع فيها معها. وبذلك إنشق تفكيره ليسير بخطين.. متوازيين فترة، ومتقاطعين في فترة أخرى..صراع النفس مع نفسها.. غريزة تدعو من الاعماق للانقضاض عليها لئلا تفوت الفرصة بنزول طائرة انقاذ في لحظات، وحكمة تجربة تقول له اصبر عسى أن تنال ودها.. وأخلاق ترى من العيب أن يستغل امرأة طيبة في موقف ضعف حتى لو قبلت..ثم كان هناك عامل آخر جعله يتردد، فوجه لانا فاراب كان عدة وجوه جميلة في وجه واحد، فيتغير إيحاء الوجه بحركات بسيطة من الحاجبين والعينين والفم، ويتخلل التغييرات العديدة وجه طفولي تمسح براءته دائرته الصغيرة. وكل الاغراءات في جسدها التي تُكهرب فؤاده، يمسحها ذهنه وهو يدقق في قدميها ويديها فتبدوان أيضا كأنهما من نعومتها لطفلة لم تتعدَ العاشرة من عمرها.. تُبدي عيناها الناعستان أغراء ممثلة محترفة ثم تتحرك شعرة فتبدو كأنها نظرة طفلة مستنجدة به.
- أين نحن، أين تقع جزيرتنا؟ (قاطعت لانا تفكيره).
- لا أدري بالضبط، لكني أشك في أننا في جزيرة اصطناعية غرب جزر سبراتلي.
- نعم ؟ سبراتلي ؟ جزيرة اصطناعية ؟ لم أسمع بهذا، يعني نحن في أي دولة الآن وكم نبعد عن هونغ كونغ؟
- في أي دولة لا أدري، فسبراتلي هي مجموعة من الجزر متنازع عليها بين الصين والفلبين وفيتنام، وقد تقاسمت الجزر، لكن أيضا هناك جزر يبنيها الصينيون ليثبتوا أحقيتهم في بحر الصين الجنوبي وجزره.. يستخرجون حصى ورمل من قاع البحر ويبنون جزراً فوق الشعاب المرجانية، هكذا مرّة قرأت في الصحف، وقرأت أنها مناطق نفوذ مهمة بسبب وجود مكامن للنفط ومصائد للأسماك.
- يعني كم نبعد تقريبا، وأين هي جهة هونغ كونغ ؟
- أكثر من ألف كيلومتر، أظن ذلك.أنا لم أقسْ المسافات سابقا في خارطة، لكن بالطائرة كان من المفترض قد تبقى لنا ساعتان.
أخرجت هاتفها الخلوي من جديد وحاولت العثور على شبكة القمر الصناعي، فلم تجد فقالت:
- برأيك لماذا لا توجد شبكة القمر؟
- ربما هناك تشويش، كما قلت لك نحن في مناطق متنازع عليها.
- وربما تم إسقاط طائرتنا بسبب النزاع ؟
- لا أظن ذلك.لم تصل المشاكل بينهما إلى هذا الحد.
- والدوامة ؟
- هي ظاهرة طبيعية، لكن حقا غير طبيعية كانت هذه الظاهرة الطبيعية ها ها ها.
قالت وقد وصلا إلى حافة الجزيرة من الجهة الأخرى:
-هل تظن أننا سنجد شيئا نأكله؟
- كلي، ناولها حافظة طعام أصغر من كفِه فيها لحمة مقلاة ورز وبطاطس وبزاليا.
- لا، شكرا، هي لك.
- كلي رجاءً، واشربي ماء أيضا.
اقتنعت بإلحاحه فأكلت القطعة وشربت قليلا جدا من الماء وشكرته.
خجلت منه حين أحست بالحاجة إلى التغوط فطلبت منه أن يستدير بينما سارت قليلا لتنزل إلى البحر فتتغوط فيه. خافت من قرص الأسماك لساقيها فقفزت وصاحت، فالتفت هو فزعاً.
- لا أدري مالذي قرصني.
- طيب، هذا ظهري لك، وخذي راحتك. فتغوطت على الرمل ثم دفنت غائطها وراحت تغسل في البحر.

اليوم الخامس

نفدَ منهما الماء والطعام الشحيح وقت الظهر واشتد جوعهما بعد ساعات، فهُما في الحقيقة لم يأكلا منذ سقوطهما من الطائرة مايعادل وجبة واحدة، ولم يشرب كل منهما إلاّ ما يقرب ربع لتر من الماء.
بدا النحول جليّاً على أجسادهما واقتربت طاقتهما من النفاد فاصبحا يواجهان عبئاً في المشي. تغيرت أشكال وجوههما فشحبت البشرة وقلَّ سُمك اللحم فيهما. وصارا ينامان لساعات مُبقين فقط آذانهما متربصتين للمجهول، الأمل المجهول والخطر المجهول.

اليوم السادس
منذ الفجر، غطتْ الغيومُ السود السماءَ وبعد حوالي نصف ساعة هطلَ المطر.
تشبث الاثنان لشرب قطرات المطر ففتحا فمهما بأكبر مايمكن كي يملآ جوفهما.ثم حين أرادا المزيد حاولا الشرب من سيل قطراته المتجمعة في النُقر التي سرعان ماتجف بسبب طبيعتها الرملية ، وهنا فكر رافال سريعا وقال:
- اخلعي تنورتك بسرعة.
- ماذا؟
- اخلعي تنورتك كي نفرشها فنجمع أكبر كمية من الماء فيها.
وافقت وخلعتها بسرعة..استطاعا أن يقسماها نصفين بايديهما وبشظية حجر، ثم حفرا حفرة كبيرة وفرشا فيها نصف التنورة، ثم أزاحا الرمل من حولها بشكل مائل يسمح لجريان مايسقط من مطر إليها، ثم تعاونا لعمل حفرة أخرى للنصف الآخر، وهكذا استطاعا أن يجمعا ألتاراً من الماء في كلا الموضعين، وفي ذات الوقت كانا يشربان منه بملء قنينة الماء منها ثم ملئها من جديد والاحتفاظ بها خوفا من تبخر ما في البقعتين.
نظر إليها وهي بدون تنورة وقد برز بعض من لباسها الداخلي الأحمر حيث غطى جزأه العلوي ما تدلى من قميصها الأبيض الدانتيل بلا أكمام فابتسم وقال:
- هكذا أجمل، عندي لكِ صورة بلباس داخلي أزرق، لكن يبدو بالأحمر أجمل، خصوصا عند رؤيته من مسافة قريبة وبشكل مباشر دون (كاميرا)، ابتسمت ابتسامة عريضة وقالت:
- شكرا لك.
ثم تشجع من ابتسامتها ولاطفها:
- لا يخطر على بال أحد أن تخبئ التنورة الحمراء لباساً أحمر.
لكن لانا لم تبتسم هذه المرّة وقالت:
- الصدفة وحدها أنقذتنا من الموت عطشاً، لبست تنورة الجلد المهداة لي من إحدى شركات الملابس الجلدية بناءً على إلحاح وصيفتي الاسترالية في سيدني.
- وماذا أتى بك إلى استراليا؟
- في المسابقة على اللقب أحببت جداً لورا لوبيز التي فازت بلقب الوصيفة الأولى.كانت مثقفة جداً وقد أحببنا بعض وكأننا اختين. اشتقتُ إليها بعد افتراقنا في نهاية المسابقة وجئت أزورها، ومعها أقوم بجولة سياحية لاستراليا.
كان رافال يعرف من خلال متابعته للمسابقة أن لانا فاراب تبلغ من العمر 22 عاما وطولها 176 سنتمترا، وزنها 49 كيلو غرام، ومقاس حذائها 39 سنتمترا، وهي صينية من مقاطعة هونغ كونغ. وفهم منها هنا أنها من أُصول مختلطة، فجدتها لأبيها إنجليزية، ووالدتها هندية الأصل، وأنها حاصلة على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية، لكن كل هذه المعلومات اللذيذة كانت تدفعه أن يتلذذ أكثر فيستمتع وهو يسترق النظر بكل تفاصيل جسدها، كل انحناءة وكل استواء، كل تغير في اللون وكل تدرج، كل ما انكشف من باق مستور في حركة ما.
بعد الظهر صحت السماء، رأى رافال من بعيد كائنات بحرية (تنقر) من تحت بأشياء طافية فوق ماء البحر، فصاح على لانا:
- أنظري فقد يكون طعاما.
- صحيح.
ثم سبحا بعناء إليها وتبين عند اقترابهما منها أنها بعض التفاحات وقناني ماء تنقرها السلاحف.فذهبا لالتقاطها. تبين أنها ست تفاحات وأربع قناني ماء، واحدة فارغة تماما والباقيات فيهن ماء أقل من ربع حجم القنينة.
وضع رافال أربع تفاحات بجيوبه الأربعة وتعاونا أن يرميا باقي التفاح وقناني الماء أمامها حتى يسبحا إليها ليرميانها من جديد حتى وصلا الساحل.
كان هذا اليوم بمثابة عيد لهم. أكلا أربع تفاحات. وأطمئنا لليوم التالي بادخار تفاحتين، وبتفاؤل: أنهما حصلا على قناني يملآنها بالماء من (الخزانين الحمراويين) قبل أن يتبخر ماؤهما.شكّا أن التفاحات وقناني الماء قد طافا من طائرتهما الغريقة، ولابد من أشياء أخرى قد تطوف وعليهما أن يراقبا البحر أكثر.
كانت قد خلعت قميصها قبل أن تسبح، فعادت وجسدها يتمايل ويتأرجح وكأنه يرقص وهو يحاول الاتزان وسط الأمواج ليشق طريقه سيراً إلى الساحل.في كل خطوة تتقدم تتلألأ مساحة أكبر من لؤلؤة بيضاء وسط الزرقة وقد زينتها حمالات صدر حمراء لم تثنِ أثداءها الطرية من التأرجح مع جسدها.
جلست قربه مثل زهرة لوتس و أحاطت بتفاحتين بين فخذيها ثم تناولتهما أكلا ً، فكانت حين تقطع التفاحة الحمراء بأسنانها اللؤلوئية فتكون في وسط فمها ينتفخ خدّاها الحمراوان فتُرسم لوحة بثلاث تفاحات متتالية، يشع فوقهما ضوءان أخضران من عينيها.
أنعش سكر الفواكه منطقة الابتهاج في أدمغتهما من جديد، فحثّت هذه رافال لأن يبادر قائلا:
- ما أحلاك لانا.
- شكرا لك.
- أليس من سخرية القدر أن تمكثي منفية مع رجل مثلي؟
- لماذا؟..أنت شخص لطيف ومحترم.
ألحت غريزته أن يستدرجها مثل سمكة فيصيدها. فبعد أن استعطفها بايحاء إلى شكله أدار الحديث إلى منحى آخر حتى تدخل الغريزة إلى دائرة المنطق في العلاقة بينهما فسأل:
- مامعنى الجمال لانا؟..لماذا نعتبر هذا الانسان جميلاً وغيره قبيحاً؟
- اختلف أهل الفكر في هذا، وكلُّ له نظريته وآراؤه، لكن أعجبني رأي يعتمد على نظرية التطور. هو يعتبر أننا نبتعد تدريجيا عن الإنسان الذي كان يشبه القرد ونتجه إلى إنسان أرقى، وكل من يبتعد أكثر يكون أكثر جمالاً.. لاحظ مثلا الإنسان القديم، كان يشبه القرد في نسبة طول جذعه إلى طول ساقيه، كان طول الجذع كبير والساق قصيرة، عندما اعتمد الإنسان على المشي أكثر زاد طول ساقيه ليخطو خطوات أكبر.. قدم القرد كانت بمثابة يد له فكانت الأظافر مخالب والسلاميات أطول للمسك، تغيرت هذه إلى أن تكون القدم حاملة للجسم فتغير شكلها وأصبحت الأظافر ماسكة للأصابع، وهكذا من هذه الصفتين مثلا نميّز جمال إنسان عن غيره، أي كلما زاد طول ساقه على حساب جذعه، وكلما أصبحت قدمه أكثر قوة ومرونة في حمل الجسم والخطو، ومثل هذا باقي تفاصيل الجسم، العين الكبيرة لزيادة النظر، علو الحاجبين لزيادة التطلع إلى الأفق..قاطعها رافال:
- رأي يبدو فيه منطق، لكن ماذنب من يولد وهو ليس جميلاً؟
- أكيد أن جمال الإنسان ليس هو كل شيء في سعادته وقيمته، الإنسان كما أتصور يقيَّم بذكائه وعطائه للآخرين.(قاطعها رافال مرّة أخرى):
- مرّة قرأت قصة عن امرأة قبيحة.كانت تقول إذا كان المثقفون يضعون معاييرَ للجمال فما ذنب من يكون خارجها. ثم تتساءل: إذا كان الكثير يدّعي أن الجمال هو جمال الروح والأخلاق فلماذا لم يتقدم أحدُ إليها أو إلى أمرأة قبيحة غيرها فيها جمال روح وأخلاق للزواج بها.
- رأي صحيح.(قالتها وقد تسللت إلى داخلها صعقة تأنيب للضمير).
- أعجبتني أيضا قصة اسمها (بارا بيوتي لوجي)..تحبين أن تستمعي إلى فكرتها؟
- حسنا، اسمها غريب.
- نعم، الاسم يعني نظير علم الجمال أو موازٍ له.شخص يذهب إلى بائعات الهوى فيختار واحدة، وبعد أن يصطحبها إلى شقة فارغة تماما ويطلب منها أن تتعرى يدفع لها المال الذي اتفقا عليه ويخرجها من الشقة دون أن يفعل لها شيئاً لأن جسدها لايعجبه، ثم يصطحب غيرها، لكن هذه المرّة يقوم بقياسات على جسدها، ثم يجرب العزف على بيانو غريب الشكل، وبعد جلسات، وبعد أن يفهم منها انها كانت بالحقيقة ليست بائعة هوى وانما باحثة علم نفس وتبحث عن نفسيتهن وأثرت أن تجرب حالة البيع هذه؛ يقرر الزواج بها ويوعدها بعد الزواج أن يفاجئها ببحثه.وبعد الزواج يدعو بعض العلماء والأصدقاء في حفلة، فيصعد هو وهي إلى منصة مسرح فيقوم بعزف موسيقى غريبة وإذا بها يتغير شكل وجهها وجسدها تدريجيا فتصبح أية من الجمال، ثم يبرر ذلك أن اهتزازات موسيقاه حركت الخلايا والمركبات في جسدها إلى مواقع جديدة فتغير الشكل.موسيقاه نفذت مثل رنين مغناطيسي.بعدها يتحول الجمال إلى جمال الذكاء، لأن كل إنسان بعدها ينشغل بتأليف موسيقى يغير بها شكله مرات عديدة، فيكون الأذكى هو من يؤلف موسيقى تجعله أجمل من غيره.
- فكرة عظيمة، لكن ستبقى المشكلة نفسها، ماذنب من يولد وهو غبـي هذه المرّة؟
- أعتقد، فيها فكرة إرتقائية لموضوع الجمال، على الأقل هنا الغبـي لايبالي كثيرا بالمقارنات، وسيستطيع الذكي القبيح المرهف الحس أن يتخطى عذابات قبحه.
- صحيح.
ورغم أن السمكة استطاعت الافلات بتغيير الموضوع إلى: إن الحياة حظوظ وأن من عائلتها من هو غير جميل أيضا ثم شهقت بكاءً بتذكرهم، إلاّ أن سنارته قد أذاقتها طعماً جديداً أحبت أن تتذوقه من جديد فيما بعد.

اليوم السابع

رأت لانا خشبة طويلة طافية من بعيد فهرعت إليها سباحة وجلبتها.كانت الخشبة مشرّحة بطول ثلاثة أمتار تقريبا وبسمك 10 ×20 سنتمتر.فرح الاثنان ورقصا احتفاءً بـ(الضيف الثالث) على الجزيرة..
انهالت المقترحات حول الاستفادة منها.
- ننتظر غيرها وغيرها، لعلنا نجمعهن فنصنع بهنَّ شيئاً نطفو به، أو نقسِّمها ونضع عليها مابقي من ثيابنا فنعمل ظِلّة تحمينا من الشمس.(اقترحت لانا).
- نكسرها ونصنع منها رماحاً نصيد بها الأسماك الظاهرة..ذلك يتطلب مهارة لكن سنتدرب.
- أنظر، فيها مسامير عديدة متنوعة الطول، سنستخرجها ونصنع منها سنارات.
- فكرة عظيمة.
وجلسا يكسران الحصى حتى يختارا أفضل الشظايا التي يمكن بواسطتها أن يستخرجا المسامير بعد حفر ماحولها، خصوصا الناتئة منها قليلا.
استخرجا منها ثلاثة مسامير باطوال من حوالي 3- 5 سنتمتر، ثم استطاعا بعناء ليَّها ونحتها لتصير سنارة صيد، ثم استبدلا فكرة أن يكون( حبل) البنطلون هو خيط الصيد بفكرة أخرى، فمن حزام رافال المُحاك من مادة النايلون عملا خيطا طويلاً، ومن الخشبة ذاتها أضافا خشبة مَسكْ السنارة.
- بقي الطُعُم، علينا أن نجرِّب مابقي عندنا، عظام الدجاج الصغيرة (قالت لانا)
كانا قد أبقيا عظاماً صغيرة من شريحة دجاج في إحدى قطع رافال للرمق الأخير من الجوع.
- نعم، لنجرِّب، لكن علينا أن نَحكُها قليلاً كي تخرج رائحتها وطعمها فتثير السّمك.
- هل اصطدت السّمك سابقا؟ (سألت لانا)
- نعم، كنت أنا ومجموعة من الأصدقاء نصيد السّمك في نهر باراماتا الذي يمر بسيدني، كان ذاك من زمن بعيد، كنت حينها في حوالي الخامسة عشرة من عمري..
- إذن جرَّب أنت رافال، علينا أن لانفرط ببقايا العظام، هي كل مانملك لننقذ حياتنا، وربما إذا اصطدنا شيئاً يكون ُطعما لغيره.
ما أن ألقى رافال السنارة حتى ُسحبت بقوة، فسحبها بهدوء خوفا من انقطاع خيط النايلون، أو أن يفلت ماعلق بها.ثم سحب وإذا بها سمكة من نوع السلمون، صاح الاثنان:
- هااااااااا،عظيم.
- يبدو أن السمك هنا يتلذذ بطعم الدجاج، هو على الأقل لم يذقه سابقا وعنده فضول لأن يتعرف على مذاق رائحته. قال رافال وهو يفكّ سنارته المسمارية من جوف فم السمكة ثم أردف بحماس:
- لنجرِّب ثانية.
- نعم.
وثانية جرَّبا واصطادا سمكة أخرى من النوع نفسه.
ثم خمسة سمكات ونفد الطُعم.
اضطرا أن يلملما فتات العظام من جوف السمكات فيطحنوها بلحم من إحدى السمكات، فنجحا، ثم نجحا في عمل طعم من لحم السمك، واستمرا بالصيد.
ثم عملا سنارة أخرى.وتعلمت لانا أن تصيد بمهارة مثله.
تعود الاثنان الصيد وأكل الاسماك وهي نيئة.
وتعلما أن يغوصا ليحصلا على بعض الأعشاب البحرية مثل، الواكامي، والطحالب البنية المعروفة باللامينارية، والنوري، وهو من الطحالب الحمراء. 


الأيام 13- 15

رغم دمامة رافال: أنفه الكبير وشفتاه التي تكاد لاتنطبق على أسنان كبيرة غير منتظمة، صلعة في مقدمة الرأس، بشرة جلد وكأنها صدئه، جسم نحيف لاتتناسب نحافته كرجل مع طوله البالغ 180 سنتمترا، إلا أن لانا بكتْ كثيرا وتوسلت من السماء أن يشفي رافال حين سقط معانيا من الحمى وإسهال وقيء شديدين، ويتلوى من آلآم بطنه الشديدة. شكَّ الاثنان أنه تسمم من قطعة لحم سمكة حمراء اللّون عندما جرَّب صلاحيتها للأكل.كانت لانا تحضنه وتشجعه مرّة، ومرّة تجلب له بعض الأعشاب التي لم يجرِّباها سابقا ليمضغها عسى أن تشفيه. الاثنان كانا يعرفان أن الأعشاب نفسها قد يكون بينها مايقتله أيضا، لكن ليس أمامهما إلا أن يجرِّب أيهما يتقبل بالذوق أكثر من غيره.
يومان مرّا، أصبح أكثر نحافة وضعفا وفقد وعيه، إلاّ من هذيانات متباعدة كان ينادي فيها أباه وأمه.
التصقت به ليلاً وهو يهوي إلى الموت. نامت على صدره وهو يغط في غيبوبة بدت نهايته فيها. لكنها صحت فجراً ويده تُمسدْ لها شعرها وهو يقول:
- شكرا لك أيتها النبيلة، شاء القدر أن يكون واحداً مزوياً من ملايين معجبيك هو أهم إنسان في حياتك لفترة ما.
- شكرا لله على سلامتك، ليس المصير وحده هو من جعلني أهتم بك وأحزن عليك، أخلاقك العالية دفعتني أكثر. ثم سألته:
- كنت في هذيانك تذكر أباك وأمك وبعض الأسماء، هل تحب عائلتك رافال؟
- نعم، نحن عائلة جيدة ونحب بعضنا، رغم أن أخي الكبير جميل جداً لم أحس يوما أن والداي ميَّزاه عني. أخي بيتر يحبني كثيرا وكذلك أختي فيان، كم أنا مشتاق لهم.
- أين كانت وجهتك بعد أن تنزل من الطائرة؟ ماسبب زيارتك هونغ كونغ؟
- كان لي موعد لاجراء عملية تجميلية لوجهي. سافرت إليها قبل اسبوعين وفحصني طبيب شهير، عرض لي صورا لشكلي الجديد المفترض، فقبلت.كان شكلا يقلِب وجهي من دميم إلى مقبول، ورجعت كي أجلب أجور العملية..عشرين الف دولار كلها غرقت في البحر.
- لابأس، سلامتك أهم، سنعود يوما وسأساعدك في إجراء العملية.
ثم شفي تماما باعجوبة بعد أيام.

بعد خمسة عشر يوما أخرى

مضى يومان وهما لم يصيدا شيئا يُشبع، وفي الليل حسَّ الاثنان بحركة عشرات السلاحف الخضراء وهي تخرج من البحر و تصعد إلى المناطق العالية في الجزيرة لتحفر وتضع بيوضها.
حصلا على مئات البيوض بعد أن أخرجاها من أماكنها وحفظاها في مكان واحد، وحتى قتلا عشرات من السلاحف بالحجارة قبل أن تعود إلى البحر لأكلها، ورغم أن بيوض السلاحف ولحمها هو من الاطعمة الشهية لسكان جنوب شرق آسيا، إلاّ أن طعمها كان مقززاً وهو نيء بالنسبة لهما خصوصا أن الاثنين لم يتذوقاه مطبوخا.
لكن يبدو أن تلك البيوض أكدت هنا ما يشاع في أنها تزيد الرغبة الجنسية فقالت لانا في مساء أول يوم أكلا منها:
- رافال، إصغي إليّ جيداً، اصغي لي بعقلك، أنا عرفت اهتمامك بملكات جمال العالم، واهتمامك بي كما نوهت لي، ومنتبهة لنظراتك، أنا أيضا أنثى وعندي غريزة لا استطيع كبتها تماما، لكن أنت ربما تعرف أن ملكة جمال العالم لايسمح لها بالزواج لمدة خمس سنوات وإلاّ تفقد لقبها بمخالفتها الشرط، لذا نحن من الممكن أن نفرغ رغبتنا بمداعبات بسيطة..كثيرا مايثيرني صوتك الرجولي الخشن الأجش.
وكأن رافال لم يصدق ماقالت، فلم يبدُ منها أية حركة إغرائية أثناء كلامها وكأنها كانت تقول معادلة رياضية، يضاف إلى اتزانها طيلة المدة التي مضت وتعاملها بالأتكيت والحذر منه.. أرتبك و لم يعرف ما سيقول فأستنجد بكلماتها الاخيرة.
- مداعبات بسيطة لابأس آنستي، وأقسم أنها ستكون سرا بيننا ولن أُفشيها بعد أن نرجع إلى ديارنا.
وهكذا حققت السلاحف خيالاته الجنسية التي كان يفرغها بعيداً عنها في الجزيرة، وخيالاته القديمة في غرفة نومه في سيدني منذ أن رآها تتربع على عرش الجمال.
بعد أيام عادت الوفرة في صيد السمك، صاحبتها وفرة في المداعبات (البسيطة).
سألته مرّة وهو يقبلها:
- أعندك تجارب مع نساء؟
- أبداً، من تقبل حتى أن تطيل النظر في وجهي؟
- لكن أنا ارى فيك رجولة ولطافة.
- هذا لانك اقتربت منّي..في شركتي هناك زميلات غير متزوجات، كُنَّ مهتمات بزملاء وجوههم جميلة.
- يعني أنت لم تمارس الجنس مع امرأة؟
- بلى، كنت أذهب إلى دور البغاء، أدفع مبالغَ كبيرة كي أحصل على الأجمل. كُنَّ لايطيقاني، أنا اعلم ذلك، لكن كنت استمتع رغم تمثيلهن الكاذب.. في حياتي كلها لم تحبني إمرأة..وأنتِ لم تقيمي علاقة مع رجل ما؟
- في السادسة عشرة من عمري كنت في علاقة مع شاب بعمري، جيران لنا، في الحقيقة كانت جدته التي يسكن معها قريبة لنا من بعيد، كنت أذهب إليه في شقتهم.كانت جدته ترحب بي ثم تنزوي إلى غرفتها وتتركنا وحدنا. بعد أشهر أصيب بورم خبيث وتوفي سريعا. ترك ذلك فيَّ صدمة كبيرة.. نحن تعاهدنا أن نتزوج عندما نكبر.. بعدها لم أُقِم علاقة مع أحد.

بعدها بخمسة أيام

قررا أن يحفرا حفرة كبيرة مستطيلة تكون بمثابة مأواً لهما تقيهما حرارة شمس الصيف الذي أقبل وأقبلت حرارته تلسع وقت الظهر، فاختارا أن يكون موقعها وسط الجزيرة العالي نسبياً، وتلافيا لظاهرة المدْ التي تغرق ربع الجزيرة أحيانا. بينما هما يحددان المربع ويزيلان الرمل بدا لهما مكان كان الرمل فيه لاصقا بما تحته ثم تبين أنه على شكل دائرة بقطر ثلاثة ارباع المتر تقريبا.حفرا من حوله بعمق عشرة سنتمترات تقريبا، فتبينت حافة اسطوانية زجاجية.
- يوجد شيء ما لانا.(قال رافال) وقلبه يخفق بسرعة.
- نعم، لنحفر أكثر، ردت لانا وهي تسرع بالحفر بقلب خافق أيضا.
توقف الحفر بعد عشرة سنتمترات أخرى تقريبا، فقد تبين أن هناك صبّة إسمنتية مستديرة، وتجسّمت الاسطوانة الزجاجية الشفافة الغائرة وسطها، ثم تبين أن الغطاء الرملي هو عبارة عن لاصق أُلصق فوقه رمل يشبه رمل الجزيرة استطاعا نزعه من فوق الاسطوانة.
- يا إلهي، ماهذا،لابد من شيء مخبأ هنا في الأسفل.
نظرا إلى ماخلف الزجاجة لكن لم يتضح شيئا فالزجاجة لم تكن شفافة تماما، لكن يبدو أن خلفها فراغ ما.
خافا، خافت لانا أكثر وقالت:
- ربما تحتنا أحد؟
- ربما، ربما يكون مكان تجسسي صيني.
- أها؟ إلى هذه الدرجة ؟ يبقون كل هذه المدة تحتنا دون أن يبرز منهم شيئا؟ لا أظن ذلك.
- لابد من وجود مدخل إلى تحت.
- نعم، فلنبحث، لكن قد يكون في ذلك خطورة ما؟
- نحن نتشبث لنعيش، لعلّنا نجد شيئا مهماً، بالأحرى أي شيءٍ نجده هو مهم في هذه الجزيرة الخاوية.
أسرعا يزيلان طبقة من الرمل بكفّيهما بدءأ من مكان الصبّة إلى كل الاتجاهات.
- لنعمل خطوطا شعاعية، خطان متقابلان ثم خطّان بينهما وهكذا لمسافة عشرة امتار ثم نزيد المسافة إذا لم نجد شيئا(اقترح رافال).
بعد جهد كبير وبعد مسافة حوالي 15 مترا اصطدمت كف لانا بعائق، تبين بعد إزاحة الرمل من فوقه أنه صبّة إسمنتية أخرى مصبوغة بلون الرمل.
- تعال انظر.
اسرع رافال نحوها ثم ساعدها لتحديد تلك الصبّة.
كانت الصبّة مربعة الشكل بطول ضلع متر ونصف تقريبا، ويبدو أنها رُكِّبت فوق صبة أخرى عمودية تغور إلى الأسفل من كل الجهات، ولامنفذ فيها.
ضربا بأيديهما فوق الصبّة..كانت قوية برنّة، قوية توحي أنها سميكة وتحتها تجويف ما.
- يبدو أنّها بوابة ( قالت لانا).
- محتمل جداً.
ذهبا إلى البحر كي يستخرجا أحجاراً أو حصى كبيرة يدقّان فيها الصبّة ويكسرانها.
جاءا بقطع مختلفة الأحجام وظَلّا يدقان بقوة.تكسرت الصبّة فتبين أن تحتها صفيحة حديدية سميكة قوية جداً.
ظلاّ لساعات يضربان بالحصى القوي دون أن يطعجاها حتى. فقط هي ندبت من بعض الأماكن..حتى كفوفهما تمزق بعض الجلد منها فيما تعبت عضلات سواعدهما.
فكر رافال أن يحفرا أحد جانبيها ويطرقان بالجدار الإسمنتي.واقتنعت لانا بالفكرة لكن اقترحت أن يستريحا باقي اليوم.
في صباح اليوم التالي وبعد طرق لساعات تبين أن الجدار بدأ يستجيب للطرق وبدأ يتكسر.
- هااااااااا صار فيها ثقب (هتف رافال).
- عظيم، لنوسعه كي نرى مافيه.
كبر الثقب إلى حدّ يمكنهما مدَّ رأس أحدهما، فمدَّ رافال رأسهُ فيه وقال:
- يوجد سُلّم إسمنتي مبني تحت، أرى ثلاث درجات عليا فقط لأن الإضاءة غير كافية.
وسّعا الفتحة، وبعد ساعات أصبحت إلى الحد الذي استطاع رافال أن ينفذ منها إلى الأسفل، ولأنه الرجل فلابد من أن يخاطر هو فينزل تحت.
تبين له أن الدرجات تبدأ بعد حوالي متر ثم نزل حوالي عشر درجات ملتوية وإذا به في غرفة كبيرة.
انشرح فؤاده لما رأى وصاح :
- لانااا، انزلي لاتخافي، تعالي أُنظري المفاجأة.
نزلت لانا مسرعة، فهي كانت قد مدت رأسها متلهفة ومترقبة، وقد مسكت بحصاتين كبيرتين في كل يد تحسبا لما قد يكون خطرا.
وقف الاثنان مذهولين.
كانت الغرفة تبدو أمامهما مربعة المساحة بطول ضلع أربعة أمتار تقريبا وبارتفاع حوالي مترين ونصف وهي عبارة عن مطبخ بسيط لكنه يزخر بالمحتويات: طباخ غازي صغير بأربعة مواقد، بجانبه قنينة غاز مربوطة معه وأخرى واقفة جنبها، دولاب مطبخ بطول متر ونصف في واجهته ثلاثة أبواب، واحدة منها مفتوحة وقد بدت من بعيد القدور والصحون بداخلها، وفوقه رُميت قداحتين، واحدة منهما فارغة والأخرى ممتلئة، مغسل صغير تعلوه حنفية ماء صُمم فوقه حوض مملوء بالماء كي يسري منه إلى الحنفية، أربع حاويات ماء كبيرة بحجم عشرين لتر، حاوية معلقة حُشِرَت فيها ملاعق مختلفة الحجم وأربع سكاكين مختلفة الحجم أيضا، حاوية ملح ، حاوية سكر، حاوية شاي، حاوية كاكاو، حاوية توابل. وعلى يسار الدولاب انتصبت ثلاجة كبيرة، وأسلاك كهربائية بارزة مع مصابيح ضوئية مازالت مشتعلة، ولم يفهما من أين تجهز بالكهرباء بعد أن تختفي نهاياتها في الجدار، وقد توسطت المطبخ طاولة مربعة بطول ضلع متر وجنبها كرسي. والحائط المقابل لجهة الدخول توسطته فتحة دخول بمساحة باب غرفة يتضح أن خلفها غرفة أخرى. دخلا منها فتبين لهما غرفة أكبر بنصف مرّة من الغرفة الأولى وقد مُلئت بالأكياس وأشياء أخرى، لأول وهلة كانت تبدو مخزنا، وقبل أن يتفحصا مابها رجعت لانا الجائعة إلى الثلاجة، فتحتها، فسطع نور ضوئها، ونفذت إلى أنفها رائحة الأطعمة الطازجة التي اكتضت بها مع الكثير من الحاويات الصغيرة المعلبة من مختلف الأنواع، مدت يدها إلى علبة من القشطة وفتحتها سريعا والتهمتها وصاحت:
- تعال كُلْ بينما نتفحص المخزن هذا.
- حسنا حبيبتي.
فتحا علباً من أنواع كثيرة وأكلا بشغف قليلاً من كل علبة، وعادا ثانية إلى غرفة المخزن، كانت هناك إلى اليمين أربعة أكياس من الرز، واحد منها مفتوح وقد أخذ منه نصفه، كيسين من السكر أحدهما أُخذ منه قليلاً، ثلاثة أكياس من الدقيق، أربعة أكياس صغيرة من الشاي ، ثلاثة من الكاكاو، اثنتين من القهوة، ست أكياس صغيرة من الحليب المجفف.كل هذا تم تصفيفه وترتيبه من جهة فوق قطع خشبية، بينما من الجهة الأخرى المقابلة انبسط على الأرض قارب مطاطي منفوخ يتسع لشخصين بقربه آلة للنفخ، وبعيد قليلا، بدا جهاز، فهما من ترتيبه أنه لتحلية الماء. فيما انتصبت يساره مدفأة غازية. وفي الجدار الأيسر فتحة دخول كبيرة إلى حمام ومرحاض، ومرآة بطول نصف متر وعرض أربعين سنتمتراً، فوجئا فيها بذبول وجهيهما وصدئهما من جرَاء ماء البحر وضوء الشمس. فغسلت لانا وجهها ومشّطته بمشط تحت المرآة، بينما حلق رافال لحيته الطويلة بماكنة حلاقة كهربائية.
شربت لانا ماء من قنينة وقفت فوق الدولاب وسألت رافال:
- أين هي الفتحة التي تؤدي إلى الزجاجة الاسطوانية؟ هل تعتقد هنالك باب أخرى في الجزيرة؟
- السؤال الآخر، كيف أَغلق من كان يسكن هنا بوابة النزول؟ تعالي نتفحص.
صعدا السلالم وأصبحا تحت البوابة الحديدية،كان هناك يبدو عتلة مرتبطة بجهاز صغير فيه زرين للضغط عليهما بالاصبع، ضغط رافال على احدهما فانفتحت الباب، وضغط على الآخر فأُغلقت.
- هذا يعني أن الشخص الذي اغلق الباب موجود في الداخل، فأين هو، وإلاّ كيف أغلقها بعد أن خرج ؟ (قالت لانا).
- هذا يعني أن هناك فتحة توصل بين هذا المكان والمكان الذي تحت الاسطوانة الزجاجية، ولو قسنا المسافة ستكون الفتحة مابعد الاسطوانة حوالي بأربعة أمتار..في هذه الحالة من الممكن أن توجد بوابة أخرى من الجهة الأخرى للاسطوانة الزجاجية ومنها يدخل إلى هنا عبر بوابة سرِّية.
- لكن إذا عثرنا على تلك البوابة وكانت بنفس هذه وهي مغلقة كيف أَغلَقَها من الخارج ؟
- لا أدري، تعالي نفحص الجدران.
تفحصا جدران المخزن بدقة، ازاحا الورق الملصق الذي يغطي جدرانه بشكل مناظر طبيعية.وجدت لانا الفتحة، كانت عبارة عن شق صغير جداً على شكل مستطيل بحجم بوابة.حاولت لانا دفعها فسحب رافال يدها قائلا:
- اتركيها.
جرّها من يدها وهو يؤشر إلى القارب المطاطي ويردف قائلا:
- نحن سنأخذ بعض الغذاء ونغادر الجزيرة بهذا، ماعلاقتنا بما خلف الباب السرّية هذه، هل نحن محققون؟..قد تكون هناك خطورة ما.
- كلامك صحيح جداً، فلنفعل ذلك بأسرع وقت.إحمل معي القارب فوق وبعض الأمتعة.
حملا القارب إلى سطح الجزيرة وملآه بالوقود الذي عثرا عليه بقربه.
جرّبا إشتغاله فتأكدا من فاعليته، ثم ملآه بالغذاء والماء والوقود الاحتياطي.
رجعا إلى المطبخ وطبخا لهما وجبة غذاء: خبز، رز مسلوق فوقه توابل، بيض مسلوق، سمك معلب، خضار معلبة، ثم احتسيا شايا، وبعد ساعة فتحا علبة مربى والتهماها.
صار وقت الغروب فمكثا في المخزن، كان ينقصهما الفراش، مدا أكياس الرز والسكر والطحين وصنعا منه مضطجعاً لكل منهما، ومن الأكياس الصغيرة مخدتين،وتحاورا:
- غداً صباحا سنرحل (قال رافال).
- هل نستطيع تحديد اتجاهنا في السير؟
- سنحاول، أظن حتى لوأخطأنا فاننا لابد أن نمر بجزر جديدة فيها ناس أو نقترب من سفينة ما.
شعرا بالنعاس من بعض الدفئ في داخل المخزن، ومن حلول التعب جرّاء عملهما الشاق نهارا، ومن اشتغال المعدة بهضم الطعام الضيف، فناما مبكرَين.
استيقظت لانا فجرأ وأيقظت رافال:
- رافال، رافال، استيقظ، هيا بنا لنعد إلى ديارنا.
- نعم.
عملا لهما فطور من الشاي والجبن والزيتون والقشطة، ثم صعدا إلى سطح الجزيرة. صبرا ساعتين حتى هدأت الامواج، وأنزلا القارب في جهتها الشمالية الأسهل انحدارا. وشغّل رافال المحرك بسهولة وانطلقا.
بحسب تخمينهما حدّدا أن يتجها شرقا، فجزر الفلبين هي الأقرب. وكان من السهولة تحديد اتجاه الشرق من اتباع خط سير الشمس من بدء طلوعها.
سارا بسرعة بطيئة، استطاع رافال أن يتحكم بالمحرك وتوجيهه بحكمة ليعبر بعض الأمواج الواطئة الارتفاع القريبة من الساحل، رغم أنه لم يخض تجربه كهذه، هو مرّة فقط صعد في قارب مطاطي مشابه لكن لم يكن هو الموجه الرئيس، بل شارك صديقه آنذاك. أمّا لانا فهي لم تصعد في قارب مطاطي اطلاقا.
كان المفروض أنهما سيصلان إحدى جزر الفلبين خلال أربع ساعات الى ست ساعات حتى لو لم يحظيا بباخرة مارة تنقذهما قبلها.
بعد ساعتين وجدا أنفسهما قد عادا إلى جزيرتهما من الجهة الشرقية.
- ماهذا رافال؟ إنها جزيرتنا !!
- ياإلهي، ماذا حصل؟ من غير المعقول أننا أخطأنا في الاتجاه.
- نعم غير معقول.
ساعتان لم يَرَيا فيهما أي شيء فوق سطح الماء. بل ولاحتى طيراً واحداً يمر في سمائه. أصعدا قاربهما وقررا أن يعيدا الكرَّة في اليوم التالي مع مراعاة الانتباه أكثر للاتجاه وتغييره بزاوية قليلة.
وهكذا نزلا ارتاحا واستمتعا ببعض الأكلات وناما.
استيقظا في اليوم التالي وكررا الإبحار.
ورغم الانتباه وتغيير الاتجاه فقد عادا إلى جزيرتهما من الجهة الشمالية من نفس مكان الانطلاق ودون أن يعثرا أيضا على أي شيء فوق سطح البحر.
- غير معقوووول إطلاقا.( صاحت لانا).
لغز التيهان في الإبحار دفعهما إلى حل لُغز الاسطوانة الزجاجية.شكّا أن هنالك علاقة بين اللُّغزين.
قررا أن يطرقا مكان الباب المفترض بين المخزن وماخلفه بمطرقة حديدية وجداها فيه.. تبين أن (الباب) هي أيضا عبارة عن لوحة حديدية سميكة و قوية طليت بالِسمنت، فتمكنا من كسر الطلاء دون أن يستطيعا عمل ولاحتى ثقبا فيه، وفشلت محاولتهما.. أزالا كل اللاصق من على الحيطان فعثرا على زر كهربائي كان تحت عين فتاة في (بوستر) لاصق، ضغطا عليه ففتحت الباب إلى الداخل.
كانت المفاجأة أكبر من سابقاتها..فقد دخلا غرفة كبيرة مربعة بطول ضلع ستة أمتار تقريبا، مليئة بالأجهزة التي مازالت تعمل، ويمينا على بعد ثلاثة أمتار تقريبا تراءى لهما شاباً جميلاً جامد الحركة داخل صندوق على طوله بواجهة نصف زجاجية من الأمام، وقد لاصق الصندوق الحائط.
صاحا عليه:
- هلو..هلووو..
اقتربا منه، كان يبدو مازال حياً، واقفاً دون حراك، شاب طويل ممتلئ لحماً، في الثلاثين من عمره: بشرة بيضاء فضية، عينان زرقاوان لامعتان مفتوحتان تنظران إلى الأمام دون تركيز، شعر أصفر ذهبي اللون.
دق رافال الزجاجة دون أن يلاقي جواباً أو حركة.
- كيف له أن يبقى واقفا كل هذه المدة، هل تعتقد انه مخدّر؟(سألت لانا).
- ربما، لكن كيف يتحمل جسده الوقوف بدون أكل كل هذه المدة؟ تعالي نرى الأجهزة.
الآن فقط فسّرا أن الاسطوانة الزجاجية هي مقدمة لمرقاب فضائي عاكس (تلسكوب) يتحرك إلى الأعلى فيبرز فوق سطح الجزيرة ليلا، يضاف له اسطوانة أخرى تبعد مترين عنها لم يكتشفاها من فوق، شكّا أنها عمود ارسال الذبذبات.وتحت الاسطوانتين أجهزة تلفزيونية مازالت تعمل لكن شاشاتها مشوشة. والأجهزة منصوبة على منضدة كبيرة بطول ثلاثة أمتار تقريبا وتمتد منها أسلاك مغلفة كثيرة تمتد إلى صندوق الشاب، وأخرى غارت في الجدار ففهما منها أنها من تجهز الكهرباء، ولابد من مولد غاطس في البحر يحول الطاقة الميكانيكية إلى كهربائية مستفيدا من حركة الأمواج عملا بمبدأ أرجوحة أرخميدس البحرية التي اخترعت منذ سنوات قليلة.
ارتاحا لاكتشافهما الجديد فتمددت لانا بانتعاش على سرير الشاب المفروش لدقائق، بينما راح رافال يختار بلهف ما يناسبه من ملابس في دولاب في زاوية من الغرفة.
الاكتشاف الجديد هذا فسّر الكثير لكن أدخلهما من جديد في حيرة أكبر: فقد يكون هذا الشاب له ولع في رصد الفضاء، أو مرسلاً من جهة تريد السّرية في الرصد، فيرسل لها مايرصده سرّاً، لكن مامعنى أن يحبس نفسه في صندوق ويبقى فيه بلاحراك. وكيف يمكن لإنسان أن يبقى بلا أكل وهو واقف، على الأقل خلال المدة التي نزلا منها الى المطبخ إلى الآن، هذا إذا كان يتنقل بين الغرف قبل أن ينزلا.
اكتشفا الزر الكهربائي الذي يفتح البوابة إلى المخزن، وتبين لهما أن هناك بوابة أخرى تفتح آلياً لتؤدي عبر نفق إلى سطح الجزيرة قرب حافتها الجنوبية، ويبدو أنها بوابة احتياطية.واستطاعا اكتشاف مكان أرجوحة ارخميدس الغاطسة في البحر.

بعدها بعشرة ايام

يأس الاثنان من فهم ماحصل للشاب الجامد الحركة، وفهم عمل تلك الأجهزة، وخافا من تجريب الأزرار العديدة لها، وتركا تلك الغرفة.
يأس الاثنان من المحاولة في مغادرة الجزيرة بعد أن كررا المحاولة للمرّة الثالثة والرابعة ونفد الوقود. وزادت المداعبات البسيطة، وزادت العادة والتطبع لها، فلم يعد الاكتفاء بها مجزياً. الملل من نفس أدوار الاغراء دفع إلى التوغل أكثر للاشباع. ثم حرًّك تنامي الرغبة فكر لانا، زاد الجدل، غريزة الاثنين تريد التوغل إلى مدياتها النهائية.. إلى التفاعل الكيميائي بين جينات الاثنين، رغبة رافال تتقدم ورغبة لانا تتحفظ. لكن التحفظ بدأ يتكسر أمام نوع آخر للملل.. أن يبقى الاثنان لوحدهما كل هذه المدة، نفس الوجه، نفس الصوت، نفس الرائحة، دون حتى كائنات حية أليفة؛ لابد من ثالث.
إنهار التحفظ وطلبت لانا بنفسها من رافال أن يتزوجا ويرزقا بطفل أو أطفال، فقبل رافال على الفور.
أعدّا احتفال زفاف بسيط: زينة من أوراق لاصق الجدار، أعشاب بحرية ملوّنة.
لبس الاثنان مما وجدا من ملابس للشاب.
شغَّلت لانا أُغنية مخزَّنة في هاتفها الخلوي لدقائق، فرقص الاثنان على نغماتها، فهي حرصت أن تحتفظ بالشحن المتبقي فيه وتشغله كل يوم لثوان عسى أن تشتغل شبكة الاتصال فيه.
ثم جلست هي على الكرسي في المطبخ بجانب الطاولة وجلس هو على كرسي آخر جَلبهُ من غرفة الأجهزة. مد كل منهما ليشبك يد الآخر، وقال كل منهما أنه قبل بالزواج من الآخر، وأقسم أن يكون وفيا له، دون أن يشهد لهما أحد، ولاحتى ورقة عقد.
ثم دخل الاثنان إلى غرفة المخزن في مساحة تم تفريغ محتوياتها وفرش أرضيتها من فراش سرير الشاب.
وهكذا دخل رافال الدميم بزوجته لانا فاراب ملكة جمال العالم.
وفي شهر العسل إستمتعا واستمتعت الجزيرة لأول مرّة بإنباتات الباقلاء والفاصولياء والحمص من البذور التي وجدوها في المطبخ ودأبا على سقيها من ماء التحلية. بعدها أجريا تجارب عديدة في زراعتها. ورغم أن أغلبها لم تكبر إلى حد التزهير لكون التربة رملية عموما وتفتقر للعناصر الغذائية الضرورية ، لكن أوراقها وسيقانها كانت جزءاً من وجبات طعام استمتعا بلذتها مثلما تلذذا بمنظرها وتسلّا بتلك التجارب في قضاء الوقت.

بعدها بتسعة أشهر

ولدت لانا طفلاً جميلاً أسمته ميدو، كان فرحهما به عظيما خصوصا أنه ولد بصحة جيدة. فرحا ببكائه وصراخه، وأصبحا كل يوم يتلهفان لأن يكبر فيشاركهما حياتهما البائسة. هكذا نحن البشر، في ظلماتنا الحالكة وبؤسنا نستنجد بولادات جديدة.. ذرات غير واعية كانت منتشرة في أماكن عديدة نجمعها في أجسادنا ثم نفاعُلها مع بعضها كحيمن وبيضة؛ ثم نلقي بوليد إلى عذابات عالمنا كي نخفف من عذاباتنا ليس إلاّ.
ومثلما حرصا أن يغذيا ميدو بأفضل الأطعمة فأن الاغذية بدأت تقلْ وينفد بعضها فحرصا أن يتدبرا به ويركزا على الصيد والاعشاب البحرية. تعلما أيضا أن يجففا تلك الاعشاب ليستفيدا منها باشعالها كوقود.


بعد سنتين

صباح يوم ربيعي كان رافال جالسا في الربع الشمالي من الجزيرة جلسة القرفصاء ووجهه إلى البحر.وكان قد تذكر شيئا فأخذ يؤشر بسبابته نقاطا في الهواء ثم يحرك ويدوِر باصابعه العشرة حولها. انتبهت لانا لتكرار مايفعل فصاحت من بعيد:
- ماذا تفعل؟
- أفعل مثلما قرأت مرّة في قصة.كانت فكرتها جميلة لكن لا أدري لماذا هي تدقُ ذاكرتي منذ أيام.
- قصصك لاتنتهي، هات.
- فكرتها، شخص يصل إلى مستوى من الإلمام العلمي الكبير فتجده زوجته يؤشر بسبابته في الهواء بنقاط ثم يحرك حولها أصابع يديه العشرة مثل من يفرك بيديه كرة قدم. فتسأله زوجته ماذا تعمل فيقول لها أنا أجمع أفكاري بشكل مجسم. لكن المسألة تتكرر وتتكرر ثم يدعي أنه يصنع كرة بيضاء في الهواء. وتتكرر محاولاته في أماكن عديدة وتهجره زوجته، ويتهمه الناس بالجنون، لكن بعد سنة ونصف تظهر فعلا كرة بيضاء في الهواء، وتتبعه أينما ذهب ويراها كل الناس، ويستطيع أن يدخل إليها ويخرج منها ويقول أن من يدخل فيها يشعر بسعادة كبيرة، ويجرّب الناس أن يدخلوا فيها فيشعرون فعلا بالسعادة وبعدها كل الناس يجرّبوا أن يفعلوا مثله.
- خيال جميل، عندك متسع من الوقت لتجرّب مثلها، على الأقل اجمع أفكارك بهذه الطريقة عسى أن نفهم مانحن فيه من لُغز.
أعاد محاولته في التأشير، لكن هذه المرّة قام وهو يدوِّر بكلتا يديه حول رأسها مازحا وهو يقول:
- ربما يصنع رأسك الجميل شيئا، ربما هو من يستخرج فكراً.
وبينما ابعدت لانا يديه صاحت به:
- أُنظر خلفك، يا إلهي ماهذه النقطة البيضاء؟
- غريب!!! ماهذه. قالها بعد أن إلتفتَ ورأى أن هناك فعلا نقطة مضيئة بيضاء تتحرك يمينا ويسارا بارتفاع حوالي ثلاثة أمتار بينهما وبين الساحل.
استمرت النقطة تكبر وتتأرجح ثم اصبحت تدور حول نفسها.بعد ساعات كبرت إلى أن أصبحت بقطر سبعة امتار تقريبا متخذه شكلا اهليليجيا مثل مركبات فضاء الخيال العلمي.
كانا يرتجفان طيلة الساعات تلك وكل منهما يستفهم من الآخر ما يجري وماعليهما أن يفعلا، لكنهما آثرا المراقبة عن بعد.
حطت (المركبة) على الأرض ثم فتحت باب منها. ونزل منها شخصان.
كانت المفاجأة الأكبر أن هيئتهما مثل مارأيا اثناء اقترابهما من الموت.. هيئة من قال لكل منهما إرجع فعاد إلى الحياة، وقد توضحت الصورة هنا أكثر.. بالوجه الأبيض الجميل والعينان الزرقاوان والهيئة الطويلة التي تتعدى المترين بزَي بدلة بيضاء قطعة واحدة تغطي أجسامهما، عدا الوجه المكشوف، وكأنهما قد تطبَّعا مناخ الأرض.
- كم أنت جميلة لانا فاراب. قال أحدهما بعد أن نزل من المركبة بصوت (بشري) ساحر وقد بقيَّ الاثنان واقفين بمسافة ثلاثة امتار عن لانا ورافال، الواقفين بذهول أمامهما.
- شكرا لك، من أنتم ؟ (ردت لانا).
- نحن ضيوف عندكم، اتينا من كوكب (أرض2) هكذا سمّيناه تشبيهاً بكوكب الأرض.
- أنتم تشبهوننا!! (قالت لانا).
- نحن أقارب بالأصل ( قالها المخلوق الفضائي مبتسما).
ثم قال الفضائي الآخر، وكان صوته ناعماً يشير إلى أنه صوت أنثى:
- نحن جئنا بمهمة لنأخذ الشخص الجامد في الجهاز تحت.
ثم أردفت:
- نحن نقرأ تساؤلاتكما الآن وهي مازالت في عقولكما، وسنجيبكما، عندنا وقت كافٍ لذلك..قبل نصف مليون سنة تقريبا كنّا نعيش على كوكب الأرض.نحن مثلكم انحدرنا من (الأسترالوبيثيكوس)، وهذا النوع تفرع إلى فروع كثيرة بحكم التكيّف للبيئات المختلفة عند انتشاره. بعضها انقرض وفرعان صمدا. واحد منهما وهو (أسترالوبيثيكوس أفريكانوس) تطور إلى (الهومو) ثم (النياندرتال) ثم (الهوموسابينس) وهم البشر الحالي، وفرعنا (أسترالوبيثيكوس جارهي) تطور سريعا بحيث غدتْ الأُصول الأُولى التي كونتكم متخلفة عنا كثيرا.كنّا نعتبرهم عندها مثل باقي الحيوانات، مثلما تنظرون الآن أنتم إلى القرود. تطورنا نحن علميا وتكنلوجيا بسرعة، وبعد آلاف السنين تغير مناخ الأرض فاصبح آكثر حرارة، وتغيرت نسب مكونات الغلاف الجوي، فتوقعنا أننا سننقرض بعد آلاف أخرى من السنين لو بقينا على هذا الكوكب، فقررنا أن نبحث عن كوكب آخر، ثم اكتشفنا كوكبا يدور حول نجمة (بروكسيما سنتوري)، فذهبنا إليها، كانت مخاطرة كبيرة؛ لكن وصلنا هناك فوجدنا كوكبا جميلا عشنا فيه.
- وهل كان فيه حياة، أشجار أو حيوانات؟ (قاطعته لانا).
- لا، نحن أخذنا معنا بذوراً وأجِنَّة لنباتات وحيوانات من هنا واستطعنا أن نكثّرها هناك، ثم اشتققنا أنواعا جديدة منها بالهندسة الوراثية.
- وبقيَّت علاقتكم بكوكب الأرض؟( سأل رافال).
- نعم، بقيَّ عندنا حنين للأرض فارسلنا بعد أن وصلنا بآلاف السنين مركبة بقيَّت في المدار حول شمسكم تراقبها وترسل لنا المعلومات، وهنا تبين لنا أن بعض أفرادكم تتغير جيناته فيصبح شبيهاً لنا في داخله، في طريقة تفكيره، فيتجه باحثا عنا بشكل حدسي. لذا كنّا نتصل به، وعندما ينضج تفكيره بالمعلومات التي نضخها بوسائلنا إلى عقله نهبط ونأخذه معنا، وكان ذلك يكلفنا الكثير من الجهد والمخاطرة. هذا الشاب حدث له تحول أيضا، لكن كنّا نريد أن ننقله دون أن نهبط، كنّا نجرِّب طريقة أخرى هو يشترك بها معنا في الانتقال، كنا نجرّب الانتقال عبر ثقب دودي وبشكل مباشر من كوكب إلى آخر دون الصعود إلى المركبة المدارية، لكن فشلنا بسبب مرور طائرتكم أثناء الاتصال.
- فأسقطْتونا ؟ (قاطعته لانا).
- لا، ابدا، أنتم من َسقَطَ في الدوامة التي حدثت فجأة ولم نقدّر أنها ستحدث، نحن آسفون جدا لما حدث، ثم نحن من أنقذكم الاثنين ولم نستطع انقاذ الباقين لأنهم كانوا مربوطين بأحزمة النجاة في الطائرة، نحن استطعنا إنقاذكما في اللحظات الأخيرة.(أجابت المرأة الفضائية).
- وأنتم من منعنا من الاتصال، ومن أن تنقذنا الطائرات، ومن مغادرة الجزيرة ؟ (قالت لانا بحرقة).
- نعم، كان لابد من ذلك حتى نهبط هنا ونجري بعض الترتيبات. أنتما الآن ملوثان (بزمكان ملوث)، وخفنا أن ينتقل إلى باقي الأرض. (أجاب الرجل الفضائي).
- نعم؟..لم نسمع بهكذا مصطلح سابقا؟ (سأل رافال).
- شرح هذا يطول، في الحقيقة أنت كنت خارج منطقة التلوث، وقد حرصنا ليومين أن لايَرى أحدكما الآخر..نحن شككنا ثم تأكدنا بعدها أن لانا لايمكنها أن تصمد وحدها وستموت فقررنا أن نٌزيل الحاجز بينكما ونسمح لك أن تعيش في منطقة التلوث، فتلوثت أيضا وكان نصيبك أن تحصل على ملكة جمال الأرض ها ها ها. أكمل جملته ضاحكا ثم أضاف:
- نحن من أنقذك عندما تسممت.
- ولماذا أنقذتموها إلى منطقة ملوثة وأنا خارجها منذ البداية؟ (سأل رافال).
- هي منذ البداية سقطتْ في منطقة ملوثة بينما أنت سقطتَّ خارجها.(أجاب الرجل الفضائي).
- ماهذا فوق رؤوسكما، هو فقط مايميزكم عنّا تقريبا؟ (أشارت لانا بيدها إلى مافوق رأس المرأة الفضائية) فأجابت هذه:
- هذا حاسوب صنعناه من الـحامض النووي (دي أن إي) وقد ربطناه بنسيج لحمي- عصبي يخترق الجمجمة من فوق الأذنين ليرتبط بالدماغ، فيه عين كاشفة تدور بسرعة فتُنبئِنا بكل المتغيرات من حولنا، وتحسب بسرعة فائقة، وهي أيضا ترى الموجات غير المرئية بالنسبة لكم.
لم يخفْ ميدو من الزوّار ولا من مركبتهما فترك اللعب بحصواته وآتى ليقترب من أبيه.
- آه، ميدو الصغير (قالتها مبتهجةً المرأة الفضائية) ثم أضاف الرجل الفضائي:
- كنا نراقبك وأنت في أحشاء أمك، أنت نشأت وجيناتك مثلنا، وسنأخذك في هذه المركبة الجميلة.
- ماذا، أنت تمزح، ماذا يعني أنكم كنتم تراقبوه وهو في أحشائي، وتريدون أخذه منا؟ هذا مستحيل واتمنى أن يكون مزاحا.
- نعم لانا، مانقوله ليس مزاحا. نحن كنا نراقبه لأن إشارات أتتنا من بطنك تبين أن جيناته صارت مثلنا. هذا صار بسبب أن الجزيرة بقيت ُترصد باشعاعاتنا وأفكارنا، وأيضا فأن هناك آلية عندنا ترصد أية جينات تشبهنا على كوكب الأرض أو أية كواكب أخرى. هناك موجات خاصة تنعكس منها فنحللها بسهولة، مثلكم حين ترصدون الكواكب وتحللون صفاتها من خلال تحليل الضوء. نحن كما قلت لكما متقدمون عليكم بكثير.
- وتريدون أخذه منا بالقوة؟ كيف تقبلون بذلك؟ (قاطعته لانا).
-لا، نحن قوم مسالمون وعادلون ولانقبل بفرض إرادتنا عليكما، لذلك اعتبراه اقتراح منا..كما تريان نحن بذلنا جهوداً كبيرة من أجل أن نأتي ونأخذ الشاب.كل ماقمنا به هو من أجله وليس من أجلنا. هو وصل إلى حال لايستطيع العيش على هذا الكوكب، وهذا الطفل أيضا سيكبر وسيعاني، ولن يقتنع بكل جنات الأرض وسيحاول أن يلحق بنا. سيكون هذا هدفه وسعادته، سعادته معنا، فوق (أشار بيده إلى جهة كوكبهم).( ردت المرأة الفضائية ) ثم أضاف الرجل الفضائي:
- هناك سيعيش آلاف السنين، سيزور مئات الكواكب، سيعيش حياةً بلا قلق أو تهديد.
- لا، لانقبل بمقترحاتكما إطلاقاً ( قاطعه رافال).
أشارَ الرجل الفضائي إلى المركبة فنزلت منها كتلا ذهبية تلمع وهي تطير وتحط على الأرض. مئات القطع تتوالى النزول وهي تحيط بساحل الجزيرة حتى غدا شكل الجزيرة يتلألأ ذهبا من بعيد.ولو أنها فرشت على سطحها لغطتها كلها بعشرة سنتمترات على الأقل.
- هذه القطع الذهبية هي تعويض إلى أُسر ضحايا الطائرة، وقد نقش اسمُ كل منهم على قطعة، وهذه الكتلة الأكبر التي تزن طنا هي تعويض لكما عن ميدو. هناك كواكب قريبة من كوكبنا مليئة بالذهب.(قال الرجل الفضائي).
- ذهب الكون كله لانقبل به ثمنا لإظفر من أظافر ميدو، نحن بشر، هويتنا في محبتنا لأسرتنا، هويتنا في كرامتنا.(قالتها لانا بعصبية).
- حسنا، هو لكما، لكن تقبّلا منا الذهب الخاص به.. هو سيفيده في حياته قبل أن ينتقل إلينا، لاحظي الشاب الجامد، لقد عانى ليجمع ثروة تمكنه من بناء محطته هذه، اعتبراه هدية من مَلِكَنا، هو الآن ينصت إلى محاورتنا بواسطة (التشفير الكمّي)، هو يقول هذه تعبير عن الصداقة بين كوكبينا.(ردت المرأة الفضائية).
- طيب، سنقبله منكم، لكن لماذا أنتم لم تتصلوا بسكان الأرض بشكل مباشر، لماذا تكتفون بمساعدة من يشبهكم فقط فتأخذونه؟ نحن نبحث في السماء عسى نجد كوكبا فيه حياة وأنتم تعرفون ذلك ولاتتصلون؟ (قالت لانا).
- كنا لا نريد أن نتدخل في صيرورة الأرض، لانقبل أن نتعدى حدودنا. هذا الاتصال إذا بدا منا سيقلب الكثير من أفكاركم. لكن يبدو أنه صار واقعاً رغما عنا. لذلك سيكون هناك اتصال مباشر قريب مع الأمين العام للأمم المتحدة ممثلا لكم.
- والآن، إسمحا لنا. (قال الرجل الفضائي) وقد سار تلحقه المرأة الفضائية باتجاه فتحة غرفة الأجهزة.
باشارات من الرجل الفضائي شق فتحة كبيرة في سقف غرفة الأجهزة وأخرجا الشاب وجهازه. جعلاه يطير هو وجهازه فيدخل إلى المركبة بعد أن قصّا منه الأسلاك وهو مازال جامدا...سألت لانا:
- كيف بقى حيا وهو جامد كل هذه الفترة؟
- عزلنا نسيجه الزمكاني عما حوله لحظة الحادث وعندما سنصل إلى مركبتنا المدارية سنفكك النسيج ونعيده إلى الحراك. أجاب الرجل الفضائي، ثم صاح على رافال قائلاً:
- تعال رافال، أنت ظُلمت وسنهديك شيئا، قف أمامي وأنظر إلى عيني ًّ.
خافت لانا على رافال وهي ترى بدنه يهتز، لكن المرأة الفضائية طمأنت لانا الواقفة جنبها:
- لاتخافي لانا، ستشكرينا على فعلنا.
وأطمأنت لانا فعلاً لما ترى أمامها عندما رأت صورة شاب جميل مثل ظل ضوئي خلف رافال، وفهمت من التغييرات المستمرّة من جرّاء الاهتزاز أنه سيكون شبهها، ثم فعلاً بعد دقائق صَبَرَها رافال وهو يرى الاطمئنان في وجه لانا، صار يشبه تلك الصورة.
- أنظر إلى هيئتك في هذه المرآة (قال الرجل الفضائي ثم أشار إلى مقربة منه فتكونت مرآة على طول رافال).
- يا إلهي، كم أصبحت جميلاً رافال (قالت لانا) عندما سبقت رافال بالنظر إلى نفسه بالمرآة.
ثم أضاف الرجل الفضائي:
- هذه تشبه طريقة قصة (بارابيوتي لوجي) التي قصصتها يوما لِلانا.أنتم الآن أحرار. بامكانكم الاتصال بالهاتف الخلوي عبر القمر الصناعي.
ثم صعد الفضائيان إلى المركبة الفضائية مودعين لانا ورافال. بعد دقائق بدأت المركبة الفضائية تصغر شيئاً فشيئاً حتى اختفت.



#رائف_أمير_اسماعيل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحمة إشنونا
- رسالة إلى أبي سفيان - التاريخ الموازي
- الحيرة في فهم وعي الإنسان المتفرق لذاته الواحدة
- حب زينوني
- رأي جديد في سبب حدوث مرض السرطان وكيفية علاجه
- دين الروبوتات
- نحو سرعة أعلى من سرعة الضوء- الحالة الثالثة
- شياطين طالبان
- أسس فسلجة الضحك
- هنا العراق
- وداعا أيها الموت
- تسلل الإيمان - قصة قصيرة جدا
- رماد هندوسي بارد
- رسل - قصة قصيرة جدا
- أحب القصور الملكية (مصححة)
- أفكار في فهم الوجود من منظور فلسفة الفيزياء - افتراض جديد لل ...
- معنى كلمة أدب بصياغة جديدة
- أحب القصور الملكية
- الشاعرة رند الربيعي .. وأقشر قصائدي فيك
- لماذا يحب الأطفال أفلام الكارتون


المزيد.....




- جلسة شعرية تحتفي بتنوع الأساليب في اتحاد الأدباء
- مصر.. علاء مبارك يثير تفاعلا بتسمية شخصية من -أعظم وزراء الث ...
- الفيلم الكوري -أخبار جيدة-.. حين تصنع السلطة الحقيقة وتخفي أ ...
- بالاسم والصورة.. فيلم يكشف قاتل شيرين أبو عاقلة
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- إطلاق الإعلان الترويجي الأول للفيلم المرتقب عن سيرة حياة -مل ...
- رئيس فلسطين: ملتزمون بالإصلاح والانتخابات وتعزيز ثقافة السلا ...
- السباق نحو أوسكار 2026 ينطلق مبكرًا.. تعرف على أبرز الأفلام ...
- شاهد رجل يقاطع -سام ألتمان- على المسرح ليسلمه أمر المحكمة
- مدينة إسرائيلية تعيش -فيلم رعب-.. بسبب الثعابين


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائف أمير اسماعيل - اتصال غرب سبراتلي