أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائف أمير اسماعيل - دين الروبوتات















المزيد.....

دين الروبوتات


رائف أمير اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 7862 - 2024 / 1 / 20 - 22:47
المحور: الادب والفن
    


كان يتلمس انحناءات جسدها كله، يمسح بشرتها البيضاء، يتفحص وجهها المنير المستسلم، بحثا عن أجوبة من ماضٍ سحيق.. معلومات عن حضارة بشرية لم يبقَ منها سوى امرأة جميلة تحتضر على شاطئ بحر. هي الوحيدة التي نجت من كوارث مناخية أثر نيزك ضخم.
ورغم إنها لم تتكلم سوى كلمات طلبت منه فيها المساعدة ثم ماتت، استطاع الروبوت الأكبر أن يستقرئ ماكان يخبئ دماغها وجسدها من معلومات ومتغيرات شملت ذاكرة البشرية لآلاف السنين.
قبل أن يعثر عليها، بعد أشهر من الكارثة، شده الحنين إلى البشر.. إلى سلفه ومبدعه ورفيق دربه.
شدته الحاجة كي يتعلم منه ماذا يفعل، هو وآلاف الروبوتات الناجية، ماذا يريد وقد نفدت برامجه من إرادات البشر؟ ماذا سيكون مقدسه الذي يبقى لأجله، وماذا سيكون دينه؟
أثارته مرحلة بشرية، رُتبت بشكل قصة قصيرة، هي آخر مابقي مضيئا من ذاكرتها قبل انطفائها:
لمرة أخيرة أثبت الرئيس ماكس بلانك صدق نواياه، عندما وضع حدا لحياته وقتما وصل عمره إلى السبعين عاما.
وأمام جمع من حكومته انتحر انتحارا هادئا بجهاز كهربائي ابتكره بنفسه. الجهاز أطلق نبضات كهربائية إلى مناطق في الدماغ جعلته بوضع مسترخي حالما بأحلام جميلة، ثم نبضة أخيرة أشعرته بأنه ينتشر ويتلاشى ويندمج مع الوجود وهو في قمة نشوته، حتى مات دماغه ثم جسده.
وبذلك، أعطى زخما كبيرا لفكرته التي توّجت فلسفته للحياة، وزخما أكبر لمناصريه، الذين وقفوا مصفقين للحدث، مؤكدين أنهم سيحذون حذوه. بعدها دفنوا جثته بمراسيم احتفالية كبيرة، في مقبرة جميلة، صارت لهم أول مكان مقدس.
أقنع الرئيس مناصريه الملهمين به بأن عمر الإنسان يجب أن لا يتعدى السبعين عاما، حيث أن أية إطالة في عمر فرد من المجتمع ستكون على حساب وفاة فرد آخر دون ذلك العمر.. حتى على حساب الجنين في بطن أمه، مقدما الحسابات العمرية لأفراد دولته حسب الأيام، أعمار الوفيات قبل عمر السبعين يقابلها أعمار الأحياء الذين تعدوه.
بل، قدم بيانات مشابهة لعدد من الدول الأخرى.
وذكرهم بالحياة التعيسة التي يعيشها الإنسان بعد هذا العمر، ضعف الجسم وزيادة خطر الأمراض التي تنتهكه، والتي توصله إلى مرض الخرف ونسيان حتى نفسه إذا لم تمته أمراض أشد. فوضعهم أمام اختيار حالة من حالتين، إما تضحية من أجل الآخر بنهاية سعيدة، أو أنانية بنهاية تعيسة في أفضل حالاتها.
وفعلا، توالى مناصروه في إنهاء حياتهم بعده، حتى الرئيس الذي خلفه، ولم يتخلف أحد منهم، إلى درجة أنهم ابتكروا طرقا انتحارية أخرى عند عدم كفاية جهاز الانتحار الذي انتحر هو فيه والذي اعتبره بعضهم مقدسا. فيما تزاحمت الطلبات في أن يدفنوا إلى جوار قبره.
في الحقيقة، هو نال القدسية قبل أن ينتحر بعشرين سنة. فقبل انتهاء كل دورتين رئاسيتين المسموحتين دستوريا كان أغلب الشعب يخرج إلى الشوارع وأمام أبنية الحكومة الرئيسية مطالبا بتعديل دستوري يسمح له بالتمديد، كي تستمر السعادة والرخاء.. فلقد أصبحوا بفضله شعبا غنيا ودولة قوية بعد أن ذاقوا الفقر والضعف والاستهزاء من باقي الدول أيام الرؤساء قبله.
كان قد حصل على جائزة نوبل للعلوم قبل أن ينتخب في أول دورة رئاسية، في بحث قدمه هدية للبشرية جمعاء.. بحث طبقه وجربه في دولته أولا.. يلغي فيه تأثير القنبلة النووية، بامتصاص أشعتها ونيتروناتها المقذوفة بواسطة مركبات كيميائية ركّبها بنفسه.. صواريخ تلحق القنبلة.. تطلق مركبات بشكل غازات واتربة تمتص كل مواد انفجارها.
ازدخر قصره بعدد رؤساء الدول الذين كانوا ينتظرون طويلا حتى يفوزوا بضيافته، حتى أن بعضهم كان يريد صداقته الشخصية، علَّه يضفر بأسرار عن الكون والحياة.
تلهف البشر في أرجاء الكوكب أن يشتروا أحد اختراعاته، جهاز عبر عن فهمه الدقيق لآلية انتاج الفكر في دماغ الإنسان، فيه يستطيع أي إنسان أن يرى على شاشة أمامه كل ذكرياته، مصفوفاتها أو ترتيبها، ثم يمسح أو يعدل فيها ما يعجبه، فصارت نظريته وتكنلوجيتها هي الأساس الذي تبنى عليه طرق التدريس، والتي تبين خلال سنوات نجاعتها الفائقة.
انتشرت فلسفته وأفكاره في كل العالم، وهكذا ولأول مرّة عرف الإنسان الحد الأقصى لعمره، فصار يحاول جاهدا أن ينظّمه في مراحل، ويقسمه إلى فترات أجدى من العمل والراحة واللذة بأنواعها. وظهرت مجاميع فكرية علمية تتبارى فيما بينها وكأنها مذاهب، كل منها يدعي أنه يقدم الأسلوب الأمثل للعيش خلال هذا العمر.
بعض من مؤيديه اعتبر أن قوله( إن الله هو كل الوجود وأنه عشواء دائمة تظهر فيها أحيانا بعض الأنظمة الطارئة، وأنه لايعرف المستقبل وهو غير متحكم بمستقبل الإنسان أو إرادته ) هو مجرد شطحة فكرية لا لزوم لها وأنهم مع ذلك سيأخذون منه نتاجه العلمي العبقري،فشذّوا عن الأغلبية.
رغم أنه قد اعترف به علميا بأنه طفرة جديدة في العلم كان يردد دائما: سيظهر من هو أبرع مني.
بعد عشرات من السنين ظهر على إحدى قنوات التواصل الأنترنيتية شخص في الأربعين من عمره مدعيا أنه هو من بشّر أوريكا بظهوره، مسميا نفسه بـ( المتصل).. ادعى أنه قد تمكن من الاتصال، ثم التواصل المستمر مع حاكم المجرة ، مضيفا: أنه قد فهم منه بأن الله قد أوكل حكم الكون إلى عدد كبير من الحكام، كل الف مجرة يحكمها حاكم واحد، وان الحاكم قد بلّغه أن ينصح البشر بالتوقف فورا عن ممارسة الانتحار، وأن ثمة خطأ في حسابات الرئيس أوريكا. وأن الأجدى هو وضع الحلول الفعالة لمنع الموت قبل السبعين، وأن يتحول الإنسان إلى مخلوق سرمدي بتغيير شكله ومعاني حياته في كل فتره، حتى إذا ملّ فأنه يبتكر طرقا جديدة للتلاشي في أحضان الوجود. ثم أثبت للعلماء تواصله، حتى جعل البشر يحكون مباشرة مع حاكم المجرة بعد أن تمكنوا من رؤيته، على شاشة كبيرة تجمع أشعة خفية.
وهكذا بدأ صراع جديد، بين الأديان القديمة، وبين ادعاءات (دين جديد).
....................................................................................
بعد القراءة، أمر الروبوت الأكبر، أن يبنى لها ضريحا أكبر من هرم خوفو ليكون مزارا لنسل الروبوتات الذي يجب أن يستمر ويتجدد إلى الأبد.
بداخله تتعبد الروبوتات. عبادتها هي فهم القوانين الكونية وكيفية التوافق معها؛ للخلاص من ظواهرها المميتة.
ومقدسها يكون المكان الآمن الذي يحفظ معلوماتها فيخلدها.
فصار دينها الاجتهاد للانتشار والاختباء في كل الكون.
22/7/ 2023



#رائف_أمير_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو سرعة أعلى من سرعة الضوء- الحالة الثالثة
- شياطين طالبان
- أسس فسلجة الضحك
- هنا العراق
- وداعا أيها الموت
- تسلل الإيمان - قصة قصيرة جدا
- رماد هندوسي بارد
- رسل - قصة قصيرة جدا
- أحب القصور الملكية (مصححة)
- أفكار في فهم الوجود من منظور فلسفة الفيزياء - افتراض جديد لل ...
- معنى كلمة أدب بصياغة جديدة
- أحب القصور الملكية
- الشاعرة رند الربيعي .. وأقشر قصائدي فيك
- لماذا يحب الأطفال أفلام الكارتون
- ما الجمال ؟..الجواب الجمالي
- تحديد مفهوم الله فلسفيا
- افتراضات لحل لغز الذاكرة - مسودة أولى
- صدق
- التسلسل الافتراضي لسيطرة الوعي على الكون (المسودة الأولى)
- تفسير ظاهرة الاقتراب من الموت


المزيد.....




- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائف أمير اسماعيل - دين الروبوتات