أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - تحليل سينمائي ل شبح مقهى














المزيد.....

تحليل سينمائي ل شبح مقهى


كاظم حسن سعيد
اديب وصحفي


الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 21:46
المحور: الادب والفن
    


قراءة سينمائية للصحفية والناقدة السينمائية سامية عرموش..سامية عرموش ، فلسطين..
تحليل سينمائي لـ "شبح مقهى": حين يتحول فضاء الحكايات إلى أطلال الذاكرة
في أيام دراستي للماجستير في "ثقافة السينما"، كانت إحدى النصائح التي قدمتها لنا مدرّبتنا في كتابة السيناريو: "اذهبوا إلى أقرب مقهى، واسترقوا السمع لما يدور فيه من أحاديث... هناك تولد القصص." فالمقهى لم يكن يومًا مجرد مكان لاحتساء القهوة، بل كان مسرحًا حيًا للبوح، للدراما، ولنبض الحياة. لكن حين قرأت قصيدة "شبح مقهى" للشاعر كاظم حسن سعيد، شعرت أن تلك النصيحة عادت إليّ متأخرة. لم نعد نبحث عن القصص الحية، بل عن أطيافها. القصيدة ترسم مشهدًا مؤلمًا لمقهى كان يومًا منبرًا للحوار والحب، وتحول إلى خربة تتنفس بالذكريات، مأهولة برجال يلوكهم الزمن ببطء.

القصيدة ترصد تحولًا حادًا وموجعاً: من مقاهٍ نابضة بالحياة والتنوع البشري، إلى فضاء شاحب بالكاد ينبض. لم يعد المقهى مكانًا للقاء، بل صار رمزًا لانهيار تقاليد الحوار والانتماء. إنها ليست مجرد مرثية للمكان، بل نقد اجتماعي صارخ لتحولاتنا التي جرّدت "المقهى" من دوره كمجال عام آمن للبوح والتلاقي، واستبدلته بمساحات افتراضية تفتقر للدفء والحميمية. هذا التآكل للجوهر يظهر في صورة الشاعر:
"صدئت الأشياء مخلفة مقهى شبحياً نجا من المحرقة، وكهولا خاملين يتنفسون بالذكريات."

هذا التآكل الوجودي يحمل خصوصية تاريخية في السياق العراقي؛ فالمقهى لم يكن فيه مجرد مكان، بل شخصية اجتماعية وثقافية. من أيام العثمانيين إلى العصر الحديث، لعبت المقاهي الشعبية مثل الزهاوي والشابندر دورًا سياسيًا وثقافيًا محورياً، وكانت ملتقى السياسيين والأدباء والمتمردين. لكن القصيدة ترثي هذا الدور المتلاشي، وتصور ما تبقى من هذه الأمكنة كرموز لجيل تآكلته الخيبات، عالق بين ذاكرة قوية وواقع هش.
قد يرى البعض أن هذه الصورة سوداوية، خاصة وأن المقاهي لا تزال حاضرة في المدن العربية. لكنها تحولت وظيفيًا: فمن منابر فكرية، أصبحت مساحات عمل أو استثمارات ترفيهية. ما يرصده الشاعر ليس مجرد تغير في الشكل، بل تآكل في الجوهر. القصيدة لا تبكي على ديكور قديم، بل على ذاكرة جمعية تلاشت، وعلى روح فقدت مكانها.

وانطلاقاً من هذا التكثيف الرمزي، يمكن تخيل القصيدة كمشهد سينمائي مكثف بعنوان "الميناء العتيق، الذي يجسد هذا التحول:
يبدأ المشهد بـ افتتاحية فلاش باك على موسيقى مقامية عراقية صاخبة ممزوجة بأصوات ضجيج الدومينو والضحكات المدوية. نرى لقطات سريعة لمقهى في ذروة مجده يضم طلاب ثأر، وفلاحين، وعامل مقهى يومئ سراً. ثم تتوقف الموسيقى فجأة، وتتحول الإضاءة إلى ضوء غروب شمس شاحب مغبر، لننتقل إلى بقايا مقهى متآكل يُدعى "الميناء العتيق"، يرتفع عن الأرض "متراً واحداً" كأنه معلّق. يجلس على ثلاث تخوت خشبية ثلاثة كهول: سالم (السياسي)، جبار (الفلاح)، وحكمت (الأستاذ المتقاعد)، ويسيطر هدوء مُخيف تكسره همهمة التشيلو الطويلة. يتناوبون الهمس بالخيبات: سالم: "كنا نغير العالم هنا بلعبة دومينو." حكمت (بمرارة): "وهل بقي للعالم ما يُغير؟ ما نفع السياسة حين نصبح نحن أنفسنا خسائر تُحصى؟... هذا هو شبح المقهى . نحن عالقون هنا... على ارتفاع متر واحد من الحياة." تخترق المشهد حركة سريعة لامرأة بيضاء مترفة مع طفلتين مرحتين وهما تدخلان الباب الصغير أسفل المقهى (المدخل الأصلي لبيت الثري). يغص جبار قائلاً: "الأطفال يا حكمت... هم الخسارة التي لا تُحصى. هذا الشبح لم يعد ينتمي إليهم أبداً." وفي المشهد الختامي، ينظر سالم إلى يديه المرتعشتين ويهمس: "صدئت الأشياء... ولم يبق لنا إلا أن نتنفس بالذكريات." تتوقف الموسيقى فجأة عند لقطة أخيرة قريبة على رقم هاتف باهت لـ "خدمات التهديم"، ويحل محلها صوت طقطقة خشبية وحيدة وكأن شيئاً ما انهار.

في النهاية، قصيدة "شبح مقهى" تثير تأملات إضافية حول دور المقهى كذاكرة جمعية في المجتمعات العربية، فالمقهى ليس مجرد مكان، بل أرشيف حي للقصص والهويات. حين ينهار، تنهار معه طبقات من التاريخ الشفهي. وعبارة "صدئت الأشياء..." تختصر كل شيء؛ إنها ليست مجرد وصف لحالة مادية، بل لحالة شعورية، ثقافية، وربما وطنية. هذه المرثية القاسية تختبئ خلفها دعوة خفية: دعوة لإعادة اكتشاف المقهى كمكان حي، لا كجثة ثقافية. إنها تذكير بأننا نملك فرصة لإحياء فضاءات الحوار قبل أن تتحول إلى أطلال لا يعرفها الجيل القادم، ولا يسمع فيها صوت الدومينو.



#كاظم_حسن_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان العقارب السوطية كتاب كامل
- شبح مقهى قصيدة
- سرديات متعددة الطبقات
- نقد سينمائي لقصيدة مشهدان
- لسعات متكررة قصيدة
- مشهدان
- قراءة في قصيدة شرار في نظرة
- شرار في نظرة قصيدة
- كورونا قصيدة
- مشهد لكبار السن قصيدة
- خارج مسطرة الشعر كتاب كامل
- مدرسة الاصرار قصيدة
- محاضرة في مركز المخطوطات بالبصرة
- جينات الحكام المتقين قصيدة
- لعبة النرد قصيدة
- ليلة مقتل الامين قصيدة
- ليلة مقتل الامين
- المشط الخشبي
- سرقة صانع الاقفال
- الترحال وحيدا قصيدة


المزيد.....




- -ليلة السكاكين- للكاتب والمخرج عروة المقداد: تغذية الأسطورة ...
- بابا كريستوفر والعم سام
- ميغان ماركل تعود إلى التمثيل بعدغياب 8 سنوات
- بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأف ...
- دراسة علمية: زيارة المتاحف تقلل الكورتيزول وتحسن الصحة النفس ...
- على مدى 5 سنوات.. لماذا زيّن فنان طائرة نفاثة بـ35 مليون خرز ...
- راما دوجي.. الفنانة السورية الأميركية زوجة زهران ممداني
- الجزائر: تتويج الفيلم العراقي -أناشيد آدم- للمخرج عدي رشيد ف ...
- بريندان فريزر وريتشل قد يجتمعان مجددًا في فيلم -The Mummy 4- ...
- الكاتب الفرنسي إيمانويل كارير يحصد جائزة ميديسيس الأدبية


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم حسن سعيد - تحليل سينمائي ل شبح مقهى