أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أنس نادر - البحث عن المعنى - المعضلة الإنسانية














المزيد.....

البحث عن المعنى - المعضلة الإنسانية


أنس نادر
(Anas Nader)


الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 22:49
المحور: قضايا ثقافية
    


نعم، ما الجدوى، على الرغم من أن المنطق الطبيعي للأشياء هو العبث؟
إن مجرد التفكير في أن هذا الوجود محض صدفة، أو نتيجة عددٍ لا نهائيٍّ من الاحتمالات، كفيل بأن يرسّخ الميول والنزعة العبثية بوصفها الأقرب إلى المنطق والحقيقة عند الإنسان.
فالعبث، في جوهره، يبدو الإجابة المنطقية والسهلة والواضحة والأكثر راحة في تقبّلها.
إنه، ببساطة، الإجابة البديهية على كل الأسئلة الكبرى. فالعدد اللامتناهي من الأجرام والكواكب مبرّرٌ مثاليّ لاحتمال ظهور كوكبٍ متكاملٍ كالأرض، أو حتى آلاف الكواكب المشابهة لها.
وملايين السنين من تعاقب الظروف الجيولوجية تجعل ظهور الحياة العضوية احتمالًا طبيعيًا.
كما أن استمرار هذه الحياة ملايين السنين يجعل من المنطقي جدًا أن يكون أحد احتمالاتها تطوّر الكائنات وتبدّل وظائفها وتأقلمها مع بيئتها.
ثم إن ملايين السنين من هذا التطوّر تجعل من احتمال نشوء طفرة نوعية في كائنٍ ما تجعله مهيمنًا على غيره احتمالًا واردًا بين ملايين الأشكال والأنواع.
حتى الوعي، تلك الظاهرة الأكثر فرادةً وندرة، يبدو وكأنه مجرد طفرة محتملة النشوء، وربما ليست نادرة بقدر ما نتوهّم، في ظل هذا العدد اللامتناهي من القوانين الفيزيائية والكيميائية والذرّية وتفاعلاتها التي لا تُحصى.
إنّ وفرةَ الاحتمالات اللامتناهية قد تجعل من الوعي مجرّد شكلٍ آخر من أشكال الوجود، شأنه شأن المادة أو الطاقة.
إذن، لا شيء مميّز بذاته، ولا غاية خاصة لأي شيء. بل إن وجود الشيء أو عدمه لا يُحدث فرقًا حقيقيًا.
فالاحتمالات اللامتناهية تفرض بطبيعتها حالةً من التوازن التلقائي، مادامت تمتلك الأبدية كما امتلكت الأزل اللازم لإنشاء هذا اللغز الذي نسمّيه الكون.
والحياة نفسها تُخبرنا بذلك بدقة مؤلمة؛ فـمنطق اللاعدالة الذي تسير عليه يذكّرنا دائمًا بأننا مجرّد صدفةٍ تافهة. آلاف الأطفال الأبرياء يولدون بأمراضٍ قاتلةٍ أو بعاهاتٍ دائمة، ويموت معهم الملايين من الصالحين دون ذنبٍ أو إثم.
إن وجود أي إنسان يعيش الآن أو عاش من قبل ليس إلا احتمالًا ضئيلًا من بين ملايين الاحتمالات التي لا يمكن أن تتكرر، ولو أُعيدت عملية التخصيب مرارًا وتكرارًا إلى الأبد.
فالغاية نفسها لا معنى لها إذا كان وجودنا مهددًا بالعدم أصلًا،
بل إنّ مجرّد مكالمة هاتفية أو حدثًا عابرًا في حياة والدَيك كان كفيلًا أن يُلغي فرصتك في الظهور إلى هذا العالم.
نعم، لن يكون هناك أي احتمال آخر لتكرار هذه النسخة الفريدة التي تُدعى “أنت”.
ويبقى السؤال:
لماذا إذًا نبحث عن الجدوى والغاية ونحن محاطون بكل هذه العبثية واللاجدوى؟
لماذا نحزن على حياةٍ لم نملكها أصلًا، ونخاف من فناءٍ لم يكن موجودًا في البدء،
ما دام احتمال وجودنا نفسه كان صدفةً تائهة في متاهة الاحتمالات،
وما دامت ذرات أجسادنا المادية ستعود لتذوب في ملايين الكائنات بعد تحللها — في نباتٍ أو حيوانٍ أو بشرٍ آخرين؟
إن بحث الإنسان عن الغاية ليس سوى انعكاسٍ نفسيٍّ أصيلٍ لأصل الحياة العبثي،
وإن وهم الجدوى هو ما تقوم عليه معظم البنى الثقافية والحضارية للبشر،
من الموروث الديني والروحي إلى الفلسفي والسياسي. فالإنسان، في عمق وجوده، لا يبحث عن الخلود بقدر ما يبحث عن المعنى،
يخترع الآخرة والقيامة والحساب والجنة والنار، كلّها مكافِئات رمزيةٌ لحياةٍ ظالمةٍ وعبثيةٍ لا تعرف العدالة.
وفي نهاية المطاف، يصبح الإيمان بالجدوى عملاً سياسيًا بامتياز، يمتدّ من ترويض الإنسان داخل أنظمة السلطة إلى تهذيب روحه في معابد الطاعة.
فالجدوى في وجهها الآخر هي الحيلة الكبرى التي اخترعتها الحضارة لتجميل عبثها،
ولتجعل من الإنسان كائنًا يطيع أكثر مما يفكّر،
ويؤمن أكثر مما يشكّ،
ويواصل الركض خلف معنىٍ يعلم في قرارة نفسه أنه قد لا يكون موجودًا أصلًا.



#أنس_نادر (هاشتاغ)       Anas_Nader#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرع والإسلام المعتدل: بين استثمار المظلومية وتفكيك الهوية ...
- بين الولاء والخذلان: هل أضاع السوريون فرصة بناء الدولة؟
- أحمد الشرع....روبن هود الشعب السوري
- في المدينة المنسية
- المنهج التقني لمشروع الحل السياسي في سوريا
- الأزمة السورية والحل التقني (مسودة بيان مشروع الحل التقني لل ...
- الأزمة السورية والحل التقني (بيان مشروع الحل التقني للأزمة ا ...
- بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية
- أضواء المدينة
- خمس سوناتات شعرية
- المادية الماركسية والشيوعية الثورية المثالية
- الله والجنس
- الموروث المقدس (هل تؤمن بالله؟ )
- فينومينولوجيا الموت ( الجمال الغامض )
- أصنام الفكر وأنانية الروح
- سحر الجمال وريبة الخلق
- مخادع الفضيلة
- رقة التاريخ وعشق الأمم
- التدين في الحضارة ( بين الإستبداد الإستبداد والفساد السياسي ...
- أسرار جنائزية ( مقطوعات نثرية شعرية )


المزيد.....




- هل تدفع سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر إلى تقسيم السودان ...
- شقيقان نادران من الفهد الأفريقي يصلان إلى حديقة تشيستر للحيو ...
- -المهمة الأصعب في تاريخ الحروب الحديثة-..تقرير لـ-الغارديان- ...
- لماذا وصف ترامب اتفاق وقف إطلاق النار بغزة بـ-المتين للغاية- ...
- لبنان يتسلم من ليبيا ملف التحقيق في اختفاء موسى الصدر
- كيف غيّر زهران ممداني قواعد اللعبة السياسية في العالم؟
- تضارب بشأن مصير مقاتلي حماس بمناطق سيطرة الاحتلال
- خامنئي: لا تعاون مع أميركا ما دامت تدعم إسرائيل
- كيف سيتعامل ترامب مع فوز ممداني؟.. 5 سيناريوهات محتملة
- لا تتخلص من قشرة الأفوكادو… هذه فوائدها على الصحة


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - أنس نادر - البحث عن المعنى - المعضلة الإنسانية