أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنس نادر - في المدينة المنسية















المزيد.....

في المدينة المنسية


أنس نادر
(Anas Nader)


الحوار المتمدن-العدد: 7848 - 2024 / 1 / 6 - 16:47
المحور: الادب والفن
    


في المدينة


إنك تملكين وجهاً أكثر من إنساني
حزيناً كالنهر….حراً كالانتحار
كروعة الخلاص...
كالملاذات السحيقة الأبدية
المترفعة عن مذلة الغواية وتملق الرغبات البائسة،
رهيفاً كنسمات الفجرالمحترقة
كئيباً كأعشاش الطيورالخاوية وندم فؤوس الحطابين
ساهباً كالعيون
شريداً كالطرقات المظلمة،
وجهك يشبه مدينتي المسبية
آآآآه...أيّ هدير لتلك الأزقة البائسة يدوي في فراغ قلبي
أيّ تجاعيد واهية لأجفانك، وفوانيس خافتة لسمائها الاسيرة
تنسيني كل هذا الزمن المستحيل
وتحنو بروحي مزقا ورأفة
وكأنها تُسحق تحت أقدام أمي الهزيلة…


المدينة في هذا الصباح، تنفث دخانها الحار
تسكب زحمة قطعانها في الأرصفة والشوارع
لا من أطفال يلهون ولا من عصافير تصدح
إلا أنها ما تزال غابتي المفضلة،
وفي كل يوم أوان الغسق وقت عزلتها
تدفن الجثث الهامدة لساكنيها
ويتصدّع حِدادُها منكسراً على هاوية الجبل.


خلل فيزيائي ما في هذا العالم
يجعل هذه المدن بهذا القدر من الكآبة
وجع عظيم يهدم بنيانها ويُطفئ أنوارها
آهات زمن غابر تدفن رفات تاريخها في صدورنا
ونحن المكلومين المجروحين
نرتعد في البصاق والقيء
كعبيد لجمال مسفوك
قرابين لماضيه،
أضحية لأعياد ألقه ورونقه المهزوم،
هذا الذل المريح والبؤس الهادئ
يرخي ملاءاته العذبة مسترسلة
ترفل في عمق هذا السِفاح الجميل،
سائبة مترنحة
مجردة من أوهى إيماءاتها وأبهى سكناتها
قانعة، صاغرة،
طائعة لوحشية وعي الطبيعة الصماء
تمزق براءة غزلان شريدة و أيائل.


البشر ضحية الحضارة،
الماضي التليد وألق الرخام المصقول
الانتصارات والهزائم، الصروح والأوابد
الشموخ والرفعة البائسة
جميعها تجري مترنحة سائبة كالأنهار
تهرق قرابينها المشبوهة
لذوات الرفعة المقيتة،
والغرور الغادر لفتنة المنبوذين،
يسكب حُمى الشفق
لرفات الفقراء ونهم الجياع
مبعداً جميلاً مزهوّا
منبوذاً ومحتقراً
كصبي يذرع المدى بحذائه المتسخ
ويذري ذهب مسائه بسأمٍ جليل.

*



في المنفى


بلاد غريبة وشوارع عريضة
رؤوس صفراء وعيون ملونة
قامات طويلة وأجساد نحيلة
تمشّط أناقة الطرقات بهدوء مفرط،
لاانتماء المارة، يجعل كل الأشياء ترقص بمتعة عظيمة
متعة محررة من الذكريات ومن عبودية المكان
هنا البشر يخذلون أنانية الطبيعة
يبصقون على غواية الحضارة،
والحرية المقدسة مهد وثير يمزّق أثداء كل الأمهات…

ونحن الضائعون المنفيون
عبدة الأصنام،
ليس لنا في الأرض مكان لخطيئتنا
لفقر عواطفنا ونزق طباعنا،
أرواحنا عشب وسهل وهضاب
أقدامنا شجر،
والحب عطايا الذات الممزقة
على مصاطب الذكرى وبؤس الغواية،
جراحنا لغزنا اللامتناهي
الوجع الخالد الغادر لكل البدايات
والسماء ملاذنا الأخير
ومَطْهَر الخطايا المثقلة بالرويّة الصامتة للأبد.

أطفالنا زناديق صغار
لا يجزعون لا يقلقون
لا يهابون الجوع والبرد والآفات
لا يبتهجون للأعياد العظيمة والهدايا المنمقة
ثيابهم بالية وعيونهم واسعة
قناديل متوهجة معلّقة على عتبات الهاوية
قلوبهم حقول وبساتين وغابات وغزلان
زمن لا يعرف الوقت والوهم والنهايات،
انهم المنبوذون المتعبون
ضمير العالم العاق في قاع المدينة
يحلمون بخبزهم الأسمر
في حَكايا العجائز
ودموع الأمهات السخية،
ولا من شيء قد يُفرح قلوبهم الصغيرة
سوى دثار العواطف المهَلهَلة الدفينة
تلك الهدايا الرثة
من جروح رمقات هاتيك المقل الحزينة.


*

في ظلام الأقبية

بدلاتهم الخضراء الداكنة تخيفني
قبعاتهم المستوية
أصواتهم الحادة
مهامهم السرية
مكاتبهم المهيبة
همسهم، ونبرة أصواتهم.
هم لا يشبهونني ابداً
ولا يشبهون أنفسهم،
لا يشبهون سوى عبوديتهم المزهوّة
التي لا تحتمل حزن الحقيقة.

صرخاتهم
أحقادهم
دخان سجائرهم،
جسارتهم وقسوتهم وقوَّتهم
كل مسرّات الطغيان التي تلمع في العيون
هذا الضعف العذب للغضب والاحتقار
الغرور الرخيص لشهوانية الكراهية
المبتذلة كالثروة المسروقة
تختبئ تحت الجفون وفي رماد العيون
في الذاكرة السحيقة لحُطام الفقر
المتكسّر في صدور نخّاسيّ الحنين
كأعمدة رخامية متداعية
وجسور متآكلة لا تقوى عل السقوط
متوارية مختبئة تنتظر بحرقة
الجشع الأخّاذ للذّة الانهيار الأخير.

هدنة طويلة الأمد
سبات غامض طويل
مع الفجيعة الدامية
وإنسانية ثدي الأمهات اللواتي أرضعنهم،
ثم ينهضون من رقادهم
حمر العيون
يُكسّرون العظام
يُمزقون الأجساد
يقتلعون العيون وينتزعون الجفون
يصنعون ثرواتهم المُحرّمة
من خدر الأرواح المتكسرة
ومن توق رفاهية الأفكار وحزن القضية
فمن نفس هذه البهارج الغامضة
تُصنع أغلال الفقراء المُترَفين.


*
في الحب


معطفي المتسخ القريب الى قلبي، أصبح بالياً و مهترئاً
يحمل كل حكاياتي الحقيقية ويستر غروري المُهان
ويعلن هزيمته أمام السنوات الرتيبة،
لقد أمسى قديما لا يخفي مظهري المرتاب،
سألقي به بعيدا عن دربي
وأرميه كالقمامة العفنة في النهر
سأتركه ينساب مع هيجان التيار الجارف
لتمزقه الأوحال وتعلوه الطحالب
ثم سأجلس بعيداً تحت أشعة الشمس الحارقة
أبكي آخر بقايا خروقه متفسخة على ضفاف النهر...

*

وجهك الجميل وعيناك الواسعة
يبدوان رائعين ومنسجمين مع روعة هذا الوجود الأخاذ،
ويضاهيان روعة الغنج الوفير في تألقات سحر جماله،
لكن نظراتك الغارقة بالريبة
تطعن فقر الشهوة الغادرة للجمال
وتتركني أمضي وحيدا في هذا العالم
وقلبي مليء بالخذلان والحسرات….

*

كان قوياً وصارماً
صامتاً وحزين
منفياً ومغموراً كإله وحيد
تائهاً في عزلة الغابات وصمت البحار
كمتمرد مهدور الدماء
هوذا يظهر مجدداً بصمته الأخّاذ وحزنه الجميل،
وإن مرارته تريح قلبي
وجماله المهزوم يُرضي كآبتي
دعني ارتوي أيها الوجع الضامر في النهايات
يا موتي الجميل وحزني العذب
دعني اقضي نَحب هذا الجمال
مُكللاً بهزائم التوق
منتحباً أمزق جمالك المبجَّل…
كما تفعل النشوة الأخيرة المدمِّرة للحب.



#أنس_نادر (هاشتاغ)       Anas_Nader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنهج التقني لمشروع الحل السياسي في سوريا
- الأزمة السورية والحل التقني (مسودة بيان مشروع الحل التقني لل ...
- الأزمة السورية والحل التقني (بيان مشروع الحل التقني للأزمة ا ...
- بيان مشروع الحل التقني للأزمة السورية
- أضواء المدينة
- خمس سوناتات شعرية
- المادية الماركسية والشيوعية الثورية المثالية
- الله والجنس
- الموروث المقدس (هل تؤمن بالله؟ )
- فينومينولوجيا الموت ( الجمال الغامض )
- أصنام الفكر وأنانية الروح
- سحر الجمال وريبة الخلق
- مخادع الفضيلة
- رقة التاريخ وعشق الأمم
- التدين في الحضارة ( بين الإستبداد الإستبداد والفساد السياسي ...
- أسرار جنائزية ( مقطوعات نثرية شعرية )
- لعنة الجسد وغواية الحضارة ( دراسة فلسفية ونفسية في تأثير الج ...
- ملاحم الخطيئة
- سوريا - المآلات العملانية وطهرانية الهزيمة
- الرماديون ( قراءة في سيكولوجيا الجماهير )


المزيد.....




- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- الحلقة 23 من مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة الثالثة والعشرو ...
- أسرار الحرف العربي.. عبيدة البنكي خطاط مصحف قطر
- هل ترغب بتبادل أطراف الحديث مع فنان مبدع.. وراحِل.. كيف ذلك؟ ...
- “أخيرًا نزله لأطفالك” .. تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 لمشا ...
- باسم خندقجي أسير فلسطيني كسر القضبان بالأدب وفاز بجائزة البو ...
- “القط بيجري ورا الفأر”.. استقبل Now تردد قناة توم وجيري الجد ...
- الان Hd متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة عبر ...
- تابع حلقات Sponge BoB تردد قناة سبونج الجديد 2024 لمتابعة أق ...
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنس نادر - في المدينة المنسية