أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - عن هوامش الرحلة















المزيد.....

عن هوامش الرحلة


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 08:33
المحور: قضايا ثقافية
    


إن الهامش لا يشرح بل يحلم يحلم بأن النص ليس بيتًا بل ركامًا يمكن السكن فيه مؤقتًا
كلُّ هامشٍ هو فعلُ خيانةٍ ضد الأبوة النصية إذ يزحف المعنى خارج حديقة النظام ليؤسّس لغابةٍ من الالتباسات غابةٍ تعرف أن الفهم خطيئة
ما يُكتب في الهامش لا يعيش على الصفحة بل على حافتها إنه أثرُ جملةٍ لم تُكتَب بعد أو جرحٌ يواصل نزفه في جدار اللغة
الهامش لا يسكن جانب الورقة بل يتجوّل في الظلّ الذي يتركه الضوءُ وهو يحاول أن يفهم كلُّ قراءةٍ محاولةُ عبورٍ بين ظلّين ظلّ الفكرة وظلّ من فكّر فيها
ليس الهامش مكمّلًا للمتن بل هو الذي يقرّر في النهاية أن المتن نفسه كان فرعًا منه وأن الأصل ليس سوى أثرٍ متأخّرٍ لوعدٍ لم يتحقق
اللغة حين تُكتب في الهامش تفقد اسمها تصبح جسدًا بلا مرجعية تصرخ من أجل معنى لا يأتي الكلمات هنا لا تُقال بل تُصاب بالدوار
ما يُقال في الهامش لا يُسمع بل يُلمَح كما يُلمح طيفُ فكرةٍ ترفض أن تتحوّل إلى خطاب إنَّه كتابةٌ تنزلق من المعنى كما تنزلق الملامح من وجهٍ في حلمٍ غير مكتمل
المتن يستدعي الهامش كي يُخفي ضعفه والهامش يجيبه كي يفضحه في هذا الحوار السرّي بين المركز والظلّ يولد النص الثالث النص الذي لا نقرأه بل يقرأنا
الكتابة على الحافة ليست تمرينًا بل طقسًا فيها يتقدّس النقص ويُنسى الاكتمال ويصبح الصمت علامةً نحوية جديدة
الهامش هو الجنون الضروري الذي يحفظ للنص توازنه من دونه يصبح المعنى يقينًا واليقين موتًا لغويًا مؤجلًا
في البدء لم يكن المتن بل الهامش
المتن جاء لاحقًا كمحاولةٍ لتفسير خطأٍ نحويٍّ في الحافة
ثم صدّق المؤلف تلك الصدفة فبنى عليها علماً كاملاً
الهامش هو طفلٌ وُلد خارج النسب
لا يحمل توقيع الأب
لكنه يحتفظ بصوته
كلما كتب الناسُ متنًا تذكّر الهامش أنه الحلم الذي أُجِّل
أحيانًا يختبئ في حروفٍ صغيرة
وأحيانًا يتسلل إلى جملةٍ بريئة ليقلب المعنى ويهرب
في مكتبات العالم الهوامش تتآمر
تتحدث ليلاً بلغةٍ لا يعرفها الحبر
تسخر من المتون التي تنام بأناقةٍ تحت العناوين الكبرى
تقول فيما بينها «هم يعتقدون أننا إضافات ونحن الأصل الذي نسي نفسه»
كلّ قارئٍ ذكيٍّ يعرف أن الحقيقة تسكن في الحواشي الصغيرة
هناك حيث الخطّ المائل يتهجّى نفسه
وحيث كلمة «انظر» ليست أمراً بل نكتةً ضد السلطة
الهوامش ليست طفيليات
بل كائنات شبه لغوية تعيش على بقايا الأفكار وتعيد تدويرها
حين ينهار المتن لا تموت الهوامش بل تزدهر
كالأعشاب التي تنبت في أنقاض المعابد
يُقال إن بعض الهوامش تصاب بالجنون
تبدأ بتصحيح نفسها
ثم تضع تعليقاتٍ على التعليقات
وفي النهاية تبتلع المتن كله وتتنكر في ثوبه
ذات مرة قرأتُ مخطوطةً قديمةً بلا صَهْوَة
فقط هوامش متشابكة كأغصانٍ نحاسية
قيل إن المؤلف كتب المتن ثم محاه كي يوفّر مكانًا للحقيقة
ربما الكتابة برمّتها ليست سوى هامش طويل على نصٍّ لم يُكتب بعد
وربما القارئ هو المتن الذي يحلم به الحرف
الهامش ليس الحد ولا هو خارج النص الهامش هو ما يسمح للنص بالانزلاق بما يجعله جهازًا من التدفقات خطوط فرعية ومناطق احتكاك إنه ليس إضافيًا بل متعدد الأبعاد نقطة اتصال بين المتن والفضاء حيث تختلط القوى وتتصادم الرغبات
في كل هامش توجد مجموعة من التفريعات خطوط فرعية تتقاطع وتنفصل عن بعضها تنتج اختلافات غير متوقعة الهامش ليس مكانًا للشرح بل منطقة للتكاثر تتزاوج الأفكار هناك تتشكل الشبكات تولد العلاقات وتختفي قبل أن يتمكن المتن من فهمها
الهامش تجربة حية للتعددية كل قراءة له تمزّق النسق تقلب التنظيم وتطرح السؤال أين يبدأ النص وأين ينتهي الهامش يقوّض المركزية لكنه لا ينكر النص بل يوفّر له الحركة الإيقاع والقدرة على إعادة اختراع ذاته في كل مرة يُنظر إليه فيها
الهامش فضاء للتفكير التجريبي يمكن أن نقرأه كأداة للحرية حيث تنبثق الطاقات من الامتداد والتشظي وليس من التركيب الجامد إنه خط بينية خط تهريب للمعنى يسمح بانتقال القوة بدلًا من نقل المعلومة
الهامش لا يكتمل ولا يُغلق إن حضوره الدائم يشير إلى أن النص نفسه ليس موجودًا إلا كشبكة من العلاقات وأن القراءة ليست كشفًا عن حقيقة بل حركة مستمرة من إعادة تركيب القوى والاختلافات
الهامش ليس مكانًا ثانويًا ولا إضافة على المتن بل مساحة حيّة تتنفس بموازاة النص نفسه هو البداية والاختلاف والفراغ حيث تتآمر المعاني وتتحرك الخطوط بعيدًا عن مركزها حيث يتحول كل فهم إلى سؤال مؤجل وكل إجابة إلى أثر يلفظ نفسه قبل أن يُستوعب
حين تُكتب الهوامش لا يُفسَّر المتن بل يُفكّك تُفتح الجمل لتترك الفراغ يملأها يُخلق نصٌّ آخر يعيش على فتات النصوص السابقة كتابة تنمو في تربة التلاشي تتجاوز الحدود تتحرر من سلطة المركز لكنها في الوقت نفسه تُعرّي كل تنظيم داخلي تكشف عن الأجهزة الخفية التي تنتج المعنى وتوزّع السلطة
الهامش هو الطفل الذي وُلد خارج الأبوة هو الظل الذي لا يُرى إلا حين يُساء فهمه هو الصمت الذي يُسمع والفراغ الذي يكتب نفسه هو مساحة التجربة التي تتيح للنص الانزلاق حيث تتقاطع التدفقات تتلاقى الخطوط الفرعية وتنشأ الشبكات التي لا تعرف الثبات كل قراءة له تمزّق النسق كل حركة تؤسّس لحظة من الاختلاف كل توقف يُعيد إنتاج السؤال بدل الإجابة وكل أثر يذكّرنا أن الوصول وهم وأن الفهم مجرّد تقنية للتهدئة
في الهامش المعرفة ليست غاية بل حادثة جانبية تجربة حيّة للمعنى قبل أن يكتمل تدرب القارئ على رؤية البنى تتفكك أمامه وتدرب النص على إعادة اختراع نفسه بلا توقف الهامش ليس خارج النص بل ما يسمح له بالانزلاق بما يحوّل الثابت إلى تدفق والمركز إلى شبكة متحركة ويكشف أن السلطة والمعرفة ليسا امتلاكًا بل حركة وأن الجهل المنظّم أحيانًا أكثر عمقًا من المعرفة المكتملة
الهامش فضاء مزدوج جهة تكشف أجهزة السلطة المخفية حيث تُوزَّع القوانين ويُقاس الانضباط والآخر يسمح بحرية التدفق حيث تتشكل المعاني من تفككها وتختفي قبل أن يستقر أي مركز هنا تصبح القراءة ممارسة للحرية والكتابة فعلًا للانزلاق والحافة محورًا لكل شيء صاخبًا بهدوء ممتلئًا بالفراغ يختبئ فيه كل معنى قبل أن يولد أو يموت
كل هامش هو قصة عن الغياب والوجود عن الكتابة التي تكتب نفسها قبل أن نقرأها عن النص الذي يقرأنا قبل أن نحاول أن نفهمه الهامش لا ينتمي إلى الورقة ولا إلى الصفحة بل إلى القارئ نفسه الذي يصبح متداخلاً مع الفضاء مشتركًا في اللعبة بين المركز والظل بين السلطة والتدفق بين السؤال والفراغ
كل النصوص كل المتون كل الهوامش تصبح مجرد آلة لخلق الهامش ذاته حيث تتلاقى السخرية بالجدية واللعبة بالمعرفة والتفكيك بالجنون وتبقى الحافة المكان الذي يحدث فيه كل شيء دون أن يُسجَّل بالكامل دون أن يُملَك لكن دائمًا حاضر يصرخ بصمت ويكتبنا ونحن نظنه قراءةً صامتة



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن زيارتي الأخيرة إلى جزر القمر
- القراءة بوصفها تحريضًا فلسفيًا – I
- ملحوظات أولية حول المسرح
- كولاج
- بريخت بين الاستهلاك الأكاديمي وسوء الفهم المعرفي
- تمارين في ميتافيزيقا الشعر
- في خطأ التقسيم وأوهام التصنيف في الخطاب المسرحي
- لقد عبث المجد بفرائك
- قصيدة تشريحية تقريبًا (تمارين في ميتافيزيقا الشعر)
- أماكن أخرى للهذيان
- في مديح بيكاّسو
- المظهر الكوميدي لمأساة قديمة
- المراثي الوطنية
- المراثي الوطنيّة II
- قراءة معرفية للمسرح العربي: استقصاء البنية والمعرفة
- كولاجات
- أطفال يخرجون ألسنة ركضهم
- سنعود أجسادًا من رماد أو شجيرات ورد بعين الحيوان الساحر
- وقاحةُ الرياضيِّ المنتصر
- قمرٌ ممزوجٌ بفوضى الموتى على حافة الفأس


المزيد.....




- يشتري الجريدة ويستقلّ التاكسي.. صورٌ نادرة تكشف الجانب -الخا ...
- تحليل تعابير وجه الرئيس الصيني وما التقطه الميكروفون من حديث ...
- قرية إيطالية خلابة تقدّم 23000 دولار للراغبين بالانتقال إليه ...
- -جائحة الوحدة-: لماذا نشعر بالعزلة في عالمٍ فائق التواصل؟
- ترامب يقول -وقف إطلاق النار ليس في خطر- بعد مقتل أكثر من مئة ...
- تدمير معسكرين لتهريب المخدرات بفنزويلا و4 قتلى بضربة أميركية ...
- إدانات لجرائم الدعم السريع بالفاشر ودعوات بأميركا لتصنيفها - ...
- دراسة علمية: ارتفاع درجات الحرارة عالميا يقتل شخصا كل دقيقة ...
- غوتيريش: العالم فشل في كبح الاحتباس الحراري والعواقب باتت -و ...
- لجنة الهدنة القنصلية عام 1948.. محاولة دولية فاشلة لوقف القت ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - عن هوامش الرحلة