أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - بريخت بين الاستهلاك الأكاديمي وسوء الفهم المعرفي














المزيد.....

بريخت بين الاستهلاك الأكاديمي وسوء الفهم المعرفي


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 15:37
المحور: الادب والفن
    


في يوم ما دار حديث طويل بيني وبين أحد طلبة الدكتوراه في المسرح حول المناهج المعتمدة في الأكاديميات العربية وبالأخص في كليات الفنون الجميلة قال لي الطالب إن أساتذته لا يرغبون في أن يتناول أحدهم برتولت بريخت في أبحاثه لأن المسرح البريختي كما يزعمون قد أُشبع بحثًا ونقدًا حتى إن أحدهم قال حرفيًا من يكتب لي عن بريخت سأرمي بحثه بوجهه كانت الجملة صادمة بقدر ما كانت كاشفة عن وهم أكاديمي خطير هو ما يمكن أن نسميه بالإشباع الزائف حين تتحول المعرفة إلى تكرار شكلي لمعلومة لم تُفهم أصلًا
إن القول بأن بريخت قد استهلك أكاديميًا لا يعني أننا فهمناه بل العكس تمامًا إذ إن المسرح البريختي لم يكن نظرية مغلقة بل مشروعًا مفتوحًا يعيد مساءلة العلاقة بين الفن والمعرفة بين التمثيل والحقيقة وما يقال في القاعات الجامعية عن كونه مسرحًا لا أرسطيًا لا يتجاوز التوصيف السطحي لأن الرفض عند بريخت لم يكن رفضًا للبناء الثلاثي فحسب بل لسلطة الانفعال التي أرساها أرسطو عبر مفهوم التطهير فالمسرح عند بريخت لا يريد أن يخدر المتفرج بالعاطفة بل أن يوقظ فيه العقل النقدي كما توضح الموسوعة البريطانية حين تصف المسرح الملحمي بأنه مسرح يهدف إلى تحفيز التفكير لا إلى إثارة العواطف
كذلك تتردد مقولة إن بريخت كسر الجدار الرابع وكأن ذلك إنجازه الأوحد غير أن الجدار لم يُكسر عنده بوصفه إيماءة شكلية بل بوصفه فعل وعي فالمتفرج عنده شريك في الحدث لا متلقيًا سلبيًا له الممثل لا يذوب في الشخصية بل يعرضها أمامنا بوصفها ظاهرة اجتماعية يمكن تحليلها فيخلق مسافة بين الفعل ومشاهده تلك المسافة هي ما أسماه بريخت بالتغريب أو تأثير الإبعاد وهي ليست مصطلحًا ماركسيًا بالمعنى الاقتصادي كما يظن البعض بل استعارة جمالية تشير إلى جعل المألوف غريبًا كي يُعاد التفكير فيه كما يوضح موقع الممثل فإن التغريب عند بريخت هو أداة لتفكيك وهم المسرح ودفع الجمهور إلى رؤية الواقع كشيء قابل للتغيير لا كقدر يجب التسليم به
وحين يقال إن بريخت طلب من الممثل ألا يمثل فإن ذلك يُختزل إلى شعار خالٍ من المعنى لم يكن بريخت ضد التمثيل بل ضد الاندماج الذي يُفقد الممثل وعيه النقدي أراد ممثلًا مزدوج الوعي يعيش الشخصية ويعلق عليها في الوقت ذاته البعض يقارن هذا بما قاله ديدرو في مفارقته الشهيرة حول الممثل البارد غير أن الفرق واضح فديدرو كان يبحث عن الاتزان الجمالي بينما بريخت كان يبحث عن الوعي السياسي البرود عنده ليس انفعالًا مضبوطًا بل وعيًا متوترًا بالواقع
أما الحديث عن كون مسرح بريخت سياسيًا فهو أيضًا تعبير مبسط عن رؤية أعمق فالمسرح عنده لا يتحدث عن السياسة بل هو السياسة ذاتها بوصفها ممارسة جمالية الشكل والمضمون متداخلان في إنتاج وعي نقدي بالعالم لا يمكن فصل التقنية عن الفكر لأن كسر التسلسل الدرامي وفضح آلية التمثيل وإلغاء التطهير كلها ممارسات سياسية بامتياز لقد جعل بريخت من الخشبة مختبرًا للوعي ومن التمثيل تمرينًا على النقد ومن المتفرج كائنًا مسؤولًا عن إعادة النظر في الواقع
كثيرون أيضًا يرددون أن الماركسية كانت مصدره الوحيد والحقيقة أن الماركسية كانت أداة تحليل لديه لا عقيدة قراءته لماركس كما قال جعلته يفهم مسرحه لكنها لم تحصره فيه فقد تأثر أيضًا بالمسرح الصيني وبفن المونتاج السينمائي عند آيزنشتاين وبالفكر الجدلي الهيغلي وبالأشكال الشعبية التي رأى فيها طاقة مقاومة كامنة الماركسية بالنسبة إليه كانت مرآة نقدية يرى من خلالها الصراع الاجتماعي لا قيدًا فكريًا
وربما تكمن المفارقة في أن أغلب ما وصلنا عن بريخت في العالم العربي جاء عبر وسائط مشوهة يذكر الباحث المغربي عبد الواحد بن ياسر في كتابه عشق المسرح الصادر عن الهيئة العربية للمسرح أن معظم الترجمات العربية كانت لكتاب غربيين وقفوا أصلًا ضد بريخت مثل رونالد غراي الذي ترجمه نسيم مجلي مما أنتج وعيًا ناقصًا به وهكذا فإننا لم نشبعه بحثًا بل أشبعنا سوء الفهم تكرارًا
القول بأن بريخت موضوع مستهلك هو في ذاته دليل على فقر المنهج لا على غنى المعرفة فالفكر لا يُستهلك إلا حين يتحول إلى حفظ بلا مساءلة إن بريخت ما زال حيًا في كل محاولة لإعادة تعريف المسرح كأداة تفكير لا كوسيلة تمثيل السؤال ليس هل كتبنا عنه بما يكفي بل هل فكرنا به فعلًا فالمسرح البريختي في جوهره ليس مجرد مدرسة بل دعوة دائمة إلى اليقظة
ربما حان للأكاديميات العربية أن تكف عن التعامل مع المفاهيم بوصفها جملاً محفوظة وأن تعود إلى جوهر السؤال لا إلى ترديد إجاباته الجاهزة فبريخت لا يزال في انتظار قراء جدد يحررونه من قوالب التدريس الجامدة ليعود كما كان كاتبًا يعلمنا كيف نرى لا كيف نحفظ



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمارين في ميتافيزيقا الشعر
- في خطأ التقسيم وأوهام التصنيف في الخطاب المسرحي
- لقد عبث المجد بفرائك
- قصيدة تشريحية تقريبًا (تمارين في ميتافيزيقا الشعر)
- أماكن أخرى للهذيان
- في مديح بيكاّسو
- المظهر الكوميدي لمأساة قديمة
- المراثي الوطنية
- المراثي الوطنيّة II
- قراءة معرفية للمسرح العربي: استقصاء البنية والمعرفة
- كولاجات
- أطفال يخرجون ألسنة ركضهم
- سنعود أجسادًا من رماد أو شجيرات ورد بعين الحيوان الساحر
- وقاحةُ الرياضيِّ المنتصر
- قمرٌ ممزوجٌ بفوضى الموتى على حافة الفأس
- باحثا عن رينيه شار
- الضوء رماد الشمس
- حديث عابر عن ماهية الفاعل
- باحثا عن جورج حنين
- الحضور الذي اختير لا يلقي وداعًا.


المزيد.....




- المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالي.. سيرة البحث عن إشراق الم ...
- ترامب: ضجيج بناء قاعة الرقص في البيت الأبيض -موسيقى تُطرب أذ ...
- لقطات نادرة بعدسة الأميرة البريطانية أليس... هل هذه أول صورة ...
- -أعتذر عن إزعاجكم-.. إبراهيم عيسى يثير قضية منع عرض فيلم -ال ...
- مخرجا فيلم -لا أرض أخرى- يتحدثان لـCNN عن واقع الحياة تحت ال ...
- قبل اللوفر… سرقات ضخمة طالت متاحف عالمية بالعقود الأخيرة
- إطلاق الإعلان الترويجي الأوّل لفيلم -أسد- من بطولة محمد رمضا ...
- محسن الوكيلي: -الرواية لعبة خطرة تعيد ترتيب الأشياء-
- من الأحلام إلى اللاوعي: كيف صوّرت السينما ما يدور داخل عقل ا ...
- موهبتان من الشتات تمثلان فلسطين بالفنون القتالية المختلطة في ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - بريخت بين الاستهلاك الأكاديمي وسوء الفهم المعرفي