أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - عن زيارتي الأخيرة إلى جزر القمر














المزيد.....

عن زيارتي الأخيرة إلى جزر القمر


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 02:47
المحور: قضايا ثقافية
    


I

لم أكن أبحث عن المعرفة هذه المرة بل عن شكلها الآخر عن المكان الذي يمكن أن تتحول فيه الفكرة إلى قناع والعلم إلى طقس لذلك شددتُ الرحال إلى أكاديمية الفنون الجميلة في جزر القمر حيث قيل لي إن الفن هناك يُدرّس كما تُدرّس الأسرار في المعابد القديمة كانت الجزيرة تستقبلني كما لو أنها تتهيأ لدرس في الغموض الشوارع مرسومة ببطء الناس يمشون كما لو كانوا يؤدّون مشهداً من عرضٍ لم يُكتب بعد الهواء نفسه كان له طابع مسرحي خفيف كأنه يعرف أنه يُراقَب في اليوم الأول دخلتُ الأكاديمية مبنى يشبه متحفاً نصفه من الطين ونصفه من النوايا كانت القاعات معلّقة بين الجدّ والمجاز المقاعد غير متناسقة لكن الجميع يجلس عليها بانسجام غريب وكأن الفوضى جزء من المنهج ألقى عليّ أحد الأساتذة جملة لا أعرف إن كانت تحية أم درساً قال لي المعرفة حين تكثر تتحول إلى مرض ابتسمت لأنني لم أجد علاجاً أفضل من الجهل المنظّم الذي بدا لي هناك منهجاً راسخاً في قاعة الامتحان رأيت ما يشبه مسرحية صامتة الطلبة يكتبون دون أن ينظروا إلى الأوراق كأن الأجوبة تأتيهم من مكان ما خلف النصوص بعضهم يبتسم بثقة النائمين في أحلامهم الأكاديمية كانت تدربهم على مهارة نادرة أن يتظاهروا بأنهم يعرفون كل شيء حتى حين ينسون السؤال في أحد الممرات لفتتني لوحة تحمل شعار الأكاديمية المعرفة عبء لا يُحمل إلا ....
كان الخطّ جميلاً يشبه نقشاً لاتينياً على جدارٍ روماني لكن المضمون كان من طرازٍ استوائي لا يعترف بالجهد ولا بالفكر بل بما يسميه القمريون البصيرة الكسولة
أكثر ما أثار دهشتي هو العلاقة بين الطلبة والأساتذة علاقة تقوم على نوع من السحر الاجتماعي لا أحد يعترض لا أحد يناقش الجميع يبتسمون كما لو أن الاتفاق على الخطأ هو أعظم أشكال الحكمة في نهاية الزيارة منحوني شهادة شكر أنيقة طُبع عليها بخطّ صغير جداً إلى الزائر الذي لم يسأل كثيراً فهمت عندها أن السؤال في جزر القمر ليس فعلاً معرفياً بل سوء أدب وأن الصمت نوعٌ من الامتحان المستمر غادرت الأكاديمية عند الغروب كانت الشمس تُلقي بظلالها الطويلة على الجدران وكأنها تصحح أخطاء النهار قلت في نفسي ربما لم آتِ إلى أكاديمية بل إلى استعارة كبيرة لِما آل إليه التعليم في العالم الحديث معرفة بلا معرفة جهد بلا أثر وحكمة تتقن فنَّ التمثيل أكثر مما تتقن فنَّ الفهم
II

هوامش الرحلة
1. الرحلة ليست انتقالًا بل اهتزاز النص في جسد المكان فحين نتحرك يتفكك المعنى ليعيد ترتيب نفسه خارج خرائطنا


2. كل طريق يخلق نحوه قبل أن نمشيه الطريق يكتبنا لا نسيره هو يختبر قابلية الخطى لأن تكون فكرة


3. السفر تفكيك لملكية الحضور كل خطوة تؤجل الذات خطوة أخرى نحو غيابها المؤكد


4. إن الحقيبة نص مغلق يحمل وهم الاكتمال كل ما فيها شهادات على غياب ما لم يُحمل


5. الغريب لا يبحث عن الوطن بل عن المسافة الضرورية ليشتبه بنفسه


6. الوصول لحظة انهيار بنية التوقع ما إن نصل حتى نكتشف أن المكان كان نصًا آخر نُقلب داخله


7. كل جواز سفر هو خطاب ميتافيزيقي عن هوية لا يعرفها صاحبها


8. الغياب ليس خلف الرحلة بل داخلها كل توقف هو استراحة في بنية الترحال لا في المكان


9. الكتابة أثناء السفر محاولة لتثبيت اللغة على أرض تهتز فالمفردة تتعثر مثل الجسد في حدود المعنى


10. لا أحد يعود من الرحلة بل النص وحده يعود متنكرًا في هيئة الذاكرة
III
رحلة في الهامش ذاته

1. لا تبدأ الرحلة حين تغادر المكان بل حين يرحل المكان عنك في لحظةٍ لم تكتشفها بعد إن السفر فعل لغوي قبل أن يكون جسديًا هو انزلاق الدالّ من تحت يقين الحضور


2. الطريق ليس ممرًا بل خطابًا يفكك إمكانية السير فالترحال في جوهره اشتباك بين النص والجغرافيا بين الكتابة والمشي كلاهما يحاول أن يسبق ظله


3. كل خطوة ليست حركة بل شك في إمكانية الحركة لأن الخطوة تؤسس لفراغ جديد تكتشف الذات فيه أن ثباتها مجرد تقنية نحوية


4. الغربة ليست حالة وجودية بل نحوية الكلمة التي لا تنتمي إلى جملتها مثل مسافر لا يثق بجغرافيته الخاصة


5. المكان لا يُرى إلا حين ينسحب حين نغادره يكشف لنا أنه لم يكن مكانًا بل استعارة للغياب وأننا كنّا نكتب ظله طوال الوقت


6. الحقيبة نصّ متخيَّل تحمله الذات لتخفي فراغها الداخل إنها محاولة لترقيم الفوضى وجعل الغياب قابلاً للحمل


7. الهوية جواز سفر صادر عن مؤسسات الغياب فالسلطة تمنحك اسمًا كي تضمن أن تضلّ عنه في أول مطار للفكر


8. الوصول فضيحة المفهوم لأن كل وصول يعني نهاية السؤال والرحلة هي تمديد أخلاقي للّاسؤال كي لا ينهار البحث في استقرار المعنى


9. الكتابة أثناء السفر ليست وصفًا بل ارتكاب المكان في شكل آخر إن القلم هو أداة الطيران الوحيدة التي لا تطير لكنه يفتح ثغرات في الجوهر


10. لا يعود أحد لأن العودة ضربٌ من المحاكاة الميتافيزيقية الذات لا تعود إلى مكان بل إلى أثرٍ تغيّر حتى صارت هي أثره



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القراءة بوصفها تحريضًا فلسفيًا – I
- ملحوظات أولية حول المسرح
- كولاج
- بريخت بين الاستهلاك الأكاديمي وسوء الفهم المعرفي
- تمارين في ميتافيزيقا الشعر
- في خطأ التقسيم وأوهام التصنيف في الخطاب المسرحي
- لقد عبث المجد بفرائك
- قصيدة تشريحية تقريبًا (تمارين في ميتافيزيقا الشعر)
- أماكن أخرى للهذيان
- في مديح بيكاّسو
- المظهر الكوميدي لمأساة قديمة
- المراثي الوطنية
- المراثي الوطنيّة II
- قراءة معرفية للمسرح العربي: استقصاء البنية والمعرفة
- كولاجات
- أطفال يخرجون ألسنة ركضهم
- سنعود أجسادًا من رماد أو شجيرات ورد بعين الحيوان الساحر
- وقاحةُ الرياضيِّ المنتصر
- قمرٌ ممزوجٌ بفوضى الموتى على حافة الفأس
- باحثا عن رينيه شار


المزيد.....




- بعد توقف دام 3 عقود.. ترامب: أمريكا ستبدأ -فورا- في اختبار ا ...
- أوكرانيا: هل تستمرّ الحرب لعامٍ إضافي كما تدعي روسيا؟
- ترجيحات بتقدم تيار الوسط في الانتخابات الهولندية
- إعصار ميليسا يضرب الكاريبي بعنف، والولايات المتحدة تتدخل على ...
- مجزرة الفاشر تتسبب بنزوح جماعي واستنكار دولي واسع: 36 ألف شخ ...
- عملية ضد عصابات المخدرات تتحول إلى مجزرة في ريو دي جانيرو: 1 ...
- إيغاد تحذر: السودان على شفا التفكك
- ترامب يعطي الضوء الأخضر لسيول لبناء غواصة نووية
- -الدعم السريع أطلقوا النار على أولادي أمام عينيّ-، بي بي سي ...
- كأس ألمانيا.. شتوتغارت يعبر بثبات وليفركوزن يتأهل بشق الأنفس ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ميشيل الرائي - عن زيارتي الأخيرة إلى جزر القمر