أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - ملحوظات أولية حول المسرح














المزيد.....

ملحوظات أولية حول المسرح


ميشيل الرائي

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 00:32
المحور: الادب والفن
    


I
المسرح والفلسفة ليسا مجالين منفصلين، بل هما في جوهرهما ساحة مشتركة لإعادة تشكيل العالم وتفكيك الحقيقة، بهدف إعادة تعريف وجودنا في الفضاء بين الممكن والموجود. لا يتعلق الأمر بنشاطات موازية، بل بمحاولة لتفكيك الحقائق الراسخة، وإعادة صياغة فهمنا لما هو حقيقي وما هو خيالي، ليغدو العالم أكثر تعقيدًا وأكثر حرية.

II
إذا كانت الفلسفة تتمثل في فعل السؤال، وكان المسرح محاكاة للأصوات وللأشكال الطبيعية، فماذا يمكن أن يسبق هذا الفعل؟ هل هناك لحظات أولية تسبق التفلسف والمحاكاة، أم أن كل سؤال وكل صوت ينبثق من فراغ لا يمكن تسميته؟
المحاكاة هي فعل أولي، فطري، سبق التفكير. لذا، فإن التفكير ليس البداية بل هو تطور متقدم للمحاكاة؛ المحاكاة تولد معنا، بينما التفكير يتطور تبعًا لها. وبالتالي، إذا كانت المحاكاة هي الأصل، فالتفكير هو امتداد لهذا الأصل. هذا يعني أن السؤال نفسه قد يكون محاكاة للفكر الذي يتجاوز فقط الفعل الجسدي ليصل إلى المستوى العقلي المعقد.

III
هل الفضاء المسرحي يحتوي على مسلمات تبدو بديهية، رغم أنها قد تقود إلى سوء الفهم على مر الزمن؟ مثلما حدث مع مفاهيم مثل تلك التي طرحها بريخت. هل يجب أن نقرأ أي نظرية مسرحية باعتبارها تتكون من طبقتين: ما يُقال صراحةً وما يُخفيه النص بين سطوره؟
لننتبه جيدًا لهذا السؤال الذي يحمل وراءه مفارقة أنطولوجية كبيرة: هل يمكن أن تكون المحاكاة، في جوهرها، ليست مجرد تقليد، بل أصلًا لوجود الإنسان اللغوي؟ ألسنا قبل أن نتكلم، نحاكي الأصوات والإيقاعات وحركات الطبيعة؟
إذا كان الأمر كذلك، هل يكون السؤال هو إعادة صياغة لما فعله الجسد عندما تفاعل مع العالم لأول مرة، أم أن العكس هو الصحيح؟ هل السؤال هو الذي يمنح المحاكاة معناها، ليحول التقليد إلى فعل واعٍ، ويجعل الرغبة في التماثل نوعًا من التفلسف الأولي؟
قد تكون المحاكاة هي السؤال قبل أن يصبح فكرًا، والسؤال هو المحاكاة بعد أن يصبح وعيًا بذاته. وبين المحاكاة والسؤال تتشكل تلك المسافة الرمادية التي يعيش فيها الإنسان، ليس كمحاكٍ ولا كمتفلسف، بل ككائن يعيد تكرار ما لا يستطيع فهمه بالكامل ويسأل عن ما لم يعد قادرًا على تقليده.

V
عند دراسة أعمال الأساتذة الكبار في المسرح الغربي مثل بريخت، بيتر بروك، مايرهولد، غروتوفسكي، ويوجينيو باربا، يجب أن نعي أن هذه النصوص ليست قوانين نهائية للفعل المسرحي، ولا تمثل دستورًا مغلقًا لممارسة العرض المسرحي. بل هي نصوص إشارية تعمل كعلامات دالة على "الفضاء الكوني" للفعل المسرحي، تعكس تجارب متعددة، وتفتح أفقًا للتفسير المستمر.
المسرح، في جوهره، لا يتوقف عند كونه عرضًا مرئيًا فحسب، بل هو محاولة مستمرة لربط الفعل المسرحي بالكون نفسه. هو جسد كوني يعبر الفضاءات والتاريخ، متجاوزًا تقنيات العرض وحدود النصوص، متجهًا نحو ما يمكن تسميته بالاستمرارية الخفية لحضور لا يُدرك بشكل مباشر. هذا الحضور ليس ماديًا أو مكتملًا، بل هو حركة مستمرة من التلقي والاستحضار والتأويل.

إن مشاهدة العرض المسرحي لا تقتصر على البصر فقط، بل هي عملية استحضار وتأمل وتأويل للفراغات والفجوات التي تتركها العلامات والأجساد في فضاء الخشبة. المسرح ليس ملكًا لصانعيه، بل هو كائن يتشكل في الفعل ذاته، في اللحظة التي يلتقي فيها الجسد بالكلمة، والكلمة بالصمت، والصمت بالفضاء.
كل عرض مسرحي هو تجربة لإعادة ترتيب الفوضى، ولتصحيح اختلالات المعنى، وإعادة رسم الحواشي حول حضور مركزي غائب، لكنّه فاعل رغم غيابه. وهكذا، يتحول العرض إلى سؤال مفتوح لا عن الشكل أو التقنية، بل عن الوجود ذاته كفعل مسرحي دائم التشكل.

VI
عندما نقرأ النصوص المسرحية الكبرى، يجب ألا نبحث عن تعليمات تقنية أو منهجية محددة، بل عن تلميحات معرفية تساعدنا على إعادة بناء المفهوم المسرحي نفسه. القراءة التفكيكية لا تهدف إلى الوصول إلى فَهْم أحادي للنصوص، بل تسعى إلى فتح النص على تعدد الفهوم الممكنة.
كل نظرية مسرحية هي حدث لغوي متجدد لا يكتمل إلا بقراءتها من جديد، في سياقات جديدة. النصوص المسرحية، بهذا المعنى، ليست ملكًا لمؤلفيها، بل هي فضاءات مفتوحة تتوالد فيها شبكات من الحضور والمعنى.
من هنا، تصبح الإشكالية في المسرح المعاصر في أن العديد من الباحثين والمفكرين يعيدون تفسير النصوص الكبرى عبر مرشحاتهم الخاصة، مما يؤدي إلى تحريف المعنى أو تضييقه. وهذا يظهر بشكل جلي في تحليل رشاد رشدي لكتابات أرسطو في "نظرية الدراما"، حيث أعاد تفسير التراجيديا والكوميديا من خلال ثنائية مدح وذم، متجاهلًا التصنيف الأصلي لأرسطو في الشعر.

هذه القراءة تكشف أن الفهم ليس مجرد انعكاس للنص بل هو نتاج إطار تأويلي. بالتالي، النظرية تتحول إلى مرآة تعكس المفسر أكثر مما تعكس النص الأصلي.
لذا، لا يمكن التسليم بأي قراءة واحدة للنص المسرحي، لأن المتن الحقيقي لا يكمن في الكلمات نفسها، بل في تعدد القراءات التي تخلق المعنى المتجدد مع كل متلقٍ جديد.

المسرح، بهذا المعنى، ليس فنًا منغلقًا بل هو فضاء مفتوح على التأويل المستمر. العرض المسرحي يصبح فعلًا تفكيكيًا مستمرًا لإعادة كتابة العالم، كما لو أنه كتابة تُقرأ لتُمحى، وتُمحى لتُقرأ مرة أخرى. الفعل المسرحي هو تجربة معرفية وجودية لا يمكن تثبيتها في تعريف ثابت. إنه نص مفتوح على التأويل وجسد كوني في حالة صيرورة دائمة.
كل عرض مسرحي هو تفكيك للعالم، وكل حضور هو غياب مؤجل، وكل صمت هو لغة لم تكتب بعد. وبين كل هذه التجليات، تصبح النظرية المسرحية أفقًا متحركًا لا يستقر إلا ليبدأ من جديد.



#ميشيل_الرائي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كولاج
- بريخت بين الاستهلاك الأكاديمي وسوء الفهم المعرفي
- تمارين في ميتافيزيقا الشعر
- في خطأ التقسيم وأوهام التصنيف في الخطاب المسرحي
- لقد عبث المجد بفرائك
- قصيدة تشريحية تقريبًا (تمارين في ميتافيزيقا الشعر)
- أماكن أخرى للهذيان
- في مديح بيكاّسو
- المظهر الكوميدي لمأساة قديمة
- المراثي الوطنية
- المراثي الوطنيّة II
- قراءة معرفية للمسرح العربي: استقصاء البنية والمعرفة
- كولاجات
- أطفال يخرجون ألسنة ركضهم
- سنعود أجسادًا من رماد أو شجيرات ورد بعين الحيوان الساحر
- وقاحةُ الرياضيِّ المنتصر
- قمرٌ ممزوجٌ بفوضى الموتى على حافة الفأس
- باحثا عن رينيه شار
- الضوء رماد الشمس
- حديث عابر عن ماهية الفاعل


المزيد.....




- محاضرة في جمعية التشكيليين تناقش العلاقة بين الفن والفلسفة ...
- فلسطينيون يتجمعون وسط الأنقاض لمشاهدة فيلم -صوت هند رجب-
- مونيكا بيلوتشي تشوق متابعيها لفيلم 7Dogs بلقطة مع مع أحمد عز ...
- صورة الصحفي في السينما
- تنزانيا.. سحر الطبيعة والأدب والتاريخ في رحلة فريدة
- -في حديقة الشاي- لبدوي خليفة.. رواية تحاكي واقعا تاريخيا مأز ...
- -أوبن إيه آي- تدرس طرح أداة توليد موسيقى
- محمد بن راشد يفتح -كتاب تاريخ دبي-.. إطلاق -دار آل مكتوم للو ...
- حبيب الزيودي.. شاعر الهوية والوجدان الأردني
- -ذهب أسوان-..هكذا تحوّل فنانة واجهات المباني إلى متحف مفتوح ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل الرائي - ملحوظات أولية حول المسرح