أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - بين ناطحات السحاب وسحابات الدم: هل أصبح التقسيم مصيرا محتوما لسوريا؟














المزيد.....

بين ناطحات السحاب وسحابات الدم: هل أصبح التقسيم مصيرا محتوما لسوريا؟


أكرم شلغين

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 21:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على شاشات بعض القنوات، تُروى قصة سوريا مختلفة. قصة ناطحات سحاب تلامس الغيوم، ومشاريع مترو ضخمة، وبورصات تنافس سنغافورة. إنها رواية الدولة "العظيمة" التي تتغنى بالإعمار والازدهار. لكن على الأرض، وفي بيوت السوريين وآلامهم، تُروى قصة أخرى. قصة جوع يلتهم الأجساد، وخطف يسرق الأبناء، ومطالبات بفدية تُفرغ الجيوب وتجعل الأسر مديونة ربما للأبد، واتفاقات شيطانية بين وسطاء محليين وإقليميين لبيع الأعضاء البشرية. إنه انفصام صارخ بين "سوريا التلفاز" و "سوريا الواقع".
هذا التناقض لم يعد مجرد شكوى خافتة. لقد دفعت مجازر الساحل، وما تلاها من فظائع أكثر وحشية في السويداء، والممارسات اليومية من تهجير قسري، وتدخل سافر في التفاصيل الشخصية للأفراد من ملابس وموسيقى، وطرد الناس من بيوتهم وقراهم – دفعت كل هؤلاء الناس ليقولوا كلمة كانوا يهمسون بها خجلًا: الفيدرالية... التقسيم.
يطرح الواقع المرير سؤالًا وجوديا: هل ما يحدث هو نتيجة حكم "جهلة وبلطجية" لا يفقهون في أمور الدولة، أم أنه سياسة ممنهجة ومدروسة؟
لو كان الأمر مجرد جهل، لكان من المنطقي توقع بعض التصحيح الذاتي، أو محاولة كسب الشعب. لكن استمرار هذه السياسات على نفس النهج رغم الكوارث التي أوصلت البلاد إليها، يشير إلى منطق آخر أكثر قسوة. منطق يقوم على "الهندسة الديموغرافية" و"التطهير الطائفي المبطّن".
إن إفراغ مناطق معينة من سكانها الأصليين، وتدمير البنى التحتية بشكل منهجي (الكهرباء، الماء، الإنترنت)، وخلق واقع من الفوضى والعنف الطائفي، كلها أدوات لتحقيق هدف استراتيجي: إعادة رسم الخريطة السكانية لسوريا. عندما تُجبر فئة من الشعب على الهروب من أرضها، وتُجبر الفئة الباقية على العيش في ظل قمع مطلق وحرمان من أبسط حقوقها، فإن المطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي تصبح مجرد رد فعل طبيعي على فعل مسبق. النظام، عمليا، قد قسم البلاد بالفعل.

ومن هذا الركام، بدأ سؤال يطرح في البداية بصوت خافت، خجول، كأنه عار أن يُقال: هل الحل في الفيدرالية؟ أو حتى التقسيم؟
لم يعد السؤال نابعا من رغبة في الانفصال، بل من استحالة في التعايش. فكيف تعيش مع من يراك غريبا في وطنك؟ كيف تتعايش مع من لا يفهم لغة الحوار، بل يُجيب على كل سؤال برصاصة؟ كيف تبني مستقبلا مع من يرى في وجودك تهديدا لسلطته، لا فرصة لشراكة وطنية؟
البعض يقول: "التقسيم مصلحة أعداء سوريا!"
لكن السؤال الأصعب: من هم أعداء سوريا اليوم؟
هل هم من يطالبون بالحماية من القتل والنهب؟ أم من يمارسون القتل والنهب تحت مسميات متعددة؟
هل العداء يأتي من الخارج، أم أن العدو قد استوطن الداخل، وارتدى ثوب "الوطنية" ليبرر أبشع الجرائم؟ هل ما يجري سياسة مدروسة لدفع مكوّنات بعينها إلى الهجرة، ثم جعل من يبقى يطالب بالحكم الذاتي؟ أم أنّ ما نراه ليس خطة بل جهل وبلطجة تمت شرعنتها حتى باتت تبدو كأنها خطة؟ في الحالتين، النتيجة واحدة: الناس يُدفعون قسرا إلى التفكير بخيارات كانت تعتبر يوما “خيانة”… اليوم أصبحت تُناقش كخلاص....!
حقا إن السوري يقف السوري في وجه هذه السياسات بين خيارين مرين:
1. البقاء والصبر: وهو يعني القبول بانتظار الدور في دائرة الموت والبطش والسبي ومصادرة الممتلكات. إنه خيار الشهادة على الذات، لكن ثمنه قد يكون إبادة كاملة للهوية والوجود.
2. المطالبة بالاستقلال أو الحكم الذاتي: وهو خيار النجاة بالروح والهوية من آلة القتل. لكنه يُتهم فورا من قبل البعض بأنه "خيانة" و"مؤامرة" و"خدمة لأعداء البلد".
وهنا تكمن المأساة: كيف يمكن أن تكون المطالبة بالنجاة من الموت خيانة؟ أليست حماية الإنسان لكرامته وحياته وحق شعبه في تقرير مصيره هي أعلى درجات الوطنية؟ ألم يُبنَ مبدأ "الدين لله والوطن للجميع" على أساس أن الوطن يجب أن يكون ساحة أمان للجميع، فإذا تحول إلى ساحة موت لفئة، أليس من حقها أن تبحث عن ساحة أمان خاصة بها؟
تحت السطح يلوح سؤال وجودي: كيف يمكن أن تعيش مع فئة مصرّة على استبعادك؟ كيف يُطلب من شعب أن يتعايش مع من لا يعترف بوجوده أصلاً، مع من لا يعرف إلا لغة البلطجة والسلاح والدم؟ هنا ينهار سند “الوحدة” المفترضة في الوجدان، لأنها لم تعد وحدة مجتمع بل وحدة مسلّط ومسلوخ. الإجابة، مهما كانت، لا تغير الواقع: أناس يقتلون، نساء يُسبَين، أطفال يُجوعون، وأرض تُباع تحت أقدام أصحابها. وفي هذا السياق، يصبح السؤال الأخلاقي الأهم:
هل طلب النجاة خيانة؟

هل طلب الحماية من أي جهة، حتى لو كانت خارجية، خيانة، بينما الصمت والبقاء يعني تسليم البنات للسبي، والبيوت للنهب، والكرامة للدوس هي مواقف وطنية!؟
ليس كل طلبٍ للحكم الذاتي انفصالا عن الوطن. بل قد يكون آخر محاولةٍ لإنقاذ ما تبقى من نسيج اجتماعي، من هويةٍ مهددةٍ بالانقراض. الفيدرالية ليست نهاية سوريا، بل قد تكون بدايتها الحقيقية—دولةٌ تحترم تنوعها، لا تفرض وحدتها بالحديد والنار.
الوحدة القسرية ليست وطنًا. الوطن هو حيث يشعر الإنسان بالأمان، لا حيث يُقتل لأنه يختلف.
وإذا كان "الوحدة" تعني أن يُطرد الآلاف من بيوتهم، ويُسكت الملايين بالخوف، ويُباع الوطن قطعةً قطعةً لمن يدفع أكثر—فأي وطنٍ هذا؟
الحديث عن "مصلحة أعداء البلد" في التقسيم أصبح هروبا من المسؤولية. السؤال الأكثر وجعا هو: من يخدم مصلحة أعداء الشعب السوري حقا؟ أليس من يدفع بمكونات شعبه إلى حافة الهاوية هو من يضع البلاد على طبق من ذهب لأعدائها؟ من صنع الواقع الذي جعل الناس تناقش علنا ما كانت ترفض مجرد التفكير فيه؟

الحلّ لا يكمن في الإنكار، ولا في التمسّك بوهم يُروج على شاشات التلفزة بينما الجثث تُرمى في الحاويات وعلى أطراف الحقول والطرق. الحلّ يبدأ باعترافٍ صادق: أن سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة، وأن ما نبنيه اليوم—سواء معا أو منفصلين—يجب أن يبدأ من مبدأ واحد: الإنسان أولا.
فإذا لم يكن هناك مكان في سوريا لمن لا يحمل سيفا، فلن يكون هناك وطن يُستحق أن يُسمى وطنا.



#أكرم_شلغين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين لله والوطن للجميع: رؤية في السياق السوري*
- العدو الذي لا نعرفه: التأمل في الصراع الداخلي عبر Face/Off-
- سوريا ليست لفئة واحدة، بل تعددية جميلة لا تُستبدل
- ورقة خريفية في مهب الوجود
- بين ديكنز والخلود: حين يشيخ الزمن ولا نزال نحلم بالشباب
- الماضي بوابة للتأمل… والمستقبل أفق للخلق
- بين الحلم والهيمنة....نحن هنا
- -طلّقني!-
- سألتنا كولا إن كنّا سنعود... فبكى البحر قبلنا
- التعايش والاحترام
- الخير والشر: معادلة الإنسان والكون بين الفطرة والضرورة
- جلنار والفراشة
- السوري… الحلم المؤجل والحرية الغائبة
- النقاء السياسي واللغة
- الاغتراب الجيلي وابتعاد الشباب عن الشأن العام في سوريا
- الروبوت الحامل: بين التحرر من العقم وفقدان قدسية التجربة الإ ...
- مأزق الساحل السوري: جذور وتداعيات
- مومياء الفارس
- اختطاف النساء
- السلطة الحقيقية: الثقة بدلا من الخوف و المساواة بدلا من التف ...


المزيد.....




- رئيس وزراء قطر: انتهاكات وقف إطلاق النار -مُحبطة- ونضغط لنزع ...
- بسبب فيديو معتقل -سدي تيمان-.. إيقاف المدعية العامة العسكرية ...
- -عرفنا المفتاح أين-.. تفاعل على ما قاله أحمد الشرع عن السعود ...
- ماذا نعرف عن قوات الدعم السريع وصعودها في السودان؟
- زيلينسكي يبدي استعداد أوكرانيا لمحادثات سلام لكن دون التنازل ...
- الضربات الأمريكية شرق المحيط الهادىء: حرب على الكارتيلات أم ...
- السكتة الدماغية.. ما هي طرق الوقاية والعلاج؟
- ترامب: حماس عنصر ضئيل جدا في السلام في الشرق الأوسط
- انتشال جثث 18 مهاجرا وإنقاذ أكثر من 60 آخرين قبالة ليبيا
- -العون الإنساني- بالسودان: -الدعم السريع- قتلت 2000 مدني بال ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أكرم شلغين - بين ناطحات السحاب وسحابات الدم: هل أصبح التقسيم مصيرا محتوما لسوريا؟